حتمية قيام ثورة 23 يوليو 1952
ستظل تلك الصفحة إحدى أهم صفحات النضال المصرى الحديث، حيث تؤرخ إلى نهاية أكثر من سبعين عاماً من الاحتلال البريطانى لمصر، ثم مصر والسودان تحت العلم البريطانى. كما تؤرخ للأحرف الأولى لإتفاق جلاء الجيش البريطانى عن مصر وحتى مغادرة آخر جندى بريطانى وإنزال علم المستعمر عن أرض مصر فى 18 يونيو 1956 وإلى الأبد. وبالتوازى مع قضية تقسيم فلسطين وقيام إسرائيل. وسوف نتناول أهم المحاور التاريخية الإستراتيجية التى أدت إلى تلك الثورة المصرية ارتباطاً بكل من بريطانيا وفلسطين وجيش وشعب مصر كالآتى:
– مصر تحت الاحتلال البريطانى: والذى بدأ باحتلال الإسكندرية فى 11يوليو 1882 ثم احتلال القاهرة بعدها بأربعة أيام. وكان الدافع هو التخوف على قناة السويس التى تمتلك بريطانيا أغلب أسهمها- قبل فرنسا ومصر- وكذلك قلق الخديو توفيق من قائد الجيش المصرى أحمد عرابى ورجاله، فتم نفى عرابى الى سيلان، وصدر مرسوم بحل الجيش المصرى ليتحول الى شبه جيش للأمن و(الهجانة) لحراسة الحدود. وُقٍعت معاهدة 1936 بين الحكومة المصرية وبريطانيا التى بموجبها أعيد تنظيم الجيش المصرى، والتحق أبناء الطبقة المتوسطة بسلك الضباط مشاركة لأبناء الباشاوات. وبدأ تطور نظام التجنيد الذى كان قاصراً على الأُميين والفقراء غير القادرين على دفع (البدلية) 20 جنيها للإعفاء من التجنيد، مما عكس الفجوة القيادية والمجتمعية الكبيرة بين القادة والمرءوسين. ومن جهة أخرى تم تجميع القوات البريطانية من كل أرجاء مصر إلى منطقة قناة السويس فقط، لتفادى مواقف خاصة كمأساة دنشواى، لتمهد لمقاومة مصرية ضد بريطانيا فى قناة السويس وضد تابعيها فى فلسطين تحت الانتداب والظلم.-مصر والقضية الفلسطينية: بدأت وما زالت كمتلازمة كفاح بين التحرر الوطنى المصرى من الاحتلال البريطانى من جهة ودعم القضية الفلسطينية تحت الانتداب البريطانى من جهة أخرى، حيث قُسمت فلسطين جوراً بين العرب واليهود فى نوفمبر1947 حيث أعطى اليهود 56% رغم قلة عددهم، والعكس للفلسطينيين، طبقاً لقرار الأمم المتحدة المنحاز رقم 181. بقيام إسرائيل نشبت الحرب بينها وبين 5 دول عربية هى (مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق)! وهُزم العرب فى يناير 1949 لضعف القيادة والتنسيق واختلاف مصادر التسليح وتكتيكات القتال. واستفاد الغرب من أكثر من هدنة لدعم إسرائيل التى استولت على كل فلسطين عدا الضفة الغربية تحت سيطرة الأردن وقطاع غزة تحت السيطرة المصرية.-جيش وشعب مصر: بنهاية الحرب تم حصار الرائد (الصاغ) جمال عبدالناصر ورفاقه فى الفالوجا بفلسطين، وتزامن ذلك مع إنشاء خلايا حركة الضباط الأحرار التى كانت تهدف إلى إصلاح الشأن المصرى من خلال ضرورة إنهاء الاحتلال البريطانى لمصر، وحصولها على الاستقلال الكامل وليس الشكلى بعد إجهاض ثورة 1919 ونفى زعيمها سعد زغلول، وضرورة إجلاء الجيش البريطانى عن مصر وقناة السويس. وأخيراً إبعاد بعض كبار قيادات الجيش المسئولين عن عدم الإعداد لحرب فلسطين عام 1948. تجلت خطورة الدور البريطانى المُعادى والمُغرض فى كل مراحل النضال المصرى، مع سلبية وقصور دور القصر الملكى المصرى فى مواجهته خاصة المندوب السامى البريطانى، حيث امتد الضرر البريطانى إلى احتلال السودان، بالإضافة إلى مصر، لاستنزاف مواردهما الغنية من الزراعة والمواد الخام، حيث منحت الثورة المصرية الاستقلال للسودان فور انتهاء الجلاء عن مصر عام 1956. باستعراض ما سبق وإلغاء معاهدة 1936 فى أكتوبر1951 نجد أن النضال المصرى كان أخذ منحى عسكرياً منذ تقسيم فلسطين وحتى قيام ثورة يوليو 1952 بين المقاومة الفدائية العسكرية ضد الإنجليز فى منطقة قناة السويس، وبين قتال الإسرائيليين فى الأرض الفلسطينية المحتلة. وبالمقابل تصاعد رد فعل القوات البريطانية المدعمة بالدبابات حتى مهاجمة قسم شرطة الإسماعيلية يوم 25 يناير 1952 وقتلت 80 شرطياً بعد نفاد ذخيرتهم. وأعقب ذلك حريق القاهرة حيث قتل عدد من المصريين والأجانب. وهكذا عمت الفوضى مصر ووقف رجال القصر والملك وقيادات جيشه عاجزين عن إنقاذها. وتحركت استخبارات الملك للقبض على الضباط الأحرار وقيادات الجيش الوطنية، الذين سبقوا بسويعات واستولوا على قيادة الجيش دون إراقة دماء. ونجحت الثورة وصدر بيانها الأول، ثم غادر الملك فى 26 يوليو إلى إيطاليا وسط مراسم رسمية، وتم جلاء الإنجليز لتبدأ مصر عهداً جديداً من الاستقلال والحرية.