مصر

انتخابات الرئاسة المصرية 2024 والتعددية السياسية

الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة هي المبادئ التي سعى لها المصريون على مدار تاريخ مصر الحديث بداية من أحمد عرابي وسعد زغلول مرورًا بثورة يوليو 1952 وصولًا لثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو، إذ ناضل المصريون على مدار التاريخ لضمان أن يكون الشعب هو مصدر السلطات ومانح الشرعية للحكومات.

ومنذ وضع دستور 2014 وهناك آمال بتأسيس نظام سياسي جديد، يعكس مبادئ الدستور وتطلعات المصريين في ترجمة نضالاتهم إلى واقع وممارسة سياسية تضع حجر الأساس في بناء الجمهورية الجديدة.

وتأتي هذه الجولة الانتخابية الرابعة منذ ثورة  2011 لتمثل اختبارًا حقيقًا لمستوى التغير والاستمرارية في البنية السياسية للنظام المصري، ولتمضي بنا خطوة إضافية على طريق التحول الديمقراطي المنشود في إطار الجمهورية الجديدة.    

التاريخ الانتخابي

شهد عام 2005 إجراء أول انتخابات رئاسية تعددية مباشرة، بعد تعديل المادة 76 من الدستور، لتنظيم أول انتخابات مباشرة بديلة عن نظام الاستفتاء كجزء من الإصلاح السياسي المطلوب، تلاها الانتخابات التي جرت عام 2012 بعد التغيير السياسي الذي أنهى حقبة سياسية في تاريخ مصر امتدت منذ بدء الجمهورية الأولى 1952 لنحو ستة عقود، تلاها ثورة من التوقعات ببناء الجمهورية الجديدة التي يأمل فيها المصريون بممارسة حقوقهم السياسية في ظل نظام تعددي ديمقراطي وفق تعريفات النظم الديمقراطية الحديثة.

وقد عقدت انتخابات عام 2012 كثاني انتخابات تعددية مباشرة، في سياق انتقالي شديد الاضطراب، أسفر عن تقلد مرشح الإخوان محمد مرسي الحكم بنسبة 51.73 مقابل حصول منافسه أحمد شفيق على نسبة 48.27%، وهي الفترة التي شهدت حالة من عدم الاستقرار واستخدام الدين في السياسية وتزايد ماطر الانهيار المجتمع من سيطرة اليمين الديني على المجال العام لتغيير هوية المصريين، وهو ما استدعى معها ثورة تصحيحية في 30 يونيو 2013، تلاها إجراء الانتخابات الرئاسية التعددية الثالثة عام 2014، والتي فاز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي على منافسه حمدين صباحي، فيما عقدت الانتخابات الرئاسية التعددية الرابعة عام 2018 بين الرئيس السيسي ورئيس حزب الوفد موسى مصطفى موسى، حيث فاز الرئيس السيسي حينها بنسبة 97,08%.

السياق الانتخابي

تجرى الانتخابات في سياق سياسي متغير، أو مرحلة سياسية انتقالية بدأت منذ التغيير في نظام الحكم عام 2011، وتلاه سنوات من محاولات التغيير والتحديث لبنية النظام السياسي، بما يحقق تطلعات جموع المصريين في التغيير، وإرساء مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، التي رُفعت كأحد شعارات التغيير.

حالة النضج الديمقراطي والإصلاح التدريجي تتطلب عامل الوقت الذي تختبر معه حالة التغيير والاستمرارية في شكل البنية المؤسسية للنظام السياسي التي استمرت لعقود، على نحوٍ يبرره قِصَر عمر التجربة الانتخابية، إذ تعد هذه الانتخابات هي خامس مرة تعقد فيها انتخابات تعددية رئاسية في تاريخ مصر السياسي الحديث، ورابع مرة منذ التغيير السياسي الذي بدأ بعد عام 2011.

وبعقد مقارنة بين الجولة الانتخابية التي جرت عام 2018 والحالية، سنجد هناك حالة من الحراك السياسي والانفتاح التي اتخذ الحوار الوطني أعلى صوره. فقد جرت الجولة الانتخابية السابقة بين الرئيس السيسي ومرشح حزب الوفد موسى مصطفى موسى، في سياق وصفه المعارضة بالمغلق، على نحوٍ لم يفرز معه المجال العام معارضة حقيقية قادرة على خوض السباق الانتخابي.

وتجرى هذه الجولة في ضوء خطوات من الإصلاح السياسي الذي يدعم التغيير السياسي المنشود، الذي انعكس في الخطوات التي اتخذتها السلطة التنفيذية لدعم المجال العام؛ كان أبرزها:

  • الحوار الوطني

ينظر إلى الحوار الوطني باعتباره أشمل خطوة للإصلاح والانفتاح السياسي وتتويجًا للعقد الاجتماعي الجديد بعد 30 يونيو 2013، إذ يرتبط الرهان على الحوار الوطني الذي أعلن عنه الرئيس السيسي في حفل الإفطار الرمضاني في إبريل 2023، في كونه أحد آليات الانفتاح السياسي، حيث يرتبط في محوره سياسي بشكل أو بآخر بالإصلاح السياسي المطلوب، فيما يتعلق بالمناخ السياسي والمشاركة السياسية وحالة الحقوق والحريات والتداول السلمي للسلطة في مناخ من الحرية والنضج السياسي الذي يعزز المشاركة والتعددية.

وربما على المستوى السياسي، تعقد تلك الجولة الانتخابية في سياق أكثر تفاؤلًا عن سابقه من حيث كونها تعكس خطوة على طريق الإصلاح، تزامنًا مع جلسات الحوار الوطني، والتي انعكست في مشاركة ثلاثة من رؤساء أحزاب سياسية: السيد حازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري، والسيد فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي والسيد عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد؛ وذلك مقارنة بالانتخابات السابقة، التي عجزت فيها المعارضة عن إفراز نخب سياسية قادرة على ممارسة حقوقهم السياسية.

ومهد الحوار الوطني بما طرحه من نقاشات حول كافة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما سبقه من فتح المجال أمام الأحزاب من خلال تدشين تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين كخطوة نحو تمكين الشباب في المجال الحزبي؛ الطريق أمام إثراء الحياة السياسية والحزبية، التي تمثل الانتخابات الحالية اختبارًا لقواعدها الشعبية، وتؤسس لمستقبلها في الانتخابات المحلية والاستحقاقات التشريعية المقبلة.

  • الإصلاح السياسي

رغم كون الحوار الوطني الآلية الأشمل لطرح كافة قضايا الإصلاح، التي وعدت السلطة التنفيذية بالامتثال لكافة مخرجاتها، إلا أن الحوار لم يكن القناة السياسية الوحيدة للانفتاح على الإصلاح السياسي، خاصة في أحد أبرز الملفات التي تشغل المعارضة، وهو ملف الحقوق والحريات وسجناء الرأي.

ومنذ أن أوصى المؤتمر الوطني للشباب عام 2016 بضرورة العفو الرئاسي عن سجناء الرأي، كأحد خطوات الدولة نحو التمكين السياسي للشباب وفتح المجال العام أمام المشاركة السياسية، وهناك خطوات تتخذها الدولة في إطار لجنة العفو الرئاسي، التي أعادت الدولة تفعيلها بتوصية من القيادة السياسية خلال حفل إفطار الأسرة المصرية عام 2022، تفعيلًا للصلاحيات الدستورية التي منحتها المادة 155 من دستور 2014 وتعديلاته، إذ نصت على أحقية رئيس الجمهورية بإصدار قرارًا بالعفو الرئاسي عن المسجونين أو تخفيف عقوبتهم.

ويتصل بالإصلاح السياسي، اصدار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، كمرجعية إطارية يمكن في ضوئها تحسين مناخ الحقوق والحريات في مصر، إذ توفر الاستراتيجية المرجعية التي تعمل في ضوئها اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان ومؤسسات الدولة لإصدار البرامج ورسم السياسات العامة للدولة المتعلقة بالحقوق والحريات.

المستقبل السياسي

ينتظر المجال العام والواقع السياسي ما بعد الاستحقاق الانتخابي الراهن، ثورة من التوقعات التي ربما يرفع لوائها الأحزاب السياسية والمجتمع المدني لتحسين الحياة السياسية وتعزيز المشاركة السياسية والتي يمكن الإشارة إلى بعض متطلبات المرحلة المقبلة في التالي:

  • تعزيز المشاركة السياسية

تساهم العملية الانتخابية في ضمان ممارسة المواطن لحقوقه الدستورية والسياسية في المشاركة واختيار من يمثله في الحكم، وبالنظر إلى نسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، نجد انخفاض نسبة المشاركة في انتخابات عام 2018 بواقع 41.05 % مقارنة بانتخابات عام 2014 التي بلغت نسبة المشاركة بها نحو 47%، وانتخابات عام 2012 التي بلغت نسبة المشاركة بها 51.85%.

وإن كانت النسب السابقة ليست المؤشر الوحيد على الحالة الديمقراطية لأي نظام سياسي، التي تعتبر المشاركة السياسية مؤشر ضمن مؤشرات عديدة تعبر عن مدى ديمقراطية النظام السياسي مثل حالة الحريات المدنية والثقافة السياسية والعملية الانتخابية والتعددية، وأداء الحكومة وغيرها من المؤشرات الدالة؛ لكن تظل المشاركة السياسية مؤشرًا دالًا على درجة الوعي السياسي وحالة التنشئة ومستويات الثقافة السياسية التي تجعل المواطن راغبًا في وحريصًا على ممارسة حقه السياسي في مناخ من الحرية والنزاهة، الذي كفله له الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، والذي نصّ في مادته رقم 21 على حق كل مواطن المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده إما مباشرة أو بواسطة مواطنين آخرين، وأن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ويجب أن تتجلى هذه الإرادة في الانتخابات العامة.

وبقياس تلك المؤشرات على السياق السياسي الراهن، فإن حالة الإصلاح السياسي المستمرة والمشاركة الحزبية الواسعة التي تجلت في خوض ثلاثة رؤساء أحزاب المصرية، تؤسس لمشاركة وأداء حزبي أوسع، بحيث تكون الأحزاب فاعلة في عملية التنشئة السياسية خلال المرحلة المقبلة.  

  • الانتخابات المحلية والبرلمانية

تعقب الانتخابات الرئاسية استحقاقات دستورية قادمة، متمثلة في انتخابات المجالس المحلية المنتظر صدور القانون المنظم لعملها، إذ تعد المحليات مجالًا مهمًا لاختبار مستويات المشاركة والثقافة السياسية على المستويات القاعدية، بما يوفر مجالًا يمكن من خلاله أن تمارس الفئات الشبابية والمجتمعية المختلفة حقها في المشاركة السياسية، بعيدًا عن سيطرة النخب السياسية في المستويات العليا. والأمر كذلك ينصرف إلى الاستحقاقات التشريعية، المفترض عقدها عامي 2025 (مجلس النواب) وعام 2026 (مجلس الشيوخ).

وتعد الاستحقاقات القادمة اختبارًا حقيقيًا للأحزاب السياسية، لقياس مدى قدرتها على الانتشار والوصول إلى القواعد المحلية، وتوفير مجال يمكن من خلاله أن تمارس الفئات السياسية والمجتمعية والتيارات المختلفة حقها في المشاركة السياسية، وهو أمر يتطلب من الأحزاب السياسية الاستعداد لمرحلة سياسية قادمة، تتطلب منها القيام بأدوارها بفاعلية.   

ربما في الأخير، يتساءل المراقب والمتابع للشأن السياسي والعملية الانتخابية عمّا سيفضي إليه الحراك السياسي الراهن، بداية من الخطوات الإصلاحية التي تقوم عليها الدولة، ومرورًا بالحوار الوطني، وانتهاءًا بالسباق الانتخابي الراهن. ولعل الإجابات لا تتوقف عند حدود اللحظة الراهنة، لكنها تتطلب مزيدًا من العمل الجماعي والسياسي المستمر لاستكمال عملية البناء الديمقراطي، خلال المرحلة التالية على انتخابات الرئاسة المصرية الحالية.

شيماء البكش

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى