قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بأسابيع قليلة، زار الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الاتحاد الروسي في 19 يناير 2022. وكانت هذه هي الزيارة الأولى لرئيسي إلى روسيا بصفته رئيسًا لإيران. وقد طُرحت خلال تلك الزيارة عدة قضايا كان أبرزها التعاون الاقتصادي، والتوصل إلى اتفاقية تجارية طويلة المدى بين البلدين تصل إلى 20 عامًا على غرار الاتفاق الاقتصادي الإيراني الصيني الذي تم التوصل إليه في مارس 2021 ويستمر لمدة 25 عامًا.
وعلى أي حال، كان مسار العلاقات الروسية الإيرانية قبل اشتعال الحرب في أوكرانيا في فبراير من العام الماضي يركز بشكل كبير على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي على مختلف المستويات. وعلى الرغم من حضور عامل التعاون العسكري والدفاعي بينهما، إلا أن هذه المسألة لم تكن المحور الرئيس لمسار تعاون البلدين، حيث لم تكن تفرضها التطورات على المستوى الدولي في ذلك الوقت.
أما بعد اشتعال الحرب بين موسكو وكييف بدايات عام 2022، فإن العامل العسكري الدفاعي بين روسيا وطهران قد أصبح محورًا رئيسًا لمناقشات الجانبين في مختلف الاتصالات الجانبية، خاصة في ظل رغبة روسية في إبعاد قوات حلف شمال الأطلنطي “الناتو” عن حدودها، وإن كانت هذه رغبة إيرانية مشتركة، وتخطيط طهران لـ “إخراج القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط وغرب قارة آسيا”.
ومن هذا المنطلق، استحوذت قضية تنامي التعاون العسكري بين إيران وروسيا فيما بعد تاريخ 24 فبراير 2022 (وهو تاريخ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية)، على اهتمام غربي خاص تم التعبير عنه مؤخرًا خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني “رئيسي” إلى موسكو.
أسلحة روسية متقدمة لإيران قد تغير من معادلة الأمن الإقليمي
عشية الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني لموسكو في 7 ديسمبر 2023، علّق منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، على اللقاء المرتقب بين “رئيسي” وبوتين في موسكو قائلًا إن الولايات المتحدة “تواصل مراقبة العلاقة الدفاعية المتنامية والمثيرة للقلق بين إيران وروسيا”، موضحًا أن “إيران تواصل إرسال طائرات مسيرة إلى بوتين، وهو يستخدم هذه الطائرات لمهاجمة البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، فإنه في مقابل ذلك تتوقع إيران دعمًا دفاعيًا من روسيا”، وحذّر كيربي من أن حصول إيران على قدرات عسكرية روسية “لن يكون له عواقب جيدة على أمن منطقة الشرق الأوسط”. ويدرك الغرب جيدًا أن إيران تطمح للحصول على أسلحة روسية متقدمة تعززت فرص الحصول عليها، كما أشار جون كيربي، بعد الدعم الذي قدمته طهران لروسيا في ظل الأزمة مع أوكرانيا.
ولا تُخفي إيران ومسؤولوها العسكريون هذه المسألة، بل إن مطالبة طهران لموسكو بإرسال أسلحة متقدمة إليها قد تكرر عدة مرات خلال السنوات الماضية. وفي ظل الدعم الإيراني لروسيا مؤخرًا، وهو دعم متعدد الأوجه في ظل تقارب أكثر واقعية بين الطرفين فرضته ظروف الحرب الروسية الأوكرانية والتبعات الدولية لذلك والتي حفّزت الطرفين بشكل غير مباشر على مزيد من التقارب الثنائي، فإن الطموح الإيراني للحصول على أسلحة روسية متقدمة قد بدا أكثر واقعية عن ذي قبل.
كما أن روسيا قد لا تأخذ في الحسبان كثيرًا العقوبات الأمريكية والغربية المحتملة لإرسال مثل هذه الأسلحة لإيران أو على سبيل المثال حدوث توتر أكبر في علاقاتها مع واشنطن؛ ذلك لأن موسكو تخضع بالأساس لعقوبات كبيرة في الوقت الراهن، كما أن تلك الحرب في كييف قد حرّكت العلاقات بين الطرفين إلى مستوى جديد من التوتر.
ففي الواقع، كانت موسكو تخشى خلال السنوات الماضية التي سبقت الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي من رد فعل أمريكي قوي إذا ما زوّدت طهران بأسلحة متقدمة. لذا، نجد أن المرة الأخيرة التي زوّدت فيها موسكو طهران بطائرات مقاتلة حديثة كانت في العقد قبل الماضي، حينما اشترت إيران 6 طائرات من طراز “سوخوي 25” من موسكو. ولم تتكرر التجربة لاحقًا لأسباب عدة من بين أبرزها سعي موسكو في ذلك الوقت على عدم الإضرار الجدي بمصالحها المترامية مع واشنطن.
لذا، فإن بعض الدول الغربية قد عبّرت عن قلقها من زيارة إبراهيم رئيسي لموسكو لهذا السبب، خاصة بعد تكثيف إيران مطالباتها مؤخرًا لروسيا بإرسال هذه الأسلحة إليها. ومثالًا على ذلك، أعلن نائب وزير الدفاع الإيراني، مهدي فرحي، يوم 28 نوفمبر 2023 عن الانتهاء من عقد شراء عدة أنواع من الأسلحة العسكرية من روسيا، بما في ذلك شراء المقاتلة “سوخوي 35″، والمروحية الهجومية من طراز “ميل 28” وطائرة التدريب “ياك 130″، والتي قال فرحي إنها سوف قد تصل إيران قريبًا.
وذكرت وكالات أنباء إيرانية تابعة للحرس الثوري وأخرى شبه رسمية أنه تم الانتهاء من برامج انضمام هذه الطائرات للوحدات القتالية في الجيش الإيراني وأن “هذه الطائرات ستكون بالتأكيد تحت تصرف طهران، والعمليات جارية من أجل ذلك”.
لذا، فإن الدافع الأساسي وراء تنامي القلق لدى بعض الدول الغربية إزاء زيارة الرئيس الإيراني لروسيا كان احتمالية إيصال روسيا هذه الأسلحة المتقدمة لإيران.
ولعل من أسباب قلق الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا من زيارة الرئيس الإيراني هذه المرة إلى روسيا، هو إمكانية تأثير حصول طهران على أسلحة متقدمة من موسكو على معادلة التوازن العسكري في الشرق الأوسط بوجه عام، وتأثيره بشكل خاص على معادلة الأمن الاستراتيجي الإسرائيلية، خاصة مع انشغال إسرائيل في حربها داخل قطاع غزة والضفة الغربية منذ أسابيع.
كما أن هذه الأسلحة تراها الولايات المتحدة تهديدًا مستقبليًا على قواتها العسكرية في إقليم الشرق الأوسط، ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل في النهاية لمنع تسلم إيران هذه المعدات، أو أننا قد نشهد تأثير مساومات في هذا الصدد على تشابكات الحرب الروسية الأوكرانية.
انتهاء الحظر الصاروخي الدولي على إيران والحاجة للدعم المتبادل
في 19 أكتوبر 2023، أعلن مجلس الأمن الدولي انتهاء الحظر الصاروخي المفروض على طهران والذي كان معمولًا به خلال السنوات الثماني الماضية طبقًا للبنود 3 و4 و6 المشمولة في الفصل (ب) من القرار الدولي رقم 2231، والذي كان يحظر على إيران إجراء الاختبارات الصاروخية وتصدير أو استيراد الصواريخ والقطع المتعلقة بها. وكان ذلك بالطبع جزءًا من الاتفاقية النووية التي تم التوصل إليها في 2015.
نستنتج من هذا أنه بات بإمكان إيران الآن تصدير الصواريخ ضمن مبيعاتها العسكرية للخارج والتي تنامت خلال السنوات القليلة الماضية بشكل ملحوظ وشملت أيضًا الطائرات المسيرة. وعند الأخذ في الحسبان أن من بين الدول الراغبة في تزويد إيران لها بالصواريخ روسيا، سندرك سببًا جوهريًا آخر للقلق الذي ساور بعض الدول الغربية من وراء زيارة الرئيس الإيراني الأخيرة إلى روسيا.
إذ إن موسكو المنخرطة في الحرب داخل أوكرانيا منذ أشهر طويلة، تحتاج حتمًا إلى هذه الصواريخ على غرار الطائرات المسيرة. وقد عبرت روسيا عن هذا الأمر أكثر من مرة خلال الآونة الأخيرة. وفي هذا الصدد، صرّحت موسكو قبل ساعات من إعلان مجلس الأمن في 19 أكتوبر الماضي انتهاء حظر الصواريخ على إيران بأنها “لم تعد بحاجة إلى الالتزام بالقيود التي فرضها مجلس الأمن الدولي على تقديم تكنولوجيا الصواريخ لإيران فور انتهاء سريانها”. وأوضحت الخارجية الروسية في بيان لها أن “الإمدادات من وإلى إيران بالمنتجات الخاضعة لنظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ لم تعد تتطلب موافقة مسبقة من مجلس الأمن”.
وأخذًا في الحسبان تطرقت تقارير إلى إمكانية تعاون روسيا وإيران في مجال تكنولوجيا الصواريخ، فإننا نستنتج أن انتهاء الحظر الصاروخي على إيران قد يعزز من التعاون التكنولوجي في مجال الصواريخ بين الطرفين، كما أن ذلك التعاون قد يشمل إرسال إيران صواريخ إلى روسيا لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا، وهو السيناريو الذي عمق من المخاوف الغربية فيما يخص زيارة الرئيس الإيراني لروسيا.
ولعلنا نتوصل مما سبق أن سيناريو تبادل روسيا وإيران للأسلحة المتقدمة مقابل الصواريخ يصبح نتيجة منطقية حاضرة في أذهان صناع القرار الغربيين. إذ إن إيران تحتاج لهذه الأسلحة كما تحتاج روسيا لتلك الصواريخ. وقد يصبح بالتالي هذا السيناريو أمرًا واقعيًا خلال الأيام المقبلة، مما زاد من ناحية من المخاوف الغربية، ومن ناحية أخرى فإنه قد يدفع الغرب أيضًا للتفاوض مع روسيا لعدم إتمام مثل هذه الصفقة.
وبعيدًا عن تصريحات الطرفين التي تناولت الأوضاع في قطاع غزة خلال الزيارة، فإن التشابكات الدولية للحرب قطاع غزة والضفة الغربية تشكل بُعدًا استراتيجيًا أخر في زيارة الرئيس الإيراني لروسيا. إذ، تعتقد إيران أنها تواجه تهديدات “محتملة” مع استمرار الحرب في الأراضي الفلسطينية والانتشار الملحوظ للقوات العسكرية الأمريكية والبريطانية في منطقة شرق البحر المتوسط، والتحذيرات الأمريكية الجدية لإيران حول تداعيات انخراط طهران في تلك الحرب. ويرى مسؤولون عسكريون وأمنيون وسياسيون إيرانيون أن تلك الحرب إن سلمت منها الأراضي الإيرانية، فإن مصالح إيران العسكرية والأمنية والسياسية في الإقليم قد تتضرر على المستوى الاستراتيجي طويل الأمد.
وعليه، فإن إيران تسعى لتوثيق التعاون وتبادل وجهات النظر مع روسيا فيما يخص هذه المسألة على وجه التحديد. وبالنظر إلى الحاجة الروسية أيضًا لإيران في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، سندرك أن الحرب في غزة وأوكرانيا يشكلان في الوقت الراهن دافعًا قويًا لتوثيق الجانب الروسي والإيراني تعاونهما على المستوى العسكري والدفاعي، علاوة على الجانب الأمني والسياسي.