مقالات رأي

إرادة الحياة الغزاوية أمام آلة القتل الإسرائيلية

تألمنا جميعا من المشاهد اللاإنسانية نتيجة استخدام آلة القتل الإسرائيلية الغاشمة ضد الفلسطينيين المدنيين العزل من أطفال ونساء ورجال. لتُخلف العديد بين قتيل وجريح ومدفون تحت الأنقاض بين الحياة والموت كأقسى معاناة للنفس البشرية. وهنا لا أتكلم عن صمود المقاومة المسلحة التى تضرب وتختفى فى شبكة الأنفاق العنكبوتية تحت الأرض التى أعدتها مسبقاً لهذا اليوم للمواجهة الشرسة المرتقبة كأحد انواع الحروب غير المتماثلة (جيش نظامى ضد ميليشيات مسلحة) كالجيش الإسرائيلى ضد حماس وباقى المنظمات الأخرى. ولكن أتكلم عما شهدناه من إرادة الحياة للأسرة الفلسطينية الغزاوية بمفرداتها او بجمعها ضد آلة وأداة الموت والانتصار عليها بالاستمرار والبقاء. حيث استوقفتنا بعض تلك المشاهد المؤلمة التى كان معظمها فى غزة واقلها فى الضفة الغربية.

وقد استوقفتنى ثلاثة منها ضمن الكثير. الأول: الأب الثلاثينى الذى تم استدعاؤه للتعرف على اطفاله الثلاثة ضمن من وصلوا الى طوارئ المستشفى. وعندما وصل ونظر الى ثلاثتهم فى صمت وهم قتلى ممزقى الملابس المتربة من تحت الأنقاض وأجسادهم النحيلة مخضبة بدماء الاستشهاد الذكية فقد كانوا ابناءه. فاستقبل القبلة وسجد لله سجودا طويلا مستعينا بالصبر والصلاة ليبث ألمه وحزنه ودعاءه الى الله. ثم انتصب دامعا ليحملهم تباعا حيث الأكفان استعدادا للدفن. والمشهد الثانى لطفلين فى الخامسة والسابعة يحاولان باكيان إيقاظ والدتهما المسجاة بين الأنقاض لتخفف من روعهما ولكنها كانت شهيدة وهما يظنان أنها نائمة. وأكتفى بالمشهد الثالث وهو مشهد دفن الشهداء حيث ضاقت بهم الأرض بما رحبت من مقابر فاضطروا الى الدفن الجماعى فى خندق عميق عريض طويل تحفره آلة حفر ثم تُرَصْ الجثامين الطاهرة متلاصقة لكثرتها وتوضع جثامين الأطفال والرُضًع فى الفواصل بين أرجل الكبار ثم يهال عليهم التراب لينتهى المشهد المهيب الحزين بصلاة جنازة مجمعة ممزوجة بأصوات الدعاء والنحيب. وإذا كانت تلك نماذج من مشاهد الصمود والقوة والصبر خلال الموت، فإلى بعض مشاهد الصمود والتمسك بالحياة والبقاء. مثل ـ الطهو وسط الأنقاض، حيث تحاول الاُم إطعام أطفالها بإشعال بعض اخشاب الأنقاض اسفل إناء لسد رمقهم وهم جالسين حولها على الأنقاض منتظرين ـ والتهجير القسرى سيرا على الاقدام، لندرة السيارات لعدم توافر الوقود فلا تتبقى الا العربات التى تجرها الدواب الجائعة والعطشى أيضا، حيث اضطر سكان شمال قطاع غزة ان يقطعوا مسافة حوالى 20-25 كم سيرا على الأقدام الى جنوب وادى غزة وجنوبه إلى عمران دير البلح وقد تزيد المسافة إلى خان يونس! واضطروا لاستخدام طريق الرشيد الساحلى لخلوه تقريبا من ركام المنازل المهدمة، ولكن للأسف لم يسلموا من قصف بحرى إسرائيلى بدعوى ملاحقة عناصر حماس المندسين وسط النازحين! حيث يبرز السؤال كيف يتم تمييزهم؟ ولكنه الكذب لتفريغ شمال غزة من سكانه.كما كان من المؤلم ان نرى سيدات مسنات يسرن حافيات الأقدام!.

ثم الحياة بدون وقود،وهو ما قيد حركة السيارات حيث تحظره إسرائيل لمنع حماس من استخدامه كوقود دفع لصواريخ القسام، مما يوقف مولدات كهرباء المستشفيات وبنوك الدم والطوارئ وكذلك توقف محطات تحلية مياه البحر للحصول على مياه نظيفة للشرب واحتياجات المستشفيات والنظافة تجنبا للأمراض والأوبئة ـ وأخيرا الإيواء فى العراء،ولنا ان نتخيل تهجير مليون و200 ألف اى سعة استاد القاهرة 15 مرة، منهم 10% لهم اقارب او معارف فى الجنوب ومثلهم سيتم إيواؤهم بواسطة الأمم المتحدة (الأنروا) بما ورد من مصر ودول صديقة من خيام وأغطية، اما المليون الآخر فمأوى عشوائى مع دخول الشتاء وندرة المياه النظيفة. وأخيرا فقد قادنى كل هذا العنف المفرط واللاإنسانى إلى إعادة تصفح الكتاب المقدس (التوراة) ليس من منطلق دينى ولكن كباحث فى تاريخ بنى إسرائيل العسكرى،لأجد الآتى نصا واقتباسا، من سفر التثنية.القُضاة. بداية الإصحاح الخامس عشر(من صموئيل النبى الى شاؤول الملك قائد الجيوش) إياى أرسل الرب لمسحك ملكا على شعبه إسرائيل. والآن فأسمع صوت كلام الرب. هكذا يقول رب الجنود: إنى قد افتقدت ما عمل عماليق بإسرائيل حين وقف له فى الطريق عند صعوده من مصر، فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ماله ولا تعف عنهم بل اقتل رجلا وامراة، وطفلا ورضيعا، بقرا وغنما، جملا وحمارا. وكلنا يعرف تحريم الله لقتل النفس بشكل مطلق (مؤمنة أو غير مؤمنة) إلا بالحق وهو القصاص أو الحكم العادل. وإن الله هو الرحمن الرحيم بكل عباده وبكل خلقه..

نقلاً عن الأهرام

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى