المركز المصري في الإعلام

اللواء محمد إبراهيم الدويري يجري حوارًا مع مجلة “المصور” حول قضايا المنطقة وتداعياتها المختلفة ومستقبلها خلال عام 2025

أجرى اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، حوارًا مطولًا مع مجلة “المصور” المصرية العريقة حول أبرز قضايا المنطقة، وتداعيات ومستقبل المشهد المعقد في منطقة الشرق الأوسط خلال العام الجديد، وفيما يلي نص الحوار:   

تشير كافة التطورات الحالية ومعطيات المواقف المتسارعة أمامنا إلى أن الأزمات الراهنة التي تشهدها المنطقة لا تزال بعيدة عن إمكانية التوصل إلى حلول نهائية لها، ومن ثم فإنني أتوقع استمرار هذه الأزمات خلال عام 2025، بل لن أكون مبالغًا إذا قلت إننا يمكن أن نشهد أزمات جديدة خلال العام الجديد، مع الأخذ في الاعتبار أن أقصى ما يمكن تحقيقه هو مجرد تسكين مؤقت لهذه الأزمات، مع بقاء عوامل انفجارها كامنة بحيث يمكن أن تنفجر في أي وقت طالما لم يتم علاجها من جذورها، وخاصة بالنسبة للتدخلات الخارجية التي لا توجد دلائل على أنها سوف تتوقف، بل في رأيي أنها سوف تتزايد.

فرضت الأزمة السورية واقعًا جديدًا في المنطقة عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر عام 2024، وللأسف الشديد فإن الأمر لا يتعلق فقط بانهيار نظام الحكم في دمشق، ولكن الخطورة تكمن في التخوف من سقوط الدولة نفسها وأن تتحول سوريا من إضافة إلى الرصيد العربي إلى انتقاص من هذا الرصيد، وذلك في ضوء عاملين رئيسيين، الأول أنه لا يمكن الحكم حتى الآن على طبيعة النظام السوري الجديد إلا في ضوء التعرف على مواقفه وسياساته الحقيقية ومدى إمكانية أن تكون هناك عملية سياسية تستوعب الجميع دون استثناء وأن يتم الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وليس تقسيمها بالإضافة إلى محاربة الإرهاب الذي يمكن أن يعود إلى الدولة، وبالتالي هذه هي أهم المعايير الرئيسية التي ستحكم التعامل مع هذا النظام على المستويين الإقليمي والدولي.

أما العامل الثاني فهو كيف يمكن أن تستعيد سوريا قوتها العسكرية ولاسيما إعادة الجيش السوري القوي الذي دمرته إسرائيل بالكامل بينما كانت فصائل المعارضة السورية المسلحة تقف موقف المتفرج وكأن الأمر لا يعنيها، فلا يمكن أن أقبل أي ادعاء بأن هذا الجيش كان جيش خاص “لبشار”، بل إن الحقيقة تؤكد أنه كان جيش الدولة السورية وأحد أهم دعائم قوتها، وأن تدمير هذا الجيش سوف يدفع السوريين وخاصة النظام الجديد ثمنه في المستقبل، فأي دولة تلك التي ليس لها جيش وطني يدافع عنها من المخاطر التي تهددها.

في ظل ما يحدث اليوم، هل باتت سوريا اليوم ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية؟ 

من الواضح أن سوريا كانت واحدة من نماذج بعض دول المنطقة التي كانت مرتعًا للتدخلات الإقليمية والدولية التي لا تبحث إلا عن كيفية تحقيق مصالحها فقط دون النظر إلى مصالح الدولة التي تتواجد فيها أو مصالح شعوبها، حتى وصل الأمر إلى احتلال القوى الخارجية بعض أراضي الدولة السورية وانتهاك سيادتها بشكل سافر تحت مبررات وهمية، والسؤال: هل يمكن أن تنسحب هذه القوى من الأراضي السورية التي احتلتها؟ وأعتقد أن هذا بعيد المنال.

وقد كانت سوريا بمثابة المسرح الرئيسي للتدخلات العسكرية والأمنية والسياسية من جانب كل من روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل، ورأينا كيف تصارعت هذه القوى بين بعضها البعض على الأراضي السورية بحثًا عن مصالحها ومن تكون له الغلبة في النهاية على حساب الدولة الوطنية.

لم تصبح مسألة تقسيم المنطقة مجرد مقولة عبثية أو خيالية نقرأ عنها في التاريخ، بل أصبحت واقعًا نشاهد تطوراته كل يوم. وفي رأيي، المقترحات والرؤى التي كانت حبيسة الأدراج لدى أجهزة المخابرات العالمية أو لدى المراكز البحثية المعروفة خرجت مؤخرًا من بوتقة الأفكار إلى مرحلة التنفيذ على الأرض. ومن ثم، رأينا تصاعد الأحداث في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا، وهي كلها مناطق أصبحت بعض أجزائها خاضعة للاحتلال الإسرائيلي الذي قد يستمر لفترات طويلة تحت ادعاءات واهية. وبالتالي، فإن موضوع التقسيم يجب ألا نستهين به مطلقًا، ومن الضروري التعامل معه بكل الجدية المطلوبة.

لابد أن أعترف أن المنطقة العربية دخلت ما أسميه “حزام المخاطر” على غرار تعبير “حزام الزلازل”، ومن ثم أصبحت الدول العربية مطالبة الآن وأكثر من أي وقت مضى أن تكون على قناعة بأن الأزمات الراهنة في المنطقة ليست أزمات عابرة وإنما تعد جزءًا لا يتجزأ من مخطط يهدف إلى النيل من قوة وسيادة الدول العربية، فالمشروعات التي تتحرك في المنطقة وخاصة المشروع الإسرائيلي لم تعد تتحرك في الخفاء بل تسعى إلى تنفيذ أهدافها بكل وضوح وسفور مستثمرة في ذلك عدم وجود موقف عربي قوي موحد أو حتى شبه موحد في مواجهتها.

إذن فإن المسؤولية تفرض على الدول العربية أن تواجه هذا “الطوق الخانق” الذي يستهدفها جميعها دون استثناء ويهدد سيادتها وأمنها القومي، وبالتالي لابد أولًا من استشعار حقيقة هذه المخاطر، ثم يكون هناك موقف عربي يضع خطوطًا حمراء لا يسمح لأحد أيًا كان بتخطيها ونحن قادرون على ذلك إذا توافرت الإرادة السياسية.

وهنا فمن واجبي وفي ظل المشروعات التي تستهدفنا كعرب أن أطالب بشدة أن أرى في المدى القريب ما أسميه “مشروع الأمن القومي العربي” الذي يحدد مجموعة المبادئ والثوابت التي تمثل الرؤية الشاملة لحماية الدول العربية من المخططات التي تستهدف تقسيم هذه الدول والسيطرة عليها بأساليب مختلفة، ولابد من عدم ترك الساحة خالية وممهدة أمام هذه المشروعات التي تتحرك بكل حرية على حساب ومصالح الدول العربية.

ترتبط حدود السيادة الوطنية بمدى قدرة الدولة على الدفاع عن نفسها في مواجهة المخاطر المحيطة بها، وأن تكون لديها جبهة داخلية قوية تمثل الحصن المنيع أمام أية مخططات خارجية أو حتى داخلية، وأعتقد أنه في ظل التدخلات العسكرية والسياسية المتزايدة فإن الحفاظ على الدولة وسيادتها أصبح فرضًا ليس فقط على قيادات الدولة نفسها وإنما على مواطنيها أيضًا من أجل حماية حاضر ومستقبل الأجيال القادمة، ولعلنا جميعًا نرى أن الدولة التي تنتهك سيادتها وتتفكك جبهتها الداخلية الصلبة تصبح دولة فاشلة، وفي رأيي فإن مثل هذه الدول لن تقوم لها قائمة مطلقًا .   

لا شك أن التطورات الأخيرة في سوريا تطرح تأثيراتها بل تداعياتها على بعض الدول في المنطقة التي تشهد أوضاعًا غير مستقرة سواء فيما يتعلق بانتشار الجماعات المسلحة أو التواجد الأجنبي والتدخلات الخارجية، وهو الأمر الذي يجب الانتباه إليه جيدًا وخاصة بالنسبة للموقف في ليبيا الذي نأمل ألا يصل إلى مرحلة قد تشابه ما حدث في سوريا، وأتمنى أن تكون القيادات الليبية الوطنية التي نكن لها كل التقدير على بينة من حقيقة وجود هذه المخططات وأن تتوحد لصالح الدولة في أقرب فرصة ممكنة وتبذل كل الجهد حتى تعود ليبيا دولة موحدة ومستقرة.
ورسالتي التي أوجهها هنا إلى الدول العربية التي تشهد بعض التوترات وانتشار الجماعات المسلحة خارج إطار الجيش الوطني أن مشروعات التقسيم لن تنتظر كثيرًا وأن تحركاتها على الأرض أسرع وأنشط وهي قادرة على أن تستثمر الانقسامات والمشكلات والجماعات الموجودة في هذه الدول كأرض خصبة لتنفيذ أهدافها المشبوهة.

لابد من النظر إلى حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة من منظور أشمل وأعمق من تطورات العمليات العسكرية، فالواقع يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية تسعى بكافة الطرق المباشرة وغير المباشرة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وهذا هو الهدف الاستراتيجي التي تستهدف تحقيقه، ومن ثم فإن حرب غزة تعد مجرد مرحلة في مخطط إسرائيلي متكامل يتناغم مع الإجراءات المتطرفة التي تقوم بها في الضفة الغربية والقدس من استيطان وتدمير وتهجير وفرض سياسة الأمر الواقع والتي تصب في النهاية في منظومة المخططات الإسرائيلية للحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مستقبلًا.

وفي رأيي فإن المشكلة الحقيقية الخاصة بقطاع غزة لم تبدأ بعد حيث أن المشكلة الأهم سوف تبدأ عقب انتهاء الحرب أي فيما يسمى باليوم التالي DAY AFTER، وكيف سيكون الوضع في القطاع على المستويات الخمسة التالية وهي الأمني والسياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى ضرورة الإجابة على مجموعة من الأسئلة الحيوية وأهمها متى ستنسحب إسرائيل من غزة؟ ومن الذي سيقوم بإعادة الإعمار الذي يحتاج إلى أكثر من عقد من الزمن ومليارات الدولارات؟ ومن الذي سيحكم القطاع ويسيطر عليه؟ وكيف نمنع تكرار هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة؟

وفي هذا المجال يجب أن أشيد بالدور والتحرك المصري المميز الذي حرص على أن يبلور مقترحًا عمليًا يرتبط بأبعاد سياسية شديدة الأهمية ومفاده تشكيل ما يسمى “بلجنة الإسناد المجتمعي” التي ستتولى مسئولية القطاع في كافة المجالات عقب انتهاء الحرب على أن يصدر تشكيل هذه اللجنة بمرسوم رئاسي من رئيس السلطة الفلسطينية “أبو مازن”، وذلك بهدف أن تكون السلطة هي المرجعية الوحيدة وأن تكون هذه اللجنة الفلسطينية الخالصة والمشكلة من شخصيات فلسطينية وطنية حائلًا دون أن تتولى أية سلطة أجنبية الحكم في القطاع تحت أي مسمى.

من المؤكد أن كافة الأزمات التي تشهدها المنطقة وخاصة في محيط الدائرة المباشرة للأمن القومي المصري في كل من ليبيا والسودان وغزة والبحر الأحمر تفرض على مصر ضرورة أن تكون على استعداد كامل لمواجهة المخاطر المحدقة بها والتي بدأت معالمها تظهر بوضوح ودون أي مواربة، ولابد أن تكون هناك رؤية شاملة وواقعية لمواجهة هذه التحديات على كافة المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن الإنصاف أن أشير هنا إلى أن لدينا قيادة سياسية تعي تمامًا مفهوم الأمن القومي وتحدياته ومسؤولياته وأتمت كافة الاستعدادات لمواجهة أية مخاطر يمكن أن تواجهها البلاد في المرحلة المقبلة في ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة والتي قد لا تقف عند مرحلة سوريا فقط، وفي هذا المجال لابد أن أؤكد أن لدينا جيشًا قويًا مصنفًا عالميًا وقادرًا على حماية البلاد والدفاع عنها في مواجهة أية مخاطر محتملة، وكما قال السيد/ الرئيس عبد الفتاح السيسي فإن الجيش المصري يصون ولا يبدد ويحمى ولا يهدد.

لا شك أن معركة الوعي لم تصبح فقط ضرورة قصوى بل أصبحت في رأيي معركة حياة أو موت، فالوعي يمثل حائط الصد الأول والأقوى الذي يدافع عن الدولة ولا يقل دوره عن دور القوات المسلحة، حيث أنه بدون الوعي تصبح أي معركة في النهاية هي معركة خاسرة.
ومع التسليم بصعوبة الأوضاع الاقتصادية الحالية مع تصاعد المخاطر الخارجية، فإن المواطن المصري لابد أن يظل كما عهدناه على مستوى المسؤولية، وأن يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أصالته النادرة عندما تواجه الدولة أية مخاطر، وهذا هو الشعب المصري صاحب حضارة آلاف السنين، كما أن هذا هو الوقت الذي ننتظر فيه كيف يعبر الشعب عن ولائه وانتمائه للبلاد.
وهنا يجب على المواطن المصري أن يتسلح بسلاح الوعي والثقة بالله وبقيادته، وأن يتصدى للشائعات التي لا تهدف إلا لتدمير البلاد، كما عليه أن يحافظ على استقرار الدولة في ظل ما نراه حاليًا في المنطقة من نماذج بعض الدول الفاشلة، كما أن عليه الاصطفاف خلف قيادته السياسية مهما كانت الصعاب حيث أن لدينا قيادة تسابق الزمن وتصارع التحديات من أجل رفع مستوى معيشة المواطن وأن تكون مصر في المكانة اللائقة في هذا العالم.
ومن الطبيعي أن أية مشكلة اقتصادية تعاني منها مصر في الوقت الحالي وهو أمر لابد من الاعتراف به وأطالب الحكومة ببذل مزيد من الجهود للسيطرة على الأسعار، إلا أن هذه المشكلات ليست لها صفة الديمومة وسوف تنتهي آجلًا أم عاجلًا، أما مشكلة الدولة التي تسقط فهي كارثة لن يجني منها أحد سوى الخراب والدمار.

من المؤكد أن الدولة المصرية العظيمة لا يقلقها مطلقًا أن يتم تحسين العلاقات بين الصومال وإثيوبيا برعاية تركيا أو حتى أية دولة أخرى وذلك من منطلق أن الاهتمام الرئيسي لمصر ينصب على تحقيق الاستقرار والأمن والتنمية في القارة الإفريقية بصفة عامة وفي منطقة القرن الإفريقي وتأثيرها المباشر على أمن البحر الأحمر بصفة خاصة حيث أن هذه المنطقة تمثل أحد الدوائر الهامة من منظور الأمن القومي المصري.
ومن ثم فإن أية مصالحة تتم في هذه المنطقة من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق الاستقرار بها فإنها سوف تحظى بترحيب الدولة المصرية، إلا أننا سوف نعارض بقوة أية تدخلات أو اعتداءات من أية دولة على دولة مجاورة في هذه المنطقة الاستراتيجية خاصة مع الدول التي ترتبط مع مصر باتفاقات وبرتوكولات في مجالات محددة.

تسير الأوضاع في السودان من سيئ إلى أسوأ وللأسف الشديد فإن الاقتتال الدائر منذ أكثر من عام ونصف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لا ألمح له في الأفق أية دلائل على إمكانية أن ينتهي قريبًا رغم الاتفاقات المتعددة التي تمت بين ممثلي الطرفين، ومن ثم سوف تتزايد التداعيات السياسية والأمنية والإنسانية، وسيظل الشعب السوداني الشقيق هو الضحية الأولى لهذه المعارك الطاحنة غير المبررة، كما أن الدولة السودانية نفسها سوف تكون عرضة لمزيد من المشكلات التي قد تدفعها إلى الوقوع في مستنقع قد يصعب الخروج منه.

لا شك أن الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب” قد حرص خلال حملته الانتخابية على أن يؤكد رغبته بل وقدرته على إنهاء الحروب سواء في الشرق الأوسط أو الحرب الروسية الأوكرانية، وفي تقديري أن هناك فرصًا أكبر أمام ترامب لإنهاء الحرب الروسية خاصة في ضوء علاقات “ترامب” الجيدة التي تربطه بزعيمي الدولتين، بالإضافة إلى إدانته لسياسة الرئيس “بايدن” ودعمه أوكرانيا بطريقة خاطئة ساهمت في تعميق الحرب وإطالة أمدها، ومن ثم أتوقع أن تنتهي هذه الحرب خلال عام 2025.

أستبعد تمامًا أن نصل إلى مرحلة الحرب العالمية الثالثة رغم الأزمات الراهنة وذلك في ضوء حرص كافة الأطراف على عدم الانزلاق إلى هذه المرحلة التي إذا حدثت فسوف تفتك بالعالم، إضافة إلى أنه حتى على مستوى منطقة الشرق الأوسط فإن الأطراف المختلفة كانت على قناعة بألا تصل المواجهات والعمليات العسكرية الجارية في المنطقة إلى مواجهة شاملة أو إلى حرب إقليمية.

كاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى