روسيا وكوريا الشمالية .. شراكة مقلقة للغرب
ونحن بصدد قراءة ورصد وتحليل تلك الشراكة الإستراتيجية الروسية الكورية الشمالية الوليدة، بين أصدقاء وحلفاء الشرق وعلى رأسهم الصين الشعبية من جهة، في مقابل أصدقاء وحلفاء الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي من جهة أخرى. فقد يكون من المناسب مراجعة صفحتي الجغرافيا الإستراتيجية والسياسية، وصفحات التاريخ الحديث لإقليمي شرق وجنوب شرق آسيا، بالتزامن مع المرحلة الأخيرة للحرب العالمية الثانية (1939-1945) التي كُتب فصلها الأخير الدامي بإلقاء الولايات المتحدة لقنبلتيها الذريتين على اليابان العنيدة على مدينتي هيروشيما وناجازاكي لتستسلم اليابان دون قيد أو شرط وتنتهي الحرب رسميًا في 2 سبتمبر 1945 بعد 6 سنوات ويوم واحد!، لبدء آخر الحروب العالمية حتى الآن. وكان قد سبقها هزيمة واستسلام ألمانيا للحلفاء في 8/9 مايو 1945، حيث الاتحاد السوفيتي شرقًا والولايات المتحدة غربًا.
كانت تلك المرحلة إيذانًا بمولد القوتين العظميين وحلفيهما والحرب الباردة. حيث حلف الأطلسي 1949 وغرب أوروبا والأيديولوجية الرأسمالية. في مواجهة حلف وارسو 1955 وشرق أوروبا والأيديولوجية الشيوعية. وهو ما أفضى إلى التقسيم والحرب الكورية (1950-1953) بين شطريها الشمالي ببيونج يانج وكان تحت السيطرة السوفيتية. وهو الذي بدأ الحرب بدعم سوفيتي، وبين شطرها الجنوبي بسول وبدعم سياسي من الأمم المتحدة. تحول إلى دعم عسكري من الولايات المتحدة. حيث كانت شبه الجزيرة الكورية موحدة منذ الاحتلال الياباني لها عام 1910. حيث ولدت الكراهية الكورية الشمالية تجاه المستعمر الياباني. وتحولت الكراهية إلى عداء بتحالف اليابان لاحقًا مع الولايات المتحدة التي أصبحت المورد الرئيسي للسلاح والمسؤولة عن الدفاع عن اليابان التي احتضنت قيادة الأسطول السابع الأمريكي المسؤول عن شرق روسيا والكوريتين.
ولننظر بمنظور تاريخي واستراتيجي إلى كل من روسيا وكوريا الشمالية تجاه بعضهما البعض. ثم تجاه بيئتهما الإقليمية والدولية. قبل واقع الشراكة الاستراتيجية وهي ماضٍ وحاضر. لننتقل إلى جوهر الاستشراف المحتمل والممكن. لكل من روسيا تجاه الحرب الأوكرانية، وكوريا الشمالية تجاه امتلاكها للأسلحة النووية والصاروخية والمضي قدمًا في تطويرها وتجاربها.
أولًا كوريا الشمالية: وقد مرت بثلاث مراحل، الأولى بتأسيس كوريا الشمالية وهي مرحلة الجد المؤسس كيم إيل سونج وهو الضابط الاستخباراتي الذي تعلم في روسيا وأخلص لها ولمذهبها الشيوعي كنهج سياسي. والمرحلة الثانية للوالد كيم جونج إل صاحب التحول إلى الدولة النووية والخداع الكبير للغرب من خلال الاتفاق السداسي. لتحول كوريا الشمالية مفاعلها النووي الرئيسي إلى توليد الكهرباء. مقابل إغراءات مادية ومالية كان أغلبها من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكوريا الجنوبية. حيث فازت كوريا الشمالية بالغنائم ووصلت إلى الطاقة النووية وخرجت من معاهدة عدم الانتشار النووي NPT. وكانت المرحلة الأخيرة الحالية للحفيد كيم جونج أون حيث الانطلاق النووي والتسليحي خاصة الصاروخي والبحرى. وتخللتها زيارتا أون في سبتمبر 2018 لكل من رئيس كوريا الجنوبية ثم الرئيس الأمريكي ترامب في سنغافورة. بحثًا عن التهدئة التي لم تتم حتى الآن.
ثانيًا: روسيا: بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وبدء تعافي روسيا في عهد يلتسين، ارتبط تعافيها باسم الرئيس بوتين لربع قرن من الزمان. تخلله أعمال عسكرية خارجية في الشيشان وجورجيا وسوريا والقرم ثم أوكرانيا، مع استمرار محور الصداقة مع كوريا الشمالية واستمرار عداء الأخيرة مع جارتها الجنوبية. مع اشتراك روسيا وكوريا الشمالية في العداء الاستراتيجي ضد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الذي يبادلهما العداء مع العقوبات الاقتصادية (Sanctions)، على كليهما.
ونستشرف في هذا السياق وخلال زيارة بوتين لأون. حيث وقعا اتفاق شراكة إستراتيجي يغلب عليه الطابع العسكري. حيث تحتاج منه روسيا إلى العون النوعي في بعض الأسلحة والكثير من الذخائر المختلفة خاصة أنهما ينتميان إلى مدرسة تسليحية واحدة تقريبًا. في مقابل التصاعد المحتمل من حلف شمال الأطلنطي لدعم أوكرانيا. بالتوازي مع انكسار وانشغال الحلف في الشرق الأوسط. مع تخفيف التصعيد الأمريكي تجاه الأزمة الصينية التايوانية مرحليًا. وإعادة ترتيب معادلات التوازن في إقليمي شرق وجنوب شرق آسيا. وفي المقابل سيلوح بوتين لضيفه بإمكان معاونته في مجال الفضاء. حيث زارا في العام الماضي أكبر قواعد الفضاء القريبة من كوريا الشمالية في (فوستوتشنى) وأن التقدم الروسي في هذا المجال. سيفيد كوريا الشمالية في مجالات القوات الجوية والأقمار الصناعية والصواريخ البعيدة المدى. لزيادة وتعدد عناصر الردع في مواجهة الغرب. وأن الشريكين لن يدخرا جهدًا للتخفيف أو الالتفاف حول العقوبات الاقتصادية. بمعاونة الصديق المشترك الصيني والمحتمل الإيراني رغم معاناته. وهو عكس ما تخطط له الولايات المتحدة والأطلنطي بزيادة التصعيد العسكري لدعم أوكرانيا ومحاولة إضعاف روسيا. مع الحذر من التصرفات الكورية الشمالية غير المتوقعة. فلنتابع ونراقب ونرى.