أسواق وقضايا الطاقة

بايدن يشن حربًا على أسعار النفط

سيظل النفط أداة استراتيجية مؤثرة في السياسات والمصالح الدولية، مع صعوبة إيجاد البدائل للطاقة بالكميات المطلوبة وبالأسعار الملائمة. وتتحرك جميع الدول المستهلكة للنفط بخطى متسارعة لإنشاء منشآت لتخزين النفط في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من آسيا، في إطار مساعيها لإرواء عطشها من النفط، مع تزايد دورها الاقتصادي. ولا يشكل المخزون الاستراتيجي تأثيرًا مباشرًا على حركة الأسعار على المدى القصير، كما هو الحال بالنسبة للمخزون التجاري الذي يؤثر في الأسعار من خلال بنائه فوق مستوى معين أو انخفاضه.

وتقوم القوى العظمى في العالم بتخزين كميات هائلة من النفط الخام في باطن الأرض أو في حاويات، لكن لماذا لا يمكننا استخدام تلك الكميات الكبيرة من النفط؟، شيء ما مهم ومتوافر أخفي بهدوء على طول ساحل الخليج الأمريكي، وعلى امتداد أربعة مواقع مؤمنة في أماكن غير لافتة للانتباه، هناك نحو ٧٠٠ مليون برميل من النفط مدفونة تحت الأرض.

ويكمن الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي الضخم من النفط في ٦٠ كهفًا صخريًا هائلًا حُفرت تحت سطح الأرض، جرى السحب من الاحتياطي أو المخزون الاستراتيجي العديد من المرات، البعض بالتنسيق مع دول أخرى، والبعض الآخر كان خاصًا بالولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ماذا يخبرنا التاريخ عن السحوبات من مخزون النفط الاستراتيجي الأمريكي وما آثار ذلك على أسعار النفط العالمية؟

فكرة إنشاء المخزون الاحتياطي الأمريكي من النفط

يرجع إنشاء أول مخزون نفط خام احتياطي للطوارئ في الولايات المتحدة الأمريكية إلى عام ١۹٧٥، عندما وقع الرئيس الأمريكي الراحل جيرالد فورد قانونًا بذلك، بعد أن أصيبت البلاد بصدمة كبيرة بسبب حظر نفطي قبل بضع سنوات، وبالتحديد في حرب أكتوبر عام ١۹٧٣ وهي الصدمة النفطية الأولى، وفي هذا التوقيت كانت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تسيطر على إمدادات العالم من النفط الخام.

واليوم تعد الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من بين أكبر المنتجين في العالم، ومصدرًا رئيسًا، ليس مجرد مستورد للنفط، ولا تزال تحتفظ الولايات المتحدة بمخزونها النفطي، إذ يحتوي احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي على أكثر من٧٠٠ مليون برميل، مما يجعله أكبر مخزون احتياطي للنفط في العالم.

الفارق بين الاحتياطي الاستراتيجي والتجاري

المخزون الاستراتيجي من المفردات التي يكثر استعمالها عند الحديث عن الطاقة وأسواقها، ومع ذلك يبقى معناه ضبابيًا في أذهان الكثيرين من غير المختصين، حتى إن البعض يخلط بينه وبين المخزون التجاري أو الاحتياطي بمعناه العام.

يتميز الاحتياطي الاستراتيجي عن الاحتياطي التجاري من النفط الخام بأنه احتياطي تم تمويله بأموال الحكومة الأمريكية، لذا فهي تستطيع التصرف فيه، على الرغم من أن هذا الاحتياطي تمت الموافقة على تكوينه من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بعد فرض الحظر النفطي العربي في عام ١۹٧٣، ليس من بين الشروط المبدئية لتكوين هذا الاحتياطي استخدامه في التأثير على الأسعار، بل فقط استخدامه في الحالات الطارئة، مثل حدوث ظواهر جوية كالأعاصير تؤثر على إنتاج النفط، أو في حالة حدوث انقطاع في الإمدادات النفطية من الدول المنتجة لأي أسباب طارئة غير اعتيادية.

وبخلاف الولايات المتحدة الأمريكية يتعين على الدول الأخرى الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية، وعددها ٢۹ دولة من بينها بريطانيا وألمانيا واليابان وأستراليا، الاحتفاظ باحتياطيات من النفط للطوارئ تغطي صافي الواردات لفترة ۹٠ يومًا. وتملك اليابان أكبر الاحتياطيات بعد الصين والولايات المتحدة.

والصين عضو منتسب بوكالة الطاقة الدولية، وهي ثاني أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم، وقد كونت احتياطيها النفطي الاستراتيجي قبل ١٥ عامًا، وأجرت أول مزاد لبيع كميات من الاحتياطي في سبتمبر 2021. وتحتفظ الهند، العضو المنتسب أيضًا بوكالة الطاقة الدولية، وثالث أكبر الدول المستوردة والمستهلكة للنفط، باحتياطي استراتيجي؛ وطبقًا للمعلومات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية فإن إجمالي الاحتياطيات لدى حكومات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تجاوز 1,5 مليار برميل، ويفي ذلك بالطلب العالمي لفترة ١٥ يومًا تقريبًا.

ويمكن لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية تنسيق السحب من الاحتياطي الاستراتيجي مع خطوات مماثلة من الدول الأخرى الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية في آن واحد، أما مشاركة الصين والهند في السحب من الاحتياطي فستكون المرة الأولى من نوعها التي تنسق فيها الولايات المتحدة عملية السحب بمشاركة هاتين الدولتين.

مما يتكون الاحتياطي الأمريكي؟

يتكون الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي من أربعة مواقع على طول سواحل خليج تكساس ولويزيانا التي تحوي كهوف تخزين عميقة تحت الأرض، يبلغ عمقها ما بين ٢٠٠٠ و٤٠٠٠ قدم تحت سطح الأرض. وبلغت كمية النفط الأكبر التي احتفظت بها الولايات المتحدة من الاحتياطي الاستراتيجي على الإطلاق، ٧٢٧ مليون برميل وذلك في عام ٢٠٠۹.

C:\Users\agawad\Desktop\امريكيا.jpg

ولقرب موقعه من مراكز تكرير النفط والبتروكيماويات الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن ضخ ما يصل إلى 4,4 مليون برميل يوميًا من الاحتياطي الاستراتيجي. وتشير وزارة الطاقة إلى إن وصول النفط للسوق الأمريكية يمكن أن يستغرق ١٣ يومًا فحسب من صدور قرار رئاسي.

وعادة ما تُجري وزارة الطاقة مزادًا عبر الإنترنت تتقدم فيه شركات الطاقة بعروض لشراء النفط. وبمقتضى ترتيب مبادلة، يمكن لشركات النفط تسلم النفط الخام لكنها تكون مطالبة برده بالإضافة إلى فائدة، وقد أصدر رؤساء أمريكيون تفويضًا بطرح مبيعات للطوارئ من الاحتياطي الاستراتيجي ثلاث مرات، كان أحدثها عام ٢٠١١، خلال الصراع الذي تفجر في ليبيا، العضو في منظمة أوبك، وسبق ذلك طرح كميات خلال حرب الخليج عام ١۹۹١، وبعد إعصار كاترينا عام ٢٠٠٥، وحدثت مبادلات كثيرة، كان آخرها في سبتمبر بعد إعصار أيدا.

متى تم اللجوء إلى استخدام الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي؟

جرى السحب من المخزون الاستراتيجي من النفط الأمريكي مرات عديدة تاريخيًا منذ السبعينات وحتى الآن، من بينها 4 مرات طارئة بموجب أمر رئاسي، بما في ذلك القرار الصادر في عام 2021.

  • القرار الأول وذلك في يناير عام ١۹۹١، حيث اندلعت الحرب في الخليج العربي، انضمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى حلفائها لضمان كفاية إمدادات النفط العالمية، وتم الإعلان عن بيع طارئ للنفط الخام من احتياطي النفط الاستراتيجي في نفس اليوم الذي اندلعت فيه الحرب، وهو ما جاء في إطار جهود دولية لتقليل اضطرابات سوق النفط العالمية.
  • القرار الثاني وذلك في سبتمبر ٢٠٠٥، أعقاب وقوع إعصار كاترينا، والذي تسبب في إلحاق الضرر بمنشآت النفط وعمليات إنتاجه وتوزيعه وصناعة التكرير في منطقي لويزيانا وميسيسبي، وهو ما جاء بموجب قرار من الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، واستلمت أول الطلبات لقروض النفط الطارئة حينذاك من مصافي التكرير، وجرت الموافقة عليها في غضون ٢٤ ساعة من وصول إعصار كاترينا إلى اليابسة، و جاءت تلك الخطوة جزءًا من استجابة طوارئ منسقة مع وكالة الطاقة الدولية لإتاحة ٦٠ مليون برميل من النفط الخام والمنتجات المكررة.
  • القرار الثالث وذلك في يونيو ٢٠١١، عندما أعلنت الولايات المتحدة وشركاؤها في وكالة الطاقة الدولية تحرير ٦٠ مليون برميل، استجابةً لانقطاع إمدادات النفط الخام في ليبيا ودول أخرى، وبموجب هذا القرار الذي أصدره الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، كان الالتزام الأمريكي يقدر بحوالي ٣٠ مليون برميل من النفط، وبحلول أغسطس من نفس العام ٢٠١١، جرى تسليم ٣٠٬٦ مليون برميل من النفط.
  • القرار الرابع وذلك في نوفمبر ٢٠٢١، عندما أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن قرارًا بتحرير ٥٠ مليون برميل من مخزون النفط الاستراتيجي مع الصعود الحاد في أسعار النفط، على أن تحدث هذه العملية على مرحلتين:

المرحلة الأولى تشمل بيع ما يصل لنحو ٣٢ مليون برميل في هيئة قروض تستردها وزارة الطاقة في غضون ٣ أعوام مع فائدة عينية أو كمية إضافية من النفط الخام بالإضافة لكمية النفط المقترضة.

المرحلة الثانية من المخطط أن تشهد بيع حوالي ١٨ مليون برميل أخرى من النفط الخام، وفق تفويض من الكونجرس الأمريكي.

وتجدر الإشارة إلى أن عملية السحب من مخزون النفط الاستراتيجي من الممكن أن تحدث عن طريق القروض، وهي عملية تشهد رد الكمية المستلمة من النفط وكمية إضافية بصفة فائدة، أو عن طريق البيع المباشر.

وفي بعض الحالات، من الممكن أن تتم عمليات السحب من احتياطي النفط الاستراتيجي بهدف تحديث النفط أو تخفيض العجز في الموازنة، مثلما حدث في كل من أبريل وأكتوبر من عام ١۹۹٦، ويجرى الإفراج عن كميات النفط من الاحتياطي الاستراتيجي لأغراض أخرى، غير الطوارئ، إما عن طريق التبادل، كما كانت الحال في وقت سابق من هذا العام، عند مواجهة تداعيات إعصار آيدا.

وهناك حالات أخرى في السنوات الماضية، شهدت السحب من الاحتياطي الاستراتيجي عبر عملية التبادل، أغلبها تكون في أعقاب الأعاصير التي تضرب خليج المكسيك، مثلما الحال في أكتوبر عام ٢٠٠٠، تزامنًا مع إعصار ليلى. وفي سبتمبر عام ٢٠٠٤، دفع إعصار إيفان وزارة الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبادل نحو ٥٬٤ مليون برميل من الخام عالي الجودة بسبب الاضطرابات في خليج المكسيك والناجمة عن إعصار إيفان.

وتكرر الأمر نفسه في سبتمبر من أعوام ٢٠٠٥ و٢٠٠٨ و٢٠١٢، الأول كان بعد إعصار كاترينا، والثاني بعد إعصار جوستاف وآيك، أما الأخير فكان في أعقاب إعصار إسحاق، والذي وصل خليج المكسيك أواخر أغسطس من العام نفسه. أما في يونيو من عام ٢٠٠٦، فقد أجرت وزارة الطاقة الأمريكية عملية تبادل من الاحتياطي الاستراتيجي لنحو ٧٥٠ ألف برميل من الخام الحامض، وذلك عند إغلاق قناة كالكاسيو للسفن لعدة أيام أمام حركة النقل البحري سبتمبر من عام ٢٠٠٨.

ما دور وكالة الطاقة الدولية في الاحتياطيات الاستراتيجية الوطنية؟

تسهم وكالة الطاقة في تنسيق السحب من الاحتياطي في الدول الأعضاء، وتوفر بيانات عن مستويات المخزونات وتؤدى العديد من الأدوار الحيوية. وتوجد ثلاث طرق للاحتفاظ باحتياطيات استراتيجية تفي بمعيار التسعين يومًا، وتتمثل في: الاحتياطيات التجارية لدى شركات التكرير، والاحتياطيات لدى الحكومات والوكالات الحكومية، ولكل دولة أن تختار توزيع الكمية المطلوبة على أنواع الاحتياطيات الثلاثة.

وتقول الوكالة أيضًا إنه من الممكن العمل بتدابير للحد من الطلب أو المساعدة في توفير الإمدادات، وقد تشمل هذه التدابير دعوات للحد طوعًا من استهلاك الوقود، أو الانتقال من نوع من الوقود إلى نوع آخر، ومن ذلك التحول من النفط إلى الغاز في توليد الكهرباء، أو زيادة الإنتاج للاستفادة سريعًا من المخزون في باطن الأرض.

موقف الدول المنتجة من الاحتياطي الاستراتيجي

إن الدول المنتجة والمصدرة للبترول لا تعترض على بناء هذا المخزون الاستراتيجي ما دام يعطي الدول المستهلكة والمستوردة شعورًا بالطمأنينة لجهة العرض، ويقلل من الحاجة إلى اتخاذ إجراءات للحد من نمو الطلب لديها، ولكن دول أوبك تعارض السحب من المخزون الاستراتيجي لغرض التأثير على الأسعار، لأن غرض المخزون هو مواجهة احتمال انقطاع الإمدادات، لا لاستعماله أداة لإدارة السوق البترولية.

وترى دول أوبك كذلك أن السحب من المخزون الاستراتيجي في حالة انقطاع الإمدادات يجب أن يكون الخيار الأخير، وذلك بعد قيام الدول المصدرة ذات الطاقة الإنتاجية الفائضة بتعويض النقص في الإمدادات. وهذا ما حدث بالفعل، إبان أزمة الثورة الإيرانية عام ١۹٧۹، وأزمة احتلال الكويت عام ١۹۹٠، والإضرابات في فنزويلا في نهاية عام ٢٠٠٣، والحرب على العراق عام ٢٠٠٣، إذ قامت دول أوبك الأخرى، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بتعويض النقص في الإمدادات والمحافظة على استقرار السوق من دون إعطاء مبرر للدول الصناعية لسحب مخزونها الاستراتيجي.

 الاستهلاك الأمريكي من الطاقة

طبقًا للتقرير السنوي لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، استهلكت الولايات المتحدة الأمريكية في عام ٢٠٢٠ حوالي ٣٣ كوادريليون وحدة حرارية بريطانية من النفط والسوائل النفطية الأخرى (الكوادريليون يساوي مليون مليار)، واستهلكت كذلك حوالي ٣١ كوادريليون وحدة من الغاز الطبيعي، إضافة إلى استهلاكها نحو ٩ كوادريليونات وحدة حرارية من الفحم.

وفيما يخص الطاقة المتجددة، استهلكت الولايات المتحدة الأمريكية حوالي ٨ كوادريليونات وحدة منها، واستهلكت الكمية ذاتها من الطاقة النووية، وأقل من ٣ كوادريليونات وحدة لكل من الطاقة المائية والوقود الحيوي.

أن الاستهلاك الأمريكي للطاقة من النفط والسوائل النفطية الأخرى عاد إلى معدلات الاستهلاك في عام ١٩٩٠ تقريبًا بحوالي ٣٤ كوادريليون وحدة، بعد أن وصل إلى حوالي ٤٠ كوادريليون وحدة حرارية بريطانية في عام ٢٠٠٥ هذا يعني أن هناك انخفاضًا في معدلات استهلاك الطاقة من النفط والسوائل الأخرى بين عامي ٢٠٠٥ و٢٠٢٠  بمقدار ١٧٬٥٪ تقريبًا.

وهذا الانخفاض يعد منطقيًا ومبررًا؛ بسبب الارتفاع الواضح والقوي في معدلات استهلاك الطاقة من الغاز والطاقة المتجددة؛ إذ إن معدل استهلاك الطاقة من الغاز الطبيعي ارتفع في عام ٢٠٢٠ مقارنة بعام ٢٠٠٥ والذي تجاوز ٤٥٪، وكذلك ارتفعت نسبة استهلاك الطاقة من الطاقة المتجددة بين العامين ذاتهما بواقع ٢٦٠٪، من ٢٬٥ كوادريليون وحدة حرارية في عام ٢٠٠٥ إلى نحو ٩٬٥ كوادريليون وحدة في عام ٢٠٢٠.

أما على الجانب الآخر، فقد انخفضت معدلات استهلاك الفحم في توليد الطاقة بنسبة كبيرة تخطت ٥٠٪ منذ عام ١٩٩٠، حيث استهلكت الولايات المتحدة الأمريكية في عام ٢٠٢٠ نحو تسعة كوادريليونات وحدة حرارية بريطانية، أما استهلاك الطاقة النووية فبقي ثابتًا نسبيًا خلال هذه الفترة دون تغير كبير في بعض المراحل، وكذلك الحال بالنسبة لكل من الطاقة المائية والطاقة المستخرجة من الوقود الحيوي.

ومن المتوقع أن يعود استهلاك الولايات المتحدة الأمريكية من النفط والسوائل المختلفة عام ٢٠٥٠ كوقود إلى مستويات عام ٢٠٠٧ تقريبًا عند ٣٩ كوادريليون وحدة حرارية بريطانية، أي بارتفاع حوالي ٢٠٪ عن الاستهلاك في عام ٢٠٢٠، وبالنسبة للغاز الطبيعي من المتوقع أن يرتفع الاستهلاك الأمريكي ارتفاعًا ملحوظًا، حيث من المتوقع ارتفاع الاستهلاك في عام ٢٠٥٠ بنحو ٢٥٪ مقارنة باستهلاكه في عام ٢٠٢٠، وبنسبة حوالي ۸٧٪ مقارنة بعام ١٩٩٠.

فيما يتعلق باستهلاك الفحم والذي يعتقد البعض أن العالم تخلى عنه نهائيًا أو سيتخلى عنه قريبًا في عمليات توليد الطاقة، فمن المتوقع أن تستهلك الولايات المتحدة الأمريكية حوالي ٧٬٥ كوادريليون وحدة حرارية من الفحم بحلول عام ٢٠٥٠، أي بمعدل انخفاض حوالي ١٥٪ تقريبًا عن استهلاكها من الفحم في عام ٢٠٢٠. 

وعلى صعيد الطاقة النووية، ستواجه انخفاضًا خفيفًا في معدلات الاستهلاك بحلول عام ٢٠٥٠ مقارنة بعام ٢٠٢٠؛ إذ إنه من المتوقع أن يكون هناك انخفاض حوالي ١٥٪، وهذا يعد مخالف لبعض الآراء والتوقعات والتقارير التي تشير إلى توسع الولايات المتحدة الأمريكية في مشاريع الطاقة النووية.

وعلى الجانب الآخر، للطاقة المتجددة والنظيفة النصيب الأكبر في نمو الطلب عليها، والذي من المتوقع أن تضع له بصمة قوية ومؤثرة بين مصادر الطاقة العالمية في الشأن الداخلي الأمريكي، فمن المتوقع ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة الأمريكية بحلول عام ٢٠٥٠ إلى نحو ١۸ كوادرليون وحدة حرارية، وبنسبة ارتفاع تقدر بحوالي ١٤٠٪ مقارنة بكمية الاستهلاك في عام ٢٠٢٠، وبنسبة ارتفاع تصل إلى ٦٢٠٪ مقارنة بعام ١٩٩٠.

أزمة ارتفاع أسعار الوقود وحلول بايدن لتهدئة الأسعار

تتصدر زيادة أسعار البنزين لأعلى مستوى منذ عام ٢٠٠٨ العناوين الرئيسة في الولايات المتحدة الأمريكية، فالبعض يلقي باللوم على إجراءات إدارة جو بايدن التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بدلًا من خفضها، والبعض الآخر يراها أزمة أصابت العالم كله بداية من تعافي الطلب بعد وباء كورونا وحتى تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية.

ومع استمرار عمليات ارتفاع أسعار النفط فوق معدلات ١٠٠ دولار للبرميل، ومن ثم صعود أسعار الوقود، هل فعلت الإدارة الأمريكية الكثير للتخفيف من تداعيات ذلك؟ وهل ما زال في جعبتها الكثير لتفعله؟، ربما تكون أسعار الوقود في دولة من كبرى الدول المنتجة للنفط في العالم أكبر أزمة تواجه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد وباء كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية؛ إذ تبحث الإدارة عن حلول لخفض تكاليف الطاقة.

منذ أواخر عام ٢٠٢١، تواجه الإدارة الأمريكية صعوبات وتحديات كبيرة في خفض أسعار الوقود، مع عدم استجابة دول أوبك للمطالبات المستمرة من قبل البيت الأبيض لزيادة معدلات الإنتاج، وتمسكها بالزيادة التدريجية المقدرة بحوالي ٤٠٠ ألف برميل يوميًا كل شهر. وفي نوفمبر من نفس العام، وبالتنسيق مع عدد من الدول المستهلكة للنفط، قررت الإدارة الأمريكية الإفراج عن ٥٠ مليون برميل من المخزون الاستراتيجي من النفط؛ لتهدئة الأسعار. وبالرغم من تلك المحاولات، لم تظهر أي تغييرات تذكر على أسعار البنزين.

وأثار قرار الرئيس الأمريكي بايدن السحب من احتياطي النفط الاستراتيجي زوبعة من الانتقادات والتكهنات، الأمر الذي أدى إلى شيوع القضية في وسائل الإعلام، وأصبح مثيرًا للجدل بين فريق يدافع عن الخطوة لتهدئة أسعار الخام، وآخر يوجه انتقادات حادة. ولعل أحد أسباب اهتمام الناس ووسائل الإعلام بقرار السحب من الاحتياطي الاستراتيجي هو فشل إدارة بايدن في إقناع تحالف أوبك بلس بزيادة الإمدادات النفطية فوق الكميات المقررة، ومن ثم فإن قرار السحب كان ردة فعل على قرار التحالف، بل جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتدفعها إلى مستويات غير مسبوقة خلال السنوات الماضية.

وهو الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تُكرر نفس الخطوة مرة أخرى، ولكن هذه المرة ضمن إجراءات لوكالة الطاقة الدولية بسحب أكثر من ١٢٠ مليون برميل من احتياطي الطوارئ، لتعويض نقص الإمدادات الروسية. وقالت وكالة بلومبرج إن تلك الكمية تأتي في إطار قرار الولايات المتحدة بالإفراج عن ١۸٠ مليون برميل أعلن عنها الرئيس جو بايدن بالفعل، وانخفض النفط في الأسبوع الماضي في حدود ١٣٪ بعد الإعلان عن خطة واشنطن في الإفراج عن المزيد من المخزونات.

يرى تقرير لموقع فوربس أن جو بايدن مكبل اليدين إلى حد كبير في كيفية علاج أزمة ارتفاع أسعار الوقود، فلا يملك سوى إجراءات محدودة، مثل إطلاق جزء من احتياطي النفط الاستراتيجي، والتصرف حيال ضريبة البنزين. وفي المقابل، يرى معهد النفط الأمريكي أن ضرورة السماح للشركات لإنتاج مزيد من النفط والغاز، لأنه لن يخفض أسعار الوقود محليًا فحسب، وإنما يدعم الصادرات إلى أوروبا التي تشهد ضغوطًا جراء المخاوف المحيطة بإمدادات الغاز الروسي.

ماذا يعني قرار بايدن بالسحب من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي

أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن إطلاق تاريخي غير مسبوق للنفط من الاحتياطيات الأمريكية، مع اتخاذ خطوات لمعاقبة شركات النفط لعدم زيادة الإنتاج من الإيجارات غير المستخدمة على الأراضي الفيدرالية، بحسب البيت الأبيض، وتلك الخطوات هي محاولة لخفض أسعار الغاز، مع إلقاء العبء على شركات النفط لزيادة العرض. وتواجه الخطوة الدراماتيكية ما أصبح مشكلة سياسية تلوح في الأفق قبل أشهر من انتخابات التجديد النصفي، وصرح البيت الأبيض “بعد التشاور مع الحلفاء والشركاء، سيعلن الرئيس عن أكبر تحرير لاحتياطيات النفط في التاريخ، ويضع مليون برميل إضافي في السوق يوميًا في المتوسط ​​ كل يوم للأشهر الستة المقبلة”.

حجم هذا الإصدار غير مسبوق، وسيوفر هذا الإصدار القياسي كمية تاريخية من الإمداد لتكون بمثابة جسر حتى نهاية العام الذي يرتفع فيه الإنتاج المحلي، وسوف يصل حجم التفريغ إلى ١۸٠ مليون برميل من النفط. وأعلن بايدن في وقت سابق عن إطلاق منسق للنفط من الاحتياطيات بالاشتراك مع دول أخرى، وأفرج أيضًا عن حوالي ٦٠ مليون برميل في نوفمبر ٢٠٢١، وقال في ذلك الوقت إنه كان أكبر إطلاق من الاحتياطي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولم يكن لأي من الخطوتين تأثير كبير على أسعار الغاز، التي استمرت في الارتفاع حيث تسببت القيود العالمية على صادرات الطاقة الروسية في ارتفاع الأسعار.

الاستفادة من الاحتياطي ومخزون ٧٠٠ مليون برميل من النفط الخام المخزن في كهوف الملح الجوفية في لويزيانا وتكساس له تأثير محدود بشكل عام على أسعار الغاز بسبب كمية النفط التي يمكن إطلاقها في كل مرة، ولكن سيكون بمثابة في إشارة سياسية قوية إلى أن بايدن يواصل مواجهة المشكلة.

كيف يؤثر سحب ١۸٠ مليون برميل من الاحتياطي الأمريكي على أسعار النفط؟

نظريًا إن السحب التاريخي من المخزون الأمريكي بواقع مليون برميل يوميًا على مدار ١۸٠ يومًا سيشكل تأثيرًا قويًا على الأسواق العالمية، وبالفعل انخفض النفط في الأسبوع الماضي في حدود ١٣٪ بعد الإعلان عن خطة واشنطن في الإفراج عن المزيد عن المزيد من المخزون الأمريكي.

وتراجع النفط فجأة بعد القرار ليتخلى عن مكاسبه الصباحية، فانخفض خام ناينكس قرب مستويات ١٠٠ دولار للبرميل، بينما انخفض خام برنت قرب مستويات ١٠٥ دولارات. ولكن عمليًا سيكون التأثير مرحليًا ومؤقتا؛ وذلك نظرًا لأنه مع انتهاء السحب ستكون الولايات المتحدة الأمريكية مجبرة على إعادة ملء المخزونات مما سيؤثر بشكل عكسي على الأسعار وتعود للارتفاع مرة أخري.

توقعات

من المتوقع أن تهدأ أسعار النفط بعد القرار الأمريكي بالسحب من المخزونات ما يعادل 2 مليون برميل إضافية وضخها في الأسواق. ووفقًا لأحد البيانات، فقد ضخت روسيا حوالي ٤٦٬٥٧ مليون طن من النفط الخام والمكثفات في مارس الماضي، وهو ما يعادل حوالي ١١ مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثل تراجعًا حوالي ٠٬٦٪ مقارنة بمستويات فبراير من نفس العام الحالي. وفي المقابل منذ أيام قليلة أبقت أوبك بلس (أوبك+) على خطة الإنتاج دون تغيير خلال مايو المقبل وسط ضغوط كبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية ووكالة الطاقة الدولية أن تعمل أوبك بلس (أوبك+) على زيادة معدلات الإنتاج.

ويرى بنك جيه بي مورجان أن الخطة الأمريكية لإطلاق كمية غير مسبوقة من إمدادات النفط ستعمل بشكل كبير على توازن أسوق النفط العالمي والحفاظ على استقرار الأسعار حتى نهاية عام ٢٠٢٢.

وقال بنك الاستثمار الأمريكي في مذكرة بحثية، إنه لا يتوقع إفراج وزارة الطاقة الأمريكية عن نفس الكميات التي تستهدفها الحكومة الأمريكية، متوقعًا سحب ۸٥٠ ألف برميل يوميًا بسبب عوائق البنية التحتية.

ولكن جيه بي مورجان لايزال يتوقع أن الكميات التي سيتم سحبها من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط مع التعديلات الأخرى في سوق النفط قد تؤدي إلى سوق متوازن هذا العام، وثبت البنك توقعاته لأسعار النفط عند مستويات ١١٤ دولارًا للبرميل في الربع الثاني من هذا العام، و١٠١ دولارًا في النصف الثاني من العام الجاري.

خلاصة القول، إن العالم بحاجة ماسة إلى التعاون والتعامل بحكمة مع ملف الطاقة العالمي برفع كفاءة إنتاجها واستهلاكه، وإن عمليات إطلاق براميل من النفط من احتياطيات الطوارئ ليس حلًا طويل الأجل، لأنه لا يحل عدم التوافق الأساسي بين العرض والطلب في المقام الأول، حيث تحتوي احتياطيات الطوارئ على كمية محدودة من النفط، وعادة يتم رصد هذه البراميل من أجل صدمات العرض، وليس الطلب المتزايد من الانتعاش الاقتصادي.وبالرغم من التوقعات السلبية للخطوة الأمريكية، وعدم وضوح أي تأثيرات ملحوظة على أسواق النفط العالمية على المدي البعيد، فإن إدارة الرئيس جو بايدن التي تواجه العديد من المشاكل الاقتصادية ويحملها الأمريكيون في المقام الأول مسؤولية عدم احتوائه للتضخم في الأراضي الأمريكية، ويبدو أنها لن تثني الإدارة الأمريكية على التحرك في كل الاتجاهات في مواجهة أي انتقادات خصوصًا قبل انتخابات الكونجرس النصفية لعام ٢٠٢٢، ومن المحتمل أن الاستمرار الحاد استمرار في أسعار الوقود من شأنه أنه يضر بشعبية بايدن، ولذلك فإن المشكلة ليست سياسية بالمقام الأول، بقدر ما أن المستهلكين يشترون النفط بأسعار مرتفعة وهو ما يلقي بظلاله واثاره السلبية على التضخم، ومن هنا كان الطلب من منظمة الدولة المصدرة للنفط (أوبك) بضرورة زيادة إنتاجها لمواجهة الطلب العالمي المتزايد على النفط والمتوقع أن يصل إلى ١٠٠ مليون برميل.

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى