مقالات رأي

ذكرى انتصار مصر على العدوان الثلاثي 1956

يطالعنا تاريخ النضال الوطني المصري بصفحة مهمة بالتصدي للعدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر في 29 أكتوبر 1956 والذي انتهى بانتصار مصر السياسي العسكري في 23 ديسمبر التالي ورفع العلم المصري على بورسعيد. حيث انسحب آخر جنود العدوان في اليوم السابق. وكانت دول العدوان قد اجتمعت بمدينة سيفر بفرنسا (سرًا دون إعلام الولايات المتحدة) قبل العدوان بأسبوع لتنسيق الخطة (قادش) التي تهدف إلى استعادة قناة السويس التي أممها الرئيس جمال عبدالناصر في 26 يوليو 1956 فماذا كانت ملابسات ودوافع دول العدوان الثلاثة؟

اشتركت بريطانيا وفرنسا في أنهما أكبر مالكي أسهم القناة، وجمعهما هدف إسقاط نظام الرئيس عبد الناصر بهزيمة عسكرية كبيرة. فبريطانيا كانت تراه قائد اتفاقية جلائها عن مصر 1954 بعد اثنين وسبعين عامًا من الاحتلال و(المماطلة) مع ترك العتاد والسلاح البريطاني في منطقة قناة السويس دون قوة بشرية عسكرية – عدا بعض الخبراء- لتعود تلك القوة لتشارك مصر عند تهديد قناة السويس. ولم يدُرْ بخلد بريطانيا أنها هي التي ستعود معتدية وعلى وشك أن تفقد كل شيء. كما أن فرنسا كانت ترى عبد الناصر داعمًا لحركات التحرر ضد استعمارها في غرب وشمال أفريقيا خاصة في الجزائر.

أما إسرائيل فكانت تهدف إلى تدارك خلل التوازن العسكري لصالح مصر الذي سينتج عن إتمام الصفقة العسكرية الروسية 1955 -1966 وتمام استيعابها 195، وبالتالي فإن توقيت العدوان مثالي لها خاصة أن غالبية القوات المصرية خارج سيناء للتدريب على الأسلحة الجديدة وتكتيكاتها، وأن القوات المصرية بسيناء محدودة بما يساوى سُبْع القوة الإسرائيلية المهاجمة. كما اأ القوات البريطانية والفرنسية خاصة الجوية ستكون حاضرة وداعمًا قويًا لإسرائيل في ميدان المعركة.

ويًعيدُنا التاريخ إلى ثورة يوليو 1952 لنجد ضمن أهدافها الستة بناء جيش وطني قوى نتيجة مأساة حرب فلسطين 1948-1949 ونقص وتقادم العتاد المصري البريطاني الأصل، كما كانت بريطانيا صاحبة الانتداب على فلسطين منذ هزيمة الدولة العثمانية. ولاحقا طلب الرئيس عبدالناصر من بريطانيا وبعد اتفاق الجلاء، تطوير تسليح الجيش المصري ولكنها تلكأت للحفاظ على تفوق إسرائيل طبقا للاتفاق السرى الثلاثي مع كل من الولايات المتحدة وفرنسا.

وذهب الرئيس عبدالناصر إلى أمريكا من ذات المدرسة العسكرية الغربية وزاد بطلب التوسط لدى البنك الدولي للاقتراض لبناء السد العالي، ووافق الرئيس أيزنهاور بشرط أن تدخل مصر حلف بغداد لاحتواء الاتحاد السوفيتي من الجنوب، وهو ما رفضه الرئيس عبدالناصر لأنه لا يريد أن يكون طرفًا في حلف ضد آخر. كما كانت موسكو تجهل الاتفاق السرى الثلاثي للحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي فأعطت بسخاء. ولكنها راعته لاحقا وحتى في حرب أكتوبر 1973 .

لم تكن السيولة والمحاصيل المصرية كافية لسداد ديون موسكو فكان التفكير في تأميم قناة السويس لإمكانية السداد. ليبدأ العدوان باستخدام إسرائيل كمخلب قط بقوات متفوقة ضد القوات المصرية المحدودة في سيناء، لتوجه بريطانيا وفرنسا إنذارًا مزدوجًا لمصر وإسرائيل لوقف القتال والانسحاب المتزامن خلف جانبي القناة لتطهيرها وفتحها للملاحة، فترفضه مصر لوجود قوات اٍسرائيلية بسيناء. لتتدخل بريطانيا وفرنسا (كما في السيناريو) ضد مصر بتدمير قواتها الجوية -عدا ما نقل إلى السعودية- ودعم أعمال القتال الإسرائيلية بسيناء، مع احتلال بعض مدن القناة بأعمال الإنزال الجوي ثم البحري البريطاني في بور سعيد والفرنسي في بور فؤاد.

واشتعلت المقاومة العسكرية والشعبية وقتل العديد من الغزاة وأُسر الضابط البريطاني (مورهاوس، ابن عمة ملكة بريطانيا) وبادرت مصر بسحب قواتها التي كانت على وشك عبور القناة نظرًا لاكتشاف المصيدة المخططة لتدمير الجيش المصري بعد تدمير طيرانه. وعلى المستوى العربي استقبلت مصر متطوعين رمزيين كان منهم الملك سلمان بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية. وبعد تدمير الإذاعة المصرية انطلق صوتها من دمشق (هنا القاهرة).

وأنذر الاتحاد السوفيتي القوات المعتدية لوقف القتال ولم تتوقف، وأعقبته الولايات المتحدة بإنذار وقرار لمجلس الأمن بوقف القتال, عَكَسَ ضيقها بعدم إخطارها المسبق بالحرب، لتنسحب القوات المعتدية وتعود القناة لمصر مع الحفاظ على حقوق جميع المساهمين، وتدير مصر القناه بمرشديها بمعاونة زملائهم اليونانيين الذين رفضوا الانسحاب، ليصبح 23 ديسمبر عيدًا للنصر وعيدًا قوميًا لبورسعيد الباسلة حيث حققت مصر أهدافها السياسية العسكرية وفشلت دول العدوان في ذلك وهو أهم المقاييس الاستراتيجية الحديثة كمقياس للنصر والهزيمة. فتحية لشعب وجيش مصر في ذكرى نصرهما المؤزر.

كاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى