مقالات رأي

مصر بين 25 يناير 1952و2011

كانا تاريخين فارقين في صفحات النضال المصري الحديث، ورغم اختلاف الظروف والدوافع فقد كانت هناك قواسم مشتركة. الأول، إن الموقف فرض على الشرطة المصرية أن تكون في قلب الحدثين. والثاني، إنه رغم البدايات الوطنية فقد تم اختطاف الحدثين إلى غير صالح الوطن. والثالث إنه بعد الاختطاف آلت الامور إلى الأفضل لاحقًا، ففي الأول قامت ثورة جيش في يوليو1952 أيدها الشعب، وفى الثاني قامت ثورة شعب في يونيو 2013 أيدها وحماها الجيش فكيف كان ذلك؟

أولا: 25 يناير 1952: وافق يوم الجمعة حيث انتهاء وقت إنذار القيادة العسكرية البريطانية في قناة السويس بعد الصلاة-ليسلم قسم شرطة الإسماعيلية سلاحه ويغادروا إلى القاهرة، نظرًا لإخفاء القسم الفدائيين المصريين الذين قتلوا بعض الجنود البريطانيين.

حيث تم رفض الإنذار بعد تباحث القسم وقائد الأمن العام (بلوكات النظام) غير المسلحة ومحافظ الإسماعيلية، وأبلغوا ذلك إلى القاهرة ووزير الداخلية فؤاد سراج الدين الذي بارك القرار والقتال لآخر طلقة ورجل وكان يمكن الدعم بالسلاح والذخيرة حتى وقت الإنذار. 

وهاجم البريطانيون بتفوق ساحق بالمشاة الميكانيكية وحتى أسوار القسم تحت ستر نيران الدبابات التي استهدفت الغرف والاسوار ـ حيث قاتل رجال القسم ببسالة ببنادق فردية حتى نفدت الذخائر واستشهد ثمانون رجلًا هم معظم القوة، وغادر الباقون وسط حرس شرف بريطاني اصطف لتحيتهم على بسالتهم، وليصبح هذا اليوم عيدًا للشرطة المصرية.

تم اختطاف الحدث وأحرقت القاهرة وقُتل بعض المواطنين والأجانب وكان تعامل الدولة مع الاحداث ضعيفًا فاشتعلت النيران تحت الرماد، خاصة بين خلايا الضباط الأحرار ومأساتهم في حرب فلسطين ضد قيادة الجيش والملك حيث تمت دون استعداد وتخطيط على أنها شبه نزهة عسكرية ضد بعض العصابات ولم تكن كذلك وحوصر جمال عبد الناصر في الفالوجا ثم مماطلة الإنجليز في الجلاء فكانت حتمية ثورة 1952.

ثانيا: 25يناير2011: تم اختيار هذا اليوم الذى يصادف عيد الشرطة ليكون أكثر هدوءً للتجمع في ميدان التحرير حيث سهلته وسائل التواصل الاجتماعي المستحدثة، وكان الخط الأولي هو التغيير السلمي للسلطة المصرية وهو ما لاقى قبولًا ضمنيًا لدى شرائح من المصريين، خاصة الصفوة التي رأت تباطؤ القوة الدافعة لفترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك التي بدأت نشيطة في الثمانينيات ومتوسطة في التسعينيات ولكنها تمحورت مؤخرًا حول التوريث بالتحاكي مع سوريا وكذلك الخلط بين مفهوم الاستقرار ومفهوم السكون وعدم الحركة المؤثرة سلبًا داخليًا وإفريقيًا وإقليميًا.

ورغم أن مصر مؤهلة لذلك ومدعومة من القوى الدولية الفاعلة التي ترى أن استقرار وتقدم الإقليم يرتبط بمصر وبعض الفاعلين الإقليميين. رأى المتربصون بالوطن من فصيل الإسلام السياسي الداخلي والإقليمي أن الفرصة مواتية لاختطاف الثورة التي ليس لها قيادة بدءًا من الثامن والعشرين فيما عرف بمعركة الجمل، وهنا تغير موقف الجيش المصري من حماية التجمع السلمي الأولي في ميدان التحرير إلى الانتشار لتأمين مرافق الدولة ضد تخريب مختطفي الثورة واستثارة الشعب مثل حرق المجمع العلمي.

ليفرض الجيش قبضته بالتعاون مع اللجان الشعبية الوطنية، وانتهت المرحلة بقبول مبارك بالتنحي عن الحكم إلى المجلس العسكري وأنه لن يغادر مصر وسيكون رهن القضاء وهوما حُسب للرجل. أتت الانتخابات الرئاسية بمحمد مرسي إلى الحكم وانتهى عام حكم الجماعة بفشل كبير في ادارة الدولة.

وأضر بها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وداخليًا وخارجيًا وكان الإعلان الدستوري هو القشة التي قصمت ظهر البعير، فهب 35مليونًا من الرجال والنساء طبقًا لرصد الأقمار الصناعية الدولية في 30 يونيو للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة وهو ما رفضه الرئيس بتعليمات الجماعة، وأعتقد أنه لو كان الأمر بيده لقَبِل فإما استمرارًا للرئاسة أو مغادرة بكرامة، ولكنه كان لا يملك قراره فهو ممثل الجماعة في القصر الرئاسي.

انتهت مهلة الجيش للفرقاء في الثالث من يوليو لتبدأ مصر خريطة طريق للإنقاذ بعام انتقالي برئاسة المستشار عدلي منصور وبالتوازي مع بدء محاربة الإرهاب الذى عبر عنه الدكتور البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان بأنه سينتهى لحظة عودة مرسى إلى الحكم!.

طويت تلك الصفحة ليأتي الرئيس السيسي إلى سُدة الحكم ليقول لن ننام وسنعمل ليلًا ونهارًا، وسنلجأ للحلول الجراحية وليس للمسكنات كالإصلاح الاقتصادي والبُنى التحتية والعمل المتوازي في شتى المجالات الاقتصادية والإنسانية لبناء مصر الغد، وها هو يُبرْ بوعده ليكون بحق أحد البنائيين المصريين العظام دون أدنى مجاملة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى