مقدمات مقلقة لحرب عالمية ثالثة
يقول لنا التاريخ: لقد اندلعت الحربان العالميتان الأولى والثانية لأسباب ودوافع تعتبر أقل كثيرا مما ينبهنا إليه الحاضر بما هو حادث ومتصاعد في مناطق متعددة كالشرق الاوسط وفى قلبه الصراع الإسرائيلي العربي الفلسطيني. ثم شرق أوروبا وفى قلبه الحرب الروسية الأوكرانية، وجنوب شرق آسيا وفى قلبه صراعان، الأول الأمريكي الصيني، والثاني الكوري الشمالي سواء ضد الشطر الجنوبي أو ضد اليابان، بينما لم تتجاوز صراعات الأمريكتين وإفريقيا أكثر من مستوى الحروب الأهلية، التي كانت أكبرها حرب شمال وجنوب الولايات المتحدة. فعلينا أن ندرس ونستشرف كيف يمكن لأحد تلك الصراعات المنفردة أو المشتركة أن تؤدى إلى حرب عالمية ضروس، ستصنف إذا وقعت كحرب عالمية ثالثة.
وقبل التطرق إلى المقدمات المقلقة لحرب عالمية ثالثة، فيمكن مراجعة الأسباب التي أدت إلى الحربين العالميتين السابقتين، فالحرب الأولى 1914 ـ 1918 كانت لتداعيات الموقف الأوروبي والعثماني وأزمة حربي البلقان، ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت اغتيال ولى عهد النمسا وزوجته في سراييفو بواسطة طالب صربى وانتهت الحرب بهزيمة ألمانيا وحلفائها وخلفت 22 مليون إنسان بين قتيل ومصاب، أما الحرب الثانية 1939 ـ 1945 فقد بُنيت على الأولى لمحاولة ألمانيا الثأر لهزيمتها، فكانت حربا أوسع وخسائر أكبر بلغت قرابة 80 مليونا من البشر كسابقتها حيث هُزمت ألمانيا وحلفاؤها أيضا.
وهنا نلاحظ إن الصراعات أو الحروب الأربع الحالية والمرشحة لإشعال حرب عالمية ثالثة، يكون أحد طرفيها أو كلاهما دولا نووية سواء من أعضاء النادي النووي الخمس دائمي العضوية في مجلس الامن وهى بترتيب الامتلاك النووي (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين) أما الدول الأخرى من خارج النادي النووي بترتيب الامتلاك والتي تصنف دول مارقة فهي إسرائيل وكوريا الشمالية وفى الطريق إيران. وقد تم استبعاد الهند وباكستان لعدم تداخلهما في صراعات أو حروب اقليمية حاليا.
أولا: الحرب الروسية الأوكرانية. وهى حرب قائمة منذ أكثر من عامين ونصف العام. وبدأت بهجوم روسي على الأراضي الأوكرانية واحتلال أجزاء منها، وردت اوكرانيا مؤخرا باحتلال كورسك الروسية، حيث يعتبر حلف الأطلنطي هو الداعم الرئيسي لها وهوما قد يتفاقم بالانزلاق إلى حرب نووية، طرفاها هما الأكبر في امتلاك القدرات النووية الكافية لتدمير الكون أكثر من مرة.
ثانيا: الصراع الأمريكي الصيني. وهما دولتان نوويتان حيث يُدار الصراع العابر للقارات والمحيطات في الإقليم الشاسع لجنوب شرق آسيا وفى قلبه أزمة جزيرة تايوان التي تعتبرها الصين من التراب الوطني. وتصنف الصين ـ حليفة كوريا الشمالية ـ عالميا الأكبر بشريا، بعد الهند، والثاني اقتصاديا والثالث عسكريا، بينما الولايات المتحدة الأولى عسكريا واقتصاديا وتمتلك أسطولين من سبعة أساطيل في المحيطين الهندي والهادي (الإندوباسيفيك) هما الخامس والسابع في الخليج وبحر اليابان على الترتيب، بالإضافة إلى الدعم البريطاني والأسترالي والكوري الجنوبي.
ثالثا: الصراع الكوري الكوري. وبدأ بانقسام شبه الجزيرة بعد الحرب العالمية الثانية إلى شمال شيوعي يتبع روسيا والصين، وجنوب رأسمالي يتبع الولايات المتحدة. مع عداء تاريخي لليابان التي احتلت شبه الجزيرة الكورية منذ 1910. وقد فجرت كوريا الشمالية الموقف بالإعلان عن امتلاك سلاح نووي وتجربته في غفلة من الغرب الذى دفع الكثير للإبقاء على مفاعلاتها لتوليد الكهرباء فقط. وتأزم الموقف مؤخرا بالتعاون الاستراتيجي الكوري الشمالي مع روسيا، خاصة إن كوريا الشمالية تصنف من الدول النووية المارقة.
رابعا: صراع وحروب الشرق الوسط. وفى قلبه الصراعات المسلحة الإسرائيلية الفلسطينية /العربية من جهة، والإسرائيلية الإيرانية من جهة اخرى. ويربط بينهما تمدد أذرع الوكلاء الإيرانيين من مركز الدائرة حين احتلت إسرائيل كل أراضي فلسطين منذ التقسيم1947 بما فيها غزة والضفة والقدس الشرقية، حيث تتسع دائرة الصراع لتشمل كلا من لبنان وسوريا ومؤخرا اليمن والعراق وصولا إلى إيران ذاتها. وما كانت إسرائيل لتستطيع التجبر والعربدة والاغتيالات لولا الدعم الأمريكي وبعض أقطاب الغرب، من نظم تسلح وذخائر ذكية واستخبارات وتكنولوجيا متقدمة وأسطولين أمريكيين، في المتوسط قرب إسرائيل للدعم والآخر في الخليج قرب إيران للردع.
باستعراض ما سبق نجد ان صراع الشرق الأوسط هو الأخطر، خاصة اذا ما حصلت إيران على السلاح النووي القريبة منه ـ اقتداء بكوريا الشمالية ـ لتكون هناك دولتان نوويتان مارقتان بالشرق الأوسط. فالاستخدام الإسرائيلي ضد إيران سيطول كل الخليج واحتياطيات النفط العربية والعالمية، والاستخدام الإيراني ضد إسرائيل سيطول الشرق الأوسط وفى قلبه فلسطين وقلب العالم العربي الذى سيصبح بين المطرقة والسندان.. فهل يفيق العالم لكبح جماح التهور واللا مسؤولية وإنقاذ البشرية التي ربما تواجه خسائر أضعاف خسائرها في الحربين العالميتين؟ نتمنى ذلك.