
وترجل الفارس الهادئ
رحل عن عالمنا منذ أيام وانتقل إلى جوار ربه راضيًا مرضيًا في هدوءٍ تام يشبه شخصيته الهادئة، الوزير محمد عبد السلام المحجوب، ابن المؤسسة العسكرية وأحد القيادات السابقة لجهاز المخابرات العامة المصرية، الذى قضى بين جدرانه أكثر من ربع قرن، يعمل ويجتهد ويتفانى، ويعلم أجيالًا من الجنود المجهولين الذين لا هم لهم ولا هدف أمامهم سوى خدمة وطنهم والحفاظ على أمنه واستقراره.
رحل هذا الرجل الذى جمع بين أن يكون جنديًا مجهولًا لسنوات طويلة من العمل الجاد في صمت في جهاز المخابرات العامة، وتقلد العديد من المناصب الهامة حتى وصل إلى منصب رفيع وهو نائب رئيس الجهاز، ثم أصبح جنديًا معلومًا عندما تولى المناصب العامة من محافظ للإسماعيلية إلى محافظ للإسكندرية ثم وزيرًا للتنمية المحلية، وهى كلها مناصب كانت ولا تزال شاهدة على أن هذا الرجل لم يكن يعرف سوى العمل ويرنو دائمًا إلى النجاح.
أنعم الله سبحانه وتعالى على هذا الرجل بصفات مميزة جمعت بين الدهاء الفطري والجهد الوفير والعطاء اللامحدود والتواضع الجم والاحترام الكبير للجميع والابتسامة المعبرة عن شخصيته الجميلة والإنصات الشديد لكل من يتحدث معه والموضوعية فى تعامله مع المواقف والتفكير الهادئ، كما تمتع بجانب إنساني انعكس على علاقاته الطيبة الوطيدة مع رؤسائه ومرؤوسيه ولم يبخل بلحظة واحدة من حياته عن أن يؤدى واجبه الوطني بكل أمانة دون ضجيج أو جلبة.
كان هذا الرجل طوال مدة خدمته مؤمنًا إيمانًا راسخًا بقدرات الدولة المصرية، ومؤمنًا تمامًا بالرسالة التي يؤديها في كل موقع شغله، ولم أره يومًا يضجر أو يسخط أو يتملكه اليأس فكان يمتلك العديد من الحلول لكل مشكلة مهما بلغت درجة تعقيدها وكان يضفى الأمل والثقة بالنفس على كل من حوله.
كان رحمة الله عليه مثالًا يحتذى به في العطاء والنزاهة والترفع عن الصغائر والقدرة على التفكير غير التقليدي، وكان حريصًا على أن يكون كل عمل يؤديه متكاملًا قدر المستطاع، ذلك أنه من تلك النوعية المميزة التي لا تقبل سوى النجاح.
الحديث عن الأعمال التي قام بها الوزير المحجوب خلال خدمته في جهاز المخابرات العامة، هو حديث طويل عن إنجازات حققتها الدولة في الداخل والخارج ولا يملك أحد أن يتحدث عن تفصيلاتها سوى جهاز المخابرات العامة، نظرًا لحساسية وسرية الأعمال التي قام بها وأنجزها وشارك فيها مع زملاء له كانوا جميعًا على نفس القدر من المسؤولية، فقد كان الوزير المحجوب جزءًا من منظومة تعمل ليل نهار دون كلل أو ملل ولا تضع أمامها سوى إيمانها بالله وبرسالتها وكان هذا هو سر نجاحها.
لقد ترك هذا الرجل وراءه أجيالًا قادرة بفضل الله على مواصلة العمل وتحقيق الإنجازات التي لا يزال الجهاز يحققها حتى الآن، ومن المؤكد أن هذا الصمت الذى يميز جهاز المخابرات العامة يخفى وراءه قصص نجاح لا حصر لها، وسوف يأتي اليوم الذى تفرج فيه قيادة الجهاز عن جزء ولو يسير من تلك الإنجازات التي ساهمت في حماية الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي.
وسوف تظل المخابرات العامة غنية بقيادتها وأبنائها ثرية بمبادئها عظيمة بتفانيها، وسوف يستمر هذا الجهاز الوطني الذى تأسس منذ حوالى سبعين عامًا معينًا لا ولن ينضب فى دعم أمن واستقرار الدولة المصرية العظيمة.
رحم لله الوزير المحجوب الذى أحب الجميع فأحبه الجميع وجزاه الله كل خير عما قدمه لمصر التي عشق ترابها حيًا ودفن في ثراها ميتًا.