مكافحة الإرهاب

تصنيف باراجواي تنظيم الإخوان جماعة إرهابية.. السياقات والدلالات

استمرارًا لمسلسل الضربات المتتالية التي تتلقاها جماعة الإخوان المسلمين، أعلنت باراجواي عن تصنيف جماعة الإخوان “كجماعة إرهابية” وفق نص القرار الذي اتخذه كونجرس باراجواي. ويمثل القرار طوقًا جديدًا يزيد خناق الجماعة التي تضربها انقسامات وصراعات حادة منذ سنوات ويؤثر على جزء من نشاطها في أمريكا اللاتينية.

سياقات التصنيف

نشر الموقع الرسمي للكونجرس في باراجواي يوم 22 فبراير الجاري بيانًا صحفيًا أعلن فيه موافقة اللجنة الدائمة على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928 كجماعة إرهابية، وأشار البيان إلى أن مشروع القرار تقدمت به السيناتور “ليليان سامانيغو” رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس وحصل على موافقة أغلبية أعضاء الكونجرس المكون من 45 عضوًا.

وأكدت السيناتور “ليليان”، أن جماعة الإخوان الإرهابية التي تأسست على يد “حسن البنا” تقدم المساعدة الإيديولوجية لأولئك الذين يلجؤون إلى استخدام العنف ويهددون الأمن والاستقرار في المشرق والمغرب. وأشار الكونجرس إلى أن دولة باراجواي ترفض رفضًا قاطعًا جميع الأعمال والأساليب والممارسات الإرهابية، والتي تشكل انتهاكًا خطيرًا لمبادئ الأمم المتحدة وتهديدًا للأمن والسلم الدوليين.

وأشارت تقارير صحفية في باراجواي إلى أن هذه الموافقة تأتي في إطار جهود باراجواي بقيادة ماريو عبده بينيتز لمحاربة الإرهاب، إذ سبق وأن صنفت الدولة تنظيمات حزب الله والقاعدة وداعش وغيرها كمنظمات إرهابية. وتهدف هذه الجهود إلى الحد من انتشار الإرهاب في مناطق مختلفة من العالم، والحد من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات إرهابية وزعزعة استقرار الدول. 

وتناولت التقارير كذلك اتخاذ دول عدة حول العالم خطوات مماثلة في سنوات سابقة بتصنيف الجماعة على أنها “إرهابية”، مثل قرار روسيا في عام 2003، ومصر في عام 2013، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين في عام 2014. 

دلالات وتأثيرات القرار

يأتي هذا القرار في ظل استمرار أزمة الانقسامات الحادة التي تضرب جماعة الإخوان المسلمين وصراع القيادات المتمثل في جبهتي لندن وإسطنبول منذ سنوات، فعلى الرغم من اتخاذ جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين خطوات متسارعة لحسم الصراع مع جبهة لندن لصالحها بعد وفاة إبراهيم منير في منتصف نوفمبر الماضي، والإعلان عن تنصيب “حسين” نفسه مرشدًا عامًا للجماعة، كان آخر فصول الصراع في الأيام الماضية بعدما تداولت منصات إعلامية إخوانية محسوبة على جبهة لندن في 20 فبراير الجاري أنباءً تفيد عن اختيار صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال المرشد العام.  ويحمل قرار كونجرس باراجواي بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية عددًا من الدلالات وهي كالتالي: 

1- قامت جماعة الإخوان باستخدام ملاذات آمنة بديلة خلال السنوات الماضية بعد الضربات التي تلقتها في مصر ودول الشرق الأوسط. وتتسم هذه الملاذات بأنها غير تقليدية وبعيدة، وكان من ضمن هذه الملاذات دول أمريكا اللاتينية -علاوة على الملاذات المعروفة في أوروبا والولايات المتحدة وبعض الدول الآسيوية- وتركز نشاط الجماعة في أمريكا اللاتينية في منطقة الحدود الثلاثية بين باراجواي والأرجنتين والبرازيل، وهي المنطقة المعروفة منذ سنوات بتزايد وتيرة الأنشطة الإرهابية فيها، ولذلك كان هناك تنسيق أمني مستمر منذ تسعينيات القرن الماضي بين الدول الثلاث التي شكّلت معًا آلية موحدة لمواجهة النشاط الإرهابي على حدودها. وقد تنبهت الأجهزة الأمنية في باراجواي خلال الشهور الأخيرة إلى نشاط تنظيم الإخوان في هذه المنطقة، وأصبح هذا النشاط تحت أعينها.

2- اعتمدت الجماعة كعادتها عند اختراق المجتمعات الغربية على مبدأ الاقتراب والاندماج مع السكان المسلمين في الدول المستهدفة، والتأثير عليهم من خلال المراكز التعليمية والمساجد، ففي باراجواي التي اتخذت القرار السابق الإشارة إليه يتركز عشرات الآلاف من المسلمين في عدد من المدن الواقعة في منطقة الحدود الثلاثية، وخاصة مدينة “سيوداد ديل إيست” عاصمة إقليم “ألتو بارانا”، والتي يقطنها عشرات الالاف من المسلمين غالبيتهم من اللبنانيين مع وجود عدد من السوريين والمصريين والفلسطينيين، بعضهم موجود منذ ستينيات القرن الماضي. وقد شكل هذا الوجود المكثف للجاليات المسلمة في المنطقة بيئة خصبة لانخراط الجماعات الإسلامية وفي مقدمتها حزب الله كأول المنخرطين في ذلك، ثم تبعته جماعات أخرى ومنها جماعة الإخوان التي عملت على تشكيل شبكة علاقات وثيقة مع هذه الجاليات من خلال المساجد والمراكز الدينية، وخاصة مسجد “الخلفاء الراشدين” الذي افتتح عام 2016 ويعد من أكبر المساجد في باراجواي. 

3- يؤثر القرار على خطوات جماعة الإخوان في أمريكا اللاتينية عمومًا وفي باراجواي خصوصًا، وتحديدًا على مستوى الشبكات المالية والاقتصادية القائمة على أموال العمل الخيري والتبرعات، التي كانت الجماعة تسعى إلى تأسيسها لتكون بابًا خلفيًا لتمويل أنشطتها غير المشروعة. 

4- قد يدفع هذا القرار عددًا من دول العالم إلى النظر في أنشطة جماعة الإخوان على أراضيها، والعمل على صده وكبح جماحه من خلال المتابعات الأمنية أو القرارات السياسية، ويتضح ذلك في ضوء قرار باراجواي الأخير وقرارات النمسا وألمانيا في عام 2021.

5- يعكس قرار الكونجرس في باراجواي بتصنيف تنظيم الإخوان جماعة إرهابية رؤية الأجهزة الأمنية في باراجواي للخطر الذي تمثله أنشطة تنظيم الإخوان في البلاد وكونها مغذية ومحرضة على الفكر الإرهابي الذي تأسست عليه مجموعة واسعة من التنظيمات الإرهابية منذ سنوات. ويتضح ذلك في اتخاذ باراجواي تصنيف الجماعة إرهابية بعد سنوات من البحث والتدقيق؛ إذ دارت الأحاديث داخل دوائر صنع القرار في البلاد بشأن ذلك التصنيف منذ أن كانت الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس دونالد ترامب تبحث هذا الأمر عام 2019، ومن ثم قد وصلت السلطات في باراجواي إلى قناعة بأنه لا انفصال بين النشاط الإرهابي لتنظيم الإخوان وما يبديه عن ذاته من أنه يقدم نشاطًا دينيًا سلميًا غير إرهابي. وهي القناعة ذاتها التي سبق وأن توصلت إليها مصر ودول عربية منذ سنوات.

مجمل القول، يمثل القرار ضربة جديدة تتلقاها الجماعة على المستوى الدولي ويضع أنشطتها تحت أعين الأجهزة الأمنية والسياسية في عدد من دول العالم، ويشير إلى انكشاف حقيقة الجماعة شيئًا فشيئًا وانحسار غطائها السياسي شيئًا فشيئًا، ويفتح الباب أمام تشديد الحصار على تدفقاتها النقدية التي تمر من خلال شبكة معقدة بمختلف دول العالم ومن بينها دول أمريكا اللاتينية تحت ستار العمل الخيري والتطوعي، وكذلك يؤثر القرار بشكل سلبي على الصورة السياسية التي تسعى الجماعة إلى ترويجها لمختلف دول العالم بأنها جماعة دينية سلمية.

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى