
مستقبل الأحزاب الإسلامية في الجزائر
عقب الحراك الجزائري الذي بدأ في 22 فبراير الماضي رفضاً لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية والتربع على سُدة ولاية خامسة، أعلن بوتفليقة استقالته من منصبه في إبريل الماضي، وكلف البرلمان الجزائري رسميا عبد القادر بن صالح بتولي مهام الرئاسة بشكل مؤقت لمدة 90 يوماً وذلك وفقاً للمادة 102 من الدستور، وفي ظل اعلان القائمة النهائية للمرشحين والتوقعات التي تشير لإجراء الانتخابات في 12 ديسمبر القادم، ظهرت العديد من التساؤلات حول مستقبل الأحزاب الإسلامية الجزائرية في ظل المناخ السياسي الذي يشهد الكثير من التعقيدات.
أبرز الأحزاب الإسلامية الجزائرية
حركة مجتمع السلم (حمس)
هي حركة تمثل نشاط تيار الإخوان المسلمين في الجزائر وأسست في فبراير 1991 على يد محفوظ نحناح، وتعد أكبر حزب إسلامي في الجزائر، والجدير بالذكر أن الحركة في بدايتها قد اختارت أسم (حركة المجتمع الإسلامي – حماس) إلى أنها قد حولت أسمها فيما بعد إلى (حركة مجتمع السلم – حمس) مع التعديل الدستوري عام 1996 والذي يحظر إنشاء الأحزاب على أساس ديني، واختارت الحركة (العلم والعمل والعدل) كشعار لها.
وتسعى الحركة إلى المشاركة في السلطة من خلال الدخول في الانتخابات التشريعية وتولي الحقائب الوزارية، فقد كانت أول تجربة وزارية للحركة هي المشاركة في الحكومة عام 1996 بوزيرين وهما “عبد القادر حميتو” والذي تولى وزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، و “أبو جرة سلطاني” والذي تولى وزارة الصيد البحري، كما حصلت الحركة في الانتخابات البرلمانية عام 1997 على 71 مقعداً وحصلت على 7 حقائب وزارية، ودخلت الحركة في التحالف الحكومي بعد فوز الرئيس “عبد العزيز بوتفليقة” عام 1999 وتشكلت الحكومة حينها من التجمع الوطني الديمقراطي و جبهة التحرير الوطني وحمس و النهضة.
وفي عام 2002 تراجعت الحركة وحصلت على 38 مقعداً، ثم زاد العدد مرة اخرى في انتخابات عام 2007 وحصدت الحركة 51 مقعداً واحتلت الترتيب الثالث، ثم شهدت العديد من الانشقاقات وفي مقدمتهم 28 عضواً بمجلس الأمة الجزائري، والجدير بالذكر أن الحركة دعمت الرئيس “عبد العزيز بوتفليقة” في الانتخابات الرئاسية عامي 2004و 2009.
وعقب تولي “عبد الرازق مقري” رئاسة الحركة، انتقلت (حمس) من معسكر الموالاة للسلطة ولـ “بوتفليقة” إلى معسكر المعارضة، وفي 31 أغسطس 2018 طرح “مقري” عدة سيناريوهات للتعامل مع الانتخابات الجزائرية والتي كان مقرر لها إبريل الماضي، وعلى رأسها دخول الحركة الانتخابات الرئاسية بمرشح لها، أو دعم المرشح الذي سترشحه المعارضة بشرط أن تتولى “حمس” رئاسة تيار المعارضة، والسيناريو الأخير وهو المقاطعة في حال اصرار “بوتفليقة” على الترشح.
حركة النهضة
في مارس عام 1989 أسس “عبد الله جاب الله” حزب النهضة الإسلامية، قبل أن يتغير أسمه إلى “حزب النهضة” بعد تعديل الدستور الجزائري عام 1996، وقاطع الحزب انتخابات الرئاسة التي أجريت عام 1995، وفاز بـ 34 مقعداً في الانتخابات التشريعية التي أجريب في يونيو 1997 وحل الحزب في المرتبة الرابعة ورفض الحزب الأشتراك في الحكومة الأئتلافية.
وقبيل الأنتخابات الرئاسية في عام 1999 اختلف “جاب الله” مع المجموعة البرلمانية التي دعمت ترشيح “بوتفليقة” وقرر الترشح مستقلاً، ثم عدل عن قراره وقرر الانسحاب من الحركة مع مجموعة من الأعضاء، وتولى “الحبيب آدمي” رئاسة الحركة، وحول دفة الحزب من معارضة النظام إلى موالاته، وبالرغم من ذلك لم يحصل حزب النهضة إلا على مقعد واحد في انتخابات 2002 وزادت إلى خمسة في انتخابات 2007.
وفي العام الماضي شهدت الحركة صراعاً غير مسبوق بين جناحيها وهو ما جعلها في مفترق طرق، فالجناح الأول يتزعمه الأمين العام الحالي للحركة “محمد ذويبي” والجناح الاخر يتزعمه “محمد حديبي” ورجح البعض الصراع بأنه صراع زعامة، والبعض الآخر أرجعه إلى الخلاف الفكري والتوجهات التي يجب أن تسير عليها الحركة مستقبلا، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع السلطة القائمة، وقضية الوحدة مع التيار الاسلامي.
حركة الاصلاح الوطني
تأسس حزب حركة الإصلاح في عام 1999 على يد “عبد الله جاب الله” عقب انفصاله عن حركة النهضة ودخل الانتخابات البرلمانية عام 2002، وجاء في المرتبة الثالثة بحصوله على 43 مقعداً، واستمر”جاب الله” على مبدأ رفضه الدخول في حكومة ائتلافية، قبل أن يترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2004 وحصل على 5% فقط من الأصوات، في حين حصل عبد العزيز بوتفليقة على 85% من الأصوات.
وفي 2 مارس عام 2007 شهدت الحركة أزمة داخلية، انتهت بإبعاد “جاب الله” عن رئاسة الحركة بسبب احتكاره للقرار، وتم اختيار “محمد بولحية” رئيسا للحزب، و
“محمد جهيد يونسي” أمينا عاما، وهما أبرز المعارضين لـ”جاب الله”، وقال “محمد بولحية”، عقب توليه رئاسة الحركة إن حركة الإصلاح ستبقى في المعارضة لكنها، على حد تعبيره، ستنتهج طريق “الواقعية السياسية”، بدل “التشنج والانغلاق”، في إشارة واضحة إلى المواقف التي يتهم جاب الله بأنه أقحم الحزب فيها مما جعله يتعرض للعزلة، وجعل الحزب يدفع ثمن ذلك غاليا.
ومنذ ذلك التاريخ انتقلت الحركة من معسكر المعارضة للنظام إلى موالاته، وقد أعلنت الحركة في مايو عام 2018 على لسان رئيسها “فيلالي غويني” الدفع بمرشح لها في الأنتخابات الرئاسية أو دعم مرشح آخر، إلا أنه تراجع في 11 فبراير الماضي وأعلن عن دعم الحركة للرئيس “بوتفليقة” لخوض الانتخابات الرئاسية، وعقب تقديم استقالته دعمت الحركة الحوار الوطني وإجراء الانتخابات في 12 ديسمبر القادم في ظل مقاطعة العديد من الأحزاب الإسلامية وفي مقدمتها حركة مجتمع السلم.
جبهة العدالة والتنمية
في 30 يوليو 2011 أعلن “جاب الله” في تجمع شعبي حاشد عن تأسيسه حزباً سياسياً جديداً وبه العديد من الشخصيات الوطنية، وحمل الحزب اسم “جبهة العدالة والتنمية”، وفي 10 فبراير 2012 عقد الحزب مؤتمره التأسيسي بحضور 10 الاف شخص وأختير “جاب الله” رئيساً له، وخاضت الجبهة الانتخابات البرلمانية في مايو 2012 وحصلت على 7 مقاعد.
واتخذت الجبهة معارضة النظام الحاكم الجزائري طريقاً لها، فمع أواخر العام الماضي باشرت الجبهة العديد من اللقاءات مع أقطاب المعارضة الجزائرية استعداداً للانتخابات الرئاسية، وأصبحت تلك الاجتماعات تتم بشكل دوري، وكان أبرز المشاركين في تلك اللقاءات “علي بن فليس” رئيس الحكومة الأسبق، ورئيس حركة مجتمع السلم الإسلامية “عبد الرزاق مقري”، بالإضافة إلى شخصيات معارضة أخرى تضم شخصيات ونشطاء سياسيين وحقوقيين وأساتذة جامعيين.
وناقشت تلك اللقاءات مشروع المرشح التوافقي في الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في 18 أبريل، ومع بدء الحراك لكن في 22 فبراير، أعاد “جاب الله” تجديد خطاب المعارضة على وقع الشارع المنتفض، معلناً دعم الحركة للحراك الشعبي ودعا الرئيس بوتفليقة إلى عدم الترشح إلى ولاية خامسة، ولكن تم طرد “جاب الله” من جانب المتظاهرين خلال مشاركته في إحدى التظاهرات في مارس الماضي، كما أعلنت الحركة رفضها لجلسات الحوار الوطني ومقاطعتها للانتخابات الرئاسية المقبلة في 12 من الشهر القادم.
نجم الأحزاب الإسلامية.. في زمن الأفول
بدأ نجم الأحزاب الإسلامية في الحياة السياسية في الجزائر بالأفول منذ سنوات عديدة وليس من بعد الحراك الشعبي فقط، وكانت ضربة البداية في عام 2012 حينما أعلنت احزاب (حركة مجتمع السلم – وحركة النهضة – وحركة الإصلاح الوطني)، عن ميلاد تكتل حمل اسم “تكتل الجزائر الخضراء”، وذلك لدخول الانتخابات التشريعية التي عقدت في 10 مايو من نفس العام، وتعهدت الأحزاب بدخول الأنتخابات بقوائم موحدة وبرنامج موحد وحملة انتخابية موحدة، وذلك وفقاً لما جاء في البيان الختامي لمؤتمر إعلان التكتل الإسلامي.
وجاء اعلان هذا التكتل ليعكس حالة النشوة التي عاشها الإسلاميون الجزائريون بالنتائج التي حققها الإسلاميون في البلدان المجاورة (مصر – تونس – المغرب) وتكثيف جهودهم للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من المقاعد البرلمانية، ولكن التكتل تلقى هزيمة ساحقة ولم يحصد سوى على 47 مقعداً من بين 462 واحتل المركز الثالث، والجدير بالذكر أن انتخابات 2007 والتي خاضتها الأحزاب الإسلامية بشكل منفرد حصدت قرابة 60 مقعداً من بين 389.
وبالرغم من الهزيمة إلا أن عدداً من الأحزاب الإسلامية أعادت الكرة في أواخر عام 2016 وبداية عام 2017، فقد أعلنت “جبهة العدالة والتنمية” و”حركة النهضة” في 9 ديسمبر 2016 عن الأندماج في حزب واحد وذلك بعد انقسام بينهما استمر لمدة 16 عاماً، وفي يناير 2017 انضمت لهما “حركة البناء الوطني” وهي الحركة المنشقة عن حركة مجتمع السلم (حمس) بقيادة “مصطفى بلمهدي”، ووصفت الحركات الثلاث التحالف بالإستراتيجي ووقعت على وثيقة التحالف تحت مسمى (الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء)، ودخول الانتخابات البرلمانية بقوائم مشتركة، إلا أن التحالف نال هزيمة هي الأكبر وحصد 15 مقعداً فقط.
مستقبل الأحزاب الإسلامية في المرحلة القادمة
مما سبق يتضح ما شهده التيار الإسلامي السياسي الجزائري من خلافات وأنقاسمات وتضارب المصالح وغياب التوافق في الرؤى والأهداف، والتي أدت في النهاية إلى تأثير سلبي كبير على قاعدته الانتخابية بالشارع الجزائري، وأن التيار الإسلامي الحالي يختلف عن التيار الموجود في التسعينيات وما حققته الجبهة الإسلامية للإنقاذ من فوز ساحق في الانتخابات التشريعية عام 1991 وهو ما أظهر مدى قدرة الجبهة على حشد ملايين الأنصار.
وبنظرة عامة على التوجه الذي سلكته بعض الأحزاب الإسلامية بمقاطعة الأنتخابات الرئاسية المقرر عقدها الشهر القادم بدعوى أنه سيتم التلاعب بها، نجد أنها تأخذها كذريعة لتفادي انتكاسة جديدة، وذلك لمعاناة التيار الإسلامي حالياً من عدة مشكلات يأتي في مقدمتها عدم وضع استراتيجية واضحة، والتركيز على اخفاء الانقسامات وغياب القيادة، وهو ما أدى لخسارة الدعم من أنصار التيار على الأرض.
ومن جهة أخرى، يخشى الجزائريون من تدخل الإسلاميون في الحراك الشعبي بأي حال من الأحوال خوفاً من القفز على مكتسبات الحراك واستغلاله لصالح عودة النشاط للتياروالسعي للوصول للحكم مثلما حدث في مصر وتونس، وهو مايستدعي ذكريات العشرية السوداء التي أسفرت عن سقوط أكثر من 150.000 قتيل وفقدان أكثر من 6000 آخرين، وبالتالي يعي شباب الحراك الشعبي أن المشروع الوطني القادم يجب أن يبنى على أفكار وطنية خالصة لاتميل إلى ايديولوجيا معينة أو تخدم جماعة بعينها.
باحث أول بالمرصد المصري