
مقترح ترامب – نتنياهو ولد ميتًا
لن أتوقف عن مهاجمة مقترح تهجير سكان قطاع غزة الذي طرحه الرئيس الأمريكي ترامب نظراً لأنه لم يتراجع عنه حتى الآن، وهنا لن أتحدث عن مدى انتهاك هذا المقترح للقانون الدولي والقيم العالمية، حيث إن الولايات المتحدة ومعها إسرائيل لديهما قانون خاص يسمى قانون القوة ويتجاهلان عمداً أي اعتبارات أو مبادئ قانونية وإنسانية وإلا كنا قد رأينا الدولة الفلسطينية التي صدرت بشأنها مئات القرارات الدولية قائمة منذ عقود.
ومن ثم يبدو جلياً أن عدم الاستقرار في المنطقة ليس وارداً في قاموس تلك الدول التي تحكمها سياسة المعايير المزدوجة وتحاول فرض أهدافها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة وكأنها تمتلك العالم وتسعى إلى توجيهه كيفما تشاء دون النظر سوى إلى مصالحها أما مصالح الشعوب فلتذهب إلى الجحيم.
وقد أصبح مقترح التهجير يمثل الحدث الرئيسي الذي نجح الرئيس «ترامب» في أن يصنعه ويجعل العالم كله يلهث وراء مواقفه وتصريحات طاقم العمل معه التي لا تتوقف، وكأن هذا المقترح من وجهة نظره يمثل الحل الأمثل للقضية الفلسطينية التي عجز المجتمع الدولي عن حلها منذ عشرات العقود بدعوى قصور أفكاره، ثم جاء الرئيس الأمريكي بالحل السحري لهذه القضية، وبالتالي على الجميع أن يلتزم به بل ويسهم في تنفيذه.
والأمر شديد الغرابة أن الرئيس «ترامب» يحاول تثبيت هذا المقترح واستكمال كل جوانبه والتي كان آخرها إشارته إلى عدم عودة السكان الذين سيتم تهجيرهم، بالإضافة إلى أن غزة سوف تصبح «ريفييرا» دون أن يوضح من سوف يستمتع بالسكنى بها أو امتلاكها، ومن المؤكد أنه يرى أن الملاك الجدد لهذه المنطقة لن يكونوا هم سكانها الأصليين بل أصحاب المشروع التجاري.
وفى ضوء متابعة الموقف الأمريكي في هذا الشأن علينا أن نتوقع ونبلور استعداداتنا على أنه بانتهاء المرحلة الأولى من طرح المشروع الذي أسميه مشروع «ترامب ـــ نتنياهو» سيتم طرح المرحلة الثانية والتي سوف تتعلق بطرح تدريجي لبعض آليات التنفيذ التي سوف يتم بعضها بشكل علني، والبعض الآخر بشكل خفى وعلى فترات زمنية متفاوتة حتى يستكمل هذا المشروع التجاري الفاشل جميع جوانبه.
ومن واجبى هنا أن أواجه هذا الطرح غير المنطقي أو بمعنى أدق غير الآدمي، وأقول إذا كان ما يؤرق الإدارة الأمريكية هو وجود هذه الكارثة الإنسانية ومظاهر غزة المدمرة رغم أن الولايات المتحدة كانت شريكة في حرب الإبادة فإن عليها أن تتنحى جانباً إذا أرادت ذلك وتترك مسئولية إعادة إعمار غزة لمصر والدول العربية فهم قادرون على تحمل هذه المسئولية بالتعاون مع الدول المانحة دون اللجوء إلى كارثة جديدة اسمها كارثة التهجير.
أما إذا كان لدى الولايات المتحدة أهدافا أخرى فمن الشجاعة أن تعلن عنها، وعلى الرئيس الأمريكي أن يسأل نفسه كيف يتسنى له طرح مثل هذا المشروع الذي يعنى في النهاية أن إسرائيل قتلت البشر ودمرت الحجر، ثم جاءت واشنطن لتجنى ثمار الدمار وتقتلع ما تبقى من بشر من أراضيهم، وتلقى بهم إلى الخارج تحت مسميات وإغراءات ليست لها أي مكانة في قاموس الوطنية الحقيقية الذي يلتزم به السكان الفلسطينيون.
كما أن على الإدارة الأمريكية أن تعلم أن قطاع غزة لم ولن يكون مشروعاً تجارياً نراهن عليه في بورصة المقامرين، ولكنه جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية التي سوف تشمل في يومٍ ما كلا من القطاع والضفة الغربية والقدس الشرقية، إذن كيف يفكرون في اقتلاع جزء أصيل من الجسد الفلسطيني تحت أي مبرر، وللأسف فإن الصورة العامة التي اتضحت حتى الآن تشير إلى أن أقوى دولة في العالم أصبحت تطمع في واحدة من أفقر مناطق العالم بسبب الاحتلال والحصار الإسرائيلي.
ومن الضروري أن تعلم الإدارة الأمريكية أن هذا المشروع قد ولد ميتا مثله مثل صفقة القرن، وأن أي محاولات لتنفيذه سوف تجد مئات من الحواجز وحوائط الصد التي سوف تفشله وعلى رأس هذ الحواجز صمود سكان القطاع، وتمسكهم ليس فقط بأراضيهم، ولكن حتى بالركام رغم كل الصعوبات المعيشية التي يواجهونها، ومن المؤكد أن هذا الظلم لن يدوم طويلاً ولن يجد من يسوق له، خاصة مع تصاعد الاعتراضات من داخل المؤسسات الأمريكية نفسها التي رأت في هذا المشروع محاولة للتطهير العرقي.
ولاشك أن الحل الوحيد الذي يمكن أن يكون مرضياً وأن يغفر للرئيس الأمريكي زلات لسانه أن يتوقف تماماً عن هذا المشروع، وكأنه لم يكن ثم يترك الدول العربية والعالم المتحضر يتعاملون مع هذه الكارثة ويعيدون بأنفسهم تعمير غزة دون تهجير سكانها، وإذا كانت الولايات المتحدة لا ترغب في المساهمة في إعادة الإعمار رغم أنني أرى أهمية مشاركتها بل قيادة عملية الإعمار، فعليها أن تبتعد عن غزة وتركز على العلاقات مع روسيا والصين وغيرهما حيث إن غزة ليست من الممتلكات والموروثات الأمريكية، ولكنها هي جزء أصيل من الجسد العربي الذي سوف يقف موحداً أمام هذا الخطر الداهم المتدحرج الذي إن نجح في غزة فسوف يمتد بالتأكيد إلى مناطق عربية أخري.
وعلى واشنطن أن تنصح إسرائيل بأن ترفع يدها ليس عن غزة فقط, ولكن عن الضفة الغربية أيضاً حيث إن حرب الإبادة التي بدأت تشنها في مدن الضفة سوف تؤدى إلى انفجار رهيب لايزال كامناً حتى الآن لكن هذا الكمون مع هذه الضغوط أعتقد أنه لن يستمر طويلاً.
وفى النهاية نحن العرب سوف نظل دعاة سلام عادل واستقرار شامل، لكن ما تقوم به واشنطن وتل أبيب يبعد المنطقة عن الاستقرار آلاف الأميال، والسؤال هنا متى يتوقف هذا الهراء قبل فوات الأوان، ألا هل بلغت اللهم فاشهد.