مكافحة الإرهاب

الحكم في قضية “حسم 2 ولواء الثورة”.. مسمار جديد في نعش الجماعة الإرهابية

أسدل القضاء المصري الستار على القضية المعروفة إعلاميًا بـ”حسم 2 ولواء الثورة” والتي تعد من أهم القضايا التي كشفت الخلايا النوعية لجماعة الإخوان الإرهابية وطريقة عملها والجرائم التي انفذتها وخططت لارتكابها، وتحركات تلك الخلايا ومقراتها التنظيمية داخل عدد من محافظات الجمهورية، وجاءت وقائع تلك القضية كاشفة لفكر الجماعة القائم على القتل وإراقة دماء الأبرياء، وتأكيدًا على أن الجماعة وعناصرها غايتهم الأكبر أن يكونوا خنجرًا مسمومًا في قلب الوطن وخيانته.

تحقيقات النيابة 

وجهت النيابة العامة للمتهمين بقضية “حسم 2” عدة تهم من بينها إغتيال النقيب إبراهيم عزازي شريف الضابط بقطاع الأمن الوطني، والأشتراك في هجوم على أحد الأكمنة الشرطية بمدينة نصر مما أسفر عن استشهاد 7 من أفراد الشرطة، والهجوم على سيارة شرطة بطريق الفيوم. ووجهت للمتهمين بقضية “لواء الثورة” عدة تهم نذكر منها الانضمام لتنظيم إرهابي يستهدف الأخوة الأقباط ورجال الجيش والشرطة والقضاء وتكفيرهم. 

وقررت النيابة دمج القضيتين المقيدتين برقمي 420 لسنة 2017 و القضية رقم 1074 لسنة 2017 في قضية واحدة حملت رقم 123 لسنة 2018 جنايات عسكرية ونظرت القضية أمام محكمة جنايات شرق القاهرة المنعقدة بمجمع محاكم طرة، وضمت القضية عددًا كبيرًا من عناصر الجماعة الإرهابية بلغ عددهم 271 متهمًا.

وقررت الدائرة السادسة شمال بمحكمة جنايات القاهرة في 20 يونيو عام 2018 إدراج المتهمين من حركتي حسم ولواء الثورة الإرهابيتين على قوائم الإرهاب لمدة 5 سنوات وتم نشر القرار بجريدة الوقائع المصرية في العدد رقم 139، وفي فبراير 2019 قضت محكمة النقض بقبول طعن المتهمين وإعادة محاكمتهم مرة أخرى. 

وقضت المحكمة الأربعاء الماضي بالسجن المؤبد لـ 67 متهمًا والمشدد 15 سنة لـ 92، والمشدد 10 سنوات لـ 29، والمشدد 7 سنوات لـ 6، والمشدد 5 سنوات لـ 10 متهمين، وبالسجن 15 سنة لمتهم، والسجن 10 سنوات لمتهم آخر، والسجن 7 سنوات لـ 4، والسجن 5 سنوات لـ 26 متهمًا، والسجن 3 سنوات لـ 36، وبراءة 5 متهمين، وعدم اختصاص نظر الدعوى لمتهم. وقررت المحكمة إدراج 272 من المحكوم عليهم على قوائم الكيانات الإرهابية، وإعداد دورات لإعادة تأهيلهم.

التحريات الأمنية

أشارت تحريات الأمن الوطني إلى أنه عقب الضربات الأمنية المتلاحقة لعناصر الجناح المسلح لجماعة الإخوان الإرهابية حركتي “حسم ولواء الثورة”، اتفقت القيادات الهاربة خارج البلاد وفي مقدمتهم يحيى موسى الهارب بتركيا على وضع مخطط عام لتصعيد الأعمال العدائية للجماعة في الداخل المصري، واستهداف القيادات السياسية والعسكرية والأمنية وأعضاء الهيئات القضائية ورجال القوات المسلحة والشرطة ومؤسساتهم والمنشآت الاقتصادية والحيوية واستهداف مقار البعثات الدبلوماسية والقنصلية بغرض تعطيل سلطات الدولة وترويع المواطنين وإشاعة الفوضى وإسقاط الدولة المصرية.

وقام المتهمون (يحيى السيد إبراهيم موسي – أحمد محمد عبد الرحمن – مجدي مصلح إسماعيل – محمود محمد فتحي – محمد جمال حشمت – علي السيد أحمد – علاء علي السماحي – أشرف فتحي رشاد – أحمد عاطف عثمان – محمد عبد الرؤوف – عصام حلمي محمد – أشرف محمد عبد الحليم – حسام محمد إبراهيم – أحمد الببالي عبد الباري – عباري قباري محمد – عز الدين محمد محمد – محمد مجدي عبد الكريم – أمير محمد بسام)، بعقد لقاءات تنظيمية وضعوا خلالها بنود ذلك المخطط، وتولى القيادي الهارب” يحيى موسى” مسؤولية الإشراف على تأسيس وإعادة هيكلة مجموعات العمل النوعي لحركتي “حسم ولواء الثورة” داخل البلاد. 

وذلك من خلال انتقاء عناصر الجماعة مما توفر فيهم المقومات البدنية وتأهيلهم وتشكيل عدد من أعضائها بمجموعات نوعية متخصصة وإصدار التكليفات الخاصة بتحديد الأهداف المراد تنفيذ العمليات التخريبية قبلها بجانب توفير الدعم المالي للقائمين على إدارة هذا المخطط داخل البلاد وتولى هذا الجانب المتهمين (محمد عبد الحفيظ أحمد – محمود غريب محمود – علي محمود محمد – نادي عبده معتمد – رضا سيد). 

وقام مخطط إعادة هيكلة الجناح العسكري على انتقاء أعضاء الجماعة واجتيازهم الاختبارات البدنية والنفسية وتأهيلهم فكريًا بعقد دورات لأعضائها تضمنت ترسيخ قناعاتهم الشرعية بتنفيذ الأعمال التخريبية، وحركيًا عبر تشكيل أعضائها بخطوط تتضمن مجموعات عنقودية واتخاذهم أسماء حركية والتواصل الآمن بينهم عبر برامج اتصال مشفرة واتخاذ المقرات لإيواء عناصر الجماعة ولإخفاء الأسلحة النارية والعبوات المفرقعة وتصنيعها، وعسكريًا بتدريبهم على الأسلحة الثقيلة بمعسكرات الجماعة بالسودان وعقد دورات لهم على استخدام الأسلحة الآلية وإعداد العبوات الناسفة والتدريب على أساليب رصد الأهداف وتشكيل مجموعات متخصصة لتوفير الدعم اللوجيستي بنقل الأموال والأسلحة والمفرقعات وتوفير المقرات التنظيمي لباقي عناصر التشكيل.  

عمليات التنظيم

أكدت التحريات أنه في إطار تنفيذ مخطط الجماعة اضطلع عناصرها بارتكاب عدد من العمليات الإرهابية بعدد من المحافظات نذكر منها على سبيل المثال، محاولة إغتيال الرئيس عبد الفتاح السيسي وذلك بعدما أصدر القيادي يحيى موسى تكليفاته للعنصر الحركي “عمار” برصد تحركات الرئيس ووضع مخطط لاغتياله، وكلف “عمار” المتهم “أحمد محمود إمام نجم” برصد الاستراحة الرئاسية الجديدة بمنطقة المعمورة الشاطئ بالإسكندرية خلال شهر سبتمبر 2017، واتخذ من إحدى الوحدات المستأجرة والمطلة على الاستراحة الرئاسية مقرًا للمراقبة باستخدام كاميرات عالية الدقة والجودة وإرسال نتائج الرصد والمراقبة لمسؤوله الحركي “عمار” من خلال برنامج “تيليجرام” الذي أرسلها بدوره إلى يحيى موسى تمهيدًا لوضع مخطط الإغتيال، وفشل المخطط بعد رصده كاملًا بواسطة الأجهزة الأمنية والقبض على المتهمين في ضربة قوية من العيار الثقيل تلقتها الجماعة.

ونفذت عناصر التنظيم الإرهابي واقعة استهداف قوة المرور الأمني بكمين الواحة بميدان محمد زكي بمدينة نصر في مايو 2017 والتي أسفرت عن وفاة اثنين من ضابط شرطة محمد عادل وهبة والضابط أيمن حاتم عبد الحميد وأمين شرطة شعبان محمد عبد الحميد وإصابة باقي القوة وذلك تنفيذًا لتعليمات القيادي الهارب يحيى موسى إلى مسؤول وحدة الحراك المسلح بحركة حسم ويحمل اسمًا حركيًا يدعى “أيمن” برصد عدد من التمركزات الشرطية بالمناطق الحيوية بنطاق (التجمع – مدينة نصر – مصر الجديدة – عين شمس) بهدف انتقاء الأهداف من بين تلك التمركزات تمهيدًا لاستهدافها.

وأكدت التحريات أن المتهم يحيى موسى أصدر تعليماته للعنصر الحركي “عمار” برصد أبراج النايل تاور بمنطقة كورنيش النيل تمهيدًا لاستهدافها بسيارة مفخخة بهدف الإضرار بمصالح البلاد الاقتصادية، وبالفعل قامت عناصر الرصد بمراقبة محيط الأبراج والتمركزات الأمنية المكلفة بتأمينه وصدرت ليهم الموافقة بالتنفيذ من يحيى موسى بالتزامن مع ذكرى نصر أكتوبر المجيد، وأعد المتهمون العبوة الناسفة بسيارة حمل أرقام 66194 ملاكي البحيرة من طراز دايو نوبيرا وتولى المتهم “محمد محمد هاني سعد قبلان” قيادتها وإيقافها بجوار الأبراج والتمركزات الأمنية لكن العملية فشلت. 

وقام عناصر التنظيم بالشروع في قتل أفراد شرطة قسم الرمل ثان بالإسكندرية من خلال وضع عبوة ناسفة في خط سير أفراد الشرطة إلا أن ضبط العبوة وتفكيكها بواسطة خبراء المفرقعات حال دون ذلك، بالإضافة إلى إغتيال خفير الشرطة “مسعود حسن عبد الله الأمير” في مارس 2017 بمحافظة دمياط عبر إطلاق النار عليه أثناء سيره وقام بتنفيذ العملية 7 من عناصر الجماعة تنوعت أدوراهم بين رصد وتتبع الشهيد وتنفيذ عملية الاغتيال وتأمين هروب المنفذين.

وفي محافظة القليوبية قام عناصر الجماعة بارتكاب واقعة إغتيال الضابط إبراهيم العزازي بقطاع الأمن الوطني حيث قام المتهم “إسلام أبو اليسر” بالتخطيط لارتكاب الواقعة وأصدر تكليفاته لأعضاء مجموعة التنفيذ وقاموا برصد تحركات الضابط الشهيد وأعدوا الأسلحة اللازمة للتنفيذ وقام بإغتياله، والجدير بالذكر أن وزارة الداخلية قد نفذت عدة ضربات أمنية نوعية أسفرت عن مقتل عدد من المتورطين في تلك العملية. 

وفي محافظة الدقهلية قامت عناصر التنظيم بتنفيذ عدد عمليات استهداف ضباط الشرطة منها واقعة اغتيال الرائد أحمد حسين رئيس مباحث شربين في يونيو 2017 عبر إطلاق النار عليه أثناء استقلاله سيارة شرطية، والشروع في قتل العميد بهاء الدين أبو الخير في أغسطس 2017 وفشلت العملية نتيجة تبادل إطلاق النار بين الطرفين، ومحاولة قتل اللواء ضياء الدين عطية فتوح في يناير 2018 عبر إطلاق النار من بندقية آلية عليه، ونفذت تلك العمليات بتعليمات مباشرة من القيادي الهارب يحيى موسى.

وكشف المتهمون عقب ضبطهم بالتخطيط لاستهداف بعض الشخصيات العامة والقيادات العسكرية والأمنية وكبار المسؤولين في الدولة، وكذا رصد بعض المنشآت العامة والاقتصادية الهامة وعدد من أبراج الكهرباء وخطوط سير سيارات الصرافة بعدد من المحافظات، وعدد من الارتكازات الأمنية والأقوال الأمنية ومحطات تحصيل الرسوم ببعض الطريق السريعة ومحلات الصاغة بعدد من محافظات الجمهورية. 

اعترافات المتهمين 

تكشف اعترافات المتهمين الـ271 أمام جهات التحقيق عن حجم الخطر الذي تواجهه الدولة المصرية واستهدافها بمختلف الأشكال، نذكر على سبيل المثال شهادة المتهم “محمد المتولي عوض المتولي” واسمه الحركي “حسين” إذ أقر بانضمامه لجماعة الإخوان المسلمين وشارك في اعتصام رابعة وأصبح عضوًا بحركة “حسم” بمركز شربين بمحافظة الدقهلية، وأن مخططات العمل النوعي وضعها الإخواني محمد كمال، وتلقى المتهم تدريبات عسكرية ودورات فكرية، وشارك مع أحد الأعضاء في قتل الضابط أحمد حسين بسبب قبضه على عدد من عناصر الجماعة، واشترك المتهم في محاولة قتل ضابطين آخرين وحيازة أسلحة نارية وذخائر، وأكد المتهم أن الجماعة ارتكبت عدد من الوقائع التخريبية كقطع طريق كفر الغاب بشربين وحرق أعمدة الإنارة بكوبري شربين العلوي وحرق أحد أبراج الكهرباء بقرية العيادية بمركز شربين. 

وكشف المتهم “ثروت شعبان ربيع رحيم” ويحمل أسماء حركية (نادر – كاتسالا- مولاي محند-  ماجد- إسماعيل) عن اشتراكه في قتل مجند شرطة عصام صبري متولي والشروع في قتل مجند شرطة محمود جمال محمد وإبراهيم عبد الفتاح محمد وشريف الجارحي حافظ، وأن المجموعة التي كان ملحق بها كان تتواصل عبر برامج الاتصال المشفرة “تيليجرام – ثيرما” واتخذت من وحدتين سكنيتين بمحافظة الفيوم مقرًا لاجتماعاتهم، واشترك مع آخرين في محاولة تفجير برج للكهرباء قرب مدخل قرية إطسا، وصدور تكليفات له في شهر إبريل 2017 برصد طريق طامية بهدف زرع عبوة ناسفة لاغتيال وزير التموين خلال مرور الركب الخاص به.

واعترف المتهم”سامح محمد جمعة حسين” ويحمل أسماء حركية “عمر المصري – جاك- فداء- ياسين)، بالمشاركة مع المتهم “أحمد عبد السميع عبد الفتاح” واسمه الحركي “سالم” بمعاينة أحد الطرق بمحافظة أسيوط لتحديد موقع مناسب لرزع عبوة ناسفة لاغتيال محافظ أسيوط أثناء مرور الركب الخاص به صوب دير درنكة، واشترك المتهم مع متهمين آخرين بمحاولة تفجير بعض التمركزات الأمنية بمحيط جامعة الأزهر بمحافظة أسيوط، وعدد من سيارات الشرطة التي تتولى نقل وترحيل المتهمين.

الحكم الأخير..مسمار جديد في نعش الجماعة

جاء الحكم الذي أصدرته محكمة جنايات شرق القاهرة العسكرية المنعقدة بمجمع محاكم طرة بمثابة مسمارًا جديدًا في نعش الجماعة، وذلك لما كشفته وقائع القضية من جهود أمنية ضخمة ضبطت المتورطين في تنفيذ العمليات وأحبطت عددًا كبيرًا من مخططات هدم الدولة بطول البلاد وعرضها، وأن هذا الحكم بجانب الأحكام القضائية التي سبق وأن أصدرها القضاء يشكل رسالة جديدة لكوادر الجماعة في الداخل بأن الأجهزة الأمنية في كامل استنفارها وتقوم برصد مخططاتهم وأن الأحكام الرادعة مصير كل من يتحالف مع الجماعة ويسعى لتنفيذ أهدافها.

وكذلك يأتي هذا الحكم بالتزامن مع تشكل مناخ ضاغط على قيادات الجماعة وكوادرها في الخارج، يأتي في مقدمته محاولات التودد التركي للتقارب مع مصر، وحالة عدم اليقين التي تكتنف مصيرهم، وهو الأمر الذي سيؤثر على أهدافهم ومخططاتهم بشكل مباشر حال إتمامه، بجانب انخفاض الروح المعنوية لأغلب كوادر الجماعة بعد تيقنهم من فشلهم في إسقاط الدولة المصرية منذ 30 يونيو 2013 وحتى الآن، على الرغم من الدعم المالي واللوجيستي الذي قدمته الجماعة الإرهابية لتنفيذ أهدافها.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى