دول المشرق العربي

هل يستمر الهدوء الحذر في الجنوب اللبناني؟

ساد الهدوء الحذر مناطق الجنوب اللبناني بعد تصاعد الأحداث العسكرية أول أمس في منطقة مزارع شبعا وكفر شوبا والهبارية، وذلك في ظل تكثيف العمليات الاستطلاعية للطيران الحربي الإسرائيلي، والتي سجلت حتى يوم أمس 28 يوليو 29 خرقًا للأجواء اللبنانية الجنوبية بحسب بيان صادر عن مديرية التوجيه بقيادة الجيش اللبناني، وأثار التصاعد العسكري الأخير ردود فعل متعددة بالداخل اللبناني وعلى المستويين الإقليمي والدولي، فهل تستمر حالة الهدوء الحذر أم نشهد تصاعدًا قريبًا في الأحداث؟     

استنكار رسمي وتحرك للأمم المتحدة

ترأس الرئيس اللبناني ميشيل عون جلسة المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا أمس الثلاثاء وأدان “عون” الاعتداء الإسرائيلي على الجنوب اللبناني، مشيرًا إلى أنه يمثل تهديدًا لمناخ الأمن والاستقرار هناك، خاصة مع اقتراب موعد مناقشة مجلس الأمن الدولي تجديد مهام “اليونيفيل” في الجنوب.

وأكد “حسان دياب” رئيس الحكومة اللبنانية أن إسرائيل اعتدت على السيادة اللبنانية مجددًا وخرقت القرار 1701 عبر تصعيد عسكري خطير، معربًا عن تخوفه من انزلاق الأمور للأسوأ، مطالبًا بالحذر خلال الأيام القادمة في ظل التوتر الحدودي حاليًا. 

ولفت “دياب” إلى أن إسرائيل تسعى إلى تعديل مهام القوات الدولية العاملة في الجنوب اللبناني “اليونيفيل” وقواعد الاشتباك، مؤكدًا أن لبنان يواجه في الفترة الحالية تحديات استثنائية.

والجدير بالذكر أن تفويض قوة “اليونيفيل” سوف ينتهي خلال شهر أغسطس القادم وقد اقترحت الولايات المتحدة في مايو الماضي تعديل مهام القوات لتصبح أكثر مرونة وقدرة على الحركة، وهو الاقتراح الذي دعمه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جويتيرش خلال شهر يونيو الماضي، لكن قوبل ذلك الاقتراح برفض مطلق من جانب حزب الله الذي اعتبر هذا المقترح مطلبًا إسرائيليًا.

وقال “ناصيف حتي” وزير الخارجية اللبناني أن الحكومة اللبنانية ستتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن ضد إسرائيل ليتحمل المجلس والمجتمع الدولي مسؤولياتهم تجاه هذا العدوان الواضح، مؤكدًا تمسك بيروت بالقرار 1701 وعدم المساس بقوات “اليونيفيل”، مشيرًا إلى أن المخاوف الإسرائيلية من هجوم محتمل لحزب الله غير مبررة. 

وعلى الصعيد العسكري أعلنت مديرية التوجيه بقيادة الجيش اللبناني أنه بتاريخ 27 يوليو 2020 ومن الساعة 00.50 وحتى 28 يوليو2020 الساعة 00.05، تم تسجيل 29 خرقًا جويًا معاديًا تخللها تنفيذ طيران دائري فوق مناطق الجنوب، وأنه يتم متابعة تلك الخروقات بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. 

تصاعد الرفض الداخلي لممارسات حزب الله

أصدرت الكتلة النيابية لـ”تيار المستقبل” بزعامة “سعد الحريري” رئيس الحكومة اللبنانية السابق بيانًا قالت فيه إن الحكومة اللبنانية والوزارات المعنية غابت عن التطورات العسكرية بالجنوب اللبناني وقررت النأي بنفسها عن أي تحديات على هذا المستوى من الخطورة والأهمية وسلمت زمام الأمور للجهات الحزبية. 

وأكدت الكتلة في بيانها أن الدفاع عن لبنان ليس اختصاصًا عسكريًا وسياسيًا لفئة معينة من اللبنانيين وذلك في إشارة إلى حزب الله دون تسميته مباشرة، وشددت على ضرورة الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1701 والتنسيق مع قوات “اليونيفيل” في الجنوب واضطلاع الدولة ومؤسساتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية بمسؤولياتها. 

وصرح “سمير جعجع” رئيس حزب “القوات اللبنانية” لوكالة أسوشيتد برس بأن التطورات العسكرية الأخيرة تقدم مؤشرًا واضحًا على أن الحكومة اللبنانية الحالية المدعومة من حزب الله لا تملك القرار السيادي في الجنوب وعلى طول الحدود مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن حزب الله يمسك بالقرار الاستراتيجي للدولة، وأن التحالف بين الرئيس ميشيل عون وحزب الله هو ما أوصل لبنان للوضع الحالي، مؤكدًا أن هذا التحالف سيواصل السياسة نفسها خلال الأشهر المقبلة وبالتالي ستستمر الأزمة السياسية والاقتصادية الحالية، ولن تحل تلك الأزمات إلا بعد سحب الحزب مقاتليه من اليمن وسوريا والعراق والتوقف عن تنفيذ السياسية الإيرانية. 

وفي مقابل تصريحات “جعجع” المهاجمة لحزب الله، قال “جبران باسيل” رئيس “التيار الوطني الحر” الذي توجه له اتهامات دائمة بتنفيذ سياسات حزب الله في تصريحات إعلامية ” هل هناك في لبنان من لا يتكلم مع حزب الله ولو من تحت الطاولة؟ حتى القوات اللبنانية يفعلون ذلك ويسعون إلى ذلك مع إيران أيضًا وانا اعرف ما اقول”، وهو ما دفع “القوات اللبنانية” إلى نفي تلك التصريحات جملة وتفصيلاً.

وتعليقًا على حالة الغموض المصاحبة للتطورات العسكرية قال “سامي الجميل” رئيس حزب “الكتائب” في تغريدة له عبر موقع “تويتر”، “في الوقت الذي ننتظر فيه شرحًا رسميًا من دولتنا لما حصل في الجنوب، وبانتظار أن يتفق حزب الله واسرائيل على رواية موحدة، يستمر مسلسل البهدلة قدام الأجانب”.

كما هاجم “وليد جنبلاط” رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الحكومة اللبنانية وأشار إلى أوجه التشابه بين العراق ولبنان من حيث آثار التدخل الإيراني على الأوضاع في البلاد، إذ قال “الذي يسمع أخبار العراق من انقطاع للكهرباء إلى شبه نفاد المياه في دجلة والفرات إلى تبخر عائدات النفط التي تنفق على معاشات وهمية تخصّ فلول الحشود الشعبية إلى غزو البضائع الإيرانية، يرى بعضًا من الشبه والحالة اللبنانية، لا يُحسد الكاظمي على وضعه ولا يُحسد الشعب اللبناني على حكومة الديب”.

وفي نفس السياق هاجم “وهبه قاطيشا” عضو تكتل “الجمهورية القوية” في تغريدة له على موقع “تويتر” موقف الحكومة اللبنانية متهمًا إياها بالتنازل عن الجنوب اللبناني لحزب الله، وقال “قبل خمسين عاما، تخلّت الدولة عن منطقة العرقوب، للمنظمات الفلسطينية فسقطت الدولة اللبنانية. بالأمس تجدد تخلي الدولة عن العرقوب لجماعة “لقيطة” من المسلّحين المجهولي الهوية. أي مصير مجهول ينتظر لبنان؟”.

بينما شن وزير العدل السابق “أشرف ريفي” هجومًا عنيفًا على حزب الله والحكومة، وقال في تغريدات له عبر موقع “تويتر” أن “يسقط مقاتل له في سوريا في الحزب في شبعا فهذا يختصر ماهية الممانعة”، مضيفًا أن “الغارات في سوريا والضربات في إيران والرد من لبنان”، وقال “ريفي” أن الحكومة اللبنانية لا تعلم بما جرى في الجنوب وسألها عن دورها في مصلحة وحماية أمن لبنان واللبنانيون.  

واعتبر النائب السابق “فارس سعيد” أن بيان حزب الله على إثر أحداث مزارع شبعا ضعيف جدًّا، وسأل عبر حسابه على تويتر “أحداث مزارع شبعا هي نسف لحياد لبنان أو حياد سوريا؟” مضيفا:”حمى الله لبنان”.

دعم إيراني يمني فلسطيني للبنان

في نفس يوم الهجوم أكد “محمد جلال فيروزنيا” السفير الإيراني في لبنان على وقوف بلاده إلى جانب لبنان وذلك بعد لقائه مع مفتي الجمهورية الشيخ “عبد اللطيف دريان”، وأضاف أن إسرائيل ليست في وضع يسمح لها بارتكاب حماقات أو مغامرات، مؤكدًا أنها في حال أقدمت على ارتكاب أي حماقات فيسكون هناك ضربة قاسية بانتظارها بدون شك. 

وأشار ” فيروزنيا” إلى وقوف طهران بكل ما أوتيت من طاقات وإمكانات إلى جانب لبنان في المرحلة الحساسة الحالية، وأنها لن تبخل بأي مساعدة أو مؤازرة أو دعم يطلب منها، مؤكدًا أن هذه المساعدات لا تنحصر بفئة خاصة من أبناء الشعب اللبناني “في إشارة إلى حزب الله” وإنما تشمل كل أبناء لبنان وكل أطيافها سواء مسلمين أو مسيحيين أو سنة وشيعة. 

كما أكد وزير الخارجية اليمني في حكومة الإنقاذ التابعة للحوثيين “هشام شرف” أن أي استهداف للمقاومة اللبنانية يعتبر استهدافًا لمحور المقاومة بأكمله، مشيرًا إلى أن إسرائيل تعرف جيدًا أن محور المقاومة يجمع دولًا وقوى عدة في المنطقة، ولن يكون من مصلحتها خلق حرب إقليمية جديدة يمتد تأثيرها ليتجاوز لبنان وسوريا وما وجاورهما إلى مياه إقليمية ودولية. 

كما أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية أن القصف الإسرائيلي للأراضي العربية في لبنان وسوريا عدوان متجدد يعكس حالة التخبط التي يعيشها العدو خوفًا من رد المقاومة، مؤكدة أن فصائل المقاومة في كل الجبهات لها كامل الحق في الرد على تلك الاعتداءات المتكررة، وأدانت حركة “حماس” الاعتداءات الإسرائيلية وشددت على دعمها لحق لبنان وسوريا وسوريا والمقاومة في التصدي لها والرد عليها. 

واشنطن تؤكد خطورة حزب الله  ودعوة أممية للتهدئة

أكد مسؤول بالخارجية الأمريكية في تصريحات لقناة “الحرة”  أن حزب الله منظمة إرهابية تهدد استقرار لبنان وأنه يعمل لمصلحة إيران على حساب الشعب اللبناني، وأضاف أن الأنشطة غير المشروعة للحزب تهدد الأمن والاستقرار والسيادة اللبنانية، مؤكدًا أن الولايات المتحدة قد أعربت مرارًا وتكرارًا سواء في العلن أو في الجلسات الخاصة عن مخاوفها الكبيرة حول سلوك حزب الله، مشيرًا إلى أن عمليات الحزب ضد إسرائيل تقوض أمن الشعب اللبناني، ومؤكدًا دعم بلاده حق إسرائيل في الدفاع عن النفس.

وقال “فرحان حق” المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة خلال مؤتمر صحفي عبر دائرة تلفزيونية بمقر المنظمة بنيويورك، أن المنظمة تدعو الطرفين إلى الهدوء وضبط النفس وأنها تقوم بتقييم الوضع حاليًا، مشيرًا إلى أن “ستيفانو ديل كول” رئيس “اليونيفيل” في لبنان قد أجرى اتصالات مع الطرفين لحثهما على التزام التهدئة، وأن البعثة سترفع تقريرها حول ما يجري في الوقت المناسب، وذلك في ظل الغموض الذي مازال يشوب الموقف. 

هل يستمر الهدوء الحذر؟

بالنظر إلى تطورات الموقف سواء في الداخل اللبناني أو في إسرائيل، نجد أن الجبهة الداخلية لكلا الطرفين تشهد عددًا من التعقيدات والتطورات التي تجعل من الصعب قيام أحدهما بتبني خيار دفع الأمور نحو التصعيد خلال الأيام القادمة.

فعلى الجانب اللبناني نجد أن البلاد تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة وفشل المفاوضات الحكومية مع صندوق النقد تستحوذ على اهتمام الرأي العام اللبناني، بالإضافة إلى زيادة حدة أزمة كورونا في البلاد والمخاوف من عدم تحمل القطاع الصحي لزيادة الإصابات، هذا بجانب الحدث الهام خلال الأيام القادمة وهو صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في السابع من الشهر القادم والمتهم فيها 4 من كوادر حزب الله، وتأكيد “حسان دياب” خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع على التعامل مع الارتدادات المتوقعة للحكم، والتعاطي معها لوقف ما قد يلجأ له البعض  مواجهة أي فتنة متوقعة وعدم التساهل في ذلك.

وعلى الجانب الإسرائيلي نجد أن هناك أزمة صحية واسعة النطاق نتيجة الفشل الحكومي في السيطرة على فيروس كورونا، بجانب الانقسامات الحادة في الائتلاف الوزاري لبنيامين نتنياهو وتظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين في الشوارع للمطالبة باستقالته، بالإضافة إلى استمرار الملاحقة القانونية لنتنياهو بسبب قضايا الفساد المالي. 

وبناء على ذلك، يُتوقع أن ينأى حزب الله بنفسه عن أي عمل قد يؤدي إلى تجدد الحرب في الجنوب حتى لا يتحمل فاتورة النتائج الكارثية الناجمة عن هذا العمل في ظل الظروف اللبنانية الحالية، ولكن من الممكن أن يتغير هذا التوقع بعد صدور حكم المحكمة بشأن قتلة “رفيق الحريري” ولجوء الحزب لعمل ما لتخفيف الضغط عنه، كما أنه من المتوقع أن تكتفي إسرائيل بالتطور العسكري الأخير خلال الفترة القادمة، وذلك انطلاقًا من مسيرة المواجهات المحدودة والرسائل المتبادلة التي شهدتها التطورات العسكرية بين الطرفين خلال السنوات الماضية.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى