الصحافة الدولية

بعد الغاء صلاة الجمعة وتعليق جلسات البرلمان ..ماذا يحدث في إيران؟

في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ إيران “الخمينية” الذي يمتد لأكثر من أربعة عقود، ألغيت شعائر صلاة الجمعة في العاصمة طهران و22 مدينة أخرى بسبب انتشار فيروس “كورونا” في البلاد، وذلك بالتزامن مع إعلان المتحدث باسم البرلمان الإيراني عن تعليق الجلسات بدءً من السبت وحتى اشعار اخر لذات السبب وهو ما يوضح مدي خطورة الأمر هناك، فماذا يحدث في إيران؟

الانتخابات البرلمانية وتفشي الفيروس

في 19 من الشهر الماضي وقبيل الانتخابات البرلمانية الإيرانية بيومين، أعلن مسؤول الإعلام والعلاقات العامة بوزارة الصحة الإيرانية “كيانوش جهانبور”، عن تسجيل أول حالتي إصابة بفيروس “كورونا” المستجد في البلاد، وأشار إلى أنه تم الاشتباه بعدد من الحالات الأخرى بمدينة قم وتم عزلهم ووضعهم تحت الحجر الصحي، كما نشرت الوزارة فرق الكشف وإدارة الأمراض المعدية والاستجابة السريعة بالمدينة. 

ولكن بعد انتهاء التصويت مباشرة أخذت الأرقام في التصاعد، وارتفعت عدد حالات الوفاة والاصابة المؤكدة بالفيروس في عموم البلد، وتحولت إيران في وقت قصير للغاية إلى ثاني أكبر بؤرة لانتشار المرض بعد الصين على مستوى العالم، وأشارت عدة تقارير إلى ان البيانات الإيرانية تفتقد المصداقية والأعداد أعلى بكثير من المعلنة. 

عدد المصابون والوفيات في إيران حتى اليوم

وبدلا من أن يتخذ النظام الإيراني إجراءات سريعة لتطويق مناطق انتشار الفيروس، وتحذير المواطنين، سعى النظام لتحسين صورته بسبب ما شهدته الانتخابات البرلمانية من عزوف المواطنين الإيرانيين عن عملية التصويت، بلغت نسبتها 42.57% وهي النسبة الأضعف في تاريخ الجمهورية الإيرانية في اقتراع مماثل.

وألقى المرشد الإيراني علي خامنئي، باللوم على “أعداء إيران” الذين سعوا لإثناء الناس عن التصويت في الانتخابات “بالمبالغة في خطر فيروس كورونا”، وأضاف أن “الدعاية السلبية عن الفيروس بدأت قبل شهرين وزادت بدرجة كبيرة قبل الانتخابات”، مما يوحي أن السلطات كانت تتخوف من تأثير الأنباء بشأن كورونا على سير الانتخابات.

التقارير الرسمية الإيرانية مشكوك في صحتها

نشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “ارنا” الجمعة الماضية، احصاءات حول أعداد الوفاة والإصابات والتعافي من فيروس “كورونا” في البلاد، وتشير الإحصاءات التي قالت الوكالة أنها صادرة عن وزارة الصحة، إلى أن عدد المصابين بلغ نحو 388 حالة وحالات الوفاة 32 حالة و73 حالة تعافٍ من المرض.

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان وزير الصحة الإيراني “سعيد نمكى” عبر التليفزيون الرسمي للدولة، أن جميع المدارس في أنحاء البلاد ستغلق لمدة 3 أيام، اعتبارا من السبت، بسبب مخاوف من وباء كورونا، واعلان المتحدث باسم الوزارة عن ارتفاع عدد القتلى إلى 34 شخصًا.

وحذر خبراء الصحة العامة حول العالم من خطوة وضع تفشي الفيروس في إيران، وذلك بعدما تجاوز معدل الوفاة بسبب الفيروس بين المصابين النسبة المئوية المسجلة في الصين بؤرة ظهوره وانتشاره، إذ وصلت النسبة في إيران إلى 10% مقارنة بـ2% في الصين، وهو ما قد يشير إلى أن عدد الاصابات أكبر بكثير مما تشير إليه الإحصاءات الرسمية، وما يعضد ذلك ظهور أعراض المرض على نائب وزير الصحة “ايراج هاريرشي” أثناء مؤتمر صحفي لنفي اخفاء بلاده لتفشي المرض. 

وقدر باحثون كنديون الإصابات بأكثر من 18 ألف حالة، وأشار عدد منهم إلى أن خروج السلطات الإيرانية للإعلان عن حالتي بمدينة قم على الفور، هو أمر يدعو إلى القلق، وذلك لأن الأمر يستغرق بعض الوقت بين الإصابة بالمرض وحتى الوفاة، وهذا من الأسباب الأساسية التي تدعم وجهة نظر عدم مصداقية الأعداد التي تعلنها إيران. 

وأعلن وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” الثلاثاء الماضي، أن إيران ربما تكون قد حجبت معلومات بالغة الحيوية حول تفشي فيروس كورونا الجديد على أراضيها، وأعرب عن قلق بلاده العميق إزاء حجب النظام الإيراني معلومات مهمة حول فيروس كورونا وعدد الوفيات على أراضيها، كما عبرت منظمة الصحة العالمية عن قلقها الشديد من تحول إيران إلى بؤرة جديدة لانتشار الفيروس.

كيف تعامل النظام الإيراني مع الأزمة

أعلنت السلطات الإيرانية عن عزمها إجراء فحوصات طبية على مئات الألاف من المواطنين، وحث المتحدث باسم وزارة الصحة “كيانوش جهانبور” في مؤتمر صحفي المواطنين الابتعاد عن التجمعات الجماهيرية، والحد من سفرهم وعدم حضور جنازات الموتى لأن التجمعات تساعد في نشر الفيروس.

وهدد الحرس الثوري الإيراني الأطباء بالسجن، وذلك في حال تم الكشف عن حقيقة وضع انتشار فيروس كورونا في البلاد، وبحسب موقع “الحرة” نقلا عن موقع “iranwire” الإيراني المعارض، فانه أثناء اجتماع مجموعة من الأطباء مع نائب وزير الصحة “أراج حريرشي”، لمناقشة مدى تفشي الفيروس، اتصل بهم أحد ضباط الحرس الثوري عن طريق مكتب الأمن بالوزارة محذرًا إياهم من تسريب أي معلومات، وأنه في حال حدوث ذلك فسيتم معاقبتهم وسجنهم.

كما قامت الأجهزة الأمنية الإيرانية باعتقال عدد من الأشخاص، قدرت التقارير الصحفية عددهم بـ 24 شخصًا واحتجاز 118 آخرين، بدعوى ترويجهم للإشاعات، وذلك في مسعى منها لإيقاف ما ينشره الشباب الإيراني على المواقع الالكترونية حول عدم صدق التصريحات الحكومية، ومحاولة نقل الصورة الحقيقية للوضع. 

وترى السلطات الأمنية الإيرانية أن معظم ما ينشر على المواقع الالكترونية هي إشاعات تستهدف الأمن النفسي للمواطنين، وأعلن رئيس الشرطة الالكترونية الايرانية العميد “وحيد مجيد” عن اعتقال عدة أشخاص في ثلاث محافظات، تورطوا في نشر إشاعات الغرض منها التربح من خلال الدعوة لامتلاك مستلزمات طبية للوقاية من المرض ومعالجته.

وطال المرض مواقع حساسة في النظام الإيراني، بعد أن أصيب به عدد من المسؤولين من بينهم “معصومة ابتكار” نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة، ونائب وزير الصحة ” ايراج هاريرشي”، والنائب الإيرانى “مجتبى ذو النور”، والنائب “محمود صادقى”، بعد أن توفي الدبلوماسي الاسبق “سيد هادي خسرو شاهي” في إحدى مستشفيات طهران بسبب اصابته بالفيروس

الوضع الداخلي في ظل الأزمة الراهنة

أتهم نائب مدينة قم في البرلمان الإيراني “أحمد أمير ابادي فاراحني” الحكومة الإيرانية بالكذب بشأن انتشار الفيروس في البلاد، موضحًا في حديث له مع صحافيين محليين أن هناك 50 حالة لقيت مصرعها جراء الإصابة بالمرض، وأكد أن حالة الوفاة الأولى بالمرض الوبائي قد وقعت قبل أسبوعين من الإعلان الرسمي لأول ظهور لمرض فيروس كورونا في إيران.

كما دعا النائب عن مدينة رشت شمالي إيران “غلام علي إيمانبادي” السلطات إلى الكشف عن الأرقام الحقيقية موضحًا أنه يمكن إخفاء الأرقام ولا يمكن إخفاء المقابر الجماعية، وذلك بعد زيارته مقبرتين جماعيتين في مدينتي طهران ورشت، هذا وقد تداول عدد من النشطاء الإيرانيون مقطع فيديو يظهر تجهيز احدى المقابر الجماعية الخاصة بضحايا الفيروس، يقال إنها في مدينة لانجرود شمالي إيران. 

https://twitter.com/beehnam/status/1233424043929460736

كما أظهرت لقطات أخرى، مواطنون إيرانيون وهم يحرقون مستشفى في مدينة بندر عباس جنوبي إيران، بعد تداول أنباء عن وجود مصابين بفيروس كورونا داخل المستشفى، في خطوة تظهر انعدام الثقة والتوتر المنفلت بسبب عدم الثقة في البيانات والأرقام الحكومية.

ويتضح من هذا أن سياسة السلطات الإيرانية في التعامل مع فيروس كورونا قد أدت إلى تعميق أزمة الثقة بين المواطنين والحكومة. فالسلطات، لم تتعامل مع ظهور المرض بشكل صريح خوفا من أن يؤثر ذلك على سير الانتخابات البرلمانية التي جرت أواخر الشهر الماضي، وهو ما أدى إلى انتشار المرض كالنار في الهشيم بمختلف أنحاء البلاد، وهو ما ولد المزيد من الضغوط القوية على الاقتصاد الإيراني المنهك بشكل كبير جراء العقوبات الأمريكية. 

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى