المراكز الأسيوية

“أطفال في سجون أردوغان” تقرير يوثق انتهاكات نظام أردوغان لحقوق الطفل

تتعدد الانتهاكات التي يقوم بها النظام التركي منذ محاولة الانقلاب المزعومة في 15 يوليو 2016، واحتلت تركيا المرتبة الرابعة في قائمة الدول التي يتعرض شعبها لانتهاك حقوق الإنسان، إذ ارتفعت نسبة الانتهاكات عام 2018 بنسبة 20% عن العام الذي سبقه، ولم يتوان النظام التركي عن سحق كل معارضيه من كافة الطوائف والأعمار، حتى طالت انتهاكاته الأطفال، منتهكًا بذلك بنودًا عدة من اتفاقية حقوق الطفل التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1989 ووقعت عليها تركيا. وقد أصدر مركز نسمات للدراسات الاجتماعية والحضارية تقريرا بعنوان “أطفال في سجون أردوغان”، سلط الضوء على هذه الانتهاكات التي يمارسها النظام التركي ضد الأطفال.

وأقرت “اتفاقية حقوق الطفل” التي اعتمدتها الأمم المتحدة وأقرتها الدول الموقعة ومنها تركيا، 50 نوعاً من أنواع التمييز ضد الأطفال ومنها التمييز ضدهم بناء على هوية أبويهم كما هو الحال في تركيا التي يقبع فيها 864 طفلاً بينهم 149 رضيعاً داخل السجون مع أمهاتهم نتيجة حملة الاعتقالات التي نفذتها الحكومة ضد أبناء حركة “الخدمة”.

المادة 2 (عدم التمييز)

تنص المادة على أن الدول الموقعة على الاتفافية تضمن لكل طفل يخضع لولايتها عدم التعرض لأي نوع من أنواع التمييز، بغض النظم عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه، أو لونه أو جنسه أو لغته أو دينه أو رأيه السياسي أو غيره، وتتخذ الدول الموقعة جميع التدابير المناسبة التي تحمي الطفل من جميع أشكال التمييز، أو العقاب القائم على أساس آراء والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه، أو أعضاء الأسرة أو أنشطتهم أو أرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم. 

وتنتهك تركيا تلك المادة إذ وظفت كافة الإجراءات الاستثنائية لتقليص حقوق الإنسان والانتقاص منها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016 وحتى الآن، وتعرض الأفراد الذين لهم صلة بحركة الخدمة لأنواع من التهميش والتمييز المباشر والغير مباشر، ولجأ النظام التركي لأساليب عديدة من العنف عن قصد ضد كل الأفراد المتعاونون مع الحركة وحتى المتعاطفين معها، مما أدى إلى لجوء الكثير من الأطفال إلى تغيير أسم العائلة حتى لا يعتبروا من المنتمين إلى حركة الخدمة، تجنباً لتعرضهم للتمييز داخل المدارس وأدى الضغط النفسي والمجتمعي الذي تعرض لها هؤلاء الأطفال إلى وفاة عدد منهم.

المادة 6 (الحق في الحياة والتنمية)

تنص المادة على أن الدول أطراف الاتفاقية تقر بأن لكل طفل حقاً أصيلاً في الحياة، وعليها تكفل إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه، وفي الحالة التركية نجد  أن عدداً من أعضاء الحكومة التركية قد أدلوا بتصريحات عقب محاولة الانقلاب الفاشلة بأن كل المنتمين لحركة الخدمة ليس لهم حق في الحياة وتبع تلك التصريحات مناقشة تفعيل عقوبة الإعدام ضدهم، وانعكست تلك الإجراءات على الأطفال جراء الغاء الحكومة الضمان الاجتماعي لأطفال المقبوض عليهم وزوجاتهم أو أزواجهم، وأصبح رفض المراكز الطبية والمستشفيات لحالات الأطفال المقبوض على ابائهم أو امهاتهم أمراً عاديا، وهو ما انعكس على الحالة الصحية العامة للأطفال وتدهورها لدى الكثير منهم مما يهدد حياتهم.

ونتيجة لتلك الإجراءات توفى الطفل “فرقان ديزدار” في 7 فبراير 2017الذي يبلغ من العمر 12 نتيجة عدم سماح السلطات له بالسفر لتلقي العلاج، لأن أبويه ممنوعان من السفر بمرسوم طوارئ.

كما تدهورت الحالة الصحية الطفلة “عائشة سنا” ذات العامين والمصابة بمتلازمة “داون”، بعد اعتقال والديها دون سند قانوني، وأصيبت بفشل كلوي وتنفسي حاد، والتهاب رئوي جرثومي وتعفن الدم وازدياد نسبة التخلف العقلي، ووضعت الطفلة بالعناية المركزة بالمستشفى دون أن يكون بجانبها أحد، وتقدمت الأم مراراً وتكراراً بطلبات للتواجد مع أبنتها بالمستشفى دون أية ردود من السلطات.  

المادة 7 (حق الطفل في القيد والاسم والجنسية)

تقر تلك المادة بأن لكل طفل حق القيد في السجلات الرسمية باسم تعترف به الدولة، ولكل طفل الحق في الحصول على الجنسية التي من خلالها ينتمي إلى الدولة.

وقد أصدر النظام التركي في يناير 2017 بموجب حالة الطوارئ مرسوم قانون رقم 680 إذ نصت المادة 75 منه على إضافة إجراءات جديدة لنزع الجنسية التركية خاصة عن المواطنين الأتراك المقيمين في الخارج، وعلقت مؤسسة عديمي الجنسية (ISI) أن القانون يؤدي إلى الحرمان التعسفي من الجنسية للمواطنين الأتراك بما يخل بالحقوق الفردية، وتكمن خطورته الكبرى في عدم قدرة المواطنين على اللجوء إلى القضاء للتظلم من نزع الجنسية، وأن النزع التعسفي للجنسية سيحرم الآباء من نقل الجنسية إلى أبنائهم، 

ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة حرم العديد من المواطنون الأتراك بالخارج من الخدمات القنصلية بالإضافة إلى الغاء ومصادرة جوازات السفر ورفض تمديد صلاحية المنتهية منها، ورفض تقديم بطاقات الهوية أو جوازات السفر إلى الأطفال المولدين حديثا خارج تركيا، ويواجه هؤلاء الأطفال صعوبات في الحصول على الحقوق الأساسية كالتعليم والصحة والتنقل بالإضافة إلى أوضاع نفسية سيئة. 

المادة 20 (حق الطفل في التمتع بالدفء العائلي)

تقضي تلك المادة بأن الأطفال المحرومون من التنشئة في جو أسري سليم، لهم الحق في الرعاية الخاصة والمناسبة من خلال أفراد يحترمون انتمائهم العرقي والديني والثقافي واللغوي.

وفي أواخر نوفمبر 2016 صرح مسؤول بوزارة الأسرة والتضامن التركية إلى وسائل الإعلام بأن السلطات قد تنزع الأطفال من ذويهم إذا ثبت أن أولياء أمورهم من أنصار محاولة الانقلاب معللاّ ذلك بأنه ليس من الصواب بقاء الأطفال في حضانة من يثبت أنهم ذو صلة بحركة الخدمة، وهو ما يعد انتهاكاً واضحاً للمادة في ظل إذ اعلان النظام التركي تبنيه هذه السياسة.

المادة 23 (حقوق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة)

“كل طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة له الحق في الرعاية الخاصة والدعم حتى يستطيع أن يعيش حياة كاملة مستقلة آمنة وكريمة” هذا نصت المادة 23 من الاتفاقية، وتقدر الأمم المتحدة عدد الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة بتركيا بحوالي 8.5 مليون شخص بنسبة تقارب 13% من مجموع السكان.

وقد اتخذت تركيا إجراءات عقابية ضد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بحرمانهم من الحق في بيئة أسرية بعد اعتقال آبائهم أو القبض عليهم، وتعرض بعض من ذوي الإعاقة للاعتقال بدعوى المشاركة في محاولة الانقلاب بجانب الاغلاق التعسفي لعدد من مؤسسات الرعاية الصحية المتخصصة في رعاية ذوي الإعاقة بدعوى مشاركتها في الانقلاب، وهو ما انعكس على الحالة الصحية ومتابعتها لعدد كبير من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بتركيا.

وقد ألغت السلطات التركية مزايا خدمات الرعاية الصحية التي كانت تقدم للطفلين “عمر سيف الدين جاكماك” و”طوبي جاكماك” المصابين باعاقة تصل نسبتها إلى 98%، بعد أن اعتقلت والدهم “سيف الدين” الذي كان يعمل مدعياً عاماً، ولم تستطع والدتهم العمل لحاجة الأطفال للرعاية المستمرة، وتقدمت بأكثر من طلب لإطلاق سراح زوجها حتى محاكمته إلا أن رد المحاكمة كان صادماً حيث رفضت طلبات إطلاق السراح وأوصت بإيداع الأطفال بدور رعاية الأيتام فاقدي الأبوين.

المادة 24 (حق الطفل في الرعاية الصحية)

تنص المادة على أن لكل طفل الحق في رعاية صحية جيدة، وماء صالح للشرب، وطعام صحي، وبيئة نظيفة وآمنة، وتزويدهم بالمعلومات اللازمة للحفاظ على صحتهم، وقد أشار تقرير البنك الدولي في مايو 2016 إلى أن “التأمين الصحي الشامل إلزامي في تركيا، فكل شخص يجب أن يكون مؤمّنًا عليه إما بنفسه أو تحت رعاية مؤمّن عليه”.

  وفي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 تم تجميد الحسابات المصرفية للمفصولين من أعمالهم أو المحتجزين وخفض رواتبهم وإلغاء تأمينهم الصحي، وأصبحوا مطالبين بسداد أقساط التأمين الصحي، وهو الأمر المتعذر بسبب تجميد حساباتهم المصرفية وتخفيض رواتبهم.

وسجّل تقرير لمنظمة العفو الدولية أنه تم وقف المزايا الاجتماعية لأزواج أو أطفال الوالدين المحتجزين والموقوفين بسبب صلات مزعومة بحركة الخدمة، وفرضت الحكومة مزيدًا من القيود على الوصول إلى الرعاية الصحية عن طريق إغلاق المستشفيات وغيرها من مرافق الرعاية الصحية بدعوى صلاتها بحركة الخدمة، واعتبارًا من أغسطس 2017 تم فصل 6887 طبيبًا وآخرين ممن يعملون في وزارة الصحة، و8573 من أخصائي الرعاية الصحية.

وتطال أزمة الظروف الصحية ونقص الرعاية الطبية 864 طفلًا من الأطفال المحتجزين في السجون مع أمهاتهم، في ظل ظروف المعتقلات التي تكتظ بالمعتقلين إثر محاولة الانقلاب

ورغم أن البند الثالث من المادة 24 من معاهدة حقوق الطفل ينص على ضرورة اتخاذ جميع التدابير الفعّالة والملائمة لإلغاء الممارسات التقليدية التي تضر بصحة الأطفال، وهذا يتضمن حق الأطفال في الحماية من مثل هذه الممارسات الضارة مثل زواج الأطفال، ألغت المحكمة الدستورية التركية في يوليو 2016 مواد من القانون الجنائي تصنف جميع الأفعال الجنسية مع الأطفال دون سن الخامسة عشرة على أنهاء اعتداء جنسي. وهو ما يمهد الطريق أمام الحكومة لطرح مشروع قانون الاغتصاب الخاص بالأطفال، الذي أثار احتجاجات في كل أنحاء تركيا؛ لأنه ينص على أن يتم العفو عن المغتصبين للقصر إذ1ا ما تزوجوا بضحاياهم.

ومن أمثلة الانتهاكات التي تطال الأطفال المودعين مع أمهاتهم في السجون التركية، ما تعرض له الطفل محمد سليم سلجوك البالغ من العمر خمسة أشهر، واعتقل والداه، وأصيب أثناء إقامته مع والدته في السجن بمضاعفات أدت إلى احتياجه لإجراء عملية جراحية في عينه، ولم يتمكن من إجراء العملية لتعذر الحصول على موافقة الوالدين المعتقلين، كما تأثر الطفل سلبًا ببقائه في السجن نفسيًا وإدراكيًا بسبب طبيعة الجو العام بالسجن.

بالإضافة إلى حالة الطفلة بتول أكداغ التي اعتقلت مع والدتها في أبريل 2017، ولاقت تعنتًا من إدارة السجن في توفير الدواء الخاص بها لأنها مابة بمرض القلاع وهو التهاب فطري في الفم.

المادة 27 (حق الطفل في مستوى معيشي لائق)

تنص المادة على أن لكل طفل الحق في العيش بمستوى لائق يضمن له تلبية احتياجاته البدنية والنفسية، والحكومة عليها أن تساعد العائلات والأولياء غير القادرين على توفير المعيشة اللائقة لأطفالهم. وأكد تقرير لمنظمة العفو الدولية في مايو 2017، أن طرد أكثر من 100 ألف عامل في القطاع العام التركي كان تعسفيًا، وأدى إلى تأثير كارثي على حياتهم وسبل عيشهم، والعاملون في القطاع العام الذين ارتبطت منازلهم بعملهم، كان فصلهم يعني أيضًا فقدانهم وأسرهم مساكنهم.

وأوضح التقرير أن إجراءات الحكومة التركية كان لها تأثير مدمر على حياة ومعيشة مئات الآلاف من العائلات، وخاصة الأطفال الذين حُرموا بشكل كبير من حقهم في مستوى معيشة لائق، بل حُرموا من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم البدنية والنفسية.

المادة 28 (حق الطفل في التعليم)

تنص المادة على أن لكل طفل الحق في التعليم الأساسي، ويجب أن يُتاح بصورة مجانية، كما يجب تشجيع الشباب على إكمال تعليمهم والوصول إلى أقصى مراحل تعليمية يستطيعون الوصول إليها، ووفقًا للدستور التركي 1982 لا يمكن حرمان أي فرد من حقه في التعليم.

إلا أن الحكومة التركية استهدفت قطاع التعليم من خلال مجموعة من الإجراءات الضارة، عبر إغلاق آلاف المؤسسات التعليمية منذ عام 2015، وصل عددها إلى 2099 مؤسسة في جميع أنحاء تركيا، وواجه الطلاب في هذه المؤسسات عواقب خطيرة جرّاء إغلاق مدارسهم؛ إذ تم طردهم، وفصل 44385 مدرسًا وموظفًا إداريًا تعسفيًا، وأدى ذلك الفصل إلى التعنت مع أبنائهم في الحصول على أي فرص تعليمية ووصمهم بالإرهاب.

وأكد التقرير أنه بات من الواضح أن الحزب الحاكم في تركيا منذ قيادته للبلاد يسعى بصورة مستمرة ومنظمة لأدلجة التعليم ومؤسساته، وهو ما أعلن عنه الرئيس التركي أردوغان عندما أطلق على مشروعه التعليمي “الأجيال المتدينة”، مشيرة إلى أن التغيير في السياسات التعليمية يُعدُّ أمرًا حاسمًا بالنسبة لحكومة أردوغان لتعزيز أجندة الإسلام السياسي، وهي قاعدة خصبة للعناصر المتطرفة.

المادة 37 (الاحتجاز والعقاب)

تنص المادة على أنه لا يُعرّض أي طفل للتعذيب أو لغيره من دروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أما تركيا فبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 اعتقلت عشرات الآلاف في ظروف قاسية وغير آدمية. وأعربت مؤسسة الصحفيين والكتاب عن شعورها بالقلق بشكل خاص إزاء حالة الأطفال المحتجزين في السجون التركية مع أمهاتهم، والبالغ عددهم 668 دون سن السابعة وفقًا لوزارة العدل التركية في أغسطس 2017، والعدد في تزايد مستمر حتى بلغ 864 في أغسطس 2018.

النتائج والتوصيات

خلُص التقرير في نهايته إلى أن الأطفال في تركيا هم أكبر ضحايا التصفيات التعسفية التي تقوم بها الحكومة التركية ضد أفراد حركة الخدمة والمتعاطفين معها داخل تركيا وخارجها، مطالبة الحكومة التركية باتخاذ بعض القرارات المهمة على وجه السرعة –بموجب التزامها بالمواثيق الدولية- وهي:

  1. اتخاذ جميع التدابير اللازمة لإبطال جميع الإجراءات غير القانونية والإدارية وضمان عدم التمييز ضد الأطفال الذين فٌصل آباؤهم أو سجنوا بسبب صلاات مزعومة بحركة الخدمة.
  2. الأخ في الاعتبار مصلحة الطفل بصورة أساسية في كل ما يتم تنفيذه من إجراءات، لا سيّما الأطفال المحرومون من حقهم في الحرية والمحتجزون مع أمهاتهم.
  3. الاسترشاد بالمعاهدات الدولية في معاملة الأطفال
  4. ضمان عدم حرمان أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية والوصول إلى تلك الخدمات بلا تمييز.
  5. توفير الرعاية الصحية وضمان فوائد واستحقاقات الرعاية الاجتماعية لجميع الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية وقائية –بغض النظر عن معتقدات آبائهم السياسية-.
  6. إتاحة الوصول إلى الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية لجميع الأطفال والنساء الذين يرعون أطفالهم داخل السجون.
  7. منح الجنسية لجميع الأطفال المولودين لمواطنين أتراك.
  8. إصدار أحكام غير احتجازية بحق الحوامل والنساء اللواتي لديهن أطفال يعتمدون عليهن بصورة رئيسة.
+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى