
اتفاق الشراكة الصيني – الإيراني.. طهران تواجه واشنطن عبر التنين الصيني
نشرت المواقع الإلكترونية الإيرانية والعالمية خلال شهر يوليو المنصرم المسودة النهائية لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الإيرانية – الصينية لمدة 25 عامًا، التي تم التوقيع عليها خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج لطهران في 22 -23 يناير 2016 وإصدار بيان مشترك بشأنها، وتشمل الشراكة خمسة مجالات رئيسية وهي “السياسة والتعاون التنفيذي والأمن والدفاع والاهتمامات الإقليمية والدولية والاهتمامات الثقافية والإنسانية”، وتم الاتفاق كذلك على زيادة حجم التجارة بين البلدين إلى 600 مليار دولار على مدى السنوات العشرة المقبلة، وتتكون المسودة من 18 صفحة تتضمن أغلب تفاصيل الشراكة المزمع تنفيذها.
بنود اتفاق الشراكة
جاء في الجملة الاستهلالية للوثيقة نص يقول “ستنظر ثقافتان آسيويتان عريقتان، وشريكان في قطاعات التجارة والاقتصاد والسياسة والثقافة والأمن ولديهما الرؤية ذاتها إزاء الكثير من المصالح الثنائية ومتعددة الأطراف المشتركة بينهما، إلى بعضهما البعض باعتبارهما شريكين استراتيجيين”.
وعرفت المادة الأولى من الوثيقة الاتفاقية على أنها وسيلة لتطوير التعاون الاستراتيجي والشامل في العلاقات الثنائية والإقليمية والدولية، وتحدد الفقرة الرابعة أنشطة النفط والبتروكيماويات والطاقة المتجددة والطاقة النووية غير العسكرية كمجالات للتعاون، بالإضافة إلى بناء الطرق السريعة والسكك الحديدية وخطوط الشحن بين البلدين، وكذلك التعاون المالي والمصرفي والسياحة والعلوم.
وتضمّن جزء الأهداف الأساسية للاتفاقية التعاون في بناء مدن جديدة بإيران والمشاركة في البنية التحتية البحرية والموانئ وتطوير المعدات والمرافق ذات الصلة، وأنه بجهود الجانبين، ستكون الصين مستوردًا مستمرًا للنفط الخام الإيراني، وتقوم إيران بمعالجة المخاوف الصينية بشأن عودة الاستثمار بقطاع النفط الإيراني.
وحول التعاون الإقليمي أشار الملحق 2 الفقرة ب 2 إلى التعاون في صادرات الغاز الطبيعي الإيراني إلى باكستان والصين، وتنفيذ مشاريع الطاقة الكهربائية المشتركة بين إيران والصين في العراق وسوريا وباكستان وأفغانستان، ومشاركة الشركات الصينية في تصدير الكهرباء الإيرانية إلى دول المنطقة.
وأشارت الوثيقة إلى مشاركة الصين في تطوير ميناء جاسك وإنشاء مدينة صناعية يخصص جزء منها لصناعات الصلب والألومنيوم، بالإضافة إلى مصفاة نفطية ومحطة للبتروكيماويات، وبناء عدد من المدن السياحية على ساحل مكران، وإنشاء شبكة اتصالات من الجيل الخامس، وتطرقت الوثيقة أيضًا إلى تطوير التعاون العسكري والأمني والدفاعي والتفاعل في القضايا الاستراتيجية، بجانب مجالات التعليم والصحة والبحث العلمي والبيئة والسياحة والتكنولوجيا، وتنفيذ عدد من البرامج المشتركة في صناعة الطيران.
وفي تقرير سابق لـ“بتروليم نيوز” نُشر في سبتمبر 2019، أشار إلى قيام الصين باستثمار 280 مليار دولار لتطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية، بالإضافة إلى 120 مليار دولار أخرى لتطوير البنية التحتية للنقل والتصنيع الإيراني، مقابل الحصول على خصم 32% على مشترياتها من النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية لمدة 25 عامًا، وبحسب التقرير فإن الاتفاقية تتيح للصين نشر قرابة 5 آلاف من رجال الأمن الصينيين لحماية المشاريع الصينية.
تأكيد الشراكة رغم العقوبات الأمريكية
بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو 2018 وإعادة فرض عقوبات ثانوية على إيران في نوفمبر من نفس العام، أعلنت الصين أنها ستحافظ على التبادل الاقتصادي والتجاري مع إيران بشكل طبيعي على الرغم من إجراءات الإدارة الأمريكية.
وفي فبراير 2019 زار وفد إيراني ضم جواد ظريف وزير الخارجية وعلي لاريجاني رئيس البرلمان والتقى الرئيس الصيني شي جين بينج الذي تحدث عن الصداقة الدائمة بين البلدين، وأن تصميم الصين على تطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع إيران لم يتغير على الرغم من التغييرات العالمية والإقليمية، وهو نفس المفهوم الذي أكده وانغ يي إن وزير الخارجية الصيني في اجتماع مع ظريف في مايو 2019 وقال إن بكين تدعم إيران لحماية حقوقها ومصالحها المشروعة.
وفي أغسطس 2019 قدم جواد ظريف لنظيره الصيني خريطة طريق بشأن الشراكة الاستراتيجية الشاملة الصينية – الإيرانية عبر اتفاق مدته 25 عامًا يتضمن استثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار في إيران، وهي التفاصيل التي أوردها تقرير بتروليم نيوز.
رفض داخلي إيراني
استبقت ردود الأفعال بشأن اتفاق الشراكة قبل نشر الوثيقة، إذ قال الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في 28 يونيو في تصريحات لموقع “دولت بهار” التابع لأنصاره “”لقد سمعت أنهم يتفاوضون ويريدون التوقيع على اتفاقية جديدةٍ مدتها 25 عامًا مع دولة أجنبية، ولا أحد يعرف”، ووجه حديثه إلى الحكومة الحالية قائًلا “هل أنتم أصحاب هذا الوطن لكي تعطوا أموال الشعب للآخرين من دون علمه؟ لقد قمنا بالثورة كي لا تُخفى قضية عن الشعب ولا يعتبر أحدٌ نفسَه وصيًا على الشعب”.
وردًا على تصريحات أحمدي نجاد صرح عباس موسوي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية في اليوم التالي خلال المؤتمر الصحفي ردًا على سؤال حول الاتفاقية بأنه “من الطبيعي أن يكون للتعاون الاستراتيجي بين البلدين أعداء، ويرغب أولئك في تخريب هذه العلاقات وتلك الوثيقة الباعثة على الفخر، وتعود بالنفع على البلدين”.
وقال جواد ظريف وزير الخارجية في 5 يوليو في خطاب أمام مجلس النواب الإيراني “لا شيء يجري سرًا في المفاوضات الجارية مع بكين، وسيتم إطلاع الأمة عند التوصل إلى اتفاق” مؤكدًا أن “إيران تبحث مع الصين في اتفاق شراكة استراتيجية لفترة طويلة وهذا ليس سرًا، بثقة واقتناع نتفاوض مع الصين بشأن اتفاق استراتيجي لـ 25 سنة يتعلق باستثمارات في قطاعات مختلفة”.
وقال رضا بهلوي، ولي عهد شاه إيران السابق في رسالة للشعب الإيراني على حسابه على موقع تويتر: وقّع النظام الحاكم لبلدنا معاهدة مخجلة تسمح للصينيين بنهب مواردنا الطبيعية مقابل إرسال جنودهم إلى أرضنا، واصفًا إياها بالمعاهدة المشينة التي تحرم الشعب الإيراني من حقوقه.
وعقب خطاب جواد ظريف وجه محمد حسن أصفري عضو البرلمان الإيراني اتهامًا للرئيس الإيراني حسن روحاني ولوزير الخارجية جواد ظريف بالتعتيم على البرلمان فيما يتعلق بمفاوضات اتفاق الشراكة، كما اتهم محمد رضا سباغيان العضو البرلماني في 8 يوليو الماضي روحاني بتقديم تنازلات كبيرة للصين في اتفاق الشراكة، وفي نفس اليوم طالب العضو البرلماني مجتبى ذو النوري وزير الخارجية جواد ظريف بإلزام إيران بخطة العمل الشاملة المشتركة بدلًا عن السعي وراء الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية مع الصين.
وفي ضوء زيادة وتيرة المهاجمين سواء على المستوى البرلماني ازداد الهجوم على مستوى مواقع التواصل الإيرانية؛ إذ أعد الشباب الإيراني وسم #iranNot4SELLnot4RENT باللغة الإنجليزية وتم تداوله 17 ألف مرة خلال 24 ساعة، كما حاز وسم #تركمنجاي-الصينية على10 آلاف إعادة تغريد، وعلى إثر ذلك أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية عباس موسوي في يوم 8 يوليو عدم وجود أي وثيقة صحيحة حتى يتم الانتهاء من كافة المفاوضات مع الصين.
لماذا قبلت طهران بهذا الاتفاق؟
لم تكن التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة الإيرانية والتعقيد المتزايد في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة عن إنجاز المسودة النهائية لاتفاق الشراكة الذي تم التوافق عليه منذ 4 سنوات كاملة، إذ وافق مجلس الوزراء الإيراني في جلسة 23 يونيو الماضي على مسودة الاتفاق التي عُهد لوزير الخارجية جواد ظريف هندستها.
ويمكن تلخيص الدوافع الإيرانية لإنجاز هذا الاتفاق في النقاط التالية:
– التخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية الإيرانية وضخ استثمارات ضخمة لإنعاش الاقتصاد الذي تأثر تأثرًا مزدوجًا بالعقوبات الأمريكية من جهة وتداعيات فيروس كورونا على إيران والعالم من جهة أخرى، وهو ما سينعكس على انخفاض معدل البطالة، ويؤدي لتحسن صورة النظام الحاكم وتخفيف حدة المعارضة الداخلية.
– حماية المصالح الإيرانية على المستوى الدولي وتأمين الدعم الدبلوماسي الصيني لطهران في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة من خلال اتفاق الشراكة، وذلك في ضوء انسحاب عدد من الدول الأوروبية من خطة العمل الشاملة المشتركة، وسعي طهران لتقليص تأثير حملة الضغط الأقصى الأمريكية.
– حجز موقع متقدم في مبادرة الحزام والطريق الصينية نظرًا لأنها تشكل نظامًا اقتصاديًا جديدًا ومستقلًا بعيدًا عن الولايات المتحدة.
– محاولة تفادي خنق الاقتصاد المحلي الإيراني في ضوء التهديد بقطع الوصول إلى النظام المصرفي الدولي لأي شركة تتعامل مع إيران، وذلك في ضوء إعادة فرض العقوبات على طهران، وهو ما يؤدي إلى هروب المستثمرين وشركات التجارة الدولية.
– يمثل الاتفاق أهمية كبيرة لقطاع الطاقة الإيراني الذي يحتاج إلى استثمارات تقدر بمئات المليارات من الدولارات في قطاعات النفط والبتروكيماويات.
المصالح الصينية
يتيح اتفاق الشراكة مصالح سياسية واقتصادية متعددة للصين التي تسعى لخلق محور جديد يضم إيران وباكستان والعراق وسوريا ولبنان بهدف تغيير توازن القوى الإقليمية بالمنطقة، وامتداد النفوذ الصيني إلى الشرق الأوسط بشكل كبير، وذلك في ضوء المتغيرات الاقتصادية العالمية جراء فيروس كورونا، والصدام مع الإدارة الأمريكية بشكل متكرر منذ بدء تفشي فيروس كورونا على مستوى العالم.
ويمكن تلخيص الدوافع الصينية لإنجاز هذا الاتفاق في النقاط التالية:
– الحصول على الكميات التي تحتاجها من النفط والغاز والبتروكيماويات بالتخفيضات المتفق عليها، وقد أشار خبراء الاقتصاد النفطي إلى أن الاتفاقية تتيح لبكين حق التأخير في سداد المدفوعات الإيرانية حتى سنتين، بالإضافة إلى إمكانية دفع المستحقات الإيرانية بالعملات السهلة أو باليوان الصيني وهو ما يعني عدم استخدام الدولار الأمريكي في المدفوعات الإيرانية.
– يفتح اتفاق الشراكة الباب أمام الصين لتسريع وتيرة تنفيذ مبادرة الحزام والطريق واستغلال الموانئ السورية واللبنانية مرورًا ببغداد بموجب النفوذ الإيراني في الدول الثلاث، وإن كان لبنان هو الأقرب وذلك نظرًا لتطلع الصين إلى ميناء طرابلس في شمال لبنان، وقيام حزب الله اللبناني بعرقلة المفاوضات بشأن خطة الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي والسعي الحكومي للحصول على دعم صيني، إذ استقبل حسان دياب خلال الشهر الماضي سفير الصين لدى لبنان وانغ كيجيان، وبعد ذلك تم توجيه وزير الصناعة اللبناني عماد حب الله بدراسة فرص التعاون مع بكين، وقد أشارت”أسوشيتد برس” في تقرير لها إلى أن بكين عرضت الإسهام في إنهاء أزمة الطاقة المستمرة منذ عقود في لبنان عبر شركاتها الحكومية، وعرضت أيضًا إنشاء شبكة محطات طاقة ونفق يصل بين بيروت ووادي البقاع، وسكة حديدية على طول سواحل لبنان.
– سعي بكين للحصول على موقع استراتيجي في مدخل الخليج العربي وهو ما يتحقق لها من خلال اتفاق الشراكة، إذ ستتمكن الصين من الوصول إلى مرافق الموانئ في إيران بما فيها ميناءين على طول ساحل بحر عمان، ويتيح موقع ميناء جاسك على مضيق هرمز الذي يمر عبره معظم النفط العالمي للصين ذلك الموقع الذي يمثل أهمية استراتيجية حاسمة للولايات المتحدة الأمريكية.
– كسب موقع جيوسياسي أفضل لتحدي الولايات المتحدة، وذلك بهدف تخفيف الضغط الأمريكي على مصالح الصين الأساسية في البحر الشرقي وبحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، واتباع سياسة مرنة منخفضة التكلفة في دعم طهران أمام واشنطن، وتحمل الصين للعقوبات الأمريكية على الشركات الصينية نتيجة الاستثمار الصيني في إيران، وقد أشار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إلى أن بلاده ستواصل فرض التكاليف على الشركات الصينية التي تساعد إيران.
– السعي لاستقطاب العراق وسوريا ولبنان من خلال اتفاقيات مشابهة تسمح بمزيد من الاستثمارات الصينية التي تساهم في حل الأزمات الاقتصادية العنيفة بالبلدان الثلاث، وهو ما يهدد النفوذ الأمريكي بالمنطقة ويضع الإدارة الأمريكية تحت ضغط كبير، وهو ما يحقق هدف بكين في المواجهة غير المباشرة للضغط الأمريكي بعيدًا عن مناطق المصالح الصينية المباشرة إلى المناطق القريبة من المصالح الأساسية الأمريكية في المنطقة.
التفاف أمريكي؟
بالرغم من عدم اتضاح مصير الاتفاق حتى الآن إذ يتعين الموافقة عليه من قبل البرلمان الإيراني قبل تنفيذه والمعارضة الداخلية التي تواجهه، إلا أنه حال تمريره والموافقة عليه فسيكون تحولًا كبيرًا للغاية في موازين القوى بالشرق الأوسط ويدخل بالصراع الأمريكي – الصيني إلى مرحلة جديدة، وقد تسعى الولايات المتحدة خلال الفترة القادمة إلى تهدئة الصراع مع إيران عبر السماح لعدد من الوسطاء الأوروبيين ببذل الجهد للتوصل إلى منطقة مشتركة تسمح للنظام الإيراني بالتقاط الأنفاس للحيلولة دون الاصطفاف الإيراني الكامل مع الصين واللجوء إلى تمرير الاتفاقية وإدخالها حيز التنفيذ، وبالتالي تسعى واشنطن إلى إيقاف مسيرة الجبهة الوليدة التي قد تزيد من المشاكل التي يواجهها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وهو ما قد يؤثر على حظوظه في الفوز بفترة رئاسية جديدة.
باحث أول بالمرصد المصري