مقالات رأي

ل. د محمد قشقوش يكتب: ٢٤ أكتوبر صمود وانتصار السويس (ستالينغراد مصر)

صفحة من ذاكرة النضال الوطني المصري، فقد حمل هذا اليوم ذكريات أليمة للمغامرة الإسرائيلية الأخيرة بنهاية حرب رمضان أكتوبر المجيدة، بينما أصبح هذا اليوم هو العيد القومي لمدينة السويس الباسلة التي حطمت بقايا الغرور الإسرائيلي وغادرها تاركا دباباته وعتاده وقتلاه الذين سلم كشفا بأسمائهم لاحقا إلى الصليب الأحمر عسى أن يخلي جثامينهم بعد الحرب.

كما وافق هذا اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان المبارك حيث وُضعت خطة الدفاع عن المدينة واُعلنت بواسطة القائد العسكري برفقة محافظ السويس في صلاة فجر هذا اليوم من المسجد الذي كان إمامه الشيخ المجاهد حافظ سلامة حيث زأرت آلاف الحناجر بالتكبير الذي شق سكون الليل ليصل إلى اُذن القائد الإسرائيلي الذي سبق اتصاله تليفونيا بمحافظ السويس من إحدى شركات البترول القريبة ليخيره بين الاستسلام أو تدمير المدينة على من فيها وأنه سيعاود الاتصال لأخذ الإجابة، ولكن حناجر الرجال كانت الأسبق بالإجابة ليعاود الاتصال ولكن الخط كان قد فُصل.

على الجانب الآخر من العالم كان هينري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق يسابق الزمن ويستحث إسرائيل لمحاولة ثالثة ببقايا قواتها للاستيلاء على السويس قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم 339 مساء 24 أكتوبر، حيث فشلت المحاولتان السابقتان للهجوم على المدينة من الشمال، الأولى دُمرت بمجموعات قنص الدبابات التي عبرت من الفرقة 7 قيادة العميد أحمد بدوي، والتالية بمجموعة الصواريخ المضادة للدبابات التي عبرت من الفرقة 19 قيادة العميد يوسف عفيفي وبقيت تلك  القوة داخل السويس لتدريب الجنود الإداريين الذين ارتدوا إلى المدينة وتحويلهم إلى مقاتلين والتنسيق مع قوات المقاومة في خطة دفاع متكاملة بصباح 24 اكتوبر.

هاجمت قوات العدو بحوالي 30 دبابة تلي كل منها مجنزرة تحمل المظليين للتطهير وقتال الشوارع وتم الهجوم من الشرق وكانت الشمس في أعين العدو و كانت خلف قواتنا لتخدم المراقبة والقناصة خلف النوافذ وعلى الأسطح مع وجود ألغام مضادة للدبابات مع مجموعات البدرومات لتُنشر أثناء الهجوم في التقاطعات وخاصة ميدان وقسم الأربعين وسينما رويال بينما تحتل كمائن المداخل بالصواريخ و القواذف المضادة للدبابات.

وبدت المدينة ساكنة وخاوية على عروشها حتى دخلتها دبابات العدو فانقلب السكون إلى جحيم مستعر، واستمر القتال الضاري حتى الليل الذي استغله العدو لتتسلل قواته المتبقية منسحبة بتوجيه من القيادة الإسرائيلية العليا بالصور الجوية للمدينة فلم تكن هناك خرائط  ولا(ج ب إس) بعد. ودمرت قواتنا الدبابات السليمة التي تركها العدو حتى لا يفكر في استعادتها، لتستقر لاحقا في معرض السويس العسكري لتراها الأجيال.

 كانت تلك هي صفحة القتال الأولى، أما الصفحة الثانية فكانت النضال ضد حصار العدو لأكثر من مائة يوم مع قَطع مصادر المياه والكهرباء والوقود لإجبار المدينة على الاستسلام، ولكن السويس كما انتصرت في القتال فقد انتصرت في الصمود بينما خسرت قوات العدو في كلتيهما وانسحبت تحت علم الأمم المتحدة فرحين ومحتفلين بإطلاق الألعاب النارية لتحرير رقابهم بعد أن تم حصارهم من الشرق والغرب لتصفية هذا الجيب فيما عرف بالخطة شامل بقيادة اللواء سعد مأمون خاصة بعد وصول قوات الدعم العربية  لتزيد من كثافة الحصار في مواجهة القوات الإسرائيلية المتبقية.

نعود للسويس الباسلة والتعاون مع مهندسي الفرقة 19 شرق القناة، حيث تم حل مشكلة مياه الشرب بالبحث عن الآبار القديمة التي كانت تستخدمها المدينة (قبل حفر قناة السويس) لتزويد قوافل الحجاج براً عبر وادى الحاج بسيناء، وتم العثور على أكبرها طاقة ونقاء ليكفي السويس ويمد منه الجيش حالة الضرورة. أما الكهرباء فتم حلها بدفع السولار من الجيش عبر القناة لتشغيل المولدات الاحتياطية لصالح المهام الحرجة مثل الأجهزة الطبية وبنك الدم الخ، وباقي الطاقة وخاصة السولار لتشغيل مخبز المدينة مع الاقتصاد في الاستهلاك وكذلك التحركات العسكرية لتأمين محيط المدينة، مع دفع محطة اتصال لاسلكي لمتابعة الموقف.

وهكذا تم تدوين صفحة جديدة في سجل النضال المصري والتلاحم بين شعب مصر العظيم المتمثل في شعب مدينة السويس الباسلة (ستالينغراد مصر)  وبين جيش مصر البطل ،ليؤسسا معاً لِصفحة جديدة من التعاون الفعًال للقضاء على بقايا الإرهاب ومجابهة التحديات والتهديدات من جهة، وبين التنمية وبناء مصر الحديثة من جهة اُخرى، دعماً لأمن مصر القومى الشامل. عاشت مصر حرة قوية آمنة منتصرة..

مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا

نقلا عن صحيفة “الأهرام” في عددها الصادر اليوم السبت 23 أكتوبر 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى