أسواق وقضايا الطاقة

الأمونيا الخضراء هل ستصبح العصا السحرية للمناخ

في السنوات الماضية، أخذ التعامل مع الدافع لتقليل معدل الأثر الكربوني منحى متعمقًا وجدّيًا، حيث أعلنت شركات عالمية عدة عن استراتيجياتها لتحقيق أهداف خفض معدلات الكربون أو الحياد الكربوني، مما يتطلب استخدام أنواع وقود بديلة ونظيفة.

توقعات الغاز الطبيعي العالمية لعام ٢٠٥٠ والصادرة عن منتدى الدول المصدرة للغاز (GCEF) أكدت أن الطلب على الغاز الطبيعي سيزداد بنسبة تتعدى ٥٠٪ من حوالي ٣٩٥٠ مليار متر مكعب في عام ٢٠١٩ إلى حوالي ٥٩٢٠ مليار متر مكعب بحلول عام ٢٠٥٠، وبدوره، يتنامى الدور الفعال للهيدروجين في تحقيق هدف خفض الانبعاثات على المدى الطويل؛ إذ يُشكل الهيدروجين وقودًا أساسيًا لإزالة الكربون بشكل مستدام عالميًا. وفي هذا الإطار، ظهرت أهمية الأمونيا بوصفها مواد وسيطة لتعزيز اقتصاد منخفض الكربون، ويمكنها أن تلعب دورًا محوريًا في انتقال الطاقة النظيفة.

مدخل

تُمثل الأمونيا الخضراء خيارًا وحلًا آخر قد يصبح أكثر أهمية من الهيدروجين الأخضر، والذي يُنظر إليه بوصفه الوقود النظيف الأمثل في عملية تحول الطاقة من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة والنظيفة، إذ يبحث العالم عن الطريق الأمثل والأسرع للوصول إلى الحياد الكربوني.

والأمونيا في حد ذاتها ليست جديدة على العالم؛ إذ يتم إنتاجها بكميات هائلة في جميع دول العالم لاستخدامها في الأسمدة الزراعية، ولكن عملية إنتاجها تعتمد على الغاز الطبيعي فى المقام الأول أو أنواع الوقود الأحفوري الأخرى في عمليات الإنتاج، ما يجعلها تسهم بنحو حوالي ١٬٥٪ من معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. إلا أن انتشار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الفترة الأخيرة، وعدم القدرة على تخزين الكهرباء في الأوقات التي لا يحتاجها الناس، فتح المجال أمام استخدام هذه الطاقة المتجددة وقت عدم الحاجة إليها بإنتاج الأمونيا الخضراء؛ وهذه العملية تساعد على خفض انبعاثاتها من جهة، وتدعم عملية خفض الانبعاثات الكربونية عالميًا من جهة أخرى.

ما هي الأمونيا؟

الأمونيا هي عبارة عن غاز ذو رائحة قوية ونفاذة يُستخدم على نطاق واسع في صناعة الأسمدة الزراعية؛ وفضلًا عن الزراعة، تُستخدم الأمونيا كذلك في صناعة المبيدات الحشرية وصناعة المستحضرات الطبية والصناعات المعدنية والنسيج والمنظفات المنزلية وتنقية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي والمتفجرات وغيرها. وهي عبارة عن مركب يتكون من ذرة نيتروجين واحدة (٨٢٪) وثلاث ذرات هيدروجين (١٨٪)، ورمزها الكيميائي هو NH3.

وتوجد أنواع عديدة من الأمونيا، وتختلف على حسب طريقة تصنيعها، مثل الأمونيا الخضراء والأمونيا الزرقاء والأمونيا الفيروزية والأمونيا الرمادية.

الأمونيا الخضراء؛ والتي تنتج عن طريق تفاعل الهيدروجين والنيتروجين معًا عند درجات حرارة مرتفعة وضغط عالٍ، وينتج عن عملية تصنيع الأمونيا الخضراء الماء والنيتروجين منتجات ثانوية فقط؛ وتُعرف العملية بعملية هابر- بوش (Haber-Bosch)، وهي التي تعد الطريقة الرئيسة في إنتاج الأمونيا الخضراء، إذ تعتمد فى المقام الأول على الهيدروجين الأخضر أو المُصنع، من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.

الأمونيا الرمادية؛ تاريخيًا، وحتى الآن في الغالب، تُنتج الأمونيا بطرق من شأنها إطلاق انبعاثات كربونية؛ وبشكل أكثر تفصيلًا، تشهد عملية إنتاج الأمونيا تفاعل غاز الميثان مع البخار لإنتاج الهيدروجين، والذي يتفاعل مع النيتروجين لصناعة الأمونيا، وهنا تُسمى بالأمونيا الرمادية، أو التقليدية، وتنتج هذه العملية حوالي ١٬٨٪ من انبعاثات الكربون عالميًا، ويتفق ذلك مع الحقيقة السائدة بأن الأمونيا الرمادية تُنتج في الغالب من الغاز الطبيعي، وتستخدم سمادًا للزراعة، وكذلك في العمليات الصناعية المختلفة.

الأمونيا الزرقاء؛ والتي تُنتج بطريقة إنتاج الأمونيا الرمادية نفسها، لكنها تستخدم تقنية التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، لذلك يُنظر إلى الأمونيا الزرقاء على أنها منخفضة الكربون، لأن تأثيرها على المناخ يكون بمعدل أقل مقارنة بالأمونيا الرمادية، وفي سبتمبر من عام ٢٠٢٠، أُرسلت المملكة العربية السعودية أول شحنة من الأمونيا الزرقاء في العالم إلى اليابان، بهدف استخدامها لتوليد الكهرباء، وأتاح النمو السريع والمستمر في إنتاج الغاز الطبيعي وتدفق الغاز الطبيعي المسال، في الفترة الماضية، لمنتجي الغاز والصناعات توسيع إنتاج الأمونيا الزرقاء؛ وبهذا يتماشى النمو في إنتاج الأمونيا وانخفاض كثافة الكربون مع الأهداف العالمية للاستغناء عن الوقود الكربوني.

الأمونيا الفيروزية؛ والتي لها أهمية كبيرة في الصناعة أيضًا (والتي تُشكل نسخة بين الأخضر والأزرق)، إذ تستخدم تلك العملية التحلل الحراري لتحويل الميثان إلى كربون نقي وهيدروجين، والذي يتفاعل مع النيتروجين لإنتاج الأمونيا، ومثال على ذلك مشروع شركة مونوليث في نبراسكا الأميركية. وأمام ذلك، تُعد أفضل عملية إنتاج أمونيا خالية من الكربون إنتاجها من الهيدروجين الأخضر والناتج عن التحليل الكهربائي للماء، باستخدام الكهرباء المتجددة.

وبصفة عامة ووفقًا لجمعية طاقة الأمونيا، تقترب مستويات إنتاج الأمونيا حاليًا حوالي ٢٠٠ مليون طن سنويًا، إذ يُتداول حوالي١٠٪ منها في السوق العالمية؛ ويُعد الوقود الأحفوري مصدرًا لما يقرب من حوالي ٩٨٪ من المواد الأولية للإنتاج العالمي للأمونيا، وتستخدم حوالي ٧٢٪ منها الغاز الطبيعي مادة وسيطة.

مزايا واستخدامات الأمونيا

يمكن أن يوفر إنتاج الأمونيا الخضراء المزيد من الخيارات في الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام ٢٠٥٠.

وقود خالٍ من الكربون؛ من الممكن حرق الأمونيا بدلًا من الوقود الأحفوري والتقليدي في التوربينات الغازية، على سبيل المثال، أو استخدامها في خلية وقود لإنتاج الكهرباء، أو في مركبة كهربائية بعد تكسير الهيدروجين مرة أخرى منها.

تخزين الطاقة؛ يمكن تخزين الأمونيا بسهولة بكميات كبيرة بصفة سائل، ما يجعلها مخزنًا كيميائيًا مثاليًا للطاقة النظيفة والمتجددة، وتقوم الفكرة على أساس أن هناك طاقة متجددة مهدرة (توليد الكهرباء من عنفات الرياح بعد منتصف الليل والناس نيام مثال على الطاقة المهدرة) ومن ثم يمكن إنتاج الأمونيا الخصراء منها، ثم استخدامها وقودًا في أي وقت يحتاجه الإنسان، وبهذه الطريقة تحولت الأمونيا إلى مخزن للطاقة، مثل البطاريات.

حامل للهيدروجين؛ تُعد عمليات تخزين الهيدروجين بكميات ضخمة أمرًا صعبًا ومكلفًا، في حين أن استخدام الأمونيا أسهل وأرخص في التخزين والنقل، ويمكن بسهولة تكسيرها لتوفير غاز الهيدروجين عند الحاجة، وإمكان استخدامه في خلايا الوقود، ويجب تخزين الهيدروجين السائل في ظروف معينة تصل إلى – ٢٥٣ درجة مئوية، على حين يمكن تخزين الأمونيا عند – ٣٠ درجة مئوية فقط.

والأمونيا لديها كثافة أعلى للطاقة، تبلغ حوالي ١٢٬٧ ميجاجول/لتر، ورغم أنها لا تزال أقل بكثير من الوقود الأحفوري، فإنها أعلى عند المقارنة مع ٨٬٥ ميجاجول/لتر للهيدروجين السائل.

وحول هدف الوصول إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام ٢٠٥٠ ، قالت وكالة الطاقة الدولية، إن الأمونيا يجب أن تُمثل حوالي ٤٥٪ من الطلب على الطاقة في قطاع الشحن البحري، وتؤكد وكالة الطاقة الدولية أن الأمونيا والهيدروجين سيكونان الوقود البحري الأساس، إذا وصل العالم للحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الحالي، بينما قد يُشكل حوالي ٦٠٪ من السوق مع سيطرة الأولى على الحصة الأكبر، ومع التحول إلى الكهرباء المتجددة لإنتاج الأمونيا، يمكن تجنّب أكثر من حوالي ٤٠ مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا في القارة الأوروبية وحدها، أو أكثر من حوالي ٣٦٠ مليون طن في جميع أنحاء العالم، بحسب شركة سيمنس.

إنتاج الأمونيا

تجري عملية إنتاج الأمونيا على عدة مراحل، بدءًا من مرحلة إنتاج الهيدروجين، مرورًا بتنقية خليط الهيدروجين والنيتروجين من الماء وأكاسيد الكربون المصاحبة، ثمّ فصل غاز ثاني أكسيد الكربون، وانتهاءً بتحويل خليط الهيدروجين والنيتروجين إلى أمونيا من خلال تفاعل حفزي عند ظروف محددة، وتنتج الأمونيا في صورة غازية، حيث يجري تبريدها تدريجيًا لتتحول الى أمونيا سائلة عند الضغط الجوي، لتُحفظ في صهريج تخزين ذي مواصفات خاصة ملحق به وحدة تبريد، للحفاظ على ظروف التخزين المناسبة.

وبصرف النظر عن إمكانبة توصيل مصادر الطاقة للمستهلكين، ترى دراسة أكسفورد التي صدرت تحت عنوان (الأمونيا حل للتخزين في نظام طاقة مستقبلي منخفض الكربون)، أنه يمكن للتخزين الدوري والموسمي القابل للنقل أن يحقق توازن نظام الطاقة في الأوقات التي تكون فيها الظروف المناخية غير مواتية، ويُمكن أن يسمح ذلك باستخدام أكثر كفاءة للطاقة النظيفة المتجددة في نظام الطاقة، وتسهيل إزالة الكربون من قطاع الطاقة بأكمله.

تقنيات للتخزين

ومن بين جميع أنواع حلول تخزين الطاقة المتوفرة حاليًا، والمتمثلة في أربع تقنيات، هي الكهربائية والكهروكيميائية والميكانيكية والكيميائية، تسمح فقط بعض الخيارات الكهروكيميائية والميكانيكية والكيميائية بالحفاظ على الطاقة لفترات تتجاوز الأسابيع والأشهر؛ وبالرغم من امتلاكها خصائص مثل حجم الطاقة المخزنة وفترات التخزين المعقولة، فإن حلول تخزين الطاقة الميكانيكية مثل الهواء المضغوط أقل جاذبية من الكهروكيميائية مثل بطاريات أيون الليثيوم أو التخزين الكيميائي الغاز طبيعي، والهيدروجين، والأمونيا، حيث يُشكل نقل الطاقة المخزنة أمرًا حيويًا وحاسمًا.

وفي المرحلة الحالية من التطور التكنولوجي يبدو أن البطاريات القابلة للنقل، وذات مدة التخزين الأقل بشكل ملحوظ، ستكون أقل فائدة بكثير من معظم الخيارات الكيميائية، من حيث سعة التخزين وكثافة الطاقة وتكاليف نشرها ونقلها، ومن ثم فإن خيارات التخزين الكيميائي تُشكل حلًّا واعدًا لتخزين الطاقة بكميات كبيرة لفترات طويلة، وبشكل قابل للنقل، ويعدّ الغاز الطبيعي والهيدروجين والأمونيا، أبرز حلول التخزين الكيميائي للطاقة.

وللغاز الطبيعي عدد من المزايا مقارنةً بالهيدروجين والأمونيا، لكنه ينطوي على عيب خطير، وهو أنه وقود أحفوري، وعلى عكس الغاز الطبيعي، يمكن توليد الهيدروجين والأمونيا بمصادر صديقة للبيئة خالية من الكربون؛ ويحتوي الهيدروجين على كمية أقل من الطاقة وضغط بخار أعلى مقارنة بالأمونيا، وتخلق هذه الخصائص صعوبات إضافية في الحفاظ على الهيدروجين ونقله، حيث يصبح التعامل معه أكثر تعقيدًا وتكلفة وأقلّ أمانًا.

وعلى العكس من ذلك، تُعد الأمونيا مادة قابلة للانتشار بسرعة نسبية وسهلة التعامل، ولا تُنتج أي انبعاثات كربونية في حالة الاحتراق المباشر بخلية الوقود التي تعمل بالأمونيا أو الهيدروجين. وتُعد الأمونيا مادّة واعدة لتخزين الطاقة القابلة للنقل بكميات ومعدلات كبيرة، ولفترة طويلة من الزمن، بالنسبة لتحقيق هدف الحياد الكربوني، إذا جرى إنتاجها بطريقة خضراء، وتتناسب الأمونيا بشكل أفضل مع نظام الطاقة بصفتها ناقلًا أو حاملًا لطاقة الهيدروجين، وتُمثل الأمونيا طريقة أكثر كفاءة من الناحية الاقتصادية لتوصيل الهيدروجين لمسافات طويلة مقارنةً بالطريقة التقليدية لنقل الهيدروجين بأشكال مضغوطة أو مسالة.

عقبات أمام تعزيز إنتاج الأمونيا

تظهر التكلفة عقبة رئيسة أمام تعزيزإنتاج الأمونيا الخضراء مثل العديد من المصادر والتقنيات النظيفة، ولن يكون دعم صناعة وقود الأمونيا سهلًا، إذ تُشكل حوالي ٥٪ من استهلاك الغاز الطبيعي عالميًا، في حين لا تزال مصادر الطاقة الخضراء والنظيفة أغلى بكثير من الغاز الطبيعي، وهناك حاجة لزيادة الكهرباء المتجددة لصنع الأمونيا الخضراء، وفقًا لتقرير صادر عن منتدى الاقتصاد العالمي.

وتُقدر وكالة بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس، أن صناعة الأمونيا الخضراء ستحتاج إلى أكثر من حوالي ١٥٠ مليار دولار من الدعم بحلول عام ٢٠٣٠، والمزيد من الاستثمارات الشاملة، ووفقًا لمعظم التقديرات العالمية، ستبلغ تكلفة إنتاج الأمونيا الخضراء من مرتين إلى حوالي أربع مرات تكلفة نظيرتها التقليدية، ولا تزال بعض التقنيات اللازمة لاعتمادها، مثل محركات احتراق الأمونيا، قيد التجربة.

ومن المتوقع تزايد مصانع الأمونيا في جميع دول العالم، بدءًا من عام ٢٠٢٥، لإنتاج الأمونيا الخضراء بسعر يتراوح مابين ٦٥٠ و٨٥٠ دولارًا/طن متري، وفقًا لما ذكرته مؤسسة السجل الكوري للشحن في تقرير صادر عام ٢٠٢١، نقلته منصة ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس، ومن المتوقع أيضًا أن تنخفض التكلفة لتتراوح مابين ٤٠٠ إلى ٦٠٠ دولار/طن متري بحلول عام ٢٠٣٠ ثم تنخفض مرة أخرى، لتتراوح مابين ٢٧٥ و٤٥٠ دولارًا/طن متري عام ٢٠٤٠، مع زيادة الاستهلاك، وفقًا للتقرير ذاته

وهناك عقبة أخرى أمام الأمونيا الخضراء، وهي أن محركات السفن البحرية حاليًا غير قادرة على استخدام الأمونيا، لذا يجب تطويرها حال رغبة الصناعة في جعل الأمونيا الخضراء وقودًا بديلًا، وتُمثل الأمونيا خطرًا على الإنسان، بالنظر لكونها مادة كاوية بتركيزات عالية، ومادة سامّة، فضلًا عن كونها مادة قابلة للاشتعال. وبصفة عامة وبالنظر إلى إمكانات استخدام المنشآت الحالية، يجب أن تلعب الأمونيا الزرقاء دورًا مهمًا، سواء كان من خلال عملية انتقالية أو دورًا بجزء من مزيج الطاقة طويل الأجل.

استخدام الأمونيا ناقلًا للهيدروجين أو وقودًا

حتي الآن لا يوجد جواب صريح عن أفضلية استخدام الأمونيا وقودًا مستقلًا أم الهيدروجين من الأمونيا المكسرة، ويُمثل أفضل خيار للوقود هو وظيفة أسلوب والاستخدام المقصود والكمية المطلوبة والنضج التكنولوجي لمستخدم الوقود، ويجب الإشارة إلى أن استخدام الأمونيا كوقود لمحركات الاحتراق الداخلي يعود إلى أوائل القرن التاسع عشر، وشهدت زيادة في استخدامه وقودًا بديلًا خلال الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥)، عندما انخفضت مخزونات النفط العالمية.

وقد أُجري بحث على محركات الإشعال بالشرارة أو الاحتراق الداخلي باستخدام الأمونيا كوقود حتى عام ٢٠١٠، على الرغم من هذه البداية المبكرة، وبُحِث استخدام الأمونيا للوقود البحري بشكل أكثر قوة وذلك منذ عام ٢٠٠٧، حسبما أوردت منصة شركة باورإنج، كان استخدام الأمونيا في خلايا الوقود محدودًا بسبب ميل الأمونيا إلى إذابة غشاء الخلية.

وأثبتت التطورات في خلايا وقود الأكسيد الصلب وخلايا وقود غشاء البوليمر بالكهرباء، أن الأمونيا وبوصفها وقودًا لخلايا الوقود يمكن أن تكون خيارًا قابلًا للتطبيق، ومن جهة ثانية، أعلن مطورو أنظمة الوقود، مثل ألفا لافال، ومطورو المحركات، مثل جابان إنجين كوربوريشن، عن خطط لتضمين الأمونيا في عروضهم، وأعلنت شركة مان إنرجي عن سعيها لإنتاج عمليات بحرية تعمل بالأمونيا.

طفرة مرتقبة للإنتاج والمشروعات

بعد حوالي قرن من استخدام الأمونيا في الزراعة، توجد بُنية تحتية واسعة للأمونيا، مع معدلات إنتاج حوالي ١٨٠ مليون طن متري من الأمونيا سنويًا في جميع أنحاء العالم، وفي نهاية عام ٢٠٢٠، أعلنت السعودية مشروعًا ضخمًا بقيمة تصل إلى أكثر من حوالي ٥ مليارات دولار، لإنتاج حوالي ١٬٢ طن متري من الأمونيا الخضراء سنويًا؛ وضمن خططها الريادية ودعمها للابتكار والمشاريع المستدامة، تحتضن الإمارات، أول منشأة صناعية في المنطقة لإنتاج الأمونيا الخضراء.

وتشارك شركة إير برودكتس الأميركية، مع أكوا باور ونيوم السعوديتين، ببناء أكبر منشأة في العالم للهيدروجين الأخضر، شمال غرب السعودية، بحلول عام ٢٠٥٠، ومن المخطط أن يوفر هذا المشروع حوالي ٤ جيجاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتي من شأنها توليد الكهرباء بما يكفي لعملية التحليل المائي، ومن ثم إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتحويله بعد ذلك إلى أمونيا، ليكون أسهل وأكثر أمانًا في عمليات الشحن، حيث أن الطن الواحد من الأمونيا يحتوي على حوالي ١٧٧ كيلوجرامًا من الهيدروجين.

وتحذو شركات أخرى حذو هذه المشروعات الكبيرة، إذ أعلنت الشركة النرويجية لتصنيع الأسمدة (يارا) أنها تدرس تركيب أجهزة التحليل الكهربائي في مصنعها للأمونيا في بلدة سلويسكيل الهولندية، لتوليد ما يكفي من الهيدروجين وإنتاج حوالي ٧٥ ألف طن من الأمونيا، مع تشغيل المحطة بنحو حوالي ١٠٠ ميجاواط من الكهرباء المنتجة من مزرعة رياح بحرية. وكشفت الشركة النرويجية النقاب عن مشروع أكبر بمعدلات إنتاج حوالي ٥٠٠ ألف طن سنويًا من الأمونيا الخضراء، في بورسجرون في النرويج، من خلال تركيب أجهزة تحليل كهربائي للماء تعتمد على شبكة الكهرباء النرويجية، التي تأتي ٩٨٪ منها من مصادر متجددة.

وتدعم أستراليا العديد من المشروعات لإنتاج الأمونيا الخضراء، فعلى سبيل المثال، تعتزم (يارا) النرويجية تركيب أجهزة التحليل الكهربائي لإنتاج حوالي ٣٥٠٠ طن سنويًا من الأمونيا الخضراء في مصنعها في بيلبارا، ينما تأبى الولايات المتحدة الأمريكية أن تتخلف عن الركب، إذ تخطط شركة سي إف إندستريز لإطلاق أول مشروع ضخم للأمونيا الخضراء في البلاد، مع خطة لإنفاق أكثر من ١٠٠ مليون دولار على مدى السنوات المقبلة، بهدف تحويل حوالي ٢٠ ألف طن سنويًا من الأمونيا التقليدية (تنتج من الوقود الأحفوري في مصنعها في ولاية لويزيانا)، إلى اللون الأخضر، عن طريق تركيب أجهزة التحليل الكهربائي.

الجهود المصرية فى ملف الأمونيا

مصر ليست ببعيدة عن الموقف العالمي للطاقة، بل ينعكس فيها الموقف العالمي بواقعية شديدة، يتعمق فيها هذا المأزق عينه على نحو بالغ الخطورة، فمصر من أكبر بلدان المنطقة من حيث عدد السكان، وبالتالي فإنها تواجه زيادة كبيرة في الطلب على الطاقة نتيجة تسارع وتيرة النمو السكاني والتوسع الاقتصادي، ويفرض ذلك طموحات وتحديات كبيرة لضمان الحفاظ على إمدادات الطاقة بشكل آمن ومستقر، ويمكن لمصر الاستفادة من موارد الطاقة المتجددة ليس لتلبية حاجتها من الطاقة وحسب، وإنما لضمان نمو اقتصادي مستدام، وتوفير فرص عمل جديدة، والمساهمة في تحقيق الأهداف العالمية بخصوص المناخ والتنمية المستدامة.

فالتنمية الاقتصادية في مصر تعتمد على قطاع الطاقة، الذي يمثل حوالي ۱٣٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وأدركت مصر الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه الهيدروجين الأخضر والأمونيا في قطاع الطاقة المصري، وقطعت على نفسها عهدًا بالمضي قدمًا لتحقيق التنمية وزيادة الاستثمار في رأس المال البشري والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والنظيف، بما يسهم في تحسين معيشة المواطن المصري، وهناك العديد من الشركات العالمية أعلنت رغبتها في تنفيذ العديد من مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا في مصر، وهناك فرص واعدة لتنفيذ مثل هذه المشروعات، لاسيما وأنها تأتي على رأس اهتمامات الحكومة خلال المرحلة الحالية.

تستعد الدولة لافتتاح أحد مشروعين للوقود الاخضر نهاية العام الحالي ٢٠٢٢ خاص بإنتاج الأمونيا الخضراء، والآخر من المتوقع الانتهاء منه بحلول عام ٢٠٢٦ الخاص بتطوير محطات إنتاج الهيدروجين الأخضر؛ ويتم تنفيذهما تحت إشراف صندوق مصر السيادى، بالتزامن مع استضافة مصر لمؤتمر المناخ في دورته رقم ٢٧ للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP 27)، خلال نوفمبر المقبل، بمدينة شرم الشيخ.

المشروع الأول؛ والذييتعلق بإنشاء مصنع إنتاج الأمونيا الخضراء، بسعة حوالي مليون طن سنويًا، وتصل تكلفته التقديرية خمسة  مليارات دولار، ويتم  بالشراكة بين الشركة المصرية لنقل الكهرباء، وأحدى شركات الطاقة المتجددة نرويجية الجنسية سكاتك، وتبلغ إنتاجية المشروع حوالى ٢٣٥ ألف طن من الأمونيا سنويًا، بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهذه المعدلات قابلة للزيادة حتى تصل لحوالي ٣٩٠ ألف طن سنويًا، حيث سيتم تغذية المشروع  بالهيدروجين الأخضر المنتج من مياه البحر المحلاه، وكذلك الطاقة المولدة في المواقع، ويتم نقلها عبر شبكة الكهرباء الوطنية،  سيتم هذا المشروع على عدة مراحل، تبدأ بإنتاج حوالي ٢٣٥ ألف طن من الأمونيا بالمرحلة التجريبية، وتم تطويرها وفقًا لجدول زمنى.

المشروع الثاني؛ والذي يتعلق بتطوير محطات إنتاج الهيدروجين الأخضر، بالتعاون مع أحد شركات أبوظبى لطاقة المستقبل وإحدى شركات المرافق المصرية، بسعة تصل الى حوالي ٤٨٠ ألف طن سنويًا، سوف تتزايد سنويًا حتى تصل إلى إنتاج حوالي ٢٬٣ مليون طن من الأمونيا بحلول عام ٢٠٣٠.

ويدرس حاليًا صندوق مصر السيادى طرح أكثر من ١١ محطة لتحلية المياه بقدرات ومساحات مختلفة، أمام الشركات العالمية، خاصة بعد تحديد تسعيرة بيع المتر المكعب، وجدير بالذكر أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أبرمت اتفاقيات مع عدد من الشركات العالمية في مجال توطين وصناعة الوقود الأخضر.

مجلة عالمية تبرز جهود مصر في التحول إلى مركز للطاقة الخضراء

أبرزت مجلة رينيوابل إنرجي العالمية المعنية بالطاقة استثمارات مصر في مشروعات الطاقة الخضراء، قبل استضافتها للدورة رقم ٢٧ لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ بمدينة شرم الشيخ، في ضوء البروتوكول الأخير الذي وقعته الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس مع عملاق الطاقة المتجددة النرويجية سكاتك لإنشاء أول مشروع لإنتاج الأمونيا الخضراء من الهيدروجين الأخضر.

ورأت المجلة الدولية أن هذا البروتوكول يدل على تعهد الدولة المصرية بتعظيم إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة منخفضة الكربون وإنشاء مركز للطاقة الخضراء، استعدادًا لقمة المناخ. وأشارت إلى أن الطاقة الإنتاجية لمنشأة الهيدروجين والأمونيا الخضراء الجديدة تبلغ أكثر من مليون طن سنويًا، مع إمكانية زيادتها إلى ٣ مليون طن، مشيرة إلى أن المشروع الذي يتم تنفيذه في العين السخنة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس سيعمل باستخدام الهيدروجين الأخضر المنتج من الطاقة المتجددة.

ونقلت المجلة عن ريمون كارلسن، الرئيس التنفيذي لشركة سكاتك النرويجية للطاقة المتجددة، قوله (نحن فخورون بالشراكة مع الحكومة المصرية ممثلة في الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وصندوق مصر السيادي، وهيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، والشركة المصرية لنقل الكهرباء، لتحقيق هذا المشروع المنتج للأمونيا الخضراء على نطاق واسع في مصر). وأضاف نعتقد أنه لا ينبغي ادخار أي جهد لتسريع انتقال الطاقة، ويسعدنا أن نسهم في تطلع مصر إلى أن تصبح مركزًا للوقود الأخضر.

ونقلت المجلة عن يحيى زكي، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، قوله (إن الهيئة ترحب بفرصة الشراكة مع الجهات العامة والخاصة المتميزة التي تتكاتف من أجل تطوير هذا المشروع الضخم، الذي نتطلع إلى تنفيذه خلال الأشهر المقبلة كخطوة أولى نحو اعتماد تقنية الأمونيا الخضراء وإنشاء مركز صناعي للوقود الأخضر في المنطقة الاقتصادية للقناة والمساعدة في إنشاء مركز للطاقة الخضراء في مصر).

وأوضحت المجلة الدولية إنه بمجرد تنفيذ عملاق الطاقة المتجددة النرويجية سكاتك لهذا المشروع، سيتم تأمين اتفاقيات شراء طويلة الأجل لتمكين تمويل المشروع بدون حق الرجوع للأمونيا الخضراء، حيث سيتم تصدير الأمونيا الخضراء بشكل أساسي إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، في ظل تزايد الطلب على الأمونيا النظيفة بشكل سريع.

خلاصة القول، لا يستطيع العالم الاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة والنظيفة وحدها في التحول إلى مستقبل أخضر حيادي الكربون؛ كونها تتأثر بالظروف الجوية في المقام الأول، وتحتاج إلى التخزين عندما لا يحتاج الناس إليها، وتُمثل الأمونيا حلًا واعدًا لمسألة تخزين الطاقة، فمع إمكانية دمج عناصر مختلفة من نظام الطاقة، يمكن أن يصبح عنصرًا حاسمًا في الجهود العالمية لخفض انبعاثات الكربون وتعزيز استراتيجيات الحياد الكربوني الشاملة، ولكن في المرحلة الحالية من التطور التكنولوجي، يبدو أن إنتاج الأمونيا الخضراء فاعل اقتصاديًا فقط، إذا جرى على نطاق صغير في مناطق جغرافية محددة؛ إذ تسهم ظروف الطقس والمناخ في توليد الكهرباء بتكلفة منخفضة للغاية.

وهناك عوامل أخرى يمكن أن تسهل تطوير صناعة الأمونيا الخضراء في المستقبل، وبصرف النظر عن النمو المحتمل في الطلب العالمي على الأمونيا، فإن الحوافز الحكومية لإزالة الكربون من خلال فرض قيود على الانبعاثات أو ضرائب الكربون أو الإعانات أو الإعفاءات الضريبية للمستثمرين يمكن أن تعزّز إنتاج الأمونيا الخضراء، وينبغي أن يكون هناك دعم سياسي وتنظيمي لتشجيع النشر على نطاق واسع لحل التخزين، كما تحتاج القواعد المرتبطة بتخزين الطاقة، بالإضافة إلى تعريفها ذاته، إلى التطوير والتحديث والتوضيح، بحيث يجب تحفيز الابتكار، ونشر تكنولوجيا الأمونيا الخضراء، ورفع الحواجز التي تعترض نموها، وبالنسبة لمصر فقطعت على نفسها عهدًا بالمضي قدمًا لتحقيق التنمية وزيادة الاستثمار في رأس المال البشري والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والنظيف، بما يسهم في تحسين معيشة المواطن المصري، وهناك العديد من الشركات العالمية أعلنت رغبتها في تنفيذ العديد من مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا في مصر، وهناك فرص واعدة لتنفيذ مثل هذه المشروعات، لاسيما وأنها تأتي على رأس اهتمامات الحكومة خلال المرحلة الحالية.

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى