مقالات رأي

تعمير غزة دون تهجير أهلها.. ردًا على خطة ترامب

كان ذلك هو عنوان المقترح الذى قدمته لأول مرة بعد أسبوع واحد من تولى الرئيس ترامب في 20 يناير الماضي 2025 وكان بمثابة مقترح خارج الصندوق وقتها في المجالين البحثي والإعلامي، ردا على المقترحات العاجلة التي قدمها الرئيس “ترامب” بشأن ضرورة تهجير سكان قطاع غزة الى خارج أراضيهم بدءًا بمصر بحكم الحدود المشتركة الوحيدة بين مصر وغزة بطول 14 ونصف كم حيث محافظة ومدينة رفح الغزاوية شمال خط الحدود المشتركة في ناحية، وجزء من محافظة شمال سيناء ومدينة رفح المصرية جنوب خط الحدود من الناحية الأخرى.

وكان مقترح “ترامب” مبنيًا على ثلاثة معطيات: الأول: من دراسته للجغرافيا العامة والسياسية التي أوضحت له بشكل مفاجئ بأن إسرائيل (دولة صغيرة جدا وهى دعوة للتوسع) رغم أنه هو من ضم الجولان المحتل لزيادة مساحة إسرائيل خلال ولايته الأولى2017-2020. مع قرار الضم السابق بواسطة إسرائيل عام 1981، وخلال لقاء الملك عبدالله الثاني ملك الأردن مع الرئيس “ترامب” بواشنطن في 11 فبراير الحالي 2025 كرر “ترامب” مطلب ضم غزة، بل زاد عليه إمكانية ضم الضفة الغربية أيضا الى إسرائيل. وغض الطرف عن التجاوز الإسرائيلي للخط الأورجوانى وجبل الشيخ داخل الأراضي السورية.

والثاني: العلاقة الوطيدة بين ترامب والحكومة الإسرائيلية المتشددة بل والمتطرفة التي اتخذت من طوفان الأقصى الغزاوي في 7اكتوبر2023 وتداعياته ذريعة وفرصة مواتية لإضعاف وكلاء إيران حول إسرائيل كحماس في غزة وحزب الله في لبنان وبشار الأسد في سوريا. بل تجاوُزهم لمهاجمة إيران ذاتها باستهداف مواقع إستراتيجية مؤثرة، مما اعطى نتنياهو أريحية استعلائية عند أول زيارة له كأول مسئول دولي يلتقى الرئيس ترامب، ليقدم الأخير هدية لقائهما الأول بمزيد من التوسع الإسرائيلي على حساب غزة والضفة الغربية (كل باقي فلسطين المحتلة) متدرجًا تصاعديًا من المقترح الى الطلب فالتهديد أحيانا، ومن التهجير المؤقت الى الدائم.

والثالث: هو كاريزما “ترامب” الشخصية من خلال ولايته الثانية والأخيرة، حيث سيكون أكثر حرية في قراراته بما فيها الغريبة والمثيرة للجدل رغم أنه يسعى الى الحصول على جائزة نوبل للسلام بإنهاء الحروب وإحلال السلام، خاصة في كل من الشرق الأوسط وفى قلبه القضية الفلسطينية وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية، فكيف يتحقق ذلك وهو يسعى الى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم ووطنهم، كما يقترح على أوكرانيا الانضمام الى روسيا؟!.

والآن نعود الى تفنيد طلب “ترامب” بتهجير قطاع غزة مستخدما خلفيته الاستثمارية من جهة وأسلوب (الترغيب والترهيب) من جهة أخرى. فخلفيته الاستثمارية العقارية -كما يقول هو- يرى من خلالها غزة ذات الساحل على البحر المتوسط لمسافة 40 كم. يراها (ريفييرا) كما يراها اقتصاديًا بامتلاكها أهم وأقدم بئرين للغاز هما مارين1و2 حيث أوقفتهما إسرائيل لأسباب خلافية. أما الترهيب من وجهة نظره فهو التهديد والوعيد والعقوبات، وأما الترغيب فيشمل التهجير المؤقت وليس الدائم أحيانًا، والمزايا المادية والمعونات العسكرية والاقتصادية وإسقاط الديون وما إلى ذلك من وعود.

وتبقى النقطة المهمة التي يلوح بها “ترامب” أنه لن يستطيع بناء غزة الجديدة وبها هؤلاء البؤساء من أهل غزة من الجرحى والمرضى بدون مأوى، كما يقول، فعليهم أن يغادروا ليزيل الركام (ومقابر الشهداء) ليبدأ في تأسيس الحلم الذى لم تحلم به إسرائيل ذاتها. ولكن مقترح مصر قطع الطريق عليه بأنه يمكن إعادة بناء وإعمار غزة على غرار مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية دون تهجير ألمانيا.

فنستطيع إجلاء نصف قطاع غزة الجنوبي الى المناطق القريبة والواسعة، لنبدأ في إعمار الجنوب -حيث تأتى المعدات والمواد من مصر- وباستخدام سواعد رجال الشمال كأيد عاملة، ثم نستبدل ونعمر نصف القطاع الشمالي بذات الأسلوب؛ لإبطال حجج ترامب بضرورة إخلاء وتهجير قطاع غزة وتفريغه من سكانه، ليكون في استقبال المستعمرات الإسرائيلية الجديدة كحلم نتنياهو ورفاقه، ولكنها ستكون أضغاث أحلام.

وفى النهاية فإن ترامب يريد أن يقدم لنصف أسرته اليهودية ولإسرائيل ما لم يقدمه أي مسؤول سابق، متجاوزًا قرار الأُمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود في نوفمبر 1947 الذى أعطى الأقلية اليهودية المساحة الأكبر من أرض فلسطين عكس الأغلبية العربية، ثم قرار وعد بلفور البريطاني في نوفمبر1917 بجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود. واليوم يأتي دور ترامب بحلم إقامة الدولة اليهودية الخالصة بالقضاء على بقية الدولة الفلسطينية بتهجير ما تبقى من شعبها طوعًا أو قسرًا، وهو ما لن يتحقق بإذن الله والتاريخ بيننا بصعود وزوال الإمبراطوريات.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى