الحوار الوطني

قانون الأحزاب السياسية على مائدة الحوار الوطني

تنطلق غدًا الأحد فعاليات ثاني جلسات المحور السياسي للحوار الوطني بعد انطلاقه رسميًا قبل أيام، وتناقش الجلسة عدد من القضايا المهمة من بينها دعم وتعزيز نشاط الأحزاب وإزالة المعوقات أمامها، وتشكيل واختصاصات لجنة الأحزاب، والحوكمة المالية والإدارية داخل الأحزاب. وترتبط جميع هذه القضايا بشكل أو بأخر بقانون الأحزاب السياسية المعمول به منذ عام 1977 مما يسلط دائرة الضوء على جدوى القانون بشكله الحالي ومدى الحاجة إلى إجراء بعد التعديلات عليه ليكون مناسبًا بشكل أكبر لإثراء الحياة السياسية في مصر.

الأحزاب السياسية في مصر

تشكل الأحزاب السياسية في مصر عنصرًا مهمًا يرتبط بجذور عميقة في تاريخ مصر الحديث، إذ نشأت وتطورت مع نهاية القرن التاسع عشر ومرت بالعديد من التفاعلات والانعكاسات المختلفة، إذ فتح تأسيس مجلس شورى النواب عام 1866 الباب للتفكير في العمل الحزبي، وهو ما أخذ منحى تصاعديًا انعكس بشكل كامل في عام 1907 الذي شهد تأسيس عدد كبير من الأحزاب حينها نذكر منها حزب الأمة وحزب الإصلاح والحزب الوطني والحزب الوطني الحر وغيرها، وكان الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل أكثر الأحزاب نشاطًا على الساحة الحزبية المصرية حينها، ولم يتأثر برحيل زعيمه عام 1919 بل تطور للأفضل بعد تولي محمد فريد رئاسة الحزب.

ومثل دستور عام 1923 محطة جديدة في تطور الحياة الحزبية في مصر، حيث تزايد عدد الأحزاب التي تم تأسيسها على مختلف التوجهات والأهداف، وتميزت هذه المرحلة بشعبية كبيرة لحزب الوفد وذلك في ظل صدامه مع القصر الملكي بعد وصوله إلى السلطة، وقسم المؤرخون الأحزاب السياسية خلال هذه الفترة إلى 5 مجموعات وهي، الأحزاب الليبرالية مثل حزب الوفد، والأحزاب الاشتراكية مثل حزب مصر الفتاة، وأحزاب السرايا مثل حزب الشعب، والأحزاب النسائية مثل حزب بنت النيل السياسي، والأحزاب والجماعات الدينية مثل جماعة الإخوان المسلمين.

واختلفت الأوضاع بعد ثورة يوليو 1952، إذ أصدر مجلس قيادة الثورة في 18 يناير 1953 مرسوم قانون رقم 37 لسنة 1953 بحل جميع الأحزاب السياسية القائمة ومصادرة أموالها وتسليمها إلى مندوبين يتم تعيينهم بواسطة وزير المالية، وحظر تكوين أحزاب جديدة وحظر أعضاء الأحزاب السياسية المنحلة القيام بأي نشاط حزبي وحظر تقديم أي مساعدة لهم تساعدهم على القيام بالنشاط الحزبي، على أن يعاقب المخالفين للقانون بالحبس والغرامة لا تتجاوز ألفين جنيهًا أو بأحدي هاتين العقوبتين. وبذلك القانون يكون قد انتهى عصر التعددية الحزبية في مصر لفترة مؤقتة.

قانون الأحزاب السياسية منذ عام 1977 وحتى الآن

عادت الحياة الحزبية المصرية مرة أخرى بعد إصدار الرئيس الراحل أنور السادات قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لعام 1977، وكانت نواته الأولى قيام ثلاثة منابر حزبية في إطار الاتحاد الاشتراكي وهي اليمين واليسار والوسط، ثم تم تطويرها إلى أحزاب سياسية شكلت النواة الأولى التعددية الحزبية في شكلها الجديد ونشأت 3 أحزاب في ضوء المتغيرات الجديدة وهي، حزب مصر العربي الاشتراكي، وحزب الأحرار الاشتراكيين، وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.

واشتمل القانون على كل ما يخص الأحزاب السياسية، واشترط عدد من الأمور التي يجب استيفائها للسماح بتأسيس الحزب في المادة (4) وهي كالتالي:

  • أن يكون للحزب اسم لا يماثل أو يشابه اسم حزب قائم.
  • عدم تعارض مبادئ الحزب أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه فى ممارسة نشاطه مع الدستور أو مقتضيات الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي.
  • عدم قيام الحزب فى مبادئه أو برامجه أو فى مباشرة نشاطه أو فى اختيار قياداته أو أعضائه على أساس ديني أو طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو إلى استغلال المشاعر الدينية أو التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العقيدة.
  • عدم انطواء وسائل الحزب على إقامة أى نوع من التشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية.
  • عدم قيام الحزب كفرع لحزب أو تنظيم سياسي أجنبي.
  • علانية برامج الحزب وأهدافه وأساليبه وتنظيماته ووسائل ومصادر تمويله.

وأجريت بعض التعديلات على القانون عام 2005 بموجب القانون رقم 177، شملت استبدال نصوص المادة 4 والبند أولاً من المادة 5، وصدر المادة 6 والبند (2) منها، والمواد 7، 8، 9، 11، 15، 16، 17، 18 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية، ونخص بالذكر من التعديلات أنها اشترطت تقديم إخطارًا كتابيًا عن تأسيس الحزب إلى رئيس لجنة شؤون الأحزاب السياسية ممهورًا بتوقيع ألف عضو على الأقل من الأعضاء المؤسسين، وأن يكونوا من 10 محافظات على الأقل بما لا يقل عن 50 عضوًا من كل محافظة وذلك وفقًا للمادة السابعة المعدلة.

وكذلك تم تعديل لجنة شؤون الأحزاب وفق المادة الثامنة، على أن تتكون من رئيس مجلس الشورى بصفته رئيسًا للجنة، وعضوية كل من (وزير الداخلية – وزير شؤون مجلس الشعب – ثلاثة من بين الرؤساء السابقين للهيئات القضائية أو نوابهم من غير المنتمين إلى أى حزب سياسي – ثلاثة من الشخصيات العامة غير المنتمين إلى أى حزب سياسي).

وبعد يناير 2011 كانت هناك حاجة مُلحة إلى فتح المجال أمام الكيانات السياسية المختلفة لتمارس دورها وفق نظام محدد يرسي دولة القانون والمؤسسات، وبشكل يمكن من خلاله تلبية تطلعات الشعب المصري حينها، وانطلاقًا من هذا أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يتولى إدارة شؤون البلاد حينها القانون رقم ١٢ لسنة ٢٠١١ الصادر في 28 مارس، ونص في مادته الأولى على استبدال نصوص المواد أرقام (٤، ٦ بند “١”، ٧، ٨، ٩، ١١، ١٧) من القانون رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧ الخاص بنظام الأحزاب السياسية، وكانت أهم التعديلات كالتالي:

– المادة 7، يقدم الإخطار بتأسيس الحزب كتابة للجنة الأحزاب المنصوص عليها فى المادة (٨) من هذا القانون، مصحوبًا بتوقيع خمسة آلاف عضو من أعضائه المؤسسين مصدقًا رسميًا على توقيعاتهم، على أن يكونوا من عشر محافظات على الأقل بما لا يقل عن ثلاثمائة عضو من كل محافظة         .ويُرفق بهذا الإخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب، وبصفة خاصة نظامه الأساسي ولائحته الداخلية وأسماء أعضائه المؤسسين وبيان الأموال التى تم تدبيرها لتأسيس الحزب ومصادرها واسم من ينوب عن الأعضاء فى إجراءات تأسيس الحزب. ويُعرض الإخطار عن تأسيس الحزب والمستندات المرفقة به على اللجنة المشار إليها فى الفقرة الأولى خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تقديم هذا الإخطار.

-المادة 8،تشكل لجنة الأحزاب السياسية من النائب الأول لرئيس محكمة النقض رئيسًا، وعضوية نائبين لرئيس محكمة النقض، ورئيسين بمحاكم الاستئناف يختارهم مجلس القضاء الأعلى ونائبين لرئيس مجلس الدولة يختارهما المجلس الخاص. وتكون محكمة النقض مقرًا للجنة. وتختص اللجنة بفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية طبقًا لأحكام هذا القانون. ويعد الحزب مقبولاً بمرور ثلاثين يومًا على تقديم إخطار التأسيس دون اعتراض اللجنة. وفى حالة اعتراض اللجنة على تأسيس الحزب، تصدر قرارها بذلك، على أن تقوم بعرض هذا الاعتراض خلال ثمانية أيام على الأكثر على الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا لتأييده أو إلغائه. ويعتبر القرار كأن لم يكن بعدم عرضه على هذه المحكمة خلال الأجل المحدد.

وبعد قيام ثورة 30 يونيو 2013 وإزاحة حكم الإخوان، نص الدستور المصري الصادر عام 2014 والمعدل عام 2019 على “للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو سرى، أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري. ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي”.

وبالنظر إلى ما سبق، يتضح أنه من بعد عام 2011 وحتى الآن شهدت مصر تأسيس الكثير من الأحزاب السياسية التي وصل عددها إلى أكثر من 100 حزب، وعلى الرغم من هذا العدد الكبير إلا أن الحياة السياسية في مصر لا تشهد سوى نشاط عدد محدود من الأحزاب وهو ما يتضح من نسب التمثيل البرلماني للأحزاب السياسية داخل البرلمان، وهو ما يفتح الباب أمام ضرورة تعديل قانون الأحزاب السياسية بشكله الحالي، ليتضمن تطويرًا يتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة بما يمكن الأحزاب من ممارسة دورها وإثراء الحياة السياسية لتكون أكثر فاعلية.

وفي ضوء العدد الكبير من الأحزاب يجب أن يتم تقييم الوضع الراهن للأحزاب السياسية ومدى فاعليتها وتأثيرها في الشأن السياسي العام في مصر، وتحديد الهدف من إنشائها ودورها في الحياة السياسية، وتشجيع الأحزاب السياسية على الاندماج فيما بينها وفقًا للتوجهات الفكرية التي تجمعهم، وكذلك يجب العمل على حوكمة الأحزاب وتحديد طريقة انتقال السلطة داخل داخلها، وطرق انتخاب المستويات التنظيمية الداخلية التي تتم عن طريق التزكية أو التعيين وتطبيق الشفافية والرقابة الكاملة.

وعند البحث عن المعوقات التي تواجه الأحزاب السياسية في القيام بدورها، يتضح أن ملف التمويل يحتل المرتبة الأولى على قائمة المشكلات، وهو ما يمكن العمل على حله من خلال عودة الدعم المالي المقدم من الدولة إلى الأحزاب السياسية، على أن يكون مرهونًا بتحقيق عدد معين من أعضاء الحزب في مجلسي النواب والشيوخ، أو من خلال تحقيق حد أدنى من الأصوات الانتخابية التي يحصل عليها مرشحي الحزب في الدوائر الانتخابية، ودراسة مدى إمكانية السماح للأحزاب بتنظيم بعض الأنشطة الاقتصادية المحدودة التي تدر عليها دخًلا بالإضافة إلى دعم الدولة، بما يمكنها من القيام بدورها،  وحل الأحزاب التي لا تستطيع الوفاء بتلك الشروط نظرًا لكون ذلك دليلاً دامغًا على عدم فاعليتها في العمل السياسي.

ختامًا، يعد الحوار الوطني منصة مهمة واختبارًا حقيقيًا لجميع الأحزاب السياسية في مصر لمعرفة مدى قدرتها على الانخراط في صناعة القرار الوطني بغض النظر عن مدى تمثيلها في الغرف البرلمانية وخارج الإطار المتعارف عليه، حيث يتيح الحوار الوطني الذي يحظى بدعم الرئيس السيسي بشكل مباشر الفرصة كاملة للأحزاب السياسية للتباحث بين بعضها البعض لعرض مشكلاتها المختلفة وحلولها المقترحة للوصول إلى مخرجات تحقق ما تستهدفه هذه الأحزاب من طموحات تنعكس بشكل إيجابي على الحياة الحزبية في مصر.  

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى