
بين داخل مشتعل وإقليم مضطرب.. كيف واجهت مصر الإرهاب خلال 10 سنوات؟
شهدت مصر خلال العشر سنوات الماضية عددًا كبيرًا من التحديات الأمنية غير المتماثلة، والتي مثلت تهديدًا مباشرًا للدولة المصرية، وكان في مقدمتها ظاهرة الإرهاب التي بدأت عقب أحداث يناير 2011 وزادت حدتها عقب ثورة يونيو 2013. وعلى مدار السنوات الماضية وتحديدًا منذ عام 2014 اتخذت مصر الإجراءات والخطوات اللازمة لمحاصرة تلك الظاهرة والقضاء عليها من جذورها.
(2011 – 2012).. تهديدات أمنية مستجدة
في ظل الأحداث التي وقعت في 28 يناير 2011 وما صاحبها من حرق أغلب أقسام الشرطة في كافة محافظات الجمهورية مما ترتب عليها انهيار جهاز الشرطة، واقتحام السجون التي تضم قيادات جماعة الإخوان والمسجونين الجنائيين وتهريبهم -والتي لعبت كوادر جماعة الإخوان دورًا كبيرًا فيها- واقتحام وسرقة ونهب وحرق الممتلكات العامة والخاصة، دخلت مصر في حالة كبيرة من الانفلات الأمني نتيجة غياب جهاز الشرطة عن المشهد، وتولت القوات المسلحة مهام حفظ الأمن وذلك وسط توترات سياسية وأمنية شديدة التعقيد.
كانت أغلب التهديدات الأمنية في وادي النيل خلال تلك الفترة تدور حول عمليات السرقة والنهب والسطو المسلح وقطع الطرق والقتل وانتشار السلاح بين المواطنين وزيادة نشاط الخارجين عن القانون، وهو ما انعكس على معدلات الجريمة في مصر.
وأشار تقرير قطاع الأمن العام بوزارة الداخلية في هذا التوقيت إلى أن عام 2011 سجل أعلى معدلات الجريمة في مصر، إذ سجلت جرائم القتل أعلى نسبة بمعدل 2774 حادث قتل على مستوى الجمهورية، أما حوادث السرقة بالإكراه فسجلت أعلى عدد وهو 3312 حادثًا، وسجلت جرائم الخطف 2229 حادثًا، وبلغت سرقة السيارات أعلي معدل في تاريخ مصر مسجلة 17800 حادث سرقة سيارة على مستوى المحافظات، أما حوادث السطو المسلح على الشركات والسيارات المحملة بالبضائع على الطرق فبلغ عددها 495 حادثًا.
واستمرت هذه المؤشرات في أعلى مستوياتها خلال عام 2012 طبقًا لتقرير وزارة الداخلية الذي أشار إلى ارتفاع جرائم سرقات المنازل إلى أكثر من 11 ألف حادث، مقارنة بحوالي 7 آلاف حادث عام 2010، وزيادة معدلات جرائم السطو المسلح بنسبة 350% إذ سجلت 2611 حادثا مقارنة بـ 733 حادث في عام 2010، وتسجيل 21 ألف حادث سرقة سيارة مقارنة بـ 5 آلاف حادث عام 2010.
قبلة حياة للإرهاب في سيناء
أما في سيناء فقد كانت التهديدات هناك تأخذ شكلًا مختلفًا عما هو موجود في وادي النيل، فبعد أن أسفرت الجهود الأمنية والضربات المتلاحقة للعناصر الإرهابية في سيناء بعد التفجيرات الإرهابية في شرم الشيخ ودهب عامي 2005 و2006 عن إخماد كافة الأنشطة الإرهابية بسيناء والسيطرة عليها، جاءت أحداث يناير 2011 بمثابة قبلة الحياة لتلك الجماعات التي استأنفت نشاطها من جديد.
فقد عبرت عناصر إرهابية قادمة من الخارج عبر الأنفاق مع قطاع غزة إلى داخل شمال سيناء وأشاعت فيها الفوضى، واستهدفت أقسام الشرطة والكمائن الأمنية وخطفت عددًا من رجال الشرطة. وساهمت طبيعة سيناء في تشكيل ونشاط بعض تنظيمات السلفية الجهادية التي بدأت في استهداف خط الغاز المصري المتجه إلى إسرائيل في 5 فبراير 2011، ثم القيام بعدة عمليات إرهابية ضد عدد من المقرات الأمنية التابعة للقوات المسلحة والشرطة.
كان أبرز تلك العمليات الهجوم على قسم شرطة ثان العريش؛ إذ هاجمه قرابة الـ200 من العناصر الإرهابية باستخدام قذائف الأر بي جي والأسلحة المتوسطة والثقيلة، وتصدت لهم قوات الجيش والشرطة في معركة استمرت 6 ساعات وأسفرت عن استشهاد ضابطين بالقوات المسلحة والشرطة و 3 جنود وإصابة 19 آخرين ومقتل عدد كبير من المهاجمين.
وفشل الهجوم الذي كان يعد الأكبر في ذلك التوقيت نتيجة لبسالة القوات التي تصدت للمهاجمين، ثم توالت بعد ذلك سلسلة متتابعة من عمليات استهداف رجال الشرطة أو القوات المسلحة أسفرت عن عدد من الشهداء والمصابين، وكانت أغلب تلك العمليات تتم في محيط مدن العريش والشيخ زويد ورفح.
وعقب وصول جماعة الإخوان لحكم مصر في عام 2012 استهدف الإرهابيون نقطة عسكرية حدودية في رفح، مما أسفر عن استشهاد 16 من رجال القوات المسلحة.
وفي هذه الأثناء أفرج محمد مرسي عن محمد الغزلاني القيادي البارز في جماعة الجهاد بعفو رئاسي بعد أن قضى في السجن 15 عامًا، واختاره ليكون مبعوثا رئاسيًا للتواصل مع الجماعات الجهادية في سيناء، وذلك في سابقة تعد الأولى وربما تكون الأخيرة في تاريخ مصر، ونتيجة لتلك الاتصالات انخفضت وتيرة العمليات الإرهابية وتحديدًا ضد خط الغاز، مما يكشف عن حجم العلاقات والتنسيق بين الجانبين.
(2013 – 2015).. ذروة النشاط الإرهابي
شهدت الشهور الستة الأولى عام 2013 هدوءًا كبيرًا في عدد العمليات الإرهابية في أغلب أنحاء الجمهورية، ولكن بعد ثورة 30 يونيو -التي انتفض فيها الشعب المصري ضد حكم جماعة الإخوان- شهدت مصر موجة إرهابية هي الأعنف على الإطلاق، واستهدفت الجماعة من خلال المسيرات المسلحة التي كانت تنظمها بشكل يومي أقسام الشرطة في محاولة منها لإعادة سيناريو 28 يناير 2011 ولكن نتيجة اليقظة الأمنية ووعي الشعب المصري بمخططات الجماعة فشلت تلك المحاولات -باستثناء واقعة اقتحام قسم كرداسة- وقامت عناصر الجماعة بزرع عدد كبير من العبوات الناسفة في عدد من الأماكن الحيوية بهدف ترويع المواطنين وإسقاط ضحايا منهم.
وقامت الجماعة بتكوين عدد من التنظيمات الإرهابية بكوادر من شبابها مثال (حركة حسم – لواء الثورة – أجناد مصر) وعدد من الخلايا العنقودية الأخرى، وكانت هذه الكيانات تقوم بتنفيذ التكليفات التي كان يصدرها القيادي الإخواني “محمد كمال” الذي كان يتولى إدارة النشاط المسلح للجماعة. والجدير بالذكر أن “محمد كمال” لقي مصرعه في عام 2016 في تبادل لإطلاق النار مع الأجهزة الأمنية عقب محاولة القبض عليه.
ولم يقتصر النشاط الإرهابي لكيانات جماعة الإخوان على زرع العبوات الناسفة وعمليات التفجير داخل المدن واستهداف المنشآت والتمركزات الأمنية فقط، وإنما شمل أيضًا تنفيذ عمليات اغتيال، نذكر منها على سبيل المثال اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، واغتيال العميد عادل رجائي قائد الفرقة التاسعة المدرعة بالقوات المسلحة، ومحاولة اغتيال الشيخ علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق.
ولم تكن العمليات الإرهابية تتم تجاه المنشآت العسكرية أو الشرطية فقط، وإنما طالت شبكات الكهرباء والبنية التحتية للاقتصاد، إذ تم تفجير وتدمير 215 برج ضغط عالٍ، و510 أكشاك ومحول كهرباء على مستوى الجمهورية، بخسائر بلغت أكثر من 2 مليار جنيه خلال عامي 2014 و2015 فقط، وذلك بخلاف الخسائر الفادحة الناتجة عن توقف العديد من الأنشطة الإنتاجية والمصانع بسبب انقطاع الكهرباء، بجانب محاولات استهداف عدد من البنوك الأجنبية بالجيزة، بالإضافة إلى حرق وتدمير قرابة 75 كنيسة.
نشاط أذرع الإخوان في سيناء
جاء تصريح القيادي الإخواني “محمد البلتاجي” من منصة اعتصام الجماعة في ميدان “الشهيد هشام بركات” ميدان رابعة سابقًا، بأن ما يحدث في سيناء سيتوقف في اللحظة التي تتراجع فيها القوات المسلحة عما أسماه الانقلاب وعودة محمد مرسي إلى الحكم، كاشفًا عن مسؤولية الجماعة عن العمليات الإرهابية هناك، وأن انتقام الجماعة من الشعب المصري بسبب ثورته عليها لن يقتصر على الداخل المصري. ويؤكد هذا التصريح مدى التنسيق والعلاقات الوثيقة بين الإخوان والجماعات الإرهابية في شمال سيناء.
واتساقًا مع تصريح “البلتاجي” فقد شهد الأسبوعان اللذين أعقبا ثورة 30 يونيو في شمال سيناء عن وقوع 39 هجومًا إرهابيًا، إذ استهدفت المقرات والكمائن والارتكازات الأمنية بمدن العريش والشيخ زويد في هجمات يومية، ولم تستهدف تلك العمليات العسكريين فقط، وإنما طالت المدنيين أيضًا. ونذكر على سبيل المثال استهداف أوتوبيس مخصص لنقل عمال شركة أسمنت العريش في 15 يوليو 2013 وهو ما أدى إلى وفاة 5 أشخاص وإصابة 15 آخرين.
وبعد هذا الهجوم بشهر تحديدًا هاجمت الجماعات الإرهابية حافلة على متنها 25 من رجال الشرطة وأجبروهم على الاستلقاء على الأرض وقاموا بإطلاق النار عليهم، وفي 24 ديسمبر من نفس العام تم تفجير مديرية أمن الدقهلية مما أسفر عن استشهاد 16 وإصابة 134 آخرين.
وفي عام 2014 زادت وتيرة الهجمات الإرهابية في مصر وبلغ عددها 222 عملية، كان أبرزها هجوم تنظيم أنصار بيت المقدس على كمين كرم القواديس وأسفر عن استشهاد 30 جندي وإصابة 31 آخرين. ثم وجهت الجماعات الإرهابية هناك أنظارها إلى القطاع السياحي وقامت بتفجير حافلة سياحية بواسطة فرد انتحاري في مدينة طابا وأسفرت عن وفاة 4 بينهم سائق مصري وإصابة 17 آخرين.
وأما عام 2015 فقد شهد طفرة في عدد العمليات الإرهابية على الساحة المصرية ووصل عددها إلى 594 عملية، كان من أبرزها هجوم 1 يوليو في الشيخ زويد بشمال سيناء والذي يعد ملحمة سطرها أبطال القوات المسلحة، إذ كان هو الهجوم الأكبر والأعنف على قوات الجيش منذ ظهور الإرهاب في سيناء وحتى الآن، وأفشلت الخطة الأمنية المحكمة ومهارة المقاتلين المصريين خطط التنظيم للسيطرة على الشيخ زويد، وتكبدوا خسائر فادحة كانت نقطة تحول في مواجهة مصر مع الإرهاب.
(2016 – 2020).. الإرهاب يلفظ أنفاسه
عملت الدولة المصرية على كسر حدة الموجة الإرهابية بكافة الطرق والوسائل، وهو ما أدى إلى حدوث تراجع تدريجي في عدد العمليات الإرهابية، إذ تراجعت في عام 2016 إلى 199 عملية، بينما لم تتجاوز 50 عملية إرهابية في 2017، وفي هذا العام سعت الجماعات الإرهابية في سيناء إلى محاولة تصدرها المشهد مرة أخرى على غرار الأعوام السابقة، وقامت بتنفيذ هجوم دموي على مسجد الروضة ببئر العبد، وأسفر عن استشهاد 305 من المواطنين الأبرياء وكان من بينهم أطفال، وإصابة 128 آخرين.
وخلال عام 2018 شهد 8 عمليات، أما عام ٢٠١٩ فلم تشهد مصر فيه سوى عمليتين إرهابيتين وهما تفجير معهد الأورام الذي أدى لاستشهاد ١٩ شخصًا وإصابة ٣٠ آخرين، والتفجير الانتحاري الذي وقع بمنطقة الدرب الأحمر وكان خلال مطاردة أمنية، ما أسفر عن استشهاد ٣ من رجال الشرطة بينهم المقدم رامي هلال بقطاع الأمن الوطني.
بينما شهد العام المنصرم انخفاضًا كبيرًا للعمليات الإرهابية في سيناء وتم إحباط الكثير منها نتيجة للضربات الأمنية المتلاحقة التي تنفذها قوات إنفاذ القانون هناك، ولم تشهد محافظات القاهرة والوادي والدلتا أية عمليات إرهابية، وهو ما يؤكد أن الجهود المكثفة التي بذلتها مصر خلال السنوات الماضية تؤتي ثمارها.
الاستراتيجية المصرية لمواجهة الإرهاب
بدأت مصر مواجهتها مع الإرهاب منذ اللحظة الأولى انطلاقًا من الإيمان الكامل بخطورة هذه الظاهرة وما قد تسببه من انهيار دول بالكامل وإسقاط مؤسساتها، وهو ما حدث بالفعل في عدد من دول الإقليم، وذلك وسط توترات سياسية خطيرة مرت بها مصر في بداية هذا العقد، ومحيط إقليمي شديد الاضطراب.
ترتكز جهود الدولة المصرية لمكافحة الإرهاب وتحديدًا بداية من عام 2015 على 3 محاور أساسية، المحور الأول: يقوم على رصد وتتبع كافة الشبكات الإرهابية داخل مصر وتفكيك قواعد الدعم اللوجيستي لها وقطع أوصالها وتجفيف منابع التمويل سواء من الداخل أو الخارج وتشديد الحصار المفروض عليها، وذلك بالتزامن مع تشديد أعمال الرقابة والتأمين على الحدود وكافة الاتجاهات الاستراتيجية بالتعاون مع كافة الأجهزة المعنية.
والمحور الثاني: يقوم على تنفيذ حملات المداهمة والضربات الاستباقية بالتعاون مع المواطنين في مختلف المحافظات وأهالي سيناء، والمحور الثالث: يقوم على البدء الفوري في مشروعات التنمية الشاملة والتنمية المستدامة في كافة أنحاء الجمهورية للارتقاء بالأوضاع المعيشية والاجتماعية للقضاء على البيئة المغذية للإرهاب، بالإضافة إلى تمكين الشباب واحتوائهم لحمايتهم من مخاطر الفكر والاستقطاب المتطرف.
- على المستوى الأمني
كانت أولى المواجهات الأمنية مع الإرهاب عام 2011 عقب الهجوم على قسم ثان العريش، وتم إطلاق العملية العسكرية (نسر – 1) لضرب أماكن وجود الجماعات الإرهابية التي قامت بتنفيذ الهجوم، وكانت العملية الثانية (نسر – 2) وكانت تهدف للثأر من المجموعة الإرهابية التي قامت بتنفيذ الهجوم على النقطة العسكرية.
وفي سبتمبر 2013 وفي ضوء ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية أعلنت القوات المسلحة والشرطة عن القيام بحملة عسكرية موسعة في أغلب المحافظات المصرية وفي مقدمتها شمال سيناء لتعقب العناصر الإرهابية والإجرامية. وخلال تلك الحملة تم القضاء على عدد من البؤر الإرهابية والإجرامية والقبض على عدد من العناصر شديدة الخطورة، وتم خلالها البدء في هدم الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة.
وعقب هجوم كرم القواديس في أكتوبر 2014 أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القرار الجمهوري رقم 366 لسنة 2014 بشأن إعلان حالة الطوارئ في مناطق في سيناء، وتم اتخاذ عدد من الإجراءات من بينها فرض حظر التجوال وغلق معبر رفح والبدء في إخلاء المنازل الواقعة على مسافة 1 كم من الشريط الحدودي في مدينة رفح بطول 14 كم لفرض السيطرة على تلك المنطقة التي يوجد بها الكثير من الأنفاق، والدفع بتعزيزات عسكرية ضخمة من قوات الجيشين الثاني والثالث والقوات الخاصة ووحدات التدخل السريع وعناصر من العمليات الخاصة بقطاع الأمن المركزي بوزارة الداخلية.
وفي 7 سبتمبر 2015 أعلنت القوات المسلحة عن إطلاق عملية عسكرية شاملة لمواجهة الإرهاب بمناطق (رفح – الشيخ زويد – العريش) تحت اسم عملية “حق الشهيد”، وتميزت تلك العملية بأنها قائمة على مفاجئة تمركزات العناصر الإرهابية في أوكارهم وتدميرها، وتم خلالها تصفية عدد كبير من العناصر الإرهابية والقبض على عدد آخر منهم، وتدمير عدد من مخازن الأسلحة والذخيرة وعدد كبير من السيارات والدراجات النارية التي تستخدمها هذه الجماعات ومئات الأوكار والبؤر الخاصة بهم، وذلك بالتزامن مع تشديد الإجراءات الأمنية لتأمين الأهداف والمرافق الحيوية بمدن شمال سيناء. ولجأت الجماعات الإرهابية إلى تنفيذ عمليات إرهابية كان أغلبها زرع العبوات الناسفة في طريق مدرعات الجيش والشرطة، بهدف تخفيف الضغط الشديد على أقرانهم بمناطق العمليات إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك.
وفي 3 يناير 2016 أطلقت القوات المسلحة المرحلة الثانية من عملية حق الشهيد. وفي 25 مايو من نفس العام أطلقت المرحلة الثالثة، وشاركت في العملية مقاتلات إف – 16 ومروحيات الأباتشي لتوفير الدعم والغطاء الجوي للقوات الأرضية والقيام بعمليات القصف اللازمة حال تطلب الأمر، وتم خلالها القضاء الجزء الأكبر من البنية التحتية للتنظيمات الإرهابية من أوكار وبؤر ومخازن وملاجئ، وتصفية أغلب قيادات الصف الأول والثاني لهذه التنظيمات.
ونتيجة للحصار الأمني المطبق عليهم بمدن شمال سيناء هرب جزء كبير من عناصر الجماعات الإرهابية إلى جبل الحلال الذي يمتد من شمال سيناء إلى جنوبها ويقع الجزء الأكبر منه في وسط سيناء، إذ يبلغ ارتفاعه 1000 متر وطوله 60 كم وعرضه 20كم، ونتيجة لتضاريسه الصعبة أصبح الملاذ لهم، ولكن القوات المسلحة نفذت عملية أمنية موسعة بمساعدة أهالي سيناء الشرفاء، وتم اقتحامه وتطهيره من البؤر والتجمعات الإرهابية التي كانت تتواجد في الكهوف والمغارات.
وفي 9 فبراير 2018 أعلنت القوات المسلحة عن تنفيذ عملية عسكرية لمواجهة العناصر الإرهابية بشمال ووسط سيناء وبمناطق أخرى في دلتا مصر والظهير الصحراوي غرب وادي النيل، بهدف إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية للدولة المصرية وجميع الاتجاهات الاستراتيجية، وتطهير المناطق التي يوجد بها العناصر الإرهابية.
ولم يقتصر العمل الأمني على سيناء فقط، وإنما شمل كافة محافظات الجمهورية، إذ قامت وزارة الداخلية من خلال قطاع الأمن الوطني والأمن المركزي بتوجيه عدد كبير من الضربات الاستباقية والنوعية ضد عناصر جماعة الإخوان في الداخل، وضبط عدد كبير من الأوكار الإرهابية التي تستخدمها الجماعة لشن الهجمات، وكان آخرها تصفية الخلية الإرهابية بمنطقة الأميرية بالقاهرة والتي كانت تخطط لتنفيذ عدد من الأعمال الإرهابية ضد الإخوة الأقباط.
- على المستوى التشريعي
صدر خلال السنوات الماضية حزمة من التشريعات القانونية لمحاربة ومكافحة الإرهاب، وفي مقدمتها قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين رقم 8 لسنة 2015.
وفي عام 2017 تم إدخال تعديلات على القانونيين السابقين، بصدور القانون رقم 11 لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام قانون مكافحة الإرهاب وقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
وفي عام 2018 أصدر قانون رقم 22 لسنة 2018 بتنظيم إجراءات التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين، وفي مارس الماضي أدخلت تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، بالإضافة إلى قانوني العقوبات ومكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002.
- على المستوى الفكري
إيمانًا من القيادة السياسية باكتمال العناصر اللازمة للتوصل إلى استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في منتصف عام 2017 تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، الذي سيختص بصياغة استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة كل أشكال الإرهاب والتطرف واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها، ويضم المجلس مسؤولين حكوميين وأمنيين وقادة دينيين وسيكون له الصلاحية الكاملة لوضع الإطار القانوني والديني والإعلامي في مكافحة الإرهاب والتطرف على الصعيد الوطني، بالإضافة إلى اقتراح آليات وإجراءات أمنية وقانونية جديدة لمتابعة تنفيذ تلك الأطر.
وأطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2014 مبادرة لتصحيح وتصويب الخطاب الديني، وتم التنسيق مع الأزهر الشريف ودار الإفتاء للقيام بالدور اللازم للتصدي للأفكار المتطرفة والرد عليها ونشر القيم الدينية المعتدلة، وكذلك تفكيك البنية الفكرية المتطرفة التي تقوم عليها الجماعات الإرهابية وتفنيدها ودحضها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، وجاء مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة نموذجًا لذلك.
- على المستوى الإقليمي والدولي
لم تقتصر التحركات المصرية لمواجهة الإرهاب على المواجهة الداخلية وإنما بذلت عدة جهود لمحاربته على المستوى الإقليمي والدولي، ونذكر هنا ما ورد في التقرير الوطني حول جهود مصر في مكافحة الإرهاب الصادر في يوليو 2020 عن وزارة الخارجية المصرية والذي تم إعداده بالتنسيق مع الوزارات وأجهزة الدولة المعنية.
وأشار التقرير إلى رئاسة مصر المشتركة مع الاتحاد الأوروبي لمجموعة العمل الخاصة بشرق أفريقيا التابعة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، والتقدم بعدد من القرارات المهمة الصادرة عن مجلس الأمن إبان عضوية مصر غير الدائمة في المجلس عامي 2016 و 2017 وترؤسها لجنة مكافحة الإرهاب، والمساهمة في تطوير المنظومة العربية لمكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع الأجهزة الأممية ذات الصلة حيث يجري التنسيق مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب للإعداد لاستضافة مصر مؤتمرًا دوليًا رفيع المستوى حول “المقاربة الشاملة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف المؤدي إلى الإرهاب”.
باحث أول بالمرصد المصري