تكثيف الضغط: قراءة في العمليات السورية لاستهداف قادة تنظيم داعش في درعا
تمكن الجيش السوري خلال الأيام الماضية من القضاء على عدد من قادة تنظيم داعش الإرهابي بمدينة درعا في عمليات أمنية نوعية، وذلك في سياق العملية العسكرية التي تنفذها القوات السورية للقضاء على العناصر الإرهابية هناك، ومن المؤكد أن تلك العمليات سيكون لها أثرًا كبيرًا على البناء الهيكلي للتنظيم وقوته نظرًا لأنها طالت عدد من قيادات الصف الأول لعناصر التنظيم الذي يشهد انتكاسات متتالية بعد مقتل زعيمه “أبو بكر البغدادي” في 27 أكتوبر 2019 في محافظة إدلب السورية.
تصفية قيادات الصف الأول بالتنظيم
أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” أمس الاثنين 15 أغسطس عن مقتل “محمود أحمد الحلاق” الملقب بـ”أبو عمر الجبابي” البالغ من العمر 36 عامًا في عملية أمنية نوعية نفذتها القوات الأمنية السورية في مدينة طفس بريف درعا الشمالي الغربي، ويعد من أبرز قيادات تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة الجنوبية في سوريا، وكان يتزعم الجناح العسكري لتنظيم داعش في حوض اليرموك سابقًا ومسؤول معسكرات التدريب هناك.
وقتل “الجبابي” الذي تعود أصوله إلى مدينة جباب بريف درعا الشمالي، بالقرب من معصرة الشمري شمال بلدة المزيريب ونقل جثمانه إلى المستشفى الوطني في مدينة طفس، وجدير بالذكر أنه كان ملازم أول منشق عن الجيش السوري والتحق بصفوف المعارضة السورية المسلحة في البداية، قبل أن ينضم إلى تنظيم داعش الإرهابي عام 2016، وانتشر على منصات التواصل الاجتماعي مقطع مصور له وهو يعلن انتمائه لتنظيم داعش ومسؤوليته عن مقتل أبو البراء الجلم عضو اللجنة المركزية والقاضي السابق في محكمة دار العدل في مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي.
وأشار بيان الوكالة إلى أن “الجبابي” كان يعمل مع الإرهابيين “أبو سالم العراقي” و”عبد الرحمن العراقي”، وكان الإرهابي “أبو سالم” قد فجر نفسه بحزام ناسف بعد إصابته بالرصاص خلال مواجهة أمنية نوعية مع أجهزة الأمن السورية، يوم الأربعاء الماضي الموافق التاسع من الشهر الجاري، إذ حاصرته القوات السورية في أحد المنازل ببلدة عدوان بريف درعا الغربي، وأكد مصدر أمني لوكالة سانا للأنباء أنّ “العملية النوعية كانت ضد مجموعة إرهابية انغماسية من جنسيات مختلفة، مؤلفة من 25 عنصراً، حاولت التسلل من منطقة النيرب باتجاه قرية جوباس في ريف إدلب الشرقي”، مشيرًا إلى أنها أسفرت عن سقوط معظم الإرهابيين بين قتيل وجريح.
وأشارت التقارير الصحفية إلى أن الإرهابي “أبو سالم” ينحدر من مدينة الموصل العراقية وأحد قادة داعش في جنوب سوريا، وملاحق من قبل القوات الحكومية، وكان قبل سيطرة القوات الحكومية على محافظة درعا في منطقة حوض اليرموك غربي درعا، ومن ثم غادر المنطقة وتنقل في عدة مناطق في المحافظة، وأسفرت عملية قتله عن سقوط قتيل وأربعة جرحى.
وتأتي تصفية “الجبابي” و”أبو سالم” بعد أكثر من شهر من تصفية “ماهر العقال” زعيم التنظيم في سوريا على يد القوات الأمريكية، إذ أشار بيان القيادة المركزية الأمريكية الصادر في 12 يوليو الماضي إلى أن عملية الاستهداف تمت عبر غارة بطائرة مُسيرة في شمال غرب سوريا وأنه تم التخطيط للعملية بشكل مكثف لضمان تنفيذها بشكل ناجح، وأكد البيان على أن العكال كان مسؤولًا عن تطوير شبكات تنظيم داعش خارج سوريا والعراق، كما تمت تصفية زعيم التنظيم “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” في مدينة إدلب في فبراير الماضي.
العملية العسكرية السورية في درعا
تأتي عملية تصفية قيادات تنظيم داعش في درعا على خلفية تصعيد أمني كبير تشهده مناطق الجنوب السوري صاحبها عمليات تهجير لعائلات مدينة طفس ووصول تعزيزات عسكرية كبرى للجيش السوري ودعمها بالفرقة 15 قوات خاصة وانتشارها في محيط المدينة وسط عمليات قصف بالأسلحة الثقيلة لعدد من المنازل المشتبه في اختباء قيادات داعش بها، وأطلق الجيش السوري العملية العسكرية بعد حوادث اغتيال لعناصر أمنية سورية في المحافظة ومنها مقتل رئيس مخفر شرطة خربة غزالة بريف درعا الشرقي في 2 يوليو الماضي في عملية تبناها تنظيم داعش رسميًا عبر وكالة أعماق التابعة لها، ووجود عدد من المطلوبين أمنيًا للجيش السوري في المدينة والمطالبة بتسليمهم وفق اتفاق التسوية الموقع في عام 2018.
ومنذ عام 2018 تشهد درعا انفلاتًا أمنيًا وانتشارًا كبيرًا للسلاح إذ سمح اتفاق التسوية الذي تم برعاية روسية ببقاء المقاتلين المعارضين واحتفاظهم بأسلحة خفيفة، وتكررت عمليات التفجير والقتل تجاه القوات الحكومية والموالين والمعارضين والمدنيين الذي كانوا على علاقات بمؤسسات أمنية أو حكومية، وتسلل عدد من عناصر داعش للمحافظة من منطقة حوض اليرموك بشكل أساسي، والتي شهدت معارك ضارية أدت إلى انتهاء جماعة “جيش خالد بن الوليد” التابعة لداعش هناك عام 2018، إلا أن تقارير أفادت بهروب عدد كبير من عناصر داعش الذين كانوا محتجزين في أحد سجون حوض اليرموك عام 2019، وإعادة تموضعهم في درعا وتنفيذ عدد كبير من العمليات.
وفي أواخر الشهر الماضي عقدت اللجنة الأمنية التابعة للجيش السوري في درعا اجتماعًا حضره العميد لؤي العلي مع وجهاء وأعضاء اللجنة المركزية في مدينة طفس في وقت سابق وأبلغتهم بوجود مطلوبين ومتهمين بالانتماء لتنظيم داعش في مقرات جنوب المدينة، وبأن خروج المطلوبين من المدينة سيجنبها العمليات العسكرية والاقتحام.
وعلى إثر ذلك، أصدر خلدون الزعبي الذي يقود مجموعات محلية مسلحة في طفس بيانًا يوم الاثنين الموافق 8 أغسطس الجاري أعلن فيه خروج المطلوبين من المدينة. وأبلغت اللجنة المفاوضة عن مدينة طفس بذلك لجنة النظام الأمنية، فردت الأخيرة بأنها سوف تتأكد من خروجهم. لكن مع صباح يوم الأربعاء الموافق 10 أغسطس الجاري بدأت القوات السورية عمليات تقدم واقتحام في اتجاه مقرات المجموعات المحلية المسلحة؛ بالتزامن مع تمهيد ناري وقصف تعرضت له المنطقة.
وأصبح من المؤكد أن الجيش السوري قد عقد العزم على تصفية قيادات تنظيم داعش في درعا أينما وجدوا دون التقيد باتفاقيات لوقف العملية العسكرية، وما يعزز ذلك ما تم إعلانه في 13 أغسطس من التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وإنهاء العمليات العسكرية وذلك عقب اجتماع ضم لجنة التفاوض في مدينة طفس مع رئيس جهاز الأمن العسكري.
ويقضي الاتفاق المشار إليه بإيقاف العملية العسكرية مقابل دخول قوات الجيش السوري للمدينة وتفتيش المنازل والمقرات المشتبه بها للتأكد من عدم وجود المطلوبين الأمنيين بها، وإقامة نقطة عسكرية مؤقتة في مبنى مؤسسة الأسمنت وانسحاب القوات السورية المحيطة بالمدينة خلال عدة أيام، وحضر هذا الاجتماع القياديين السابقين في “الجيش الحر” خلدون الزعبي ومحمد جاد الله الزعبي، والعقيد أبو منذر الدهني، وجدير بالذكر أن لجنة التفاوض قد توصلت في 28 يوليو الماضي لاتفاق بوقف اطلاق النار وانسحاب القوات المحاصرة للمدينة، مقابل خروج عدد من المطلوبين أمنيًا من المدينة، ولم تتوقف العملية العسكرية رغم تأكيد لجنة التفاوض على خروج جميع المطلوبين بالكامل وتنفيذ الاتفاق حينها.
مجمل القول، يتخذ تنظيم داعش من البادية السورية ومناطق الجنوب السوري مسرحًا عملياتيًا أساسيًا لإعادة التموضع منذ أن تم القضاء على آخر معاقله في قرية الباغوز في الشمال الشرقي في 2019. ويعمل في هذا الإطار على استغلال المساحات البينية التي تنتشر فيها فصائل مسلحة بالفعل للانغماس وسطها سواء لتنفيذ عمليات تستهدف الجيش السوري أو لخلق مرتكزات بها. وتشير العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري إلى السعي إلى تكثيف الضغط على التنظيم واستهداف قادته، وتشير كذلك إلى قدرة الجيش السوري على اختراق هذه البيئات معلوماتيًا، والتمكن من الوصول إلى قيادات التنظيم الإرهابي، واستغلال حالة الضعف المؤسسي والتنظيمي التي تعتري التنظيم إثر السقوط المتتالي لقادته سواءً قادته المركزيين بدءًا من اغتيال البغدادي في 2019 مرورًا باغتيال أبي هاشم الهاشمي القرشي في فبراير 2022 أو حتى على مستوى القيادات الوسطى مثل اغتيال زعيم التنظيم في سوريا ماهر العقال الشهر الماضي.