القمة العربية فى البحرين والقضية الفلسطينية
من المؤكد أن القمة العربية رقم 33 التى سوف تعقد فى دولة البحرين الشقيقة فى السادس عشر من مايو الجارى سوف تكون مختلفة إلى حد كبير عن القمم العربية السابقة وخاصة بالنسبة لطبيعة القضايا التى سوف تحظى بأولوية النقاش والإهتمام بل والقرارات المتوقع إتخاذها ولاسيما بالنسبة للقضية الفلسطينية بصفة عامة والحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة بصفة خاصة، أما فيماعدا ذلك من قضايا فمع كل التقدير لأهميتها إلا أنها تأتى فى المرتبة الثانية .
من الأمور الإيجابية التي من المهم الإشارة إليها أن القمة العربية سوف تعقد فى موعدها رغم الإضطرابات المتعددة التى تعم الإقليم، وهوما يؤكد مدى أهميتها نظراً لتلك الظروف الإستثنائية التى تتعرض فيها القضية المركزية العربية الأولى لمحاولات التصفية، بالإضافة إلى تعرض قطاع غزة لحرب إبادة غير مسبوقة وكذا تدمير ممنهج متواصل منذ حوالى سبعة أشهر بينما يقف العالم موقف المتفرج والمراقب مؤكداً بهذا الموقف أنه لايزال يتبنى سياسة المعايير المزدوجة .
لاشك أن هناك مسئولية كبيرة تقع على عاتق القادة والزعماء العرب خلال هذه القمة، وأصبحوا مطالبين بالتعامل مع القضية الفلسطينية بإسلوب مختلف شكلاً وموضوعاً – بقدر المستطاع – مقارنة بالقمم العربية السابقة وبالتالى فهم مطالبين أيضاً بإتخاذ القرارات التى يمكن أن تمثل إضافة للقضية والإبتعاد عن التعامل الروتينى معها، حيث أن الحرب الإسرائيلية الحالية على القطاع وكذا السياسات المتشددة للغاية التى تطبقها على الضفة الغربية والقدس الشرقية لم تحدث بهذا الشكل منذ عقود طويلة .
ومن هنا فإنى أرى أن القيادات المشاركة فى القمة عليها أن تأخذ فى إعتبارها المحددات الرئيسية التالية : –
- أن تكون هذه القمة هى قمة القضية الفلسطينية حتى من حيث المسمى حتى تحظى تلك القضية المحورية بالإهتمام والتركيز اللازمين .
- عدم الفصل بين أحداث غزة وبين حل القضية الفلسطينية ككل حيث أن كلا الموضوعين يرتبطان ببعضهما البعض إرتباطاً مباشراً .
- أهمية أن تكون هناك مراجعة شاملة بل وقفة مع النفس بالنسبة لمواقف الدول العربية من التعامل مع أزمة غزة منذ بدايتها وحتى الآن من أجل أن يتم وضع الأسس اللازمة والفاعلة للتعامل مع هذه الأزمة التى يمكن أن تستمر فترة طويلة .
- تجنب إتخاذ القرارات التى تتشابه مع تلك القرارات التى إتخاذها فى القمم السابقة حيث أن المطلوب هو إتخاذ أقل كم من القرارات بأكثر قدر من الفاعلية .
- عدم إظهار أى نوع من الإنقسام فى الرأى بين الدول العربية تجاه التعامل مع القضية الفلسطينية حيث أن الإجماع العربى فى هذه القمة وتحديداً بالنسبة لهذه القضية فى ظل الظروف الحالية أصبح على قدر كبير من الأهمية .
وفى ضوء هذه المحددات فإن القمة العربية مطالبة بما يلى : –
- إتخاذ موقف عربى موحد تجاه أحداث غزة بحيث يشمل كافة الدول المشاركة فى القمة دون إستثناء حتى يظهر الموقف العربى فى هذه الظروف وهو على قلب رجل واحد، وأياً كانت طبيعة الموقف الذى سيتم إتخاذه والتعبير عنه إلا أن مجرد وجود إجماع عربى فى هذا المجال سوف يكون رسالة عربية قوية موجهة للعالم بأن الموقف العربى موحد تجاه هذه الحرب الظالمة .
- أهمية أن تشعر إسرائيل بصفة خاصة بأن الأحداث الحالية تمثل علامة فارقة فى العلاقات العربية الإسرائيلية، وأن على إسرائيل أن تعى أن الدول العربية قادرة على إتخاذ القرارات التى تؤثر عليها، وأن الوقت قد حان لوقف حرب الإبادة التى تشنها على غزة .
- · ضرورة أن تكون هذه القمة نقطة تحول فى المسار السياسى لحل القضية الفلسطينية، ومن ثم فإن الدول العربية مطالبة بأن تكون لها رؤيتها الواقعية لحل القضية، وهنا فإنني أقترح خيارين:
- – الأول، إعادة طرح مبادرة السلام العربية المطروحة منذ أكثر من 22 عاماً والتى لم تسفر عن أية نتائج.
- الخيار الثاني، بحث إمكانية بلورة رؤية سياسية جديدة بآليات تنفيذية واضحة تؤكد على الثوابت الفلسطينية ويمكن تسويقها إقليمياً ودولياً (إمكانية تشكيل لجنة لبلورة الرؤية الجديدة والإنتهاء منها خلال شهر على الأكثر) .
- التأكيد على الإجماع العربى إزاء ضرورة عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة عقب إنتهاء الحرب ورفض أية حلول مقترحة بأن تتولى أية قوات أو أطراف أخرى إدارة القطاع وذلك من منطلق أن غزة والضفة هما جناحى الدولة الفلسطينية المنتظرة .
- أن موضوع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة يعد مسئولية إسرائيلية ودولية لابد من حلها خلال أيام مع بحث جدوى إمكانية تشكيل لجنة عربية مؤقتة تتعامل مع هذا الموضوع ككل .
- التأكيد على أن عام 2024 هو عام القضية الفلسطينية بحيث يتم التحرك خلاله على مسار تنفيذ مبدأ حل الدولتين .
- تشكيل لجنة عربية تضع أسس عملية إعادة إعمار القطاع عقب إنتهاء الحرب .
الخلاصة، أن هذه القمة تمثل إختباراً جديداً للموقف العربى ومدى جديته وفاعليته فى التعامل مع القضية الفلسطينية والتصدى لمحاولات تصفيتها، ومن المؤكد أن الدول العربية هى الوحيدة المؤهلة للقيام بهذا الدور وألا نتركه لأطراف خارجية تتعامل مع هذه القضية من منظور أمنى أو إنسانى فقط لايحقق إلا مصالحها.
نقطة أخيرة أرى أهميتها مفادها ضرورة تقديم القمة العربية الشكر والتقدير والدعم لمصر وقيادتها السياسية على الجهود التى بذلتها منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، فمع الإعتراف بأدوار مهمة بذلتها بعض الدول الأخرى مثل دولة قطر الشقيقة، إلا إن مصر لازالت تتحمل العبئ الأكبر لهذه الأزمة من كافة جوانبها ولازالت تقف بالمرصاد ضد محاولات تهجير السكان الفلسطينيين إلى سيناء .