أفريقيامكافحة الإرهاب

“ترامب” والضربات الأمريكية في الصومال .. لماذا الآن؟

لم تأتِ الضربات الأمريكية الأخيرة التي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذها ضد تنظيم داعش في الصومال بمعزل عن استراتيجيته لمكافحة الإرهاب خلال ولايته الأولى. فحتى مع قراره بسحب القوات الأمريكية، كان قرار استمرار شن الغارات الجوية الوسيلة لدحض الإرهاب، واستكملها بعده الرئيس السابق جو بايدن وآخرها الضربة الأمريكية لتنظيم داعش وأسفرت عن مقتل القيادي “بلال السوداني” يناير 2023. وبالإضافة إلى ذلك، أرجعت الصحافة الأمريكية هذه الضربات أيضًا إلى هجمات “نيو أورليانز” التي وقعت مطلع العام الجديد وأدت إلى مقتل 14 شخصًا على يد عسكري أمريكي سابق متأثر بتفكير داعش. بما يطرح التساؤل حول توقيت هذه الضربات الآن ومدى ارتباطها بأمن المنطقة.

من المعروف أن حركة شباب المجاهدين الصومالية تتبع تنظيم القاعدة الإرهابي، وهو المنافس الأول لتنظيم داعش الإرهابي والذي تشكلت ولايته في الصومال من قبل المنشقين من جماعة الشباب الإرهابية، بعد المبايعة في أكتوبر 2015، وأعلن القيادي عبد القادر مؤمن انشقاقه عن الحركة ومبايعة “أبو بكر البغدادي وحصلوا على اعتراف من التنظيم الدولي كولاية رسمية عام 2018، وتنشط عملياته في جبال جوليس في منطقة باري في ولاية بونتلاند الصومالية وهو المكان الذي أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث أن الغارات الأمريكية الأخيرة استهدفت فيه عناصر التنظيم.

وشهدت المنطقة الشمالية الصومالية مواجهات عدة بين الحركتين من أجل السيطرة وفرض النفوذ. وبالرغم من قدرات حركة الشباب أمام تنظيم داعش فإن مجموعة الأزمات الدولية في سبتمبر 2024 سبق وأن حذرت من تحركات داعش، والتي تمثلت في تعظيم قوتها من وجود العائلة المنحدر منها زعيم التنظيم في الصومال الذي مكنها من الدخول في مناطق سيطرة حركة الشباب بالرغم من الهجمات المتتالية التي تلقاها التنظيم. كما استطاع التنظيم أن يحقق مكاسب ميدانية في شمال شرق الصومال وتحديداً في بونتلاند، والسيطرة على “جبال علمسكاد” التي كانت تسيطر عليها حركة الشباب،

واستمر تنظيم داعش في تنفيذ الهجمات للسيطرة على مناطق نفوذ حركة الشباب في باري خلال الفترة من فبراير إلى ديسمبر 2023، وصولًا إلى الهجوم النوعي الذي نفذه مقاتلون من جنسيات متعددة في 31 ديسمبر 2024، وهي الهجمات التي أسهمت في تحديد مدى تصاعد خطورة التنظيم من خلال قدرته على استقطاب العناصر الأجنبية وخاصةً من مناطق النزاع في اليمن وسوريا والسودان، واحتمالية نقل هجماته لهجمات “عابرة للحدود”.

ولا تتوقف خطورة داعش في الصومال على قدرته على استقطاب عناصر من جنسيات أجنبية مختلفة تمكنه من تعزيز قوته في الصومال والقيام بهجمات نوعية خارج الحدود فحسب؛ فقد أوضح معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسطأن تنظيم داعش في الصومال أصبح حلقة الاتصال الرئيسة لربط الأموال العالمية للشبكة، وتوفير الموارد المالية لفروع التنظيم في مالي وموزمبيق ودول جنوب أفريقيا وولاية خرسان (أفغانستان)، وتوفير الموارد المالية لتنفيذ أهداف التنظيم العالمية من المقر في “الصومال”، وطالب بتعطيل تحويل أموال التنظيم من خلال إدراج القادة الجدد وشركاء التنظيم في لائحة العقوبات.  

ونتيجة تصاعد الأزمات قامت “قوات دفاع بونتلاند” بمحاربة قواعد داعش في مرتفعات علمسكاد والتي تمثل كبرى احتياطاتها، وتقوم بالاختباء فيها عند توجيه ضربات جوية لها، مع تصفية أغلب عناصرها بحسب المصادر وذلك في 15 يناير 2025، عقب الهجمة النوعية التي قام بها التنظيم في المنطقة في 31 ديسمبر 2024.

لم تكن الهجمات النوعية التي نفذتها القوات الصومالية بمعزل عن تعاون دولي وثيق، وخاصة مع الولايات المتحدة، في ضوء الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين الجانبين والتعاون الوثيق بينهما في مكافحة الإرهاب؛ حيث نجد أنه بالتزامن مع الغارة الأمريكية التي استهدفت في يناير 2023 القيادي بالتنظيم بلال السوداني و10 آخرين، قامت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) بشن ضربة أخرى بالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية جنوب العاصمة مقديشيو ضد حركة الشباب وأسفرت عن مقتل عنصرين من عناصر التنظيم، وأعلنت الحكومة الصومالية أنها نفذتها بالتعاون مع الشركاء الدوليين.

كما أعاد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود نشر تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي اعلن فيها عن الضربات الأمريكية الأخيرة ضد عناصر داعش مصحوبة ببيان صحفي يشكره على تعاونه في ملف الإرهاب.

وعليه، تأتي الغارة الأمريكية كنوع من أنواع وقف الهجمات التي تتعرض لها الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وكرد سريع لم تقم به إدارة “بايدن”. وأوضح وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث عن موقع الهجمة في جبال جوليس شمال الصومال، في ظل هجمات متتالية تقوم بها بالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية الصومالية وكذلك لعدة دوافع يمكن طرحها في التالي:

الحد من قدرة داعش: وهو ما أوضحه وزير الدفاع الأمريكي بأن الضربة تهدف إلى تقليل خطورة داعش وتهديده للمواطنين الأمريكيين، خاصةً في ظل تحول داعش الصومال إلى مركز مالي بعد السيطرة على مناطق نفوذ ذات ثروات حيوانية وزراعية والعمل مع بعض سكان المنطقة مستغلة العلاقات العائلية مع قائد التنظيم، وحاول التنظيم إثبات قدرته على الحشد من خلال نشر فيديوهات عن تجنيد عناصر أجنبية في كل مرة يتلقى التنظيم ضربة أو غارة جوية، لإثبات قدراته على إعادة التنظيم.

الهجمات العابرة للحدود: لم تقتصر هجمات داعش على المناطق الداخلية في الصومال، والتي تضاعفت في الربع الأول من عام 2023 مقارنة بنفس الفترة من عام 2022، إلا أن اهتمام تنظيم داعش بالإنفاق على العمليات الخارجية كان بشكل أكبر من تنظيم القاعدة التابع له “حركة الشباب” والذي يركز على توفير العناصر والإنفاق على الرواتب وفقاً لتقرير الأمم المتحدة في يناير 2020. ومن ثم فإن احتمالية قيام داعش بالهجمات العابرة للحدود هي الأوقع من تنظيم القاعدة، وهو ما ظهر في حادث نيو أورليانز الأمريكية في بداية العام الحالي في حادثة الدهس التي أُعلن أن منفذها متأثر بتنظيم داعش والتحق به، والتي تم استخدامها من قبل التنظيم كمحاولة لرفع معنويات عناصره وجذب مزيد من المجندين، وإثبات قدرته على الاستمرار بالرغم من الهجمات التي تلقاها من الغارات الأمريكية في الصومال؛ فجاءت الضربة الأمريكية الأخيرة كنوع من محاولات تقويض الهجمات ضد المصالح الأمريكية بحسب الرواية الرسمية، والقضاء على أخطر قائد للتنظيم بحسب المحللين الأمريكيين.

المخاوف من التحالف مع الحوثيين: أشار التقرير الأممي السابق إلى انخفاض العمليات التي يقودها تنظيم داعش إلى الحوثيين في اليمن، وأشار أيضًا إلى أن تنظيم داعش يقوم بتأجيج الصراع في البيضاء وبين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لصالح أهداف حوثية، والتي كبدها تنظيم القاعدة خسائر بالرغم من الدعم الذي يتلقاه تنظيم داعش من حركة الحوثي، وبالتالي فإن العمل على تفكيك كافة الروابط المهددة لعمليات التحالف في البحر الأحمر للقضاء على الحوثيين، والتي كانت تحاول الجماعة الترويج لهجمات القاعدة وداعش لخدمة مصالحها في المنطقة، وبالتالي فإن احتمال وجود تقارب في المصالح بين داعش الصومال ونظيرتها في اليمن والتحالف مع ميلشيا الحوثي قد يكون محتملًا وليس مؤكدًا في ظل تصاعد الصراع ومحاولات القوى الدولية تجفيف مصادر التمويل، وأجنحة التنظيم.

الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة: تركزت الاستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب منذ عام 2009 في حفظ المصالح الأمريكية والأمن البحري في شرق أفريقيا، والتي ترتكز في دولتي جيبوتي والصومالباعتبارهما دولًا مطلة على البحر الأحمر، ونتيجة انتشار الإرهاب وثورات الربيع العربي وعمليات القرصنة التي هددت المصالح الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن وشرق وشمال أفريقيا وخاصةً في ليبيا، فقامت عام 2011 بنشر أفراد من الجيش الأمريكي وسط أفريقيا، وبعد الهجوم على البعثة الدبلوماسية الأمريكية في ليبيا في عام 2012، قامت بزيادة العسكريين في أوروبا وجيبوتي لدعم الاستجابة السريعة لتدريب قوة الاستجابة لشرق أفريقيا وقوة المهام البحرية الجوية والبرية الخاصة، وفي عام 2013 اعترفت الولايات المتحدة بالحكومة الفيدرالية الصومالية فتم دعم القوات الأفريقية في الصومال والحكومة الفيدرالية لمواجهة حركة الشباب الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة، ودعم عمليات الاتحاد الأفريقي في الصومال.

كما تعد الولايات المتحدة من أكبر المانحين لدول القرن الأفريقي بنحو 1,4 مليار دولار في موازنة عام 2023، وترمز سياسات الولايات المتحدة إلى دول القرن الأفريقي بأنها دول (إثيوبيا والصومال وكينيا)، وتقدم الولايات المتحدة في العام الحالي أكثر من مليار دولار إضافية لنحو 31 دولة أفريقية عام 2024.

وفي سياق متصل، بالرغم من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرار سحب القوات الأمريكية في ديسمبر 2020 فإن ذلك أعقبه القيام بتنفيذ 9 غارات جوية خلال فترة رئاسته الأولى عام 2021 بالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، لمجابهة حركة الشباب، وبالتالي فتأتي الضربة الحالية في ظل الاستراتيجية التي ينتهجها “ترامب” منذ ولايته الأولى ويستكملها حاليًا واستكمالًا لاتفاقية التعاون الأمني التي أبرمها الرئيس السابق جو بايدن مع السلطات الصومالية في فبراير2024، واستمرار اعتماد إدارة “ترامب” على قوات الأفريكوم في تنفيذ هجمات فعلية من خلال استراتيجية (4+1) التي أطلقها عام 2018، والتي تضم (روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية والإرهاب)، والتي تعني مجابهة نفوذ القوى الأربع وتحجيم أدواتها المهددة للمصالح الأمريكية بجانب العناصر الإرهابية.

وختامًا، يضعنا الطرح السابق أمام دوافع وتوقيت تنفيذ الضربات الأمريكية الأخيرة ضد مقرات داعش، دون التطرق لموقف الإدارة الامريكية الحالية من أرض الصومال والتي لم تعلنها صراحةً بل عبر دراسات قامت جماعة محسوبة على النظام الجمهوري بنشرها، ونفت الحملة علاقتها بها، ولكن تشير إلى أن هناك محاولات لتقويض الدور الإيراني في الدول المطلة على البحر الأحمر، عبر احتمالية التعاون بين الجماعات المسلحة في اليمن والصومال، وهو ما تحاول الضربة الحالية العمل على تفكيكه، بجانب توجيه الضربة لأحد أكبر قادة التنظيم في العالم الذي يمارس هجمات عابرة للحدود عبر وكلاء دوليين كما حدث في نيو أورليانز، وبالتالي فقد تكون عملية فردية وقد يتبعها غارات متعددة في حالة عدم تمكنها من تحقيق أهدافها وفي ظل صراع بسط النفوذ على المنطقة المطلة على أهم ممر مائي عالمي شهد تأثيرات واضطرابات عدة تحتاج لتأمينها وتأمين حليفها المعلن في الاستراتيجية الأمريكية.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى