الاقتصاد الدولي

الاقتصاد الأخضر.. المفهوم والتحديات وإلى أين وصلت الدولة المصرية في هذا الملف؟

ربما لن تجد كلمة أكثر انتشارًا في الوقت الحالي في عالم الاقتصاد من مصطلح وكلمة الاقتصاد الأخضر، والذي من المتوقع أن يسهم بأكثر من ١٢ تريليون دولار بحلول عام ٢٠٣٠، وذلك لأن الاتجاه العالمي المتنامي لإيجاد اقتصاد أكثر انسجامًا مع البيئة آخذ في التوسع واكتساب المزيد من الأنصار والمؤيدين. 

والاقتصاد الأخضر ليس مصطلحًا جديدًا؛ فهو ينمو جنبًا إلى جنب مع الحركة البيئية، طارحًا رؤية عادلة للحياة الاقتصادية؛ إذ إن عملية “خضرنة” الاقتصاد تحقق العديد من الفوائد فهي تساعد على تخفيف أوجه القلق إزاء توفير الأمن في مجال الطاقة والغذاء والمياه، وداعمًا قويًا لتحقيق التنمية المستدامة، وفرصة مناسبة لإعادة دراسة هياكل الإدارة الحالية وبحث ما إذا كانت تلك الهياكل تسمح للمجتمع بالتصدي للتحديات البيئية الحالية والمستقبلية، وكيفية الاستفادة من الفرص الناشئة.

وقد ظهر الاقتصاد الأخضر استجابة للعديد من الأزمات العالمية المتعددة، ويهدف بشكل عام إلى تحقيق تنمية اقتصادية عن طريق تنفيذ العديد من المشاريع الصديقة للبيئة، وباستخدام تكنولوجيات جديدة في مجالات الطاقات المتجددة والنظيفة، ويدعو إلى “خضرنة” القطاعات القائمة بالفعل، وتغيير أنماط الاستهلاك غير المستدامة، مما يعمل على خلق فرص عمل جديدة بهدف الحد من الفقر، إلى جانب خفض كثافة استخدام الطاقة واستهلاك الموارد وإنتاجها.

وفي هذا الاطار، تسعى جميع دول العالم إلى وضع تصور ومنظور واضح لإطلاق اقتصاد مبني على استراتيجية تهدف إلي الانتقال إلي اقتصاد أخضر، مع الأخذ في الحسبان أربعة محاور أساسية ومهمة، هي: أزمة الطاقة وارتفاع أسعار النفط والذي أصبحت مخزوناته مهددة بالنضوب بصفة عامة، والأزمات الاقتصادية وتوظيف الاستثمارات الخضراء كوسيلة للإنعاش الاقتصادي، وسياسات التخفيف من انبعاث الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، والقناعات القوية لمعظم الدول بضرورة وضع نموذج جديد للتنمية المستدامة والتي ترتكز على ضرورة تغيير سلوكيات المستهلك والنماذج التسويقية الحالية.

نشأة مصطلح الاقتصاد الأخضر وقمة البيئة البشرية

في عام ١٩٦٨ وأمام تزايد الأخطار البيئية وتفاقمها، وبناء على اقتراح المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر دولي حول البيئة الإنسانية، وقد عُقد هذا المؤتمر في مدينة ستوكهولم بالسويد في الفترة من ٥-١٦ يونيو عام ١٩٧٢؛ بهدف تحقيق رؤية ومبادئ مشتركة لإرشاد شعوب العالم إلى حفظ البيئة البشرية وتنميتها، وأيضًا لبحث السبل الممكنة لتشجيع المنظمات الدولية والحكومات للقيام بما يجب لحماية البيئة وسبل تحسينها، بحسب توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٦٨.

وقد نص المبدأ (21) من إعلان ستوكهولم على أن “للدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، حق سيادي في استثمار مواردها طبقًا لسياستها البيئية الخاصة، وهي تتحمل مسؤولية ضمان أن الأنشطة المضطلع بها داخل حدود ولايتها أو تحت رقابتها لا تضر بيئة دول أخرى أو بيئة مناطق تقع خارج حدود الولاية الوطنية”. وهذا المبدأ يعد من أهم مبادئ إعلان ستوكهولم؛ إذ أدى إلى التوافق بين مسألتين في غاية الأهمية: الأولى هي حرية الدولة في ممارسة ما تشاء من أنشطة استثمارية لمواردها في حدود سيادتها الإقليمية، والثانية هي ألا تتسبب هذه الحرية في الإضرار ببيئة الغير أو خارج الحدود السيادية للدولة مثل المواقع التي تشكل تراثًا مشتركًا للإنسانية جمعاء.

تعريف الاقتصاد الأخضر

مما لا شك فيه أن مفهوم الاقتصاد الأخضر قد شهد تطورًا كبيرًا خلال الـ٢٠ عامًا الماضية، فالمصطلح عند ظهوره لأول مرة لم يكن يعني بالنسبة لكثيرين على مستوى العالم سوى حماية الأشجار في الغابات لمنع قطعها وإزالتها، ولكن الآن من الواضح أن المفهوم أصبح أكثر اتساعًا وعمقًا لحماية البيئة الكونية.

للاقتصاد الأخضر العديد من التعريفات والمفاهيم:

  • يعرف برنامج الأمم المتحدة الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يؤدي إلى تحسين رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية، مع الحد بشكل كبير من المخاطر البيئية وندرة الموارد البيئية، ومع ذلك فإن الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر يتطلب ظروف تمكين محددة تتكون من اللوائح والسياسات والدعم والموارد والحوافز والهياكل القانونية والتجارية الدولية وبروتوكولات المعونة والتجارة.
  • مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، الذي عقد في ريو دي جانيرو، البرازيل، في منتصف ٢٠١٢، رأى أن الاقتصاد الأخضر طريق مهم يؤدي إلى تحقيق التنمية المستدامة، وقد انعكس ذلك في الوثيقة الختامية للمؤتمر.
  • ركز بوب في معرفته بالاقتصاد الأخضر على الدور المهم للتعليم الجامعي في تحقيق هذا النموذج المحدد، إذ عرفه بأنه نموذج اقتصادي جديد يتطلب إعداد جميع المهن، والتركيز على السلع والخدمات التي سنحتاجها إلى مزيد من التغييرات المحددة لتحسين كفاءة الطاقة وتقليل استخدام الموارد، وللتعليم الجامعي دور مهم في الحفاظ على هذا النموذج.
  • والاقتصاد الأخضر من منظور تشابل هو توفير الطاقة النظيفة وتحسين جودة البيئة من خلال تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتقليل التأثير البيئي وتحسين استخدام الموارد الطبيعية، تضم عدة قطاعات اقتصادية ولا يقتصر الأمر على القدرة على توليد طاقة نظيفة فحسب، بل يشمل أيضًا التقنيات التي تمكن من عمليات الإنتاج الأنظف.

وبصفة عامة ينطوي مفهوم الاقتصاد الأخضر على عمليات فصل استخدام الموارد والتأثيرات البيئية عن النمو الاقتصادي، ويتميز بزيادة واضحة وضخمة في حجم الاستثمارات في القطاعات الخضراء، مدعومة بمساحة أكبر من التمكين والإصلاحات على مستوى السياسات، ومثل هذه الاستثمارات العامة. ويوفر القطاع الخاص الآلية اللازمة لإعادة تشكيل خصائص الأعمال والبنية التحتية والمؤسسات، ويعمل على تمهيد الطرق لاعتماد عمليات الاستهلاك والإنتاج المستدامة، مع العمل على زيادة حصة القطاعات الخضراء في الاقتصاد مع زيادة عدد الوظائف الخضراء واللائقة.

القطاعات الحيوية في عمليات التحول إلى الاقتصاد الأخضر:

أهم القطاعات التي من شأنها أن تسهم في عمليات التحول إلى الاقتصاد الأخضر طبقًا لمخرجات قمة ريو دي جانيرو عام ١٩٩٢ هي:

عمليات إدارة المخلفات والتي تشمل إعادة تدوير المخلفات واستخدامها في مختلف المجالات ومعالجة المخلفات السامة الملوثة للبيئة.

الطاقة المتجددة والتي تشمل إنتاج الطاقة من مصادر متجددة وغير تقليدية وصديقة للبيئة مثل عمليات إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والشلالات، والوقود الحيوي والطاقة الجوفية وغيرها.

إدارة المياه عن طريق إعادة استخدام المياه، ومن خلال معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها في الزراعة وجمع مياه الأمطار والسيول.

إدارة الأراضي، وذلك من خلال عمليات التوسع في الزراعة العضوية وإعادة التحريج والاهتمام بالمراعي الطبيعية والغابات.

السياحة، وذلك عن طريق التوسع في إنشاء المجمعات السياحية، وتكاثر المساحات الخضراء والمسطحات المائية مما يلين الجو.

وسائل النقل الحالية، وهذا يتطلب إنشاء وسائل نقل صديقة للبيئة مثل السيارات التي تعمل بالكهرباء جزئيًا وتوسيع وسائل النقل العام.

المباني الخضراء، وهذا يعني التوسع في البناء بمواد صديقة للبيئة، بالإضافة إلى تخضير الصناعات القائمة.

الهدف من وراء تبني الاقتصاد الأخضر

مناخنا يتغير، وتأثير ذلك على كوكبنا وحياتنا وسبل عيشنا عميق، ولكن بينما يُنظر إلى البشر غالبًا على أنهم سبب المشكلة، فإننا نعتقد أن سلوكنا يجب أن يُنظر إليه أيضًا على أنه مفتاح للتعامل مع العواقب السلبية للاحتباس الحراري؛ والاقتصاد الأخضر منهجية واضحة تدعم عملية التفاعل المتناغم والمتناسق بين الطبيعة والبشر، وتهدف هذه المنهجية إلى محاولة تلبية كافة الاحتياجات المختلفة لهما في وقت واحد.

ويهدف هذا النهج كذلك إلى زيادة النمو الاقتصادي، والعمل على زيادة المسؤولية البيئية بأسلوب يدعم التقدم والرخاء والتنمية الاجتماعية. وبصفة عامة يؤكد خبراء الاقتصاد الأخضر أن أساس جميع القرارات الاقتصادية يجب أن يكون مرتبطًا بطريقة ما بالنظام البيئي، ومن ثم فإن رأس المال والخدمات البيئية لها قيمة اقتصادية.

ومن أهداف الاقتصاد الأخضر:

  • استدامة الإنتاج، والإنتاج بكفاءة، وتحقيق التنمية المستدامة.
  • التخلص من الفقر.
  • تسريع التحول الاقتصادي.
  • النمو الوظيفي.

استراتيجية النمو الأخضر ومتطلبات التحول الأخضر

عمليات الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر تتطلب العديد من الافتراضات الضرورية، والتي تهدف إلى تسهيل العبور إلى الاقتصاد الأخضر ومنها:

  • تبني منظور البعد الاجتماعي من خلال وجود رؤية عالمية واضحة ومحددة المعالم للعمل من أجل خلق وظائف جيدة (ظروف العمل، تطور المسارات الوظيفية، مستوى الأجور، إلخ).
  • ضمان اندماج الشركاء الاجتماعيين على جميع المستويات.
  • ضرورة عدم إهمال الأنشطة غير الخضراء، وضمان الاتساق العام بين الوظائف؛ بمعنى وضوح واستقرار المشاريع المختلفة والقرارات الاستراتيجية.
  • ضرورة خلق وتهيئة الظروف المواتية في سياق اللوائح والسياسات الداخلية مع توفير عناصر الدعم المادي والحوافز والهياكل القانونية والتجارية الدولية وبروتوكولات المعونة والتجارة.
  • ضرورة التأكد من أن المؤسسات تتقن التكنولوجيا ولديها المهارات اللازمة، مع ضرورة اكتساب مهارات جديدة من أجل الحصول على نظام للتعليم المستمر.

مبادئ الاقتصاد الأخضر

استنادًا إلى تقرير بعنوان المبادئ والأولويات والمسارات للاقتصادات الخضراء الشاملة، والذي تم إطلاقه في يوليو ٢٠١٩ في منتدى الأمم المتحدة رفيع المستوى حول التنمية المستدامة في نيويورك، فإن هناك خمسة مبادئ أساسية للاقتصاد الأخضر:

  • مبدأ الحوكمة الرشيدة.
  • مبدأ حدود الكوكب.
  • مبدأ الكفاءة والكفاية.
  • مبدأ العدالة.
  • مبدأ الرفاهية.

انتقادات للاقتصاد الأخضر

مع العمل على تحقيق الأهداف الطموحة للاقتصاد الأخضر، يتعين على الشركات أن تظل قادرة على المنافسة دوليًا وهي ليست مهمة سهلة، ومن الطبيعي أن تكون هناك أصوات تعارض فكرة الاقتصاد الأخضر، فالنقاد يعبرون عن شكوكهم في إمكانية إدارة شركة مع احترام البيئة والمناخ والناس دون التضحية بالنمو.

مما لا شك فيه أن قضية بهذا التعقيد والاشتباك ولها العديد من العواقب بعيدة المدى تكون شاقة ويصعب تتبعها بكل سهولة، ولكن الحقيقة المؤكدة هي أنه يجب السير في الطريق، وحتى لو كانت الخطوات الأولية إلى الأمام بطيئة.

إلا أنه يوجد بعض التحديات التي تواجه الدول في مرحلة تحولها إلى الاقتصاد الأخضر والاعتماد على الطاقة النظيفة الخضراء، وتتمثل التحديات في الآتي:

  • عدم التخطيط الجيد والمحكم في مجال السياسات التنموية.
  • افتقار بعض المناطق إلى الخدمات الصحية والمياه النظيفة، ونقص كفاءة استخدام المياه العذبة ومصادر الطاقة.
  • الخلل في تقسيم الوظائف، مع وجود عدد زائد من الموظفين عن حاجة العمل في بعض المصالح ونقض الموارد البشرية في مصالح أخرى، ما يؤدي إلى تفشي البطالة.
  • انتشار الفقر بمعدلات قد تكون مقلقة في بعض الدول.
  • التحول نحو الاقتصاد الأخضر قد يرغم الدول على التخلي عن أنشطة اقتصادية مرتفعة العائد لكنها تضر بالبيئة.
  • ارتفاع تكلفة التدهور البيئي في بعض الدول.

وفي الوقت ذاته، تعكس الأرقام الواضحة والمقلقة بشأن معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وانقراض الكائنات الحية والجوع في العالم الضرورة الملحة إلى حدوث تغيير جوهري، ويجب ألا يكون التركيز فقط على مكاسب بعض الدول، فالتوازن الصحي مطلوب وضروري الآن، ومن الواضح أنه فيما يتعلق بتغير المناخ وتضاؤل ​​الموارد من جهة، وتزايد عدد سكان العالم والزيادة المرتبطة به في الاستهلاك من جهة أخرى، لا يمكننا المضي في العمل كما فعلنا في السابق، ولا يمكننا الاحتفاظ بممارسة الأعمال التجارية والاقتصادية كالمعتاد وبنفس النهج.

وتطرح التطورات التي يشهدها العالم حاليًا تحديات هائلة على الاقتصاد العالمي، من آثار التغير المناخي، والزيادة الكبيرة في عدد سكان العالم مع التضاؤل الكبير في ​​الموارد، إلى جانب المنافسة المتزايدة المحيطة بها، كل هذ العوامل لها تأثير كبير وواضح على نجاح الأعمال لكل شركة على حدة. وأصبحت فرص الاستدامة وحماية البيئة والتوافق الاجتماعي ذات أهمية متزايدة للمستهلكين، مما يفرض طلبات على الشركات والمنتجات وظروف الإنتاج. لذلك، لا يعني التحول إلى الاقتصاد الأخضر التحسين التكنولوجي فحسب، بل يجب أن يُفهم أيضًا وبشكل أشمل على أنه عملية بعيدة المدى تهدف إلى تحول نحو الاستدامة والعدالة الاجتماعية.

الموقف العالمي من الاقتصاد الأخضر

يقدر حجم الاقتصاد العالمي الآن بما يعادل خمسة أضعاف ما كان عليه قبل نصف قرن، وأدى هذا النمو السريع والمتنامي إلى تحقيق الكثير من الفوائد للإنسانية والتي من أبرزها ارتفاع مستويات المعيشة للكثير من سكان الأرض، ولكن تلك الفوائد لا تقدم بالتساوي، وذلك لأن خمس سكان الكوكب يحصلون على ٢٪ فقط من الدخل العالمي.

وانعكست الزيادة الهائلة فى نطاق النشاط الاقتصادي العالمي وحجمه وسرعته على البيئة مسببًا أضرارًا بيئية غير مسبوقة، فإن ما نحو ٦٠٪ من النظم البيئية العالمية تشهد تدهورًا ملحوظًا، إضافة إلى مخاوف عديدة بأن الكثير من الموارد الرئيسة الموجودة حاليًا قد لا تكون متاحة في العقود المقبلة، وذلك نتيجة الاستهلاك الشديد في الوقت الحالي لتلك الموارد.

ومع المحنة العالمية والتي مر بها الاقتصاد العالمي بداية من عام ٢٠٢٠ وهي وباء كورونا وانتشاره عالميًا، فإن العديد من الخبراء يعتقدون أن الوقت قد حان لأن يتبوأ الاقتصاد الأخضر مكانة أكثر بروزًا في قيادة قطار الاقتصاد العالمي، مع ضرورة وضع الخطط المتكاملة والمترابطة دوليًا لدفع وزيادة حجم الاستثمارات في التحول إلى الاقتصاد الأخضر والعمل على تسهيل هذا التحول، مع ضرورة تعزيز الاستثمارات في الشركات والقطاعات التي تعمل بنشاط على دعم المسؤوليات البيئية.

بالرغم من سهولة الحصول على بيانات اقتصادية دقيقة وواضحة عن حجم الاقتصاد الأخضر في العديد من دول العالم، إلا Hن تحليل البيانات المتاحة والمنشورة عالميًا يشير إلى أنه يبلغ حاليًا حوالي ٨ تريليونات دولار، ومن المتوقع وصوله إلى حوالي ١٢ تريليون دولار بحلول عام ٢٠٣٠، مع إمكانية توفير العديد من فرص العمل والتي ترتبط بالاقتصاد الأخضر لنحو أكثر من ٣٨٠ مليون شخص.

وكشف تحليل تم نشره عام ٢٠١٩ أن حوالي ٢٧٪ من الإيرادات التي حققتها أكبر ٥٠٠ شركة أمريكية و٣١٪ من الإيرادات التي حققتها أكبر ١٢٠٠ شركة عالمية تأتي من الاقتصاد الأخضر. وعلى الصعيد العالمي، هناك أكثر من ٣٠٠٠ شركة عالمية لديها ارتباط وثيق بالاقتصاد الأخضر، وتمثل حصة الإيرادات الخاصة بتلك الشركات من السلع والخدمات الخضراء قيمة سوقية تتعدى ٤ تريليون دولار أو ما يعادل نحو ٦٪ من الاقتصاد العالمي.

والتقديرات المتاحة تشير إلى أن قطاع الاقتصاد الأخضر نما بقوة وسرعة كبيرة بين عامي ٢٠٠٩-٢٠١٩ بمعدل نمو سنوي حوالي ٨٪، متجاوزًا الارتفاع في إجمالي الناتج المحلي العالمي الذي ارتفع خلال تلك الفترة بمعدل ٢٬٦٪، ونجد الولايات المتحدة الأمريكية والتي تمتلك أكبر اقتصاد في العالم، تمثل أكبر نسبة منفردة من الاقتصاد الأخضر العالمي تبلغ ٣٧٪، وهي نسبة تعد أكبر بكثير من حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي والتي تبلغ حوالي ٢٤٪.

وتشير تلك البيانات المؤكدة إلى أهمية التحول الأخضر والاستجابة المتزايدة للمستثمرين الأمريكيين، وزيادة شهية المستهلكين لمنتجات الشركات التي تبني نهجها الإنتاجي والاستثماري على الاقتصاد الأخضر، إضافة إلى ذلك توجه الشركات الأمريكية لإمكانات نمو الاقتصاد الأخضر خارج حدود الولايات المتحدة.

الموقف العربي من التحول إلى الاقتصاد الأخضر

بدأت دول العالم في التوجه إلى ما يعرف الاقتصاد الأخضر كاستراتيجية جديدة لتقليل المخاطر البيئية المرتبطة بالاقتصاد، إذ يعمل الاقتصاد الأخضر على تحقيق التنمية المستدامة دون أن تؤدي تلك التنمية إلى حالة من التدهور البيئي. واهتم العديد من الدول العربية بهذا المفهوم الجديد من مفاهيم الاقتصاد الهادفة إلى التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها، وظهر ذلك في إطلاق الكثير من المصطلحات التي تتبلور حول هذا المعني، مثل الاستثمارات الخضراء والوظائف الخضراء وغيرها من المعاني والتي صارت تعبر عن الاهتمام المتزايد من القطاع الحكومي والخاص بالأخضر أو الطبيعة، فقد ظهر النشاط في مجالات كثيرة مثل إعادة معالجة المياه واستخدامها في الزراعة، واستخدام مصادر المياه والطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، وهذا بجانب العمل ضمن منظومات متكاملة لمعالجة النفايات الصلبة.

ويعد الاقتصاد الأخضر بمثابة طوق النجاة لجميع دول العالم من أجل التصدي للتحديات الكبيرة التي تواجه مجال البيئة العالمي، ومن هذا المنطلق تولي مصر الاقتصاد الأخضر أهمية كبرى، من خلال تنفيذ مئات المشروعات في هذا المجال، وبدأت في التوجه نحو الاهتمام بهذا النوع من الاقتصاد كأحد السبل المهمة والرئيسة في خطط التنمية الشاملة التي تجري على أرض الوطن، وذلك من خلال تنفيذ العديد من المشروعات التي تتناسب مع الأولويات الاقتصادية والبيئية للدولة.

وأولت الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بحماية البيئة ومواردها الطبيعية وتخفيف الضغوط عليها، لأن حماية البيئة والموارد الطبيعية أصبحت بمثابة حماية للحياة على سطح الأرض، وذلك لتأمين حق الأجيال القادمة فى تلك الموارد لجنى ثمار التنمية، وأيضًا من أجل الحفاظ على الصحة العامة. وفى إطار الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية من آثار المخالفات البيئية التي تؤدى إلى الاضرار بالموارد الطبيعية، تبذل الدولة جهودًا كبيرة للتصدي لتلك المخالفات، لتحقيق الهدف القومي الذي تسعى لتحقيقه وهو التنمية المستدامة، ويعد الاقتصاد الأخضر أحد أهم آليات تحقيق التنمية المستدامة، إذ يمكن أن ينطوي على فرص عديدة ومتنوعة، منها إيجاد فرص عمل والإسهام بشكل كبير في الحد من الفقر، وتشجيع الابتكار، وإنشاء أسواق جديدة.

خطوات مصر الجادة نحو “خضرنة” اقتصادها:

تواصل مصر سعيها إلى فتح آفاق جديدة لمشروعات الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة والنظيفة، وتستهدف رفع حصتها من الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى ١٠ آلاف ميجاوات بحلول العام المقبل، وتملك مصر إمكانات هائلة وكبيرة في مجال الطاقة الصديقة للبيئة، بالإضافة إلى موقعها المتميز بين الأسواق العالمية ومنها الآسيوية والأفريقية والأوروبية، وتواصل تعزيز خطط الاقتصاد الأخضر قبيل استقبالها لقمّة المناخ كوب ٢٧ على أراضيها.

وتتخذ مصر كذلك خطوات لدعم استثمارات انتقال الطاقة، بجانب التوسع في المشروعات الخضراء مع شركات عالمية، من خلال استراتيجية مصر والتي تهدف إلى الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر في صميمها على العديد من مبادئ الاقتصاد الأخضر وأهدافه، وتهدف الاستراتيجية العامة إلى توسيع مدى الأهداف المحددة لقطاعات معينة، ومنها على سبيل المثال قطاع الطاقة:

  • عززت استثمارات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في مصر من دعم تنوع مزيج الطاقة في القاهرة، والتزم بتمويل سعة قدرها ١٬٦ جيجاوات إضافية للطاقة المتجددة المركبة، ما ينعكس على خفض الانبعاثات بمقدار ٨ آلاف و٣٠٣ كيلو طن.
  • أصدرت مصر في سبتمبر٢٠٢٠ أول سندات خضراء بقيمة بلغت ٧٥٠ مليون دولار لتمويل مشروعاته، ليكون لها سبق في التحول إلى الاقتصاد الأخضر، واعتبرتها مؤسسة ستاندر آند بورز العالمية واحدة من بين ٣ إصدارات للسندات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
  • أكدت وزارة التخطيط أن ما جرى إنجازه حتى الآن في مشروعات الاقتصاد الأخضر يقدر بنحو أكثر من ٣٠٪ وتستهدف وصوله إلى نحو يتعدى ٥٠٪ خلال الثلاث سنوات القادمة.
  • جرى إدراج نحو ٦٩١ مشروعًا تقدر تكلفتهم الاجمالية حوالي ٤٤٧٬٣ مليار جنيه، ووفق تصريحات وزارة التخطيط فإن ١٥٪ منها مشروعات خضراء، وتستهدف الدولة الوصول بتلك النسبة لنحو أكثر من ٥٠٪ في عام ٢٠٢٤.
  • في إطار مواكبة التوجه العالمي والتكنولوجي في مجال صناعة السيارات الكهربائية، تسعى مصر نحو التحول إلى مركـز إقليمي لتلك الصناعة على مسـتوى إفريقيا والشرق الأوسط.
  • ويقدر عدد المركبات الكهربائية خلال عام ٢٠٢٠ بحوالي أكثر من ٦٠ أتوبيسًا وأكثر من ٢٠٠ سيارة، فيما بلغ عدد محطات الشحن للسيارات الكهربائية حوالي أكثر من ١٥٠ محطة شحن (بطيء وسريع) وفى طريقها للتوسع في إنشاء المحطات مع التنوع الجغرافي لها.
  • مصر لديها فرص متنوعة للقطاع الخاص، ولا سيما فى مجال الزراعة وتوافر العمالة، وبالتالي هناك خطوات فيما يتعلق بالمناخ والتعامل مع الأسمدة والمخلفات الزراعية، خاصة أن القطاع الزراعي يساهم بأكثر من ٣٣٪ من الاقتصاد.
  • تستهدف الدولة المصرية في سعيها في التوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة والنظيفة على نطاق واسع، بحيث تقدر نسبة اعتمادها بحوالي ٢٠٪ من مزيج الطاقة الكهربائية، وتهدف إلى الوصول لنسبة ٤٢٪ بحلول عام ٢٠٣٥، بناءً على الاهتمام بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
  • وفى مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، عقدت الحكومة اتفاقية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر بكميات تتراوح بين ٥٠-١٠٠ ميجاوات، كمادة وسيطة لإنتاج الأمونيا الخضراء، وبالشراكة بين كل من صندوق مصر السيادي، وشركة سكاتك النرويجية للطاقة المتجددة، وشركة فيرتيجلوب المملوكة لشركتي أوراسكوم الهولندية، وأدنوك الإماراتية.
  • تعمل وزارة البيئة على توفير دعم تدريجي من الدولة للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية، وتوفير منتجات صديقة للبيئة.
  • قررت الحكومة أن تكون ٥٠٪ من معايير الخطة للدولة تتوافق مع المعايير البيئية، وذلك لدمج البعد البيئي في مشروعات الوزارات الأخرى، حتى تصل ٥٠٪ من مشروعات الوزارات المختلفة لمشروعات خضراء خلال الفترة المقبلة.

كيف تمول مصر برنامج الاقتصاد الأخضر:

جرى طرح آلية محددة لتمويل المشروعات الخضراء وللمرة الأولى منذ أكثر من ٢٠ عامًا وتمثلت في برنامج Egypt GEFF والذي يهدف إلى تحسين أداء الطاقة المتجددة وكذلك كفاءة الطاقة بشكل عام. ويهدف البرنامج إلى دعم الدولة المصرية في تحولها نحو الاقتصاد الأخضر بتمويل يقدر بنحو ١٤٠ مليون يورو، وهو مشروع قائم بالشراكة مع عدد من البنوك المحلية، وجرى كذلك تطوير البرنامج من خلال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بالتعاون مع بنك الاستثمار الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية. 

خلاصة القول، إن عملية التحول من الاقتصاد البني إلى الاقتصاد الأخضر ليست مستحيلة، ولكن ليست بالسرعة التي يعتقدها البعض، وربما الإنجاز الرئيس والمهم الذي تحقق في هذا المجال الحيوي هو أن العالم نجح بالفعل في وضع أسس البنية التحتية التي ستمهد الطريق مستقبلًا نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر ونشر ثقافة التحول الأخضر. فالاقتصاد الأخضر هو بمثابة طوق النجاه للدول لمواجهة التحديات البيئية المزايدة، والحفاظ على الرفاهية التي تحققت بفعل سنوات التنمية الاقتصادية الماضية، وكانت مصر نموذجًا أفريقيًا في مجال التحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال العديد من المشروعات الكبيرة خلال السنوات الماضية، ولازال الكثير ينتظرها خلال السنوات المقبلة، وما زالت الجهود تتوالى نحو النهوض بمفهوم وتنفيذ الاقتصاد الأخضر على أرض الواقع، حتى تتمكن كل دولة من تحقيق خطة التنمية المستهدفة لها من خلال استغلال الطاقات المتجددة على أراضيها والحد من المخاطر التي كادت تكون سببًا في دمار الكوكب.

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى