“التهديد الحوثي لدول الخليج” والحرب بالوكالة
أثارت الهجمات الحوثية الأخيرة والتي طالت عدة مواقع بالمملكة العربية السعودية كان أخرها استهداف مطار أبها الدولي للمرة الثانية مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة 21 أخرين، العديد من التساؤلات حول أسباب هذا التصعيد بالتزامن مع التطورات التي تشهدها منطقة الخليج بسبب الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، ومدى ارتباط جماعة الحوثي بالنظام الإيراني، وماهو حجم التهديد الذي تشكله جماعة الحوثي على دول منطقة الخليج العربي.
*- أسباب التصعيد بالوكالة
أدى تشديد الولايات المتحدة لعقوباتها على إيران من أجل إلزامها بإبرام اتفاقا جديدا بديلا عن الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وما قابله من تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، واستهداف المصالح الأمريكية وحلفائها بالخليج في حال منعت إيران من تصدير النفط، إلى تزايد التوترات في منطقة الخليج بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وبين إيران ووكلائها من جهة أخرى، وفي ضوء التطور النوعي للهجمات الحوثية خلال الأشهر الأخيرة، يتضح أنها مجرد جزء من سلسلة عمليات معرقِلة تقودها إيران في شبه الجزيرة العربية، فقد وقع هجوم أبها قبل يوم واحد من تعرض سفينتين لهجوم في خليج عمان، وبالمثل، وقع الهجوم على خط الأنابيب النفطية بالسعودية بعد يوم واحد من ضرب أربع سفن في خليج عمان في عملية تُعزى بشكل واسع إلى إيران.
ولا يمكن استبعاد احتمالية أن تكون الصواريخ الحوثية تحمل رسائل قائمة على حسابات متعلقة بالتطورات الإقليمية والدولية، وإذا كان “حزب الله” اللبناني هو أكثر الميليشات الموالية لإيران خطورة، فيبدو أن ميليشيا الحوثي أصبحت الوكيل الإقليمي المفضل لإيران لتصعيد عملياتها ضد الولايات المتحدة عبر استهداف حلفائها بالمنطقة، وذلك وفقاً لتقرير “فورين بوليسي” الأمريكية الذي نشرته في الـ4 من يونيو الجاري، وهو ما تؤكده الهجمات الحوثية الأخيرة واستمرار تصعيدها العسكري.
فمنذ أن اندلعت الحرب الراهنة في اليمن عام 2015، ساعدت إيران الحوثيين في تصنيع إنتاج صاروخ مدفعي من طراز “بدر-1P” بمدى 150 كيلومتراً، وتحويل صواريخ ” SA-2″ إلى صاروخ “قاهر-1” بمسار حر وبمدى 250 كيلومتراً، وصاروخ بديل من طراز “قاهر- M2” (ما يعادل الصاروخ الإيراني “توندار -69”) بمدى 400 كيلومتر. كما أرسلت نسخةً عن صاروخ “قيام-1” البالستي القصير المدى (يسميه الحوثيون “بركان 2-إتش”) بمدى ألف كيلومتر، ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة، صنعت “مجموعة الشهيد باقري الصناعية” الإيرانية هذا الصاروخ بشكل خاص لكي يتمكّن الحوثيون من ضرب الرياض ومدن سعودية أخرى، ونقلت الأمم المتحدة أيضاً أن إيران زوّدت المتمردين بمعدات لإنتاج المؤكسد المستخدم في هذه الصواريخ البالستية القصيرة المدى العاملة بالوقود السائل وذات المدى الأبعد.
وتعتمد إيران في عمليات تهريب الأسلحة بما فيها أجزاء الصواريخ البالستية وطائرات دون طيار، على مجموعتين هما “الوحدة 400 والوحدة 190” التابعتين لفيلق “قدس” والأخيرة هي التي تقع على عاتقها تهريب الأسلحة والتكنولوجيا الحديثة للحروب خارج حدود إيران.
في ساعات الصباح الأولى من يوم الرابع عشر من مايو الماضي، قامت طائراتٌ بدون طيار تحلّق على مسافة 500 ميلاً من أراضي اليمن بتنفيذ هجوم على محطتَي ضخ لخط الأنابيب “شرق – غرب” في السعودية، وسارع المسؤولون من مختلف الأوساط إلى التأكيد على دور إيران في التخطيط للهجوم، ولم تكن هذه المرة الأولى التى تستخدم فيها جماعة الحوثي يكن هذا طائرات مسيرة في أعمال هجومية.
ففي فبراير 2017 كشف الحوثيون عن امتلاكهم لطائرات بدون طيار، تم تصنيعها محليا لتنفيذ مهام قتالية واستطلاعية وأعمال المسح والتقييم والإنذار المبكر، وتضم الطائرات المصنعة طرازا يطلق عليه “الهدهد” و”الهدهد 1″، و”الرقيب” و”راصد” و”قاصف 1″، ومن أبرز مهامها القيام بأعمال تقنية وقتالية منها دور تصحيح المدفعية ورصد وتحديد أماكن تجمع القوات المستهدفة وإرسال الإحداثيات لما يسمونها ” الوحدة الصاروخية والقوة المدفعية وقوة الإسناد والتقييم”.
وعقب مقتل القيادي الحوثي “صالح الصماد” بداية 2018، أعلن الحوثيون عن طائرات مسيرة من نوع (صماد2، صماد3، قاصف-M2). وأعلنوا عن “دائرة خاصة” للتصنيع العسكري وتطوير الصواريخ الباليستية،بالاضافة للإعلان عن دائرة لما يعرف بـ”سلاح الجو المسير” وهي الدائرة التي تُنسب لها العمليات التي تنفذها جماعة الحوثيين من خلال هذا النوع من الطائرات المسيرة.
ويحصل الحوثيون على تلك الطائرات بطريقتين الأولى وهي التهريب ، وهو ما يؤكده تقرير لمركز مراقبة أبحاث التسلح أثناء النزاعات صدر في مارس2017، بعد دراسة طائرات حوثية تم السيطرة عليها من نوع “قاصف-1″، يلفت التقرير إلى أن الأرقام التسلسلية فيها وتصميماتها تشير إلى أنها ليست سوى شكل آخر من خط إنتاج للطائرات الإيرانية من دون طيار المعروفة باسم “أبابيل”، واعتمد المركز في تحليله على 7 طائرات بدون طيار”6” منها تم ضبطها في أكتوبر 2016، أثناء تهريبها عبر طريق تهريب إيراني معروف يمر عبر عمان، بينما عثر على طائرة أخرى بعد هجوم شنه الحوثيون قرب عدن باليمن في فبراير2017، كما تشير الأرقام التسلسلية إلى طائرة أخرى أسقطتها القوات العراقية، أثناء المعارك مع تنظيم (داعش)، إذ أن الطائرة التي يستخدمها الحشد الشعبي سقطت في أيدي تنظيم (داعش) وتمكنوا من إعادة بث تحكمها لمصلحتهم قبل أن تسقطها أسلحة الحكومة العراقية.
والطريقة الثانية هي إعادة التركيب في اليمن، حيث يحصل الحوثيون على تكنولوجيا الطائرات بدون طيار من إيران، وتقوم الجماعة عبر خبراء تم تدريبهم في إيران ولبنان- لدى جماعة حزب الله- لإعادة تركيبها والتحكم بها، وأكدت بعض الدراسات أن الحوثيين بعثوا بجرحى من أجل العلاج عبر سلطنة عمان ليعودوا خبراء في تكنلوجيا السلاح الإيراني، الذي تزودهم به إيران.
*- الرسائل الإيرانية عبر التصعيد الحوثي
ويجب أن ندرك أن الأعمال العسكرية التي يقوم بها الحوثيون، لا شك تحمل رسائل إيرانية واضحة، واللجوء إلى هذا التصعيد الجديد ليس سوى مؤشر على أن طهران باتت تشعر بجدية ما تتعرض له من حصار قد يطال كل الانجازات التي حققها النظام فيها على مدى العقود الأربعة الماضية، لذلك فهي تبحث عن عدو الذي يقف خلف العدو الظاهر، لتحميله مسؤولية ما تشهده المنطقة من توتر.
محاولات لتحييد التهديد الحوثي
يسعى التحالف العربي في اليمن، لتحييد التهديدات الحوثية من خلال محاولة تحجيم القدرات العسكرية للحوثيين، عبر شن مقاتلات التحالف العربي المزيد من الغارات على مخازن الأسلحة، وتحديداً النوعية منها، وتدمير الشبكة الخاصة بالمرافق والقدرات اللوجيستية للطائرات المسيرة وعناصر تشغيلها، ولكن يبدو أن الحوثيين يعملون على تقليل خسائرهم من هذه الضربات، عن طريق توزيع قدراتهم العسكرية بأكثر من موقع، وهذا ما يفسر استمرار الحوثيين في عملياتها بالرغم من كثرة الضربات خلال الشهور الماضية.