مصر

العلاقات المصرية – البحرينية.. تاريخ ممتد من الدعم الاستراتيجي المتبادل

يكشف استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم الخميس للملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين بشرم الشيخ، عن استراتيجية العلاقات المصرية البحرينية الممتدة لعشرات السنين التي تزخر بالعديد من المواقف المتميزة ، ووصلت هذه العلاقات إلى مرحلة متقدمة وعميقة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي وتبني كلا الدولتين رؤية مشتركة تجاه قضايا المنطقة والتحديات المشتركة وطرق التعامل معها، وهو ما يؤثر بشكل إيجابي على أمن واستقرار الخليج والأمن القومي العربي ومن ثم المنطقة العربية برمتها. 

مواقف تاريخية متبادلة

هناك روابط تاريخية تجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين، إذ يعود تاريخ التعاون بين البلدين إلى عام 1919 حينما وصلت أول بعثة تعليمية مصرية إلى البحرين قبل إعلان استقلالها، وتفاعل البحرينيين مع ثورة 23 يوليو 1952، والمظاهرات الحاشدة التي نظمها الشعب البحريني في عام 1956 رفضًا للعدوان الثلاثي على مصر، والمساندة الشعبية والمعنوية للقيادة المصرية بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عملية بناء السد العالي، فضلاً عن تبرعهم في حملة جمع التبرعات لصالح المجهود الحربي بعد نكسة عام 1967، واحتضنت مصر في جامعاتها المختلفة  أعدادًا كبيرة من الطلبة البحرينين قبل إنشاء جامعة البحرين، وكان معظم من تبوأ مراكز متقدمة في الوزارات البحرينية من خريجي الجامعات المصرية. 

كما كانت مصر في مقدمة الدول التي اعترفت باستقلال البحرين عام 1971 وقدم أول سفير مصري أوراق اعتماده في العاصمة المنامة عام 1973 حتى أقرت مصر عام 2002 التعديلات الدستورية التي تحولت بموجبها البحرين إلى النظام الملكي، وجاء موقف شيخ الأزهر خلال لقائه بالرئيس الإيراني على هامش القمة الإسلامية بالقاهرة في فبراير 2013، الذي أكد على ضرورة احترام الجميع لاستقلال البحرين وعروبتها وعدم التدخُل في شأنها الداخلي، ليضيف المزيد لرصيد الدعم المصري المستمر لسيادة المملكة وعروبتها.

وفي 24 يناير 1973 أهدى الرئيس الراحل أنور السادات ولي عهد البحرين ووزير الدفاع والقائد العام لقوة دفاع البحرين وقتها حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين حاليا وأهداه قلادة الجمهورية وهي قلادة تهدى لرؤساء الدول وأولياء العهود والمواطنين وغير المواطنين الذين يقومون بأعمال جليلة للجمهورية أوللإنسانية، وخلال حرب أكتوبر المجيدة وقفت البحرين بجانب مصر بكل ما تملك وكما يجب ان تكون، ولم تقتصر تلك المساندة على الموقف الرسمي فقط وإنما امتد كعادته إلى الموقف الشعبي وانطلقت سيارات الإسعاف في شوارع البحرين للتبرع بالدم للجيش المصري والتي تزاحم عليها أبناء البحرين في موقف يفيض بالوطنية والعطاء. 

كما استأنفت البحرين علاقاتها مع مصر بشكل سريع عقب المقاطعة العربية للقاهرة عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وكانت البحرين في مقدمة الدول التي أيدت ثورة 30 يونيو وشارك العاهل البحريني في عدد من المناسبات الهامة المصرية نذكر منها، حفل تنصيب الرئيس السيسي، وحفل افتتاح قناة السويس الجديدة، ومؤتمر مصر الاقتصادي لدعم الاقتصاد الوطني، فضلاً عن عدد من الزيارات الرسمية والتي كانت آخرها اليوم. 

حاضر مزدهر

منذ تولي السيسي مقاليد الرئاسة شهدت العلاقات المصرية البحرينية طفرة على كافة المستويات شأنها شأن الكثير من العلاقات المصرية العربية، وعززت مصر تعاونها الثنائي مع البحرين في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية وبحث مختلف القضايا العربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وخاصة مواجهة التنظيمات الإرهابية وعملية السلام في الشرق الأوسط. 

خلال الفترة من عام 2014 وحتى الآن كان هناك عدد من الزيارات والاتصالات الرسمية المتبادلة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك حمد بن عيسى آل خليفة لبحث التنسيق حيال مجمل التطورات على الساحة الإقليمية وتعزيز ركائز الاستقرار في المنطقة، وصون مقومات الأمن القومي العربي، فضلاً عن دفع العلاقات الثنائية في كافة مجالاتها، فضلاً عن الزيارات المتبادلة بين الوزراء والمسؤولين في كلا البلدين، بجانب توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية المشتركة في مختلف المجالات، كل هذا أدى إلى دفعات قوية في العلاقات المصرية البحرينية. 

كما شهد عام 2014 تنفيذ عناصر من القوات الجوية المصرية وسلاح الجو الملكي البحرين تدريبًا جويًا مشتركًا بالتعاون مع 9 دول عربية وأجنبية، وفي عام 2015 انطلقت المناورات المصرية البحرينية تحت اسم (حمد – 1) وهي مناورات بحرية وجوية وتثقوم على التدريب على أعمال الاستطلاع البحري للأهداف المعادية، واتخاذ أوضاع التشكيلات البحرية بدقة وسرعة عالية، والاستعداد القتالي المستمر لخوض المعارك البحرية والتعامل مع الأهداف البحرية المعادية بكفاءة عالية، كما نظمت مصر مناورات خالد بن الوليد مع البحرين وهي مناورات برية بين عناصر القوات الخاصة في كلا البلدين وتقوم على التدريب على مقاومة الإرهاب، وتحرير الرهائن، واقتحام الطائرات ووسائل المواصلات المختطفة، وتتم كلا المناورتين بصفة مستمرة. 

وساهم عدد كبير من رجال الأعمال المصريين في عدد من الشركات البحرينية بعدد من المجالات منها السياحة والاستشارات الهندسية والمحاسبة وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 500 مليون دولار خلال عام 2020 وشهد حجم التبادل نموًا بنسبة تتراوح ما بين 10 الي 15٪ رغم التداعيات والآثار السلبية جراء جائحة كورونا، بعد أن كان قرابة 100 مليون دولار في عام 2014، وارتفعت قيمة الصادرات المصرية للبحرين مسجلة 145 مليون دولار خلال أول 5 أشهر في العام الجاري مقابل 33.5 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي بنسبة زيادة 333%. 

قد تكون صورة لـ ‏‏‏٢‏ شخصان‏ و‏أشخاص يقفون‏‏

دعم كامل في مختلف القضايا

تناولت جلسة المباحثات الموسعة اليوم بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك حمد بن عيسى آل خليفة في شرم الشيخ، استعراض قضية سد النهضة والتي تعد من أكبر القضايا التي تواجه كل من مصر والسودان وتشكل تهديدًا وجوديًا لشعبي كلا البلدين، وأكد المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية في بيانه حول أعمال الزيارة، أنه تم استعراض آخر التطورات في ضوء البيان الرئاسي الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن السد، وجدد ملك البحرين موقف بلاده المتضامن والداعم لمصر والسودان، وتأييد كل ما يحفظ حقوقهما المشروعة وأمنهما المائي في نهر النيل، فضلاً عن دعم الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق ملزم عادل وشامل بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، بما يمنع الضرر ويعود بالنفع على كافة الأطراف اتساقاً مع قواعد القانون الدولي.

كما تناولت المباحثات عددًا من أبرز الملفات المطروحة على الساحة الإقليمية، خاصةً ما يتعلق بتطورات الأزمة الليبية، والأوضاع في أفغانستان، والجهود المشتركة للتصدي لتداعيات جائحة كورونا، حيث عكست المناقشات تفاهمًا متبادلًا بين الجانبين إزاء سبل التعامل مع تلك الملفات، كما تم التوافق على تعظيم التعاون والتنسيق المصري البحريني لتطوير منظومة العمل العربي المشترك، بما يساعد على حماية الأمن القومي العربي وتعزيز القدرات العربية على التصدي للتحديات التي تواجه المنطقة والتهديدات المتزايدة للأمن الإقليمي، خاصةً من خلال التدخلات الخارجية في الشؤون السيادية لدول المنطقة، حيث شدد السيسي في هذا الإطار على التزام مصر بموقفها الثابت تجاه أمن الخليج ورفض أية ممارسات تسعى إلى زعزعة استقراره.

كما شهدت المباحثات تبادل الرؤى فيما يخص تطورات عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث أشاد العاهل البحريني بالتحركات المصرية الأخيرة في هذا الملف على أعلى مستوى، وكذا الجهود المصرية الحثيثة لتثبيت وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومبادرة مصر لإعادة إعمار قطاع غزة، وقد أكد الجانبان أهمية العمل في هذا الصدد على تكثيف الجهود الدولية بهدف حلحلة عملية السلام واستئناف المفاوضات، سعيًا نحو تسوية الأزمة الفلسطينية استنادًا لقرارات الشرعية الدولية.

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى