
اللواء محمد إبراهيم: مسعى “نتنياهو” لتغيير الشرق الأوسط سوف ينهار تمامًا إذا ما حاولت إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية
قال اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إنه لا شك أن العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية قد شهدت بعض مظاهر التوتر في أعقاب الحرب على قطاع غزة، في ضوء أن تطور العمليات العسكرية الإسرائيلية لم يرتبط فقط بما يمكن اعتباره مجازًا الرد الإسرائيلي الطبيعي على عملية طوفان الأقصى، ولكن للأسف فإن هذه العمليات تعدت كافة الحدود المتوقعة ووصلت إلى حد القيام بحرب إبادة ممنهجة ومتعمدة ضد الشعب الفلسطيني، طالت البشر والحجر وتسببت في قتل وإصابة مئات الآلاف من المدنيين العزل بدون أي مبرر، وتدمير معظم القطاع، بالإضافة إلى إعادة احتلال أجزاء كبيرة من غزة دون وجود أي أفق على متى سيتم هذا الانسحاب.
وأضاف في حوار مع جريدة “الأهرام ويكلي” أن مصر رأت في هذه الحرب تطورين في قمة السلبية والحساسية: الأول هو التمهيد التدريجي من جانب إسرائيل لتنفيذ مشروع تهجير سكان القطاع إلى سيناء، وهو ما اعتبرته مصر تهديدًا لأمنها القومي وخطًا أحمر لن تسمح لأحد بتخطيه، أما التطور الثاني فهو سعي إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية، وذلك في ضوء ما تقوم به من إجراءات متطرفة في كل من غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو أيضًا ما أكدت مصر معه رفضها القاطع لجميع هذه الإجراءات.
ووصف اللواء محمد إبراهيم الانقسام الفلسطيني الذي حدث في منتصف يوليو 2007 بأنه بمثابة النكبة الثالثة في التاريخ الفلسطيني الحديث، وذلك عقب النكبتين اللتين شهدناهما عامي 1948 و1967. ولقد خسر الفلسطينيون الكثير خلال فترة الانقسام، حيث خسروا وحدة الصف الفلسطيني، وخسروا قوة الشريك الفلسطيني في المفاوضات، وخسروا 18 عامًا من تراجع وتدهور القضية الفلسطينية، ثم فوجئوا بأكبر خسارة ممكنة وهي بدء التنفيذ الفعلي لمشروع التهجير. مشيرًا إلى أن الحروب الإسرائيلية السبعة على غزة، التي بدأت أولها في ديسمبر 2008 وحتى الحرب الحالية المستمرة منذ أكتوبر 2023، تمت كلها في ظل الانقسام الفلسطيني، وهو ما كان بمثابة الفرصة السانحة لإسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية والتأكيد على غياب الشريك الفلسطيني.
وأكد نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن الاحتلال الإسرائيلي يتحمل ليس فقط مسؤولية أحداث السابع من أكتوبر عام 2023، لكنه يتحمل أيضًا المسئولية الأكبر في الوصول إلى المرحلة السلبية الراهنة التي تشهد تدهورًا واضحًا في الوضع الفلسطيني، بل في الوضع الأمني في المنطقة كلها؛ حيث إنني أعتبر أن عملية طوفان الأقصى، مهما اتفقنا أو اختلفنا نسبيًا مع مبرراتها ونتائجها، ما هي إلا إحدى تراكمات الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ حوالي سبعين عامًا، وما يقوم به حتى الآن من عمليات قتل وتدمير واعتقال واستيطان وتهويد.
وذكر أن هناك ثلاث نقاط مهمة مرتبطة بموضوع المقاومة: النقطة الأولى أن القانون الدولي كفل مشروعية مقاومة الاحتلال، والنقطة الثانية أننا ضد قتل المدنيين في أي مكان في العالم، أما النقطة الثالثة فتتمثل في أن المقاومة تعد وسيلة لتحقيق الهدف وليست هدفًا في حد ذاتها، ولذا يجب أن تمتلك المقاومة مجموعة من الأدوات التي تتيح لها تحقيق هذا الهدف وتعلم متى وكيف تستخدم هذه الأدوات، ومتى تكون مرنة ومتى تكون متشددة، وهذا الأمر يجب أن ينطبق على مواقف كافة الفصائل الفلسطينية، سواء حركة فتح أو حماس أو حركة الجهاد الإسلامي وغيرها من فصائل المقاومة، حتى تصب نتائج المقاومة في النهاية في الصالح الفلسطيني العام والمتمثل في تحقيق الهدف الأسمى وهو إقامة الدولة الفلسطينية.
وأفاد اللواء “الدويري” أنه ليس من المستغرب أن تحاول إسرائيل إلقاء المسئولية على مصر من خلال الادعاء باستمرار عمليات التهريب من خلال الحدود المصرية مع غزة، وهذا الادعاء كان متوقعًا من دولة تسعى إلى التنصل من مسؤولياتها وتهرب من أسباب فشلها. مؤكدًا أن إسرائيل بمؤسساتها السياسية والأمنية والعسكرية تعلم تمامًا أن مصر، التي عانت من الإرهاب في سيناء واستشهد خيرة أبنائها، قد نجحت من خلال العملية الشاملة في سيناء عام 2018 في القضاء تمامًا على الإرهاب، وأغلقت كافة الأنفاق التي كانت موجودة على الحدود مع غزة، ومنعت أي نوع من التهريب في هذه المنطقة، وبالتالي فإن كل ما تدعيه إسرائيل تجاه مصر يعد محض ادعاء وافتراء، بل إن هناك عمليات تهريب متعددة تمت من خلال إسرائيل إلى داخل غزة.
وشدد على أن استمرار إسرائيل في احتلال غزة حتى عقب وقف إطلاق النار، أي في اليوم التالي، لن يحقق مطلقًا الأمن الذي تنشده، وسوف تظل المقاومة الفلسطينية حقيقة واقعة ما دام هناك احتلال، وهذه هي المعادلة الطبيعية التي لن تتغير إلا بمنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة وإقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة، التي يجب أن تكون لها سلطة واحدة وقرار واحد وسلاح واحد، أما إذا لم يتحقق ذلك فسوف نظل نتحدث عن منطقة لن تنعم بالاستقرار والأمن لفترات طويلة.
وأوضح اللواء محمد إبراهيم أن القضية الفلسطينية تمثل لمصر قضية أمن قومي، وبالتالي تتعامل معها بكل الجدية وبحسابات دقيقة للغاية، ومن ثم فإن أي متغيرات قد تشهدها المنطقة لا يمكن أن تؤدي إلى تغيير الموقف المصري الثابت والمتميز، وسوف تظل مصر حائط الصد الرئيسي أمام أي محاولات أو مؤامرات لتصفية هذه القضية العربية المركزية العادلة. مبينًا أن مصر بذلت جهودًا مكثفة لم تبذلها أية دولة في العالم عقب نشوب هذه الحرب، من أجل التوصل إلى هدنة وطرحت أول مبادرة شاملة على مراحل تؤدي إلى وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات، وإنهاء الحرب، وانسحاب إسرائيل الكامل من غزة، بما يمهد إلى استئناف عملية سياسية تؤدي في نهايتها إلى تنفيذ مبدأ حل الدولتين، وهذا هو الإطار الذي يحكم الموقف المصري.
ولفت إلى أن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تغيير الشرق الأوسط يمكن أن يتحقق من خلال القضاء على المقاومة الفلسطينية وعلى حزب الله وتدمير الجيش السوري وتحقيق مزيد من تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية مستقبلًا، إلا أن هذا التغيير سوف يسقط وينهار تمامًا إذا ما حاولت إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية، التي تمثل قضية عربية وإسلامية، ولن تنجح في القضاء على طموحات ومقاومة شعب لا يزال صامدًا، سواء في المناطق الفلسطينية أو خارجها، ومن حقه قانونًا أن يستخدم كافة الوسائل المتاحة أمامه لتحقيق أهدافه، مهما كانت الإجراءات الإسرائيلية.
وحول العلاقات المصرية الإسرائيلية، قال اللواء محمد إبراهيم إن مصر وقعت معاهدة السلام مع إسرائيل في 26 مارس 1979، أي منذ حوالي 46 عامًا، وهي معاهدة أنجزناها بناءً على النجاح الذي تحقق بهزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 المجيدة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن، فإن مصر ترى أن السلام يعد بالنسبة لها خيارًا استراتيجيا، وتؤكد التزامها بكافة بنود المعاهدة، ولكن في حدود التزام الطرف الآخر بها. وسوف تظل مصر حريصة كل الحرص على السلام، ولكنها في نفس الوقت على استعداد كامل لمواجهة أي مخاطر تهدد أمنها القومي على كافة الاتجاهات الاستراتيجية، حيث إن لدينا جيشًا قويًا وصفه الرئيس السيسي بأنه جيش يحمي ولا يهدد، ويصون ولا يبدد.
وأكد أن موقف الولايات المتحدة تجاه حرب غزة يعد موقفًا متحيزًا لإسرائيل، ولم تبذل واشنطن الجهد الكافي الذي يتناسب مع قدراتها وعلاقاتها بكافة الأطراف لإنهاء الحرب، بل إن الموقف الأمريكي ساعد على استمرار الحرب من خلال الدعم السياسي والعسكري والمادي لإسرائيل دون أي اعتبار لقوانين دولية أو إنسانية. أما الطامة الكبرى في الموقف الأمريكي، فقد جاءت في أعقاب تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم في يناير 2025، حيث طرح مقترحًا أو مشروعًا شاذًا لا ينتمي إلى المنطق أو العدل أو الحق أو الواقع بأي صلة، وذلك من خلال تبني مبدأ تهجير سكان غزة إلى بعض الدول، ومن بينها مصر والأردن، ثم تعميرها واستثمارها تجاريًا. وللأسف فإن ترامب يعتبر أن هذا هو الحل الأمثل لأزمة غزة، الأمر الذي نرفضه شكلًا ومضمونًا.
وأشار كذلك إلى أن مصر لم تقف ساكنة أمام مثل هذه المشروعات المشبوهة، التي تتعامل مع القضية الفلسطينية ليس باعتبارها قضية سياسية، وإنما قضية تجارية. ومن ثم قامت مصر ببلورة خطة متكاملة لإعادة إعمار غزة دون تهجير، حظيت بإجماع عربي في القمة العربية الطارئة الأخيرة التي عقدت في القاهرة في مارس الماضي، تضمنت ثلاثة جوانب رئيسية لحل أزمة غزة: الجانب الأول فني تقني، والثاني أمني، والثالث سياسي، وأكدت الخطة على أن توفير الأفق السياسي للفلسطينيين يعد الطريق الوحيد للاستقرار والأمن في المنطقة كلها، وليس في غزة والضفة الغربية فقط.
واختتم اللواء محمد إبراهيم حديثه بالقول إن حل أزمة غزة يتطلب تنفيذ الخطوات الثلاث الرئيسية التالية، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر تتحرك بقوة في هذه الخطوات:
أولًا: إنهاء حرب غزة بما يتطلبه ذلك من إنجاز صفقة تبادل الأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.
ثانيًا: البدء في تنفيذ الخطة المصرية العربية لإعادة الإعمار، وما يتطلبه ذلك من عقد المؤتمر الدولي للإعمار في القاهرة، ووضع مراحل الخطة موضع التنفيذ بمختلف جوانبها الفنية، والأمنية، والسياسية.
ثالثًا: البدء في مفاوضات فلسطينية إسرائيلية وبدء عملية سياسية تؤدي في النهاية إلى حل الدولتين.