المركز المصري في الإعلام

اللواء محمد إبراهيم: المنطقة على حافة الانفجار.. وعدم توسيع دائرة الصراع «أولوية مصرية»

أجرى اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية حوارًا مع جريدة الجمهورية حول مجمل الأوضاع الإقليمية، ورأى خلاله أنه فى ظل ما يحدث فى قطاع غزة من قتل وتدمير لا أحد يعلم متى وكيف ستنتهى هذه الحرب، حتى أن أطرافها أنفسهم لا يعرفون متى ستنتهى، كما يرى أن حركة حماس قامت بعملية نوعية غير مسبوقة وغير محسوبة فى بعض جوانبها وبالتالى فإن النتائج والتداعيات غير مسبوقة ليس فى غزة فقط ولكن فى المنطقة بأكملها و أن تلك الأحداث تؤثر تأثيرًا مباشرًا على القضية الفلسطينية التى هى جزء من الأمن القومى لمصر.

وأكد “الدويري” أن  ما قدمته مصر للقضية الفلسطينية مستمر خلال العقدين الماضيين خصوصا فيما يتعلق بالإشراف على الانسحاب الإسرائيلى من غزة عام 2005، وتأمين الحدود مع غزة بعد انقلاب حماس عام 2007، كما لعبت دورا رئيسيا فى التهدئة بين طرفى النزاع خلال 6 جولات ، والدور المصرى فى اتفاق المصالحة عام 2011 وعمليات إعادة الإعمار فى 2021 وما بعدها.

وأضاف أن المنطقة أصبحت على حافة الانفجار ما سيؤثر سلبياً على مصالح كافة الأطراف دون استثناء،  وبالرغم من ذلك فلا تزال هناك فرصة حتى لو كانت محدودة نسبياً لإنقاذ المنطقة من هذه التداعيات، ونقطة البداية الوحيدة لابد أن تبدأ بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وأشار اللواء محمد إبراهيم إلى أنه من الواضح أن الوضع فى المنطقة يتسم بقدر كبير من التوتر وعدم الاستقرار وقد يتجه إلى حالة من التطور غير المحسوب خاصة مع استمرار الحرب الإسرائيلية الظالمة على قطاع غزة، ومن ثم فلا زلنا فى اقليم شديد الاضطراب وإذا لم تتجه الأطراف المعنية إلى محاولة الحد من التصعيد الحالى فإن النتائج المترتبة على هذا الوضع لن تكون فى صالح أحد.

وشدد نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية على أن الخطر الأكبر الراهن يتمثل فى استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التى بدأت منذ السابع من أكتوبر 2023 دون أن يعلم أحد كيف ومتى ستنتهي، معبرًا عن خشيته من أن تمر الأسابيع القادمة دون حل وتنهى الحرب عامها الأول دون حل، كما أن هذه الحرب أدت إلى دخول أطراف أخرى إلى دائرة الصراع ولاسيما الضربات الحوثية والإيرانية ضد إسرائيل وضد السفن المارة فى خليج مضيق باب المندب وهو ما أدى بدوره إلى قيام إسرائيل بقصف العديد من الأهداف فى كل من إيران واليمن.

وحول الوضع في البحر الأحمر، قال اللواء محمد إبراهيم إنه يعد جزءاً لا يتجزأ من الوضع المتوتر فى المنطقة ككل، بل أن الأمر أصبح أكثر خطورة نظراً لتأثير الضربات الحوثية للسفن فى مضيق باب المندب على حركة التجارة العالمية بما فى ذلك على قناة السويس، فى حين أن الأطراف المعنية لم تتحرك بالقدر المناسب لمحاولة التوصل إلى حلول عاجلة تستطيع تسويقها أو فرضها خاصة بالنسبة للحرب فى غزة والتى من المؤكد أنها ستؤدى فى حالة حلها إلى تهدئة الوضع الأمنى فى البحر الأحمر الذى يقتضى تعاملاً جديداً يحمى مصالح الجميع وليس مجرد تحالفاً ضد دولة ما.

وأوضح أن حدود الأمن القومى المصرى تتركز فى الدائرة الأولى أو المباشرة أى فى الإتجاهات الإستراتيجية الشمالية والشرقية والغربية والجنوبية، ولكن هذه الحدود لا تقتصر فقط على تلك الإتجاهات وإنما تمتد إلى أبعد من ذلك، وأعنى هنا أى تهديدات أو مخاطر تؤثر على الأمن القومى المصرى تنطلق من أى مكان فى الإقليم أو غيره، ومن المؤكد أن القوات المسلحة المصرية قادرة تماماً على حماية أمن مصر القومى وتنفيذ أية تكليفات فى أى وقت وفى أى مكان عندما تتلقى التعليمات من القيادة السياسية ، ولكن دعنى هنا أؤكد على أن الجيش المصرى كما قال  الرئيس عبدالفتاح السيسى هو جيش يحمى ولا يهدد يصون ولا يبدد.

وأضاف “الدويري” أن الأولويات المصرية بالنسبة للوضع الإقليمى الحالى تتمثل فى ضرورة عدم توسيع دائرة الصراع، والعمل على حل المشكلات المثارة التى نشاهدها فى السودان وفلسطين وليبيا والسد الإثيوبى حلاً سلمياً وهو ما سوف يؤدى بدوره إلى توفير مناخ جديد فى المنطقة ينقلها إلى المرحلة المفقودة التى نبحث عنها وهى الاستقرار والتنمية والتقدم.

وحول الداخل الإسرائيلي، أشار نائب المدير  العام  للمركز  المصري  للفكر  والدراسات  الاستراتيجية إلى أنه لايمكن لأى متابع للسياسة الإسرائيلية الداخلية أن يتحدث باطمئنان عن انتهاء عصر رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو الذى لايزال يمتلك ائتلافاً قوياً يتكون من 64 عضو كنيست وهو ائتلاف قادر بهذه الوضعية على البقاء إلى عام 2026 ما لم تحدث متغيرات داخلية قوية لم تظهر حتى الآن، ومن هنا فإنى لا أراهن مطلقاً على أن عصر نتنياهو قد إنتهى خاصة عقب إنتهاء زيارته إلى الولايات المتحدة.

وتابع: لا أرى أى تغيير جذرى يمكن أن تشهده إسرائيل فى المرحلة المقبلة بل أرى أن إسرائيل سوف تسير فى مسار التشدد ومحاولة دعم مسار التطبيع مع الأخذ فى الإعتبار أنه لم يصبح للتوجهات المعتدلة – إن وجدت – أى مكان هام فى التركيبة السياسية الداخلية الإسرائيلية، والدليل على ذلك أن تصويت الكنيست ضد إقامة دولة فلسطينية مؤخراً تم بأغلبية كبيرة، ولذا لا أرى حتى بعد إنتهاء مرحلة نتنياهو أى تغيير إيجابى فى السياسة الإسرائيلية خاصة وأن المرشح لرئاسة الوزراء وهو بينى جانتس يتبنى نفس مواقف نتنياهو رغم انسحابه من حكومة الطوارئ.

وردًا على سؤال ما وضع رفح الفلسطينية فى ظل الوضع العدوان الإسرائيلي؟، أجاب اللواء محمد إبراهيم قائلا: للأسف الشديد فإن مدينة رفح الفلسطينية تعرضت لنفس النهج التدميرى الذى تعرضت له كافة مدن قطاع غزة بل أن الوضع فى رفح إزداد سوءاً من خلال احتلال إسرائيل معبر رفح الفلسطينى ثم تدميره تماماً وكذا إحتلال محور صلاح الدين أو محور فيلادلفيا الذى يقع بالكامل على أراضى قطاع غزة.

وأضاف أنه لازالت إسرائيل تمتلك القرار الرئيسى بالنسبة للحرب فى غزة ، وهناك إصرار واضح من جانب نتنياهو على مواصلة الحرب حتى يتم تدمير القدرات العسكرية لحماس ومنعها من حكم قطاع غزة مرة أخري، ولم تعبأ إسرائيل بكافة المطالبات الداخلية والإقليمية والدولية لإنهاء الحرب وهى متمسكة فى نفس الوقت بأن أى هدنة يتم الوصول إليها فى أى وقت لا تمنع إسرائيل من استمرار الحرب وتحقيق الأهداف التى أعلنتها منذ اليوم الأول وخاصة ألا تكون غزة مصدراً لتهديد الأمن القومى الإسرائيلى مستقبلاً.

وحول آلية التعامل مع قطاع غزة بعد الحرب، رأى أن المرحلة التالية لانتهاء الحرب ستكون أصعب من مرحلة الحرب نفسها حيث لا توجد لدى الأطراف رؤية لطبيعة الوضع الذى سيكون فى غزة بعد الحرب خاصة مع تمسك إسرائيل حتى الآن بأن يستمر احتلالها للقطاع لفترة زمنية لم تحددها، مع معارضة عودة السلطة الفلسطينية لحكم القطاع ، وهو الأمر الذى يعنى أن على الدول العربية مسؤولية أن تكون لها رؤيتها لمابعد حرب غزة وتسعى إلى تسويقها وفرضها على الأطراف الأخرى قدر المستطاع وعدم ترك هذه الساحة لإسرائيل منفردة.

وأضاف:  تتبنى الإدارة الأمريكية الحالية بالفعل مبدأ حل الدولتين ولكنها للأسف لم تقم بأى خطوة عملية لوضع هذا المبدأ موضع التنفيذ، وها هى فترة حكم الديمقراطيين على وشك الإنتهاء دون أى حل سياسي، أما فى حالة عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض فعلينا أن نتوقع محاولة الإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب – فى حالة نجاحه – إعادة بعث صفقة القرن المجحفة تماماً بحق الشعب الفلسطينى والتى تمنح إسرائيل الحق فى ضم أكثر من ثلث الضفة الغربية بالإضافة إلى القدس الشرقية.

ولذلك كله لايوجد أفق قريب لحل أزمة غزة وقد تكون هناك فرصة متاحة للتوصل إلى هدنة ثانية خلال الفترة المقبلة تؤدى إلى إنجاز صفقة تبادل أسرى  وإدخال مزيد من المساعدات ووقف مؤقت لإطلاق النار، ولكن للأسف فإن كافة المؤشرات تؤكد على أن إسرائيل لن توقف الحرب بل سوف تقوم باستئنافها عقب إنتهاء فترة الهدنة أياً كانت مدتها، وبالتالى فإن حل أزمة غزة نهائياً لا يلوح فى الأفق.

وأوضح “الدويري” أنه لا شك أن إدارة الرئيس بايدن كانت متحيزة إلى إسرائيل بشكل ملحوظ ولم تنجح طوال شهور طويلة وفى ظل جهود متتالية فى الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، حتى أن المقترحات التى أعلنها الرئيس بايدن لحل أزمة غزة وهى فى مجملها مقترحات إسرائيلية وجدنا أن نتنياهو يعارض بعض بنودها، أما فى حالة فوز «ترامب» فإن الخوف الأكبر ليس على غزة فقط ولكن على مستقبل القضية الفلسطينية ككل.

وحول الدور المصري حاليًا، قال اللواء محمد إبراهيم إن الحديث عن الدور المصرى المتفرد فى القضية الفلسطينية يحتاج إلى آلاف الصفحات حتى نعطى مصر بعض حقها فى الدفاع عن هذه القضية المحورية، ويكفى هنا أن أشير إلى أن القضية الفلسطينية تمثل أحد أهم أولويات الأمن القومى المصرى ولم تدخر مصر وسعاً فى دعم هذه القضية فى كافة مراحلها وعلى مختلف المستويات  الرسمية  والشعبية فى كافة المحافل، كما تتسم مصر بأن لديها علاقات مميزة مع كافة الأطراف  دون إستثناء وهنا لابد أن أشير إلى أن الإتفاق الرئيسى للمصالحة الفلسطينية تم بجهود مصرية وتم توقيع وثيقة الوفاق الوطنى فى القاهرة فى الرابع من مايو عام 2011 .

وذكر أنه للأسف الشديد أن إسرائيل تعتبر نفسها فوق القانون الدولى وترفض أن تنفذ أية قرارات دولية لا تراها فى مصلحتها ولاسيما القرارات الأخيرة التى اتخذتها محكمة العدل الدولية مؤخراً، وفى رأيى أن الضغوط على إسرائيل لن تكون ذات فاعلية إلا إذا كانت صادرة بقوة من الداخل الإسرائيلى أو من الولايات المتحدة وللأسف فإن كلتا الجبهتين لم تنجح حتى الآن فى دفع نتنياهو إلى تعديل أى من مواقفه.

ولم تغير مصر موقفها إزاء كيفية حل القضية الفلسطينية مهما كانت طبيعة الحكومة الإسرائيلية حيث تتمثل الرؤية المصرية فى ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط 67 وعاصمتها القدس الشرقية، كما ترى مصر أهمية استئناف المفاوضات الفلسطينية/الإسرائيلية التى تعد الأسلوب الأمثل لاتفاق الأطراف على طبيعة الحل السياسى الذى يقبله الجميع ويؤدى إلى تنفيذ عادل لمبدأ حل الدولتين.

وأكد نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن كافة السياسات التى تنتهجها حكومة نتنياهو تؤدى إلى توسيع دائرة الصراع فى المنطقة سواء من خلال الحرب على غزة أو إجراءاتها المتطرفة فى الضفة الغربية وخاصة تفعيل قطار التهويد والإستيطان، ومن ثم فإن أى أفق للحل تبدو حتى الآن بعيدة إلا إذا بدأت بوقف الحرب فى غزة ثم استئناف عملية السلام ودون ذلك فإن التصعيد غير المحسوب سوف يكون عنوان المرحلة المقبلة.

ولاشك أن جبهات المقاومة بدأت تتعدد بالفعل فى الشمال والجنوب وسوف تستمر هذه الجبهات مشتعلة وقد تتوسع فى المرحلة المقبلة إذا لم يتم وقف الحرب على غزة كنقطة بداية ضرورية ورئيسية ، أما إذا استمرت هذه الجبهات مشتعلة فإن الوضع فى المنطقة سوف يكون مشتعلاً بالتالي.

وأشار إلى أنه  لا يجب المراهنة على إنتهاء حقبة نتنياهو الذى يمكن أن يستمر فى الحكم لفترة أخرى قد لا تكون قصيرة، والمهم فى رأيى ليس نتانياهو فى حد ذاته وإنما الأهم أن نشهد تغييراً ملحوظاً فى السياسات الإسرائيلية تجاه عملية السلام وليس فقط ما نراه من تركيز المعارضة الإسرائيلية على إنجاز صفقة الأسرى ثم نفاجأ بهم أكثر تطرفاً من نتنياهو.

ومن الواضح أن خطاب نتنياهو أمام الكونجرس مثل نقطة إضافة لعناصر القوة التى يتمتع بها، والسؤال الذى أطرحه هنا وأوجهه إلى الولايات المتحدة ومفاده هل هذا هو الوقت المناسب الذى يتم فيه تكريم نتنياهو بهذا الشكل فى ظل تأجج المعارضة ضده على مستوى الرأى العام الإسرائيلى وفى ظل حرب الإبادة التى يشنها على الشعب الفلسطينى الأعزل فى مخيمات قطاع غزة، ومن الواضح أن الاستقبال الذى حظى به نتنياهو فى الكونجرس وإعادة الزخم للعلاقات الاستراتيجية بين الدولتين سوف يقوى مواقفه ولن يوافق على أية صفقة لا تتماشى مع شروطه وفى نفس الوقت لابد أن تحافظ على تماسك الائتلاف الحاكم.

وحول ملف محور فيلادلفيا ومعبر رفح الفلسطينى، أكد اللواء محمد إبراهيم أن موقف مصر ثابت فى هذا الإطار ولم ولن يتغير وهو ضرورة انسحاب إسرائيل من معبر رفح الفلسطينى ومن محور فيلادلفيا وهذا هو الموقف المصرى الذى لم يتغير قيد أنملة سواء خلال أية مباحثات تتم مع إسرائيل أو الولايات المتحدة أو على المستوى العلني.

ولاشك أن المنطقة أصبحت على حافة الإنفجار الذى سيؤثر سلبياً على مصالح كافة الأطراف دون استثناء وبالرغم من ذلك فلا تزال هناك فرصة حتى لو كانت محدودة نسبياً لإنقاذ المنطقة من التداعيات، ونقطة البداية الوحيدة لابد أن تبدأ بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وهو ماسيؤدى بدوره إلى وقف الحرب الحوثية الإيرانية ضد إسرائيل، ثم نتحرك بعد ذلك فى معالجة باقى القضايا المثارة فى المنطقة مع التحرك العاجل لاستئناف عملية السلام التى ستطرح بدورها مناخاً إيجايباً على المنطقة كلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى