مقالات رأي

الشيخ زايد حكيم العرب.. عاشق مصر

اُطلق عليه حكيم العرب، كما عرفه المصريون بعاشق مصر فبادلوه حبا بحب،‬ فهو حكيم العرب لأنه صاحب أول اتحاد عربي ناجح بعد محاولات وحدوية عربية لم يكتب لها النجاح بسبب عدم وضوح تقاسم السلطة والثروة، وهو ما راعاه الشيخ زايد عند دراسته لنظم الفيدرالية والكونفيدرالية ليختار النظام الفيدرالي الأمريكي مع بصمة إماراتية خاصة تحدد تقاسم السلطة والثروة بين الإمارات السبع التي شكلت الاتحاد، وهي: أبو ظبي آل نهيان ودبي آل مكتوم والشارقة آل القاسمي وعجمان آل النعيمي والفجيرة آل الشرقي وأم القيوين آل المعلا حيث تأسس الاتحاد رسميًا في 2 ديسمبر 1971 واكتمل بانضمام رأس الخيمة آل القاسمي في 10 فبراير 1972.

وهكذا تحقق حلم الشيخ زايد بقناعاته الثلاث، الأولى أن الاتحاد قوة والتفرق ضعف، حيث كان دائم التدليل على ذلك بفترة الاستعمار البريطاني ومن قبله العثماني، مع استمرار التهديد الفارسي الإيراني لدول وإمارات الخليج العربي. والثانية أن الثروة يحب أن تعود على الشعب من خلال خطة تنمية شاملة، مع أولوية للتعليم والصحة. والثالثة أن ثروة النفط لن تدوم إلى الأبد وعلينا أن نستغل تلك الثروة الحالية للتأسيس لمجالات أخرى مستقبلية بتوطين التكنولوجيا، وهو ما آتى اُكله لاحقًا مثل الاتصالات والفضاء والموانئ البحرية والجوية والنقل الجوي (كارجو) والأخير كمثال تحتل فيه الدولة المركز الرابع عالميًا، بالإضافة إلى التصنيع العسكري.

كانت الفرصة مواتية للشيخ زايد في صدر شبابه في الثامنة والعشرين ليطبق نظريته السياسية والاقتصادية والإنسانية عندما عُيٍن حاكمًا محليًا لمدينة العين فوحد مكوناتها الثلاثة وأرسى البنى التحتية مؤسسًا لنهضة اقتصادية، وأنشأ المدرسة النهيانية، والمشفى المتعدد، مع الزراعة والأسيجة الشجرية والنخيل ليتغير وجه المكان الصحراوي القاحل إلى واحة خضراء ومنفذ حدودي إلى سلطنة عمان المجاورة في إطار التنمية الشاملة. 

كان نجاحه في مدينه العين سببًا في استدعائه ليكون نائبًا لأخيه الأكبر الشيخ شخبوط حاكم أبو ظبي كبرى إمارات الاتحاد لاحقًا، حيث حقق نجاحًا مماثلًا على مستوى الإمارة كلها، ليختاره مجلس العائلة حاكمًا للإمارة عام 1965، وهو في الثامنة والأربعين. حيث خطط لتوظيف عوائد النفط الجديدة التي بدأت في التراكم مع بداية ستينيات القرن الماضي لبناء نهضة وتنمية شاملة، ولكنه كان متخوفًا من المحدودية البشرية الديموجرافية كأحد أهم مكونات ما يعرف في الأدبيات الاستراتيجية (بالقوى الشاملة للدولة) رغم أنه أكبر الإمارات السبع.

كان ذلك سببًا إضافيًا للتفكير في الوحدة. ولكنه كان قلِقا لأن كل التجارب الوحدوية العربية وأهمها المصرية السورية لم يكتب لها النجاح، لأنها كانت نتاج فوران قومي مهم، لكنها ما لبثت أن اصطدمت بخلافات تقاسم السلطة والثروة. وهو ما راعاه الشيخ زايد جيدًا؛ فبالنسبة للسلطة سيكون كل حاكم إمارة هو نائب رئيس الدولة حاكم إمارته، عدا دبي فسيكون بالإضافة إلى ذلك رئيس مجلس الوزراء. ولحاكم كل إمارة ولي عهده وولي عهد أبو ظبي هو ولي عهد الدولة.

وأخذ من النظام الفيدرالي الأمريكي توحيد الجيش والأمن والسياسة الخارجية، وبالتالي توحيد السفارات والعلم والنشيد الوطني والبنى التحتية والاقتصادية القومية، على أن تشارك كل إمارة طبقًا لوزنها الاقتصادي النسبي في الاتحاد الفيدرالي. بصبغة إماراتية للشيخ زايد الذي قام بزيارات متعددة لدول عربية أهمها مصر لدراسة الوحدة الاندماجية مع سوريا في عهد الرئيسين عبد الناصر وشكري القوتلي 1958-1961 ونقاط القوة والضعف وعدم الاستمرار، وكذا زار اوروبا والولايات المتحدة لذات الغرض.

ورغم النهضة الحضارية والتنمية الشاملة، لم ينس الشيخ زايد تخليد حضارة وثقافة الأجداد والحياة البدوية التي فرد لها الجداريات، والتي لفتت نظر الكاتب في زيارة عمل دُعِي إليها في أبو ظبي الحديثة والجميلة، وهو ما أفرز رياضة سباق الجِمال (الهَجْن) كأحد الرياضات التراثية. هذا وقد أحب الشيخ زايد مصر وشعبها وأوصى بها بنيه، ورأى مبكرًا بفطرته السوية أن قوة مصر هي قوة للعرب وعمق استراتيجي للخليج، وبادلته مصر وشعبها حبًا بحب، وسعدت بأن تحوي مدينة الشيخ زايد بالسادس من أكتوبر، وكذلك أحياء عديدة باسمه في مدن كثيرة. وهكذا غادرنا شهر ديسمبر شهر تحقيق حلم وحدة الشيخ زايد الذي رحل إلى جوار ربه في نوفمبر 2004 فتحية لذكراه..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى