مصير مقاتلي داعش في ظل العدوان التركي على سوريا
في سياق السياسات العثمانية التوسعية، أطلقت تركيا عملية عسكرية تحمل إسم “نبع السلام” ضد الأكراد في شمال شرقي سوريا، بدأتها بقصف جوي ومدفعي على بلدة “رأس العين” وامتدت الضربات لاحقاً إلى بلدات أخرى، وفي حال نجاح هذا العدوان فسوف نشهد إعادة رسم خريطة الصراع السوري من جديد، ويأتي تنظيم داعش ومقاتليه المحتجزين بشمال سوريا في مقدمة الفاعلين الرئيسيين في هذا الصراع.
“قسد” ومحاربة تنظيم داعش
تأسست قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في 10 أكتوبر عام 2015 بمدينة القامشلي شمالي سوريا بهدف محاربة تنظيم داعش، وهي قوات تتألف من العرب والأكراد والسريان ومختلف مكونات المجتمع السوري مع ظهور قوي للمرأة فيها، وحظيت بدعم أمريكي واسع حيث قدمت لها أسلحة ثقيلة وناقلات جنود ومدافع هاون ورشاشات ثقيلة، وهو الأمر الذي عارضته تركيا بشدة.
يقدر عدد المقاتلين بـ(قسد) بأكثر من 50 ألف مقاتل على قدر عال من التدريب نتيجة معاركهم ضد تنظيم داعش ومن أبرزها “معركة كوباني” القريبة من الحدود التركية والتي استمرت قرابة الـ 4 أشهر وشهدت معارك عنيفة مع مقاتلي التنظيم مما أكسبهم خبرة ميدانية كبيرة، واستمرت المعارك العنيفة على مدار السنوات الماضية وتكبد داعش خسائر فادحة حتى دحره في آخر جيب له في قرية الباغوز شرقي البلاد في 23 مارس الماضي.
وتتحفظ قوات (قسد) على مقاتلي التنظيم الذين تم القبض عليهم أثناء المعارك في قرابة 30 مركز اعتقال بشمال سوريا، وتضم تلك المراكز نحو 11000 إرهابي من داعش، بينهم نحو 9000 سوري وعراقي، و2000 من نحو 50 دولة أخرى رفضت حكوماتهم إعادتهم، كما تدير (قسد) مخيم الهول الذي تحتجز فيه نساء داعش وأطفالهم ويقدر عددهم بأكثر من 70 ألف شخص وذلك طبقا لتقرير الأمم المتحدة الصادر في 11 سبتمبر 2019.
تركيا وداعش. سجل حافل بالتعاون
لم يعد من الممكن إبقاء التعاون المشبوه بين أنقرة وتنظيم داعش طي الكتمان، وذلك لصدور العديد من التقارير الدولية خلال السنوات الماضية التي قدمت مئات الشواهد على هذا التعاون، وكانت أولى دلائل هذا التعاون في سبتمبر 2014 عندما رفضت تركيا التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر شارك فيه وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والأردن، والعراق، ولبنان، وتركيا، والولايات المتحدة للتنسيق فيما بينها بشأن مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، ورفضت أنقرة التوقيع بدعوى تحفظها على تسليح الأكراد في سوريا والعراق.
كما أصبحت تركيا هي الممر الآمن للمقاتلين الأجانب من كل أنحاء العالم، وذلك من خلال استقبال المقاتلين بأحد الموانئ أو المطارات التركية والتحقق من مدي ولائهم بأحد المنازل التابعة لهم، ثم يتم نقلهم إلى إحدى المدن الحدودية مثال (غازي عنتاب وأنطاكيا وشانلي أورفا وغيرها)، وينقل المقاتلون إلى الأراضي السورية عبر نقاط دخول متفق عليها، وكل هذا يتم تحت أعين جهاز المخابرات التركية، ووفرت تركيا الرعاية الطبية للمصابين من مقاتلي داعش من خلال نقلهم من الداخل السوري إلى خط الحدود ومن هناك يتم نقلهم بسيارات اسعاف تركية إلى أقرب مستشفى بالمنطقة الحدودية.
وكذلك كانت تركيا ممراً جيداً للغاية في تسويق النفط الذي استولى عليه داعش خلال فترة سيطرته على مناطق واسعة من سوريا، من خلال عمليات تهريب خدمت مصالح الطرفين على حد سواء، فأنقرة تمول التنظيم الإرهابي لتدمير المنطقة من جهة، وجيوب النظام التركي تمتلئ بالأموال من جهة أخرى.
قيادي داعشي يكشف العلاقة مع النظام التركي
جاءت تصريحات القيادي الداعشي “أبو منصور المغربي” والذي لقب بـ”سفير الخلافة” والذي سقط في قبضة القوات العراقية، للمركز الدولي لدراسة التطرف العنيف ومقره العاصمة البريطانية لندن الذي نشرت تفاصيلها في 18 مارس 2019، كاشفة للكثير من خفايا العلاقات المشبوهة بين النظام التركي وداعش، حيث أكد “المغربي” وجود بعض الاتفاقات والتفاهمات بين المخابرات التركية، وجهاز
داعش الأمني حول البوابات الحدودية خصوصا فيما يتعلق بالمصابين وهو ما يؤكده اعتقال قوات (قسد) للكثير من مسلحي التنظيم المتطرف، الذي كان بعضهم يحمل جوازات سفر تركية، عليها أختام أنقرة.
كما أشار “المغربي” إلى مشاركته في العديد من الاجتماعات مع جهاز المخابرات التركية، وكان يمثل الجانب التركي في تلك الاجتماعات بعض ضباط المخابرات أو الجيش، وأن تلك الاجتماعات كانت تعقد أحيانا في مواقع عسكرية قريبة من الحدود، مؤكداً توفير الأتراك الحماية له من خلال سيارة خاصة وحراسة شخصية من ثلاثة أفراد أثناء تواجده في الجانب التركي، وتشير المعلومات الاستخباراتية أن “المغربي” التقى مسؤولين رفيعي المستوى، في جميع الأفرع الأمنية للحكومة التركية، للتفاوض حول صفقات في سورية.
محتجزي داعش في ضوء التطورات الأخيرة
مما سبق يتضح أن تنظيم داعش أصبح أحد أذرع تركيا الرئيسية لتحقيق أهدافها وطموحاتها في المنطقة بشكل عام، وأن التدخل العسكري التركي في شمالي شرقي سوريا لا ينفصل بحال من الأحوال عن تنظيم داعش، وهناك 4 مسارات يمكن أن تسلكها العلاقة بين عناصر داعش وتركيا خلال المرحلة المقبلة
– المسار الأول: نتيجة للغزو التركي وانسحاب الغطاء الجوي الأمريكي، ستسعى قوات (قسد) إلى حشد طاقاتها وعناصرها القتالية للتصدي للهجوم التركي، مما قد يستدعى سحب عناصرها الأمنية التي تحرس مراكز الاعتقال والمخيمات وتستبدلهم بعناصر أقل عدداً وكفاءة، وهو ما قد يستغله عناصر داعش المحتجزين من خلال مهاجمة الحراس أو إشعال النيران في أماكن الاحتجاز في مسعى الهروب.
– المسار الثاني: حالة الضعف الأمني المتوقعة على معسكرات الاحتجاز، قد تشجع الخلايا النائمة للتنظيم على مهاجمة المعسكرات وإطلاق سراح المحتجزين، ومن ثم يستطيع التنظيم إعادة تعبئة صفوفه والتموضع من جديد بأعداد كبيرة قد تعيد التنظيم للحياة.
– المسار الثالث: استغلال تركيا للظروف الأمنية لتهريب عدد من مقاتلي التنظيم ونقل عدد منهم إلى ليبيا، لسببين الأول الانخراط في القتال ضد قوات المشير خليفة حفتر بجانب الميليشيات الموالية لتركيا هناك، والثاني تهديد الأمن القومي المصري من خلال تموضع التنظيم في ليبيا واستخدامها كقاعدة انطلاق له ضد مصر في ظل فشل النظام التركي في الحصول على أي مكاسب الاقتصادية بشرق المتوسط.
– المسار الرابع: أكد البيت الأبيض أن تركيا ستكون مسؤولة عن مقاتلي داعش الذين اعتقلتهم (قسد) في ظل شكوك كثيرة حول إمكانية تنفيذ ذلك، وهو ما يمكن أن تستغله أنقرة في الضغط على دول أوروبا بدعوى عودة المقاتلين الأجانب المقدر عددهم بحوالي 2000 شخص إلى بلدانهم الأصلية، بخلاف تسلل خلايا نساء داعش اللاتي يرغبن بقوة في إحياء الدولة الإسلامية.