
عتبات الانهيار.. جماعة الإخوان: مستقبل مظلم وفوضى مدمرة
في فصل جديد من فصول الانشقاقات والانقسامات التي تضرب صميم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية منذ عدة سنوات، أصدر “إبراهيم منير” القائم بأعمال المرشد العام للجماعة قرارًا بخروج ستة من قيادات الإخوان في تركيا على رأسهم القيادي “محمود حسين” و5 من أتباعه من صفوف التنظيم، مما يشير إلى زيادة حدة الصراع بين الجناحين والتي من المؤكد أن يكون لها تبعات سلبية على الجماعة وتماسكها في ظل الظروف الضاغطة التي تعيشها منذ شهور.
صراع الأجنحة يصل ذروته
في العاشر من الشهر الجاري أصدر “إبراهيم منير” نائب المرشد العام لجماعة الإخوان والقائم بأعماله قرارًا يقضي بإيقاف كل من محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة وعضو مكتب الإرشاد، ومحمد عبد الوهاب مسؤول رابطة الإخوان المصريين بالخارج، وهمام علي يوسف عضو مجلس الشورى العام ومسؤول مكتب تركيا السابق، ومدحت الحداد عضو مجلس الشورى العام، وممدوح مبروك عضو مجلس الشورى العام، ورجب البنا عضو مجلس الشورى العام وإحالتهم للتحقيق، بسبب مخالفتهم للائحة العامة لجماعة الإخوان.
قوبلت قرارات “منير” بالرفض من قٍبل “محمود حسين” وجناحه وقرروا تصعيد المواجهة، وأرسل ممدوح مبروك عضو مجلس الشورى العام رسالة داخلية إلى أعضاء المجلس في نفس اليوم الذي صدرت فيه قرارات “منير”، بشأن مجموعة من القرارات المزمع اتخاذها، وكان هناك 4 مشاريع قرارات مقترحة وهي:
1- مشروع قرار لمجلس الشورى العام بسحب الثقة من “إبراهيم منير”، وإعفائه من موقعه كنائب للمرشد العام وكقائم بعمله مع بقائه في تكليفاته خارج القطر المصري.
2- مشروع قرار آخر بإلغاء الهيئة المشكلة (بديلة مؤقتا لمكتب إرشاد الجماعة) طبقا لوثيقة الهيئة الصادرة عن مجلس الشورى العام في 16 يناير 2021، وإحالة ما بدأته من مشاريع إلى مؤسسات الجماعة التنفيذية والشورية المعنية.
3- مشروع قرار حول بطلان وعدم صحة قرارات الإيقاف الصادرة بحق أعضاء الشورى العام، واعتبارها كأن لم تكن.
4- قرار باعتبار مجلس الشورى في حالة انعقاد دائم.
وطالب ممدوح في رسالته أعضاء مجلس الشورى العام بإبداء الرأي في كل مشروع قرار على حدة بحد أقصى يوم الاثنين 11 أكتوبر.
واليوم أصدر “منير” بيانًا قال فيه إن المحالين للتحقيق وآخرين تقدموا بطلب لمجلس الشورى العام للتصويت على مشاريع قرارات تؤدي إلى شق الصف وإحداث بلبلة بين صفوف الإخوان وإشغالهم عن مهامهم الرئيسية، وأنها إجراءات مخالفة للوائح وقوانين العمل الإخوانية، مؤكدًا أن من ساهم في هذه الإجراءات قد أخرج نفسه من الجماعة.
وعقب بيان “منير” بساعات قليلة نشر الموقع الرسمي لجماعة الإخوان بيانًا إلكترونيًا يفيد بأن مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين اجتمع في نصاب قانوني تجاوز 75%، وقرر إعفاء “منير” من مهامه كنائب للمرشد العام للإخوان المسلمين وقائم بعمله بموافقة 84% من المشاركين، وموافقة 78% من المشاركين على إلغاء الهيئة المشكلة طبقا لوثيقتها الصادرة عن مجلس الشورى العام في 16 يناير 2021، وإحالة ما بدأته من مشاريع إلى مؤسسات الجماعة التنفيذية والشورية المعنية، وأكد المجلس أنه كان حريصًا على اعتبار أن ذلك شأنًا داخليًا لا يحتاج للإعلان عنه، ولكنه قرر نشره لما حدث من لغط في وسائل الإعلام.
وتأتي هذه التطورات في ظل تبني المنصات الإعلامية المؤيدة لجناح “إبراهيم منير” رواية منسوبة لأحد المصادر المسؤولة بالجماعة مفادها أن البيان المنشور على موقع الجماعة غير حقيقي، وأن محمود حسين حاول مرتين في السابق عزل إبراهيم منير ولكن باءت المحاولات بالفشل، وهو ما دفعه إلى نسب قرارات اليوم إلى مجلس الشورى العام على غير الحقيقة.
أسباب الصدام الأخير
جاءت التطورات الأخيرة لتكشف عن حالة الذروة التي وصل إليها الصراع بين قيادات الجماعة حاليًا، بسبب الخلافات العميقة منذ سنوات بين جناحي “إبراهيم منير” المقيم في لندن، و” محمود حسين” المقيم في تركيا، بسبب تهم فساد مالي متعلقة بأموال التنظيم والاستيلاء عليها وتسجيل الممتلكات والعقارات بأسماء قيادات الجماعة في تركيا وأسماء أبنائهم، فضلًا عن حصولهم على امتيازات مالية شهرية كبيرة، هذا بجانب خلافات إدارية ترتبط بالصراع على المناصب وتقسيم المراكز القيادية.
وهو ما دفع “إبراهيم منير” إلى اتخاذ عدد من القرارات الهيكلية للتخلص من “محمود حسين” وفي مقدمتها حل مكتب الإخوان في تركيا في يوليو الماضي، وحل مجلس شورى القُطر بتركيا وتأجيل الانتخابات المقررة حينها، ثم تعديل قرار تأجيل الانتخابات ليتم إجراؤها في الشهر الماضي وأسفرت عن الإطاحة بمحمود حسين ومجموعته نهائيًا من مكتب تركيا وتنصيب عناصر موالية لإبراهيم منير، وتولي مجلس شورى قُطر جديد لينتخب مكتب إداري جديد.
وهو الأمر الذي رفضه جناح محمود حسين بشكل كامل وتقدموا بطعون ضد نتائج الانتخابات، وهو الأمر الذي رفضه إبراهيم منير معتبرًا أن هذه الطعون لا ترقى لإعادة الانتخابات ومن ثم تم اعتماد نتائجها بشكل نهائي، لكن رابطة الإخوان المصريين في الخارج التي تتبعها مكاتب الأقطار مباشرة، رفضت اعتماد نتيجة الانتخابات الداخلية وهو الأمر الذي زاد من الأزمة، وكان هذا أحد أسباب إيقاف القيادات الستة، بالإضافة إلى مماطلة مسؤول مكتب الإخوان في تركيا السابق في تسليم الأعضاء المنتخبين الجدد الملفات التي بحوزتهم، وأرسل خطابًا إلى إبراهيم منير طالب فيه رفع الأمر إلى مجلس الشورى العام للبت فيه، نظرًا لما شهدته الانتخابات من تجاوزات متعددة وتقديم أكثر من 80 طعنًا في النتائج، وهو الأمر الذي تجاهله “منير” أيضًا.
الجماعة تدخل نفقًا مظلمًا
في ظل تصاعد حدة الأزمة بين جناحي إبراهيم منير ومحمود حسين، من المتوقع أن تشهد الفترة القليلة القادمة موجة من الانشقاقات بين قيادات الصف الأول والثاني في صفوف الجماعة، وظهور معركة ولاءات بين قياداتها، وهو ما ظهر حاليًا عبر نشر القيادات المحسوبة على كل جناح لنصوص الخطابات المرسلة إليهم بشأن الأوضاع الحالية على منصات التواصل الاجتماعي مما يعد انتهاكًا لقواعد السرية التي فرضتها الجماعة منذ أمد بعيد على أوضاعها الداخلية، بالإضافة إلى سعي “منير” إلى التخلص من رجال “حسين” للسيطرة على كافة مفاصل التنظيم الإدارية والمالية، وهو ما سينعكس على تماسك صفوف الجماعة المهترئة بالأساس، ويبشر بانهيار داخلي للإخوان.
وكذا، تعيش الجماعة واقعًا ضاغطًا يتمثل في الرغبة التركية للتقارب مع مصر، وما تبعه من انخفاض دعم أنقرة لجماعة الإخوان وكوادرها والذي كان أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار عمل الجماعة بعد ثورة 30 يونيو 2013، بجانب الإجراءات التي اتخذها عدد من الدول الأوروبية على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي لمحاصرة أنشطة الجماعة وتقييدها، مما يشير إلى تناقص الحواضن الآمنة للإخوان في الخارج.
وانعكست الصراعات الممتدة خلال السنوات الماضية على الحالة العامة لشباب الإخوان وخاصة الهاربين في الخارج، إذ ألقوا جام غضبهم على القيادات التاريخية التي انشغلت بالصراع على المال والسلطات الإدارية، دون النظر لأوضاعهم الحياتية التي بلغت أسوأ حالاتها في الفترة الأخيرة، وترى أن القيادات الحالية أدخلت الجماعة في مرحلة من التصدع والتخبط دفع شباب الإخوان ثمنًا باهظًا لها.
وقد تسعى قيادات الجماعة التي تقف على الحياد وقادت جهودًا فاشلة خلال الأشهر الماضية لرأب الصدع بين الجناحين، إلى تشكيل لجنة حكماء لتقريب وجهات النظر بين الطرفين للحفاظ على الكيان الإرهابي الذي نشأ عام 1928 وعدم اندثاره وانطلاقًا من أن الواقع الحالي الذي يعد الأسوأ على الإطلاق في تاريخها، ولكن تلك المحاولات ستفشل هي الأخرى في ظل الحالة المتردية التي وصلت إليها صفوف الجماعة بمختلف مستوياتها التنظيمية والشعبوية.
باحث أول بالمرصد المصري