“ترامب” وملامح سياساته وإدارته الجديدة
أتت الانتخابات الأمريكية مؤخرًا بالرئيس دونالد ترامب ليكون الرئيس رقم 47 في سلسلة الرؤساء التي بدأها الرئيس المؤسس جورج واشنطن (1789 ــ 1797). ويُعتبر ترامب ثاني رئيس أمريكي يُنتخب لفترتين غير متتاليتين بعد الرئيس جروفر كليفلاند. فما هي المحددات والاعتبارات التي يمكن أن تؤثر على اختيارات ترامب لإدارته الجديدة، وأداء تلك الإدارة في الولاية الثانية، حيث يكون الرئيس عادةً أكثر حرية مقارنةً بولاية الأولى. وتتمحور تلك المحددات والاعتبارات في أهم حصاد للولاية الأولى ــ وشخصية ترامب وقناعاته واختيار معاونيه للولاية الثانية ــ ثم محصلة ذلك على توجيهه لدفة السياسة الأمريكية دوليًا وشرق أوسطيًا.
أهم حصاد الولاية الأولى 2017 ــ 2020:
ترجع أهمية وصول ترامب إلى البيت الأبيض في جوهرها إلى بدء تراجع أداء الديمقراطيين خاصة في ولايتهم الثانية حين كان بايدن نائب الرئيس أوباما لولايتين. حيث خسرت هيلاري كلينتون أمام ترامب الجمهوري الأقل احترافًا سياسيًا حينذاك. ثم في عام 2020 فاز بايدن بولاية الحالية شبه المنتهية والتي تعثرت في أزمات أفغانستان وأوكرانيا والشرق الأوسط. لنستعرض أهم محطات ترامب الرئاسية دوليًا وشرق أوسطيًا. فـدوليًا قلص ترامب دعمه المادي للأمم المتحدة وكذلك حلف شمال الأطلسي (ناتو) وزار دولًا تُعتبر مناوئة للولايات المتحدة، كالصين وكوريا الشمالية، وبدأ علاقة شبه دافئة وغض الطرف عن روسيا في سيطرتها على شبه جزيرة القرم وموانئها مما أعطاها مميزات استراتيجية في مواجهة الناتو.
وشرق أوسطيًا، ألغى ترامب الاتفاق الإيراني 5+1 مع توقيع عقوبات على إيران. وكافأ إسرائيل بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، واعتبر الجولان المحتل السوري أرضًا إسرائيلية، وهو امتداد شبيه بوعد بلفور بأن يعطي من لا يملك لمن لا يستحق.
وتجاه مصر، فكانت توجهات ترامب إيجابية باعتبار مصر شريكًا استراتيجيا مهمًا باستمرار تدفق المعونة العسكرية 1.3 مليار دولار، مع موقف مهم تجاه حل أزمة سد النهضة حين دعا ترامب مصر والسودان وإثيوبيا إلى واشنطن حيث وقعت مصر وانسحبت إثيوبيا مما أفشل المفاوضات.
ملامح شخصية ترامب ومعاونيه لولاية ثانية:
ما زال العديد من المحللين يصفون ترامب بأنه لا يزال شخصية مثيرة للجدل. وأنه يميل إلى إدارة الأزمات بالصدمات وأن بُعده الشخصي أكثر حضورًا من بُعده المؤسسي البراجماتي. كما أنه ملياردير ورجل أعمال يحركه المكسب والخسارة، فبيعه لصفقة سلاح ضخمة يكون مردودها للربح من وجهة نظره أكثر منه للتوازن العسكري. كما ينتظر أن تزيد صلاحياته في ولايته الثانية حيث أغلبية الكونجرس للنواب والشيوخ، بالإضافة إلى الصلاحيات الاستثنائية لمنصب الرئيس الأمريكي. كما نجح حتى الآن في الالتفاف حول تداعيات إدانته في أحداث الهجوم على الكونجرس وغيرها.
أما اختياره لمعاونيه في إدارة مؤسسة الرئاسة الأمريكية بالولاية الجديدة فقد عكست عدة ملامح:
أولها، مكافأة من عاونوه في الانتخابات، سواء سياسياً أو مادياً بسخاء، ليكون لهم نصيب وافر في المناصب السياسية والاقتصادية الحالية أو المستحدثة.
وثانيها، أن معظم المرشحين من القيادات الشابة المتشددة (الصقور) الداعمين لإسرائيل بشكل واضح دون تحمس للقضية الفلسطينية، كما بدا من تصريحات وزراء الخارجية روبيو والدفاع بيت هيجسيث والأمن القومي مايك والتز وسفير واشنطن إلى إسرائيل هاكابى حاكم أركنساس.
الملامح المنتظرة لإدارة السياسة الأمريكية دوليًا وشرق أوسطيًا:
سوف تغلب عليها مقولة ترامب بأنه سيعمل على إيقاف أو إنهاء الحروب الدولية والإقليمية التي أشعلها أو سكت عنها الديمقراطيون، في مكسب إعلامي مبكر ــ يمهد لحلم جائزة نوبل للسلام ــ إذا ما نجح في ذلك رغم صعوبته. فدوليًا، قد يبدأ بتفكيك أزمة الحرب الروسية الأوكرانية المعقدة مستفيدًا من علاقته السابقة مع الرئيس الروسي بوتين الذي أسرع بإرسال دعوة إلى المستشار الألماني الذي قبلها وقد تكون نقطة البداية.
وشرق أوسطيًا سيكون التركيز على إيقاف التمدد الإيراني على غرار شبيه باتفاق 5+1 مع رفض حل الدولتين لتكون دولة إسرائيلية يهودية يعيش فيها الفلسطينيون كأقلية عرقية ودينية، مع العمل على توسيع مساحة إسرائيل التي قال عنها ترامب مستهجنًا (أنها دولة صغيرة جدًا). أما مصريًا فينتظر استمرار اعتبار مصر من أهم الشركاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة. وقد تلعب العلاقة المتميزة بين البلدين دورًا مهمًا في حلحلة بعض القضايا التي تهم مصر، ومن بينها أزمة سد النهضة الإثيوبي، حيث لم يكن ترامب سعيدًا بإفشال إثيوبيا للمباحثات الثلاثية التي رعاها ترامب شخصيًا في واشنطن، وقد لا يسمح بتكرار ذلك مستقبلًا.. فلننتظر ونراقب ونرى ما سيفصح عنه المستقبل.