
في ذكرى تحرير طابا
تحتفل مصر في شهر مارس من كل عام منذ 19 مارس عام 1988 بالذكرى الخامسة والثلاثين لتحرير واستعادة طابا كآخر بقعة في سيناء يتم تحريرها بعد انتصار قانوني في المحكمة الدولية سبقه انتصار سياسي تلا الانتصار العسكري الذي كان ضروريًا وحتميًا ليمهد لهذين الانتصارين من موضع قوة.
ويضاف إلى احتفال هذا العام انتصار جديد على الإرهاب بكسر شوكته وعودة الحياة الطبيعية إلى تلك البقعة المحدودة من شمال شرق سيناء، حيث برهن على هذا الانتصار إقلاع سفن الإغاثة المصرية إلى سوريا من ميناء العريش الدولي.
كانت الخطوة الأولى هي انتصار مصر في حرب رمضان اكتوبر1973 وهي الأساس القوى والحتمي الذي مهد لتلك السلسلة من الانتصارات المصرية، وأتت تلك الحتمية من ضرورة تحرير سيناء التي هي جزء من ارض الوطن، ولكنها بمثابة العِرْض لكل الوطن. وفرضت تلك الحتمية رغم تفوق العدو في الحداثة النوعية لأهم عناصر القتال كالقوات الجوية من طائرات وعدد الطيارين الإسرائيليين والمتطوعين من خارجها، وكذلك الدفاع الجوي الخفيف المتحرك والمواكب للقوات عكس دفاعنا الجوي الثقيل الثابت إلا القليل وأيضًا بعض أنواع المدرعات والحرب الإلكترونية.
بالإضافة إلى معضلة اقتحام مانع قناة السويس الصعب في حد ذاته ويزيد من صعوبته وجود حصون خط بارليف المنيع على شاطئ سيناء ويليه احتياطيات الدبابات المتدرجة، حيث شكلا معًا أقوى الموانع المائية والدفاعية عبر التاريخ وحتى الآن.
ورغم كل ذلك فقد انتصر الجيش المصري بحسن ودقة التخطيط دون تهويل أو تهوين والتركيز على نقاط ضعف العدو وتحييد نقاط قوته التي كان أهمها خطة استدعاء الاحتياط القوى الذي تعتمد عليه إسرائيل، وذلك من خلال خطة خداع استراتيجي مصرية سياسية وعسكرية شاملة ومحكمة حققت المفاجأة الكاملة ضد إسرائيل وحلفائها، وأعطت المبادأة للقوات المصرية التي أنجزت مهامها القتالية الرئيسة في زمن قياسي وقبل أن تفيق إسرائيل وحلفاؤها من هول وقوة الصدمة.
كان هناك وضع جديد على الأرض وانتصار عسكري مصري مهّد بلا شك للخطوة التالية لبناء سلام من موضع قوة بوساطة أممية وأمريكية، وما كان لذلك النصر أن يتحقق لولا شجاعة الرجال وتضحياتهم وعقيدتهم القتالية والوطنية والروحية.
وكانت الخطوة الثانية هي بناء السلام المبني على النصر العسكري. وكانت ورقته الأولى (إطار السلام المعروف بكامب ديفيد) نتاج حرص مصر أن تكون بين دول الطوق العربية ذات الأراضي المحتلة وإسرائيل وليس مصر وحدها، وهي (مصر وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين). أما الورقة الثانية فهي اتفاق السلام بين كل من إسرائيل وكل دولة عربية على حدة لاختلاف الموقف الجيوسياسى. وعُقد المؤتمر في (مينا هاوس) تحت سفح الهرم لكل تلك الدول وتحت رعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة ورفضت سوريا والأردن ولبنان وترددت فلسطين ثم لم تحضر، وليتها حضرت وربحت أضعاف ما خسرت.
ثم كانت الخطوة الثالثة التي نحن بصدد الاحتفال بها وهي الانتصار القانوني الدولي لتحرير وعودة طابا كآخر بقعة من أرض سيناء يُرفع عليها علم مصر، إعلانًا أن تراب الوطن المصري المقدس لا مساومة عليه حتى ولو كان حفنة من الرمال. لتعطى مصر المثل مرة أخرى للاقتداء بذلك عربيًا ومستقبليًا بعد تقاضينا أمام المحكمة الدولية (3قضاة محايدين وقاضٍ مصري وآخر إسرائيلي) لقرابة 6 سنوات، قدمت مصر خلالها الحجج والأسانيد القانونية والتاريخية والمساحية والجغرافية والعسكرية من خلال فريق عمل متخصص ومقاتل على الحق، حيث أعلنت المحكمة في جنيف في 29 سبتمبر 1988حكمها التاريخي (وقع في 230 صفحة) لمصلحة مصر بأغلبية 1:4 وهو القاضي الإسرائيلي.
وكانت المشكلة قد بدأت عند إتمام المرحلة النهائية من الانسحاب الإسرائيلي عند نقطة حدود طابا رقم 91 بين مصر وفلسطين تحت الانتداب البريطاني وقبله العثماني. حيث أحيلت للتحكيم الدولي بعد عدم التوصل لحل توفيقي كنص المادة السابعة من اتفاق السلام. ويشترط للتحكيم الدولي أن يوافق الطرفان ويقدمان شروطهما للتحكيم، وهو ما تم.
حيث رفع الرئيس الأسبق مبارك العلم المصري على طابا في 19 مارس 1989 ليتم قبل 25 أبريل التالي طبقا لاتفاق السلام وتتمم مصر سلسلة الانتصارات. ولتكون الصفحة الأخيرة فيها هي تكريم الرئيس عدلي منصور(خلال المرحلة الانتقالية) لهؤلاء الابطال في 22أبريل 2014 بعد ربع قرن. فتحية لهؤلاء الأبطال وترحم على من رحلوا عن عالمنا بعد ان أدوا واجبهم بإخلاص وتفانٍ تجاه وطنهم.


