
قمة المناخ: هل مصر قادرة على توطين صناعة الهيدروجين الأخضر؟
تُشكّل الحرب الروسية-الأوكرانية لهيب النار الذي أيقظ مشروعات الطاقة البديلة وعلى الأخص صناعة الهيدروجين الأخضر؛ فدفعت الحرب إلى المطالبة بضخ الاستثمارات في صناعة الهيدروجين الأخضر، وذلك لأن أزمة الطاقة العالمية -والتي كانت من أهم تداعيات الحرب- أدت إلى تسريع وتيرة مشروعات الطاقة الخضراء؛ بالإضافة إلى تزايد الحديث عن بلوغ العصر النفطي لحظة ذروته.
وفي الوقت الذي تُمثل فيه تلك المصادر التقليدية (الوقود الأحفوري) أهم ثروات الدول المنتجة للنفط الخام على مدى عقودٍ طويلة؛ بدأت ثورة طاقوية جديدة تُلقي بظلالها على صناعة الطاقة العالمية، وخاصة الهيدروجين الأخضر حيث يُعد غاز الهيدروجين النظيف واحدًا من عناوين المرحلة الراهنة؛ فبدأت دول العالم تطوير مشروعات تمهد لهذا الانتقال الاقتصادي-الطاقوي.
وعلى الرغم من الفرص الهائلة التي يوفرها هذا النوع من الطاقة أمام الدول المستهلكة للنفط، فإن الدول الكبرى المنتجة للنفط ومنها المملكة العربية السعودية تُقبل عليه بقوة، بوصفه بديلًا ملائمًا عن صادرات النفط وبالأخص في حال تراجع الطلب علي النفط الخام ومشتقاته، بالإضافة إلى حجم الاستثمارات الضخمة التي تتطلبها صناعة النفط بوجه عام.
وبشكل عام، تمر صناعة الطاقة بمرحلة فريدة من نوعها خلال القرن الحالي، وسط تحديات ثلاثة ذات طابع خاص وهي كالتالي: الأول هو هيمنة الوقود الأحفوري على تغذية الصناعات ووسائل النقل؛ حيث تقترب نسبة استهلاك النفط عالميًا من أكثر من 100 مليون برميل يوميًا، وفي ارتفاع مستمر، والأزمة الروسية الأوكرانية الحالية. وتدل على ذلك حركة الأسواق العالمية من عمليات العرض والطلب حاليًا والثاني جدية المحاولات العالمية للتعامل مع التغير المناخي بإحلال طاقات خضراء مستدامة بدلًا من الوقود الأحفوري أو التقليدي الذي يعد مصدرًا أساسيًا للانبعاثات المؤدية للاحتباس الحراري، بينما التحدي الثالث بناءً على التجارب التاريخية لعمليات التحول من طاقة إلى أخرى جديدة.
وبالرغم من أن الطلب على الهيدروجين الأخضر بات أوروبيًا بالأساس فى ظل أزمة الطاقة المتفاقمة والمتعلقة بالغاز الطبيعي بسبب تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث تهدف دول الاتحاد الأوروبي إلى الاعتماد على الهيدروجين بنسبة تتراوح بين نحو 10 إلى 15% ضمن مزيج الطاقة وذلك بحلول عام 2050، وذلك مقابل أقل من نحو 3% فى الوقت الراهن.
ويمكننا القول في هذا السياق إن الريادة العالمية في إنتاج الغاز الطبيعي ستظل آسيوية-عربية. ويدفع الطموح كبرى شركات الطاقة الأحفورية إلى التنافس لضخ الاستثمارات الضخمة وشراء حصص في الشركات والصناديق المخصصة لتطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر، وبالأخص في المنطقة العربية التي تحظى بمؤهلاتٍ طبيعية مثل طاقة الشمس والرياح واتساع حقول الطاقة والقرب الجغرافي من الأسواق الأوروبية، بما يجعلها من بين أكثر مناطق العالم قابلية لإنتاج هذه الطاقة الجديدة.
فلقد أسهمت نحو 9 دول عربية بقوة في المشهد العالمي لإنتاج الهيدروجين، شملت: مصر، والمملكة العربية السعودية، والمغرب، وسلطنة عمان، والعراق، والإمارات العربية المتحدة، والجزائر، وقطر، وموريتانيا. وهذه الدول استطاعت خلال الفترة الماضية النجاح في توقيع العديد من مذكرات التفاهم عالميًا في مجال إنتاج واستخدام الهيدروجين، ما أدى إلى ارتفاع عدد مشروعات إنتاج وتطوير الهيدروجين في المنطقة العربية إلى نحو حوالي 40 مشروعًا.
من ناحيتها، تأتي مصر على رأس القائمة من حيث عدد المشروعات والتي تهدف إلى توطين صناعة الهيدروجين الأخضر، بعدد نحو حوالي 15 مشروعًا. بيد أنه كما كان الحال مع صناعة النفط الصخري الأمريكي في بداية عصره، تعد كلفة الإنتاج الضخمة هي العقبة الرئيسية أمام تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر؛ فالكلفة التي يتطلبها إنتاج الهيدروجين الأخضر مازالت تحد من تنافسيته في الأسواق العالمية. وهو الأمر الذي يتطلب الإسراع في ضخ الاستثمارات إلى هذه الصناعة الخضراء، ونشر وتسهيل أنظمة التحليل الكهربائي التي تُستخدم في صناعة الهيدروجين الأخضر، مع تشجيع عمليات الصناعة المحلية، وتذليل كافة العقبات أمام تلك الخطوة؛ وذلك لأن الهيدروجين الأخضر يُشكل الوسيلة الأمثل لاستثمار فائض الإنتاج الطاقوي من المصادر البديلة أو المتجددة والتي عجزت التكنولوجيا عن حل مسألة تخزينه.
خطوات مصرية مُفعلة لإنتاج الهيدروجين الأخضر
تمتلك مصر أكبر مصادر للطاقة المتجددة من الرياح والشمس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يؤهلها لأن تكون واحدة من أكبر منتجي الطاقة النظيفة، وهو ما سيساعد في إنقاذ البيئة في المنطقة، حيث كانت مصر تخطط لتصل نسبة مشاركة الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة المستهلكة في البلاد 20% بنهاية عام 2022، إلا أنها نجحت بالفعل في ذلك الأمر قبل نهاية عام 2021، وهو أيضًا ما أكده إطلاق مصر لاستراتيجية تغير المناخ 2050 والتي ستُمكن الدولة المصرية من تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة ودعم تحقيق غايات التنمية المستدامة وأهداف رؤية مصر 2030 باتباع نهج مرن ومنخفض لانبعاثات الكربون.
ويأتي الإنتاج المرتقب للهيدروجين الأخضر في مصر في سياق الاهتمام الدولي المتزايد بالوقود البديل، وذلك من أجل تقليل الآثر البيئي وإبطاء التغير المناخي، ويصير ذلك قابلًا للتحقيق من خلال تمكين مصر من توليد واستخدام الهيدروجين الناتج عن الطاقة المتجددة، بدلًا عن الوقود الأحفوري. حيث يُعد الاقتصاد الأخضر هو طوق النجاة للدول لمواجهة مخاطر تغير المناخ والتحديات البيئية المتزايدة.
وفي ضوء استراتيجية مصر للمضي قدمًا في تفعيل آليات وأدوات التنمية المستدامة والحفاظ على الرفاهية التي تحققت بفعل سنوات التنمية الاقتصادية السابقة، كانت مصر نموذجًا أفريقيًا في مجال التحول نحو الاقتصاد الأخضر عبر العديد من المشاريع والتي من أهمها إنتاج الهيدروجين الأخضر، ويحظى الهيدروجين الأخضر في مصر باهتمام كبير ومتزايد، خاصة مع توافر إمكانات الطاقة المتجددة.
من هنا البداية:
يحظى الهيدروجين الأخضر باهتمام متزايد من الدول كافة، بوصفه أحد أنواع الوقود الخالية من الكربون، في إطار خطط التحول إلى الحياد الكربوني، وخفض الانبعاثات من قطاع الطاقة. ولم تكن الدولة المصرية بمعزل عن الحراك العالمي نحو الهيدروجين الأخضر، خاصة أنها تتمتع بإمكانات كبيرة للطاقة المتجددة، مما يؤهلها لتقديم دور كبير في سوق الطاقة المستقبلية، مستغلة في ذلك موقعها بالقرب من أسواق الطاقة العالمية في أفريقيا وآسيا وأوروبا، وتماشيًا مع التوجه العالمي في مجال الطاقة المتجددة، والنظرة إلى الهيدروجين الأخضر بوصفه وقود المستقبل، والمتوقع بأن يغطي نسبة حوالي 24% من حاجة العالم من الطاقة بحلول عام 2050، فقد وجه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال اجتماع في يوليو من عام 2021 مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، بإعداد استراتيجية وطنية متكاملة لإنتاج الهيدروجين بالتعاون مع جميع القطاعات المختلفة بالدولة المصرية، والتي تهدف إلى:
- امتلاك مصر القدرة في مجال توليد واستغلال الهيدروجين بالشراكة مع الخبرات العالمية.
- إضافة طاقة الهيدروجين الأخضر للمنظومة الوطنية المتكاملة للطاقة.
فاتخذت مصر العديد من الخطوات الجادة نحو توطين صناعة الهيدروجين الأخضر حيث ارتفع عدد مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر، والمتوقع تنفيذها في نطاق المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إلى حوالي 15 مشروعًا. تستهدف المشروعات، التي ستنفذها عدد من الشركات العالمية المتخصصة في الطاقة المتجددة، إنشاء مجمعات صناعية بهدف إنتاج الهيدروجين الأخضر، والأمونيا الخضراء، داخل المنطقة الصناعية في العين السخنة.
وتأتي مذكرات التفاهم في إطار الجهود المصرية الرامية إلى التوسع في مشروعات إنتاج وصناعة الهيدروجين الأخضر، بوصفه مصدرًا واعدًا للطاقة في المستقبل، في ضوء الاهتمام العالمي المتنامي. ومن جهة أخري تدعم المشروعات الجهود التي تقوم بها مصر لتصبح ممرًا لعبور الطاقة النظيفة، وكذلك الاستعدادات لاستضافة قمة المناخ خلال الشهر الحالي في مدينة شرم الشيخ.
الدولة المصرية ومستقبل الهيدروجين الأخضر
أثناء استعدادات مصر لاستضافة الدورة رقم 27 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أعلنت الحكومة إطلاق خطة وطنية للهيدروجين بقيمة تخطت 40 مليار دولار. واليوم 8 نوفمبر 2022 في ثالث أيام مؤتمر المناخ كوب 27، أعلن الرئيس السيسي إطلاق المرحلة الأولى لمشروع إنشاء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العين السخنة بقدرة 100 ميجاوات، وأعلن تدشين المنتدى العالمي للهيدروجين المتجدد، والتي تهدف إلى الحوار الدائم والمستمر بين المؤسسات والهيئات المعنية بهذه القضية والتجارة فيها
ومن المتوقع أن تصل تكلفة مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر، دون بنية تحتية إضافية نحو حوالي 20 مليار دولار. وتهدف مذكرات التفاهم التي وقعتها مصر خلال الفترة الماضية إلى إقامة العديد من المنشآت الخاصة بإنتاج الوقود الأخضر (الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء) لأغراض التصدير للخارج وخدمات تموين السفن.
توطين مشروعات الهيدروجين الأخضر والانعاكاسات المختلفة على الاقتصاد المصري
يُشكل الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر منخفض الكربون تحديًا ضروريًا وفرصة هائلة بهدف بناء مستقبل أفضل للعالم. إذ يمكن للهيدروجين سواء كان أزرق أو أخضر، أن يؤدي بالفعل دورًا حاسمًا في مسار إزالة الكربون. فيمكن الهيدروجين القطاعات الاقتصادية من خفض معدلات انبعاثات الكربون بشكل ملموس. وبالرغم من أن الهيدروجين ليس وليد اللحظة الراهنة، يمكننا القول إن هناك 3 عناصر أساسية تُشكل الأهتمام العالمي بهذا العنصر المهم:
- الهيدروجين نفسه من الممكن استخدامه كوقود أو بوصفه مادة خامًا بشكل مباشر؛ إذ إن عملية إحلال الكهرباء محل أنواع الوقود الأخرى تكمن في وجود بعض القطاعات صعبة (القطاع الصناعي) التخلص من البصمة الكربونية والتي لا يمكن الاعتماد فيها بالكامل على الكهرباء والاستغناء عن بعض أنواع الوقود، ومن هنا يمكن تقديم الهيدروجين بوصفه مصدرًا نظيفًا للوقود أو مادة خامًا.
- التوسع في عمليات إنتاج واستخدام الهيدروجين سيعمل على انتشار الطاقة المتجددة في الكثير من القطاعات، إذ إنه يوفر حلًا سريعًا لأزمة الطاقة النظيفة (عمليات الانقطاع). ويُسهم في التوسع بإنتاج الطاقة النظيفة مع استغلال الفائض وتعويضه في أوقات الانقطاعات المختلفة.
- تعزيز أمن الطاقة العالمي وذلك عن طريق تقديم الهيدروجين بصفته وافدًا جديدًا في منظومة الطاقة العالمية، مما يعني تنويع مزيج الطاقة بالإضافة إلى الوقود الأحفوري.
وبشكل عام، التنمية الاقتصادية في مصر تعتمد على قطاع الطاقة والذي يُشكل حوالي 13% من الناتج المحلى الإجمالي. أدركت الدولة المصرية الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه الهيدروجين في قطاع الطاقة المصري، وكذلك دوره الفعال في تحقيق الريادة العالمية للدولة من خلال كونها مركزًا إقليميًا للطاقة بكل أشكالها. وفي ضوء استراتيجية مصر للمضي قدمًا في تفعيل آليات وأدوات التنمية المستدامة والحفاظ على الرفاهية التي تحققت بفعل سنوات التنمية الاقتصادية السابقة. كانت مصر نموذجًا إفريقيًا في مجال التحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال تنفيذ العديد من المشاريع والتي من أهمها إنتاج الهيدروجين الأخضر.
ويحظى الهيدروجين الأخضر في مصر باهتمام كبير ومتزايد، خاصة مع توافر إمكانات الطاقة المتجددة، وفي الوقت الراهن أصبح فيه الاهتمام بالمشروعات الخضراء. وبالأخص إنتاج الهيدروجين الأخضر والذي له أهمية استراتيجية للدولة المصرية وذلك لمجموعة من الاعتبارات الرئيسة، والتي من أبرزها ما يلي:
- تأتي تلك المشروعات الخضراء في إطار التوجه العالمي وضمن مبادئ اتفاقية باريس بشأن مواجهة التغير المناخي والتي صدقت عليها الدولة المصرية. والتي تهدف إلى إزالة الكربون من جميع مراحل الصناعة المختلفة.
- تحقيق تنوع مصادر الطاقة لمصر وهو الاتجاه الذي بدأ مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر. وضمن استراتيجية الدولة والتي تعتمد حاليًا على مزيج الطاقة وذلك من خلال تنويع مصادر الطاقة ووجود معادلة متزنة من الطاقة لمصر لأول مرة.
- تدخل تلك المشروعات ضمن استراتيجية مصر للطاقة المتكاملة والمستدامة 2035، والتي تعكس التزام الدولة المصرية تجاه توفير قطاع طاقة نظيف ومستدام. وذلك من خلال تنويع مصادر الطاقة ومع إحلال تدريجي للطاقة المتجددة محل المصادر الأحفورية. حيث بلغت نسبة الطاقة البديلة ضمن مزيج الطاقة الكهربائية حوالي 20% في بداية العام الحالي. واستهداف نسبة حوالي 37% بحلول عام 2030 ومع انضمام طاقة الهيدروجين الأخضر لمزيج الطاقة المصري والعمل على الوصول إلى نسبة حوالي 42% وذلك بحلول عام 2035.
- المساهمة في الوصول إلى حالة الاستقرار في منظومة الطاقة الداخلية للدولة المصرية، وبالتالي الحفاظ على الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي من الاستنزاف الحاد.
- تعمل مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر على تعزيز الجهود المصرية نحو هدفها كمركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة في المنطقة.
- حماية الاقتصاد المصري من حالة التذبذب والتقلب في أسعار النفط العالمية، وذلك عن طريق سرعة ضم الهيدروجين الأخضر إلى مزيج الطاقة المصري واستخدامه في الصناعات المختلفة.
- ستسهم تلك المشروعات الخضراء في تزايد ونمو فرص وعائدات الصادرات المصرية وبالأخص إلى دول القارة الأوروبية. وذلك بسبب عزم العديد من دول العالم تطبيق الضريبة الكربونية على الواردات وغيرها من القيود التي تهدف لخفض معدلات الانبعاثات الكربونية.
- تسهم فرص إنتاج الهيدروجين الأخضر على تعزيز مكانة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بأن تكون مركزًا إقليميًا رائدًا في صناعات الهيدروجين الأخضر، وذلك تزامنًا مع التحول العالمي لاستخدامات الطاقة البديلة والنظيفة.
وهنا يجب الإشارة إلى تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة لعام 2021، والذي أشار إلى وصول معدل الإنتاج السنوي من الهيدروجين (عن طريق استخدام الغاز الطبيعي والفحم الأحفوري) إلى أكثر من حوالي 120 مليون طن. والجدير بالذكر أن هذه الطريقة تُمثل أكثر من حوالي 95% من إنتاج الهيدروجين عالميًا (وحوالي 1% من الهيدروجين النظيف)، ومن المتوقع أن يصل الإنتاج التقديري من الهيدروجين النظيف إلى حوالي 700 مليون طن بحلول عام 2050.
هل تمتلك مصر مقومات صناعة الهيدروجين
قد اجتذبت المشروعات الضخمة في مصر أنظار جميع دول ومستثمري العالم لنجاح قطاع الطاقة المصري، وتوافر العديد من المؤشرات والعوامل الإيجابية والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- الموقع الاستراتيجي.
- امتلاك قناة السويس والتي تشهد نحو حوالي أكثر من 12% من جميع الشحنات المنقولة بحرًا في العالم.
- البنية التحتية للغاز الطبيعي ومحطات الإسالة العملاقة والموانئ البحرية وغيرها.
- الإمكانات المرتفعة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مما أهلها لأن تحتل الترتيب الأول عربيًا في طاقتي الرياح والشمس.
- قربها من أسواق مثل الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط والتي قد تشهد طلبًا كبيرًا على الهيدروجين في السنوات القليلة المقبلة.
- امتلاك الدولة المصرية لاحتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي، مما يؤهلها لتحقق تقدمًا كبيرًا أيضًا في إنتاج الهيدروجين الأزرق، والذي يُعد مهمًا على المديين القصير والمتوسط لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
- توافر الموارد والبنية التحتية القوية، بالإضافة إلى عمليات التطوير والنهضة التي تشهدها حاليًا.
- تقديم الحوافز الضريبية وتسهيل الإجراءات، فمن خلال الحصول على تصريح واحد فقط، بإمكان المستثمر إنشاء مشروعات الهيدروجين الأخضر وتشغيلها وإدارتها.
المنطقة الاقتصادية لقناة السويس عاصمة الهيدروجين الأخضر فى العالم
تتمتع المنطقة الاقتصادية بأهمية بالغة في خطة مصر نحو حلم إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث تستهدف المنطقة توطين هذا النوع من الصناعات في مناطقها المتكاملة بالسخنة وشرق بورسعيد. ويجري الاستعداد حاليًا لإقامة المشروعات بالسخنة وذلك للأسباب التالية:
- جاهزيتها بصفتها منطقة صناعية.
- قربها لميناء السخنة أكبر موانئ البحر الأحمر، وما يشهده الميناء من أعمال تطوير ضخمة تؤهله لاستقطاب العديد من الاستثمارات وتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير.
- المنطقة الاقتصادية تضم 4 مناطق صناعية و6 موانئ محورية في خدمة التجارة العالمية بموقعها على البحرين المتوسط والأحمر. بالإضافة إلى بنية تحتية قوية واستثمارات متنوعة وحوالي16 قطاعًا صناعي وحوالي أكثر من 270 منشأة خدمية وصناعية.
- الحوافز الاستثمارية التي تقدمها المنطقة الاقتصادية لمستثمريها ضمن استراتيجية خلق الفرصة.
وبصفة خاصة، تستحوذ المنطقة الاقتصادية لقناة السويس على أكثر من حوالي 90% من مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر، وذلك من خلال العديد من المشروعات المعلنة في الأشهر الماضية. وذلك بسعة إجمالية محتملة نحو حوالي 11.6 جيجاوات. وذلك يعني إنتاجًا مصريًا متوقعًا بأكثر من 1.57 مليون طن من الهيدروجين الأخضر، وهو ما يضع مصر فى المراتب الأولي عالميًا. ولذلك تشهد تسارع وتيرة الاتفاقيات التي توقعها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في الفترة الماضية بهدف توطين صناعة الهيدروجين الأخضر في الدولة المصرية والتحول الأخضر.
ونظرًا إلى تلك المقومات السابقة، أخذت الدولة العديد من الخطوات الجادة من دراسات الجدوى ومذكرات التفاهم العديدة بين المؤسسات المصرية واللاعبين الدوليين الرائدين في سوق الهيدروجين والأمونيا. ولكن هناك العديد من الخطوات التي من الممكن أن تؤدي إلى تسريع تلك الخطط المصرية نحو توطين صناعة الهيدروجين ومنها:
- ضرورة الإنتهاء من الاستراتيجية الوطنية لإنتاج واستخدام الهيدروجين في مصر. ويجب أن تشتمل على الأسس والأهداف التي تحدد السياسات والأطر التنظيمية لتنفيذ مشروعات الهيدروجين الأخضر.
- القضاء على مخاطر مشروعات الهيدروجين الأخضر بما ينعكس على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتشجيع الصناعات الخضراء.
- ضرورة وضع الأطر القانونية والتشريعية بما يساعد تذليل العقبات تجاه الصناعة العالمية الجديدة وهي إنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر، وهنا يجب الإشارة إلى أن الهيدروجين يخضع حاليًا لقانون الغاز والذي يعمل على تنظيم نقل وتوزيع الغاز فقط وليس إنتاجه.
- ضرورة عقد شراكات دولية وإقليمية فيما يتعلق بالتكنولوجيا المستخدمة في مراحل عمليات الهيدروجين الأخضر المختلفة (أبحاث علمية ودراسات وإنتاج ونقل وتخزين) بهدف العمل على خفض التكلفة الإجمالية لصناعة الهيدروجين الأخضر.
- نظرًا للزخم العالمي حول الهيدروجين بصفة عامة والأخضر بصفة خاصة، تظهر ضرورة إنشاء مركز مصري بحثي متخصص حول تقنيات إنتاج الهيدروجين وتطبيقاته مثل خلايا الوقود، ودعم التكامل فيما بينها والاستفادة من الخبرات والتجارب التي قطعتها بعض الدول في هذا الشأن، بالإضافة إلى تعزيز الصناعة المحلية لمتطلبات الصناعة.
خلاصة القول، ما لا شك فيه إن صناعة الهيدروجين الأخضر في مصر تنتظر مستقبلًا واعدًا، بالنظر لما تمتلكه مصر من مقومات طبيعية وإمكانات بشرية قادرة على جعل مصر ضمن الصفوف الأولى لدول العالم في هذا المجال. مصر لديها شواطئ تمتد لأكثر من 3000 كيلو متر على البحرين الأحمر والمتوسط. وتتميز مصر بتوافر مصادر الطاقة المتجددة سواء الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح لتوافر الظروف المناخية وتوافر المساحات الشاسعة من الأراضي الصحراوية، وبقربها من أسواق الاستهلاك الرئيسة في أوروبا، بالإضافة إلى وجود الإرادة السياسية التي تولي هذا الملف اهتماما شديدًا ومستمرًا. كل هذه الجهود من شأنها تحويل مصر إلى ممر لعبور الطاقة النظيفة والخضراء إلى أوروبا والعالم، ولذلك تعمل الجهات المعنية أيضًا بدأب لتعظيم الاستفادة من الفرص المطروحة في ضوء رئاسة مصر للدورة رقم 27 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير لمؤتمر المناخ لجذب مزيد من التعاون والاستثمارات لمشروعات التحول الأخضر، لا سيما إنتاج الهيدروجين الأخضر.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة