سياسة

غرفتا السلطة التشريعية.. نظام دولي عريق أثبت نجاحه

نظام الغرفتين البرلمانيتين له عدة مزايا يأتي في مقدمتها تقوية وتعزيز الديمقراطية لأنه ينوع التمثيل السياسي والشعبي في الدولة ويحقق المساواة في التمثيل، كما أنه يضمن مرور مشاريع القوانين والتشريعات بعد تمحصيها والاطمئنان إلى استجابتها لمتطلبات الحياة العامة في المجتمع، ويحقق الاستقرار القانوني الذي لا تكثر فيه القوانين المعدلة، ويمنع تفرد المجلس الواحد بسن التشريعات والقوانين وبالتالي خلق حالة من عدم التوازن التشريعي

نشأة النظام التشريعي ذي الغرفتين

نشأ نظام الغرفتين البرلمانيتين في بريطانيا؛ إذ كان البرلمان الإنجليزي يتكون من مجلس واحد يسمى بالمجلس الكبير الذي يضم طبقة الأشراف ورجال الدين، ثم تطور هذا الوضع حين دُعي ممثلو المدن والأقاليم للاشتراك في هذا المجلس، وسرعان ما كوّن الأشراف ورجال الدين كتله لها لون من التجانس، وكوّن نواب المدن والأقاليم كتلة أخرى يجمعها أيضًا عامل التجانس بين أفرادها. وهكذا بدأت مظاهر الانفصال تبرز رويدًا رويدًا حتى أصبح لكل من الطبقتين طابعًا وسمة مميزة. 

وعملت كلا الطبقتين على أن تستقل بمجلس خاص، وعلى هذا النحو انقسم المجلس النيابي إلى مجلسين، مجلس يضم الأشراف ورجال الدين ويسمى بمجلس اللوردات، ومجلس آخر يضم ممثلي المدن والأقاليم “أي الشعب”، وسُمّي بمجلس العموم.

وبداية من عام 1361 ومع مرور الوقت رجحت كفة مجلس العموم على حساب كفة مجلس اللوردات، وفقد اللوردات بالتدريج عددًا من الحقوق كان أهمها حق التقرير في المسائل المالية، إذ أصر مجلس العموم في 1407 على تأكيد حقه في أن تُقدّم إليه مشاريع القوانين المالية أولاً ثم تعرض على مجلس اللوردات الذي لا يكون له إلا أن يقبل المشروع بالكامل أو يرفضه بالكامل دون تعديل.

وفي عام 1911 صدر قانون parliament act الذي قيدّ السلطات الدستورية لمجلس اللوردات إلى حد كبير، إذ نص على أن مشاريع القوانين ذات الصفة المالية البحتة يصدق عليها الملك وتصبح نافذة إذا لم يوافق عليها مجلس اللوردات خلال شهر من إرسالها إلى مجلس العموم، وبالتالي فإن رأيه أصبح استشاريًا، وفيما يخص القوانين العادية فإن مجلس اللوردات اقتصر دوره على الاعتراض التوفيقي، وبذلك أصبحت الكلمة النهائية لمجلس العموم.

دول عدة تعتمد نظام الغرفتين

هناك 72 دولة على مستوى العالم تعتمد نظام الغرفتين التشريعيتين، ولعل أبرز هذه الكونجرس الأمريكي الذي يتضمن مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وبرلمان المملكة المتحدة ويضم مجلس اللوردات ومجلس العموم البريطاني، والبرلمان الفرنسي المكون من مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية الفرنسية، والبرلمان الألماني المكون من البوندستاج والبندسرات، والبرلمان السويسري المكون من مجلس الشعب ومجلس المقاطعات، هذا إلى جانب البرلمان الروسي المكون من مجلس الدوما ومجلس الاتحاد.

وتقوم تلك البرلمانات على أسس تعزيز الوحدة الوطنية وخلق حالة التوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وتخفيف حدة الخلافات بين الحكومة والبرلمان، وذلك لأن الفصل بين السلطات يمنح البرلمان حق محاسبة الحكومة وحجب أو سحب الثقة منها، وفي المقابل يعطي السلطة التنفيذية حق حل البرلمان أو الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة، وبالتالي يُعول على الغرفة البرلمانية الثانية تخفيف حدة هذه النزاعات والتوفيق بين وجهتي النظر لكل من البرلمان والحكومة. 

النظام البرلماني المصري

كان النظام البرلماني المصري يقوم على أساس غرفتين برلمانيتين وهما “مجلس الشعب” و”مجلس الشورى”، ولكن تم إيقاف هذا النظام بعد إقرار دستور 2014 قبل أن يعود العمل به بعد الموافقة الشعبية على التعديلات الدستورية في أبريل 2019، والتي كانت تتضمن عودة الغرفة البرلمانية لممارسة دورها ولكن تحت أسم جديد وهو “مجلس الشيوخ”. 

ويعد البرلمان المصري أقدم مؤسسة تشريعية في الوطن العربي، إذا بدأ عام 1824 على يد محمد علي تحت اسم “المجلس العالي” وتم وضع لائحته الأساسية في يناير 1825، وتم إنشاء أول برلمان تمثيلي في عام 1866 على يد الخديوي إسماعيل تحت اسم “مجلس شورى النواب”، وكذلك مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية في ظل القانون النظامي الذي صدر عام 1883، ومثل دستور 1923 نقلة كبيرة في الحياة النيابية المصرية، وتكون البرلمان من غرفتين وهما “مجلس النواب” و”مجلس الشيوخ” وتم العمل به حتى الستينيات من القرن العشرين.  

أهمية عودة مجلس الشيوخ

أظهرت التجربة العملية عقب قصر السلطة التشريعية على مجلس النواب فقط في ظل دستور 2014 أهمية وجود غرفة ثانية للسلطة التشريعية خاصة بعد البصمات الواضحة لمجلس الشورى والدراسات التي تقدم بها منذ إنشائه وحتى صدور قرار حله، ويأتي ذلك اتساقًا مع التجارب البرلمانية الدولية المتطورة، والتي بيّنت أهمية الغرفة البرلمانية الثانية والتي تم استعراضها في بداية التقرير.

ويُعدُّ وجود الغرفتين البرلمانيتين ضمانة أساسية للقيام بالعملية التشريعية بشكل صحيح، وذلك من خلال دراسة ومناقشة مشروعات القوانين المهمة بهدوء وروية في كلا المجلسين، إذ ثبتت صعوبة قيام مجلس النواب بهذا الدور منفردًا، ويتأكد ذلك من خلال عودة بعض القوانين التي أصدرها مجلس النواب إليه مرة أخرى نتيجة وجود عوار قانوني أو دستوري بها، وبالتالي فإن وجود مجلس الشيوخ يضمن إصدار التشريعات والقوانين بعد تمحصيها والتأكد من انها تستجيب للمتطلبات العامة في المجتمع.

كما أن وجود غرفتين برلمانيتين يفتح الباب أمام علاقة تبادلية وتكاملية بين المجلسين للوصول إلى الرؤية الأوضح والأصوب بشأن الحياة السياسية المصرية، وذلك انطلاقًا من وجود الكفاءات المتخصصة الفنية والمؤهلين وذوي الخبرات بين أروقة المجلسين، وهو ما سينعكس على حسن سير العمل البرلماني المصري وتحقيق الرقابة الذاتية داخل كلا المجلسين، بالإضافة إلى دعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع وتوسيع مجالات العمل الديمقراطي وتطوير السياسة العامة للدولة.

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى