أسواق وقضايا الطاقة

قطاع الطاقة المصري إلى أين وصل بعد ثماني سنوات؟

سعت مصر إلى تنمية واستغلال ما لديها من ثروات وموارد طبيعية، والتحول من بلد يكافح لتدبير نفقات استيراد الغاز الطبيعي، إلى بلد مصدر بل وربما لاعب أساسي مؤثر في سوق الغاز العالمية، ولكي تصبح مركزًا لإنتاج وتداول الغاز الطبيعي في المنطقة، وعضوًا أساسيًّا في سوق الغاز الطبيعي العالمية. وقد مكنت العوامل والثروات الطبيعية مصر من المضي قُدمًا في خطتها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة.

مدخل

حققت الدولة المصرية في قطاع الطاقة العديد من النجاحات على كافة الأصعدة خلال السنوات الثماني الماضية، وذلك من خلال الاستفادة من الموقع الاستراتيجي والأصول والبنية التحتية، وبفضل استراتيجية الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليصبح من أكثر القطاعات التي شهدت نهضة لا مثيل لها محليًا وعالميًا في الفترة ما بين عامي ٢٠١٤ حتى ٢٠٢٢.

وذلك ما أكدته نتائج الإنجازات التي تمت على أرض الواقع خلال السنوات الماضية؛ فقد نجحت الدولة المصرية على مدار السنوات الماضية في التحول بخطى متسارعة إلى مركز إقليمي للطاقة، ولعبت العديد من العوامل دورًا كبيرًا في تعزيز دور مصر بسوق الغاز العالمية، ومن بينها تعديل التشريعات، وتعيين وترسيم الحدود، وسداد المتأخرات، والاستفادة من الموارد الغنية التي لم تكتشف بعد، مثل ثروات البحر الأحمر.

قطاع البترول والثروة المعدنية

يُشكل ما حققته الدولة المصرية في قطاع البترول والثروة المعدنية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي على مدار السنوات الثماني الماضية من نتائج أعمالًا متميزة وعلامة فارقة ستظل مضيئة في تاريخ صناعة البترول المصرية، وشهادة على النهج المتميز والاستراتيجية المرنة التي يعمل بها هذا القطاع الاستراتيجي؛ فقد نجح في تخطي الكثير من التحديات والصعوبات، وسعى إلي تحقيق العديد من الإنجازات الفارقة، فكانت أرقام ومعدلات الإنتاج، ونتائج البحث والاستكشاف، وتوقيع العديد من الاتفاقيات، وجذب كبرى الشركات العالمية، وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية؛ خير دليل على تلك الإنجازات الضخمة.

  • تحديث قطاعات البترول

نفّذ قطاع البترول والتعدين رؤية متكاملة وشاملة وذلك للتطوير والتحديث بهدف إطلاق إمكانياته، وذلك في إطار رؤية مصر ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة. وتعتمد استراتيجية التطوير والتحديث على ٣ ركائز ومحاور أساسية هي: تأمين إمدادات الطاقة، والاستدامة، والحوكمة؛ وذلك من أجل تحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة. وهي استراتيجية أتت بثمارها وأسهمت في تحقيق العديد من النجاحات الهائلة في مجال البترول والغاز الطبيعي.

  • الاتفاقيات البترولية وتحقيق الاستقرار للسوق المحلية

نجح قطاع البترول منذ عام ٢٠١٤ في إحراز تقدم هائل؛ بهدف دفع عجلة الاستثمار في مجالات البحث والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في مصر، من أجل تنمية الثروات البترولية، والعمل على تحقيق الاكتشافات الجديدة. مما انعكس على زيادة عدد شركات البترول العالمية العاملة في مصر إلى نحو ٥٠ شركة، وتم إبرام أكثر من ١٠۸ اتفاقيات بترولية جديدة مع كبرى الشركات العالمية والمحلية، ونجح القطاع في الوصول إلى تحقيق الاستقرار الكامل للسوق المحلية خلال الفترة الماضية؛ عن طريق تغطية احتياجات المواطنين وقطاعات الدولة المختلفة من المنتجات والمواد البترولية، فحقق القطاع نسبة نمو بلغت نحو ٢٥٪ عام ٢٠١۸ -٢٠١۹ مقارنة بسالب ١١٪ عام ٢٠١٥ -٢٠١٦، ونجح القطاع في عام ٢٠١۸ في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي ومعاودة التصدير مرة أخرى.

  • تعزيز المناخ الاستثماري

أدى تعزيز المناخ الاستثماري في أنشطة البحث والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في الدولة المصرية إلى نجاحها في جذب كبرى الشركات العالمية العملاقة، ودخولها في العمل داخل مصر لأول مرة في مجالات البحث والاستكشاف والإنتاج. وتأكيدًا لثقة العالم في قطاع البترول، تم تنفيذ حوالي ٣٢ مشروعًا في تنمية حقول البترول والغاز الطبيعي، بإجمالي حجم استثمارات يقدر بنحو ٥٦١ مليار جنيه.

  • ترسيم الحدود البحرية

ومن أجل التوسع في عمليات البحث والاستكشاف والتنقيب عن الغاز الطبيعي؛ تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص في سبتمبر عام ٢٠١٤، فيما تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية في أبريل عام ٢٠١٦، لتسمح ببدء مزاولة نشاط البحث عن البترول والغاز لأول مرة في هذه المنطقة البكر الواعدة، بينما تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان في أغسطس عام ٢٠٢٠.

  • الاكتشافات الضخمة من الغاز الطبيعي

حقل ظهر؛ أعلنت شركة إينى الإيطالية في ٣٠ أغسطس من عام ٢٠١٥ عن توصلها لأهم كشف للغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، ويقع على مسافة حوالي ١۹٠ كيلو متر من سواحل مدينة بورسعيد وفى عمق مياه ٤١٠٠ متر في منطقة امتياز شروق بالمياه العميقة بالبحر الأبيض المتوسط، وعلى مساحة تصل إلى حوالي ١٠٠ كيلو متر مربع. وقدرت احتياطات الحقل بحوالي ٣٠ تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، جعلته الأكبر في منطقة البحر المتوسط، بما يعادل ١٣٥٪ من احتياطيات مصر من الزيت الخام.

حقل آتول؛ تم اكتشاف الحقل في مارس من عام ٢٠١٥، ويعد واحدًا من أهم الاكتشافات الغازية التي حققتها الدولة المصرية، ويقع على بعد حوالي ۹٠ كيلومتر شمال مدينة دمياط وحوالي ٥٠ كيلومتر من تسهيلات الإنتاج الخاصة بحقل التمساح بمنطقة امتياز شمال دمياط البحرية في شرق دلتا النيل بالبحر المتوسط، في مياه عمقها حوالي ۹٢٣ مترًا، ويضم ٣ آبار بحرية بالمياه العميقة لإنتاج ٣٥٠ قدم مكعبة غاز وحوالي ١٠ آلاف برميل مكثف يوميًا.

حقل شمال الإسكندرية؛ يعد من أهم الحقول المصرية في البحر المتوسط، حيث يقع على بعد حوالي ٦٥ كيلو مترًا من ساحل مدينتي إدكو ورشيد، وعلى عمق يتراوح ما بين ٣٥٠ إلى ۸٥٠ مترًا من سطح البحر، وتقدر احتياطيات الحقل نحو ٥ تريليونات قدم مكعبة من الغاز من المرحلة الأولى في حقلي تورس وليبرا، وتولى تنفيذ المشروع تحالف مكون من شركة بي بي الإنجليزية وديا الألمانية.

حقل سلامات والقطامية الضحلة؛ يقع كشف القطامية على بعد حوالي ٦٠ كيلومتر شمال مدينة دمياط في منطقة امتياز شمال دمياط البحرية بمنطقة شرق الدلتا، وتم حفر البئر الاستكشافية القطامية الضحلة 1 حتى عمق ١۹٦١ مترًا في مياه عمقها حوالي ١٠۸ مترًا، ليكشف عن وجود طبقة حاملة للغاز سمكها حوالي ٣٧ مترا في صخور رملية عالية الجودة في تكوين البليوسين، بالإضافة إلى اكتشاف بئر الغاز بالمياه العميقة سلامات، منطقة امتياز شمال دمياط، وهو الكشف الأول في نطاق شمال دمياط البحرية.

حقل نورس؛ يقع بمنطقة الدلتا وتم الإعلان عن اكتشافه في يوليو من عام ٢٠١٥، ويصل معدل إنتاجه حاليًا إلى ١٬٢ مليار قدم مكعبة يوميًا من الغاز الطبيعي، فيما يبلغ إجمالي احتياطي الحقل حوالي ٢ تريليون قدم مكعبة من الغاز.

فضلًا عن اكتشاف الغاز بمنطقة غرب الدلتا العميقة بالبحر المتوسط؛ وبدأ الإنتاج من المرحلة الأولى بالمشروع في أبريل من عام ٢٠١٥، بمعدلات إنتاج يومية ٤٠٠ مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي و٢٥٠٠ برميل يوميًا من المتكثفات بحجم استثمارات حوالي ١٬٦ مليار دولار والتابع لشركة البرلس للغاز، فيما تسعى شركة شل إلى ربط المرحلة الثانية من المشروع قبل نهاية عام ٢٠٢٢ بطاقة إنتاجية حوالي ٣٥٠ مليون قدم مكعبة يوميًا من الغاز.

  • تشغيل مصنع إسالة الغاز بدمياط

مع إعادة تشغيل مصنع إسالة الغاز بدمياط بعد توقف دام لأكثر من ۸ سنوات، والذي يعد نجاحًا يضاف لجهود الدولة المصرية وقطاع البترول في نجاحه في تسوية قضية التحكيم الدولي الخاصة بهذا المشروع؛ تشهد صادرات الغاز المسال المصرية انتعاشًا كبير خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يعمل على فتح آفاق جديدة نحو تعظيم الدور المصري على المستوى الإقليمي والدولي في التحول إلى مركز اقليمي لتجارة وتداول الغاز والبترول، ويسهم في تحقيق عائدات لصالح الاقتصاد المصري، وتأمين إمدادات الطاقة للسوق المحلية ومشروعات التنمية والتصدير للخارج.

وتلك الخطوة أسهمت بقوة في تحول مصر إلى دولة مصدرة للغاز المسال، فبلغ إجمالي السعة والقدرة الإنتاجية لمصنعي الإسالة بإدكو ودمياط حوالي ١٢ مليون طن سنويًا، مما انعكس على زيادة حجم صادرات الغاز المسال بنسبة حوالي ١٢٣٬٣٪، لتصل إلى حوالي ٦٬٧ مليون طن عام ٢٠٢١، مقارنة بحوالي ٣ ملايين طن عام ٢٠١٣.

  • منتدى غاز شرق المتوسط

بادرت الدولة المصرية بطرح فكرة إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط خلال القمة الثلاثية والتي أقيمت في جزيرة كريت في أكتوبر من عام ٢٠١۸ وذلك بين زعماء مصر وقبرص واليونان، والفكرة لاقت استحسانًا كبيرًا وواسع النطاق من معظم دول المنطقة سواء من المنتجين أو المستهلكين للغاز الطبيعي أو دول العبور. وتم بالفعل تأسيس المنتدى، وفى أقل من ٢٠ شهرًا، تم الانتهاء من التوقيع الرسمي لميثاق المنتدى من قبل الدول السبع المؤسسة في سبتمبر من عام ٢٠٢٠ ودخول الميثاق حيز النفاذ وذلك في مارس ٢٠٢١، والذي بمقتضاه أصبح المنتدى منظمة دولية حكومية في منطقة شرق المتوسط، مقرها القاهرة.

وسعت الدولة المصرية من خلال المنظمة إلى تحقيق أهدافه، والعمل على دعم تشكيل سوق غاز إقليمية يفيد الأعضاء؛ وذلك من خلال تأمين عمليات العرض والطلب، وتحسين وتطوير الموارد، وتحسين البنية التحتية، والتسعير التنافسي، وتحسين العلاقات التجارية، وأيضًا احترام حقوق البلاد الأعضاء بالمنتدى فيما يخص مواردهم من الغاز الطبيعي، وضرورة التعاون على إدارة عملية تطوير مستدامة وفعالة وواعية بيئيًا، والحفاظ على موارد الغاز الطبيعي لمصلحة شعوبهم.

ونتيجة لذلك كله، أصبحت مصر ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في القارة الأفريقية، وذلك بعد أن نجحت في تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي. وزادت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي خلال عام ٢٠٢١ وبنسبة حوالي ٧٦۸٪ لتصل إلى حوالي ٣٬۹٥٩ مليار دولار مقابل حوالي ٤٥٦ مليون دولار خلال عام ٢٠٢٠، وليضع الدولة المصرية بذلك في صدارة ترتيب الدول العربية التي حققت النمو الأكبر في حجم صادرات الغاز الطبيعي خلال العام الماضي. ومن المتوقع أن ترتفع صادرات مصر من الغاز الطبيعي إلى حوالي ٧٬٥ مليون طن بنهاية العام المالي الحالي، حيث أنه من المخطط وضع حوالي ٣٣ بئرًا على خريطة الإنتاج خلال العام المالي المقبل، وبهدف إضافة حوالي ٤٥٠ مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وحوالي ١٧٬٢ ألف برميل متكثفات.

البتروكيماويات والقيمة المضافة

بالتوازي مع حرص قطاع البترول على تبني استراتيجية لزيادة الإنتاج من مشروعات البتروكيماويات وكهدف رئيس لإحلال الواردات بمنتج مصري، تُمثل مجمعات تصنيع البترول والبتروكيماويات بمثابة صمام الأمان من أجل توفير احتياجات السوق المحلي وبالتحديد في ظل الصعوبات والتحديات والأزمات العالمية التي يشهدها العالم حاليًا من جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية.

فبدأت الدولة المصرية تنفيذ استراتيجية صناعة البتروكيماويات الوطنية حتى عام ٢٠٤٠، من خلال وزارة البترول والثروة المعدنية بالتعاون مع الشركة القابضة للبتروكيماويات. وتستهدف الاستراتيجية تعظيم القيمة المضافة من الثروات الطبيعية وبالأخص الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تأهيل الدولة المصرية إلى أن تكون مركزًا إقليميًا لصناعة البتروكيماويات وذلك بحلول ٢٠٢٤، وفقًا للمؤشرات الاستثمارية للقطاع.

وأدت الزيادة الهائلة في معدلات إنتاج الغاز الطبيعي إلى ارتفاع كبير في حجم الإنتاج للمنتجات البتروكيماوية بمعدلات أكثر من حوالي ٤ ملايين طن في العام، وبمعدلات ارتفاع أكثر من ٥٠٪ مقارنة بحجم إنتاج السنوات الماضية، فبلغ إنتاج قطاع البتروكيماويات في مصر حوالي ٤ ملايين طن خلال العام المالي ٢٠٢٠/ ٢٠٢١، محققًا نموًا في الإيرادات بنسبة أكثر من ٥٠٪ على أساس سنوي.

وتنفذ الدولة المصرية حاليًا العديد من المشروعات الاستراتيجية في قطاع البتروكيماويات، والتي تهدف إلى تعزيز هدف الدولة في أن تصبح مركزًا إقليميًا لتجارة النفط والغاز، في ظل موقعها الاستراتيجي المتميز في المنطقة. وشرعت وزارة البترول والثروة المعدنية في تنفيذ عدد من مشروعات البتروكيماويات على نطاق محافظات الدولة المصرية، وعكست مساعي الدولة لتحقيق التنمية الشاملة للمناطق التي تقام لها، من خدمات مجتمعية وتوفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.

ويبلغ حجم الاستثمارات الخاصة بتلك المشروعات نحو أكثر من ١٨ مليار دولار. هذا وخلال الفترة من عام ٢٠١٤/٢٠١٥ وحتى الآن، تم تشغيل أكبر مشروعين في مجال صناعة البتروكيماويات بإجمالي حجم استثمارات أكثر من ٤ مليارات دولار، افتتحهما الرئيس عبد الفتاح السيسي في عام ٢٠١٦:

  • مشروع توسعات شرق موبكو (دمياط)
  • مشروع إنتاج الإيثلين ومشتقاته (الإسكندرية)

وأيضًا تم إنشاء محطة كهرباء بشركة إيثيدكو (المرحلة الأولى والثانية).

واستكمالًا لاستراتيجية قطاع البترول والثروة المعدنية للنهوض بصناعة البتروكيماويات وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، تقوم مصر حاليًا بتنمية عدد من المشروعات الجديدة والواعدة والتي تهدف إلى تعظيم القيمة المضافة، وسيكون لها العديد من الإيجابيات والمردود القوي على الاقتصاد القومي، ويُقدر إجمالي تكلفة هذه المشروعات نحو ۸ مليارات دولار، ومن هذه المشروعات:

  • مشروع إنشاء الألواح الخشبية متوسطة الكثافة والغراء.
  • مشروع إنتاج مشتقات الميثانول.
  • مشروع مجمع البحر الأحمر.
  • إنشاء وحدة جديدة بشركة إيثيدكو.
  • توقيع اتفاقية المساهمين لتأسيس شركة مصر للميثانول والبتروكيماويات لإنتاج الميثانول والأمونيا والبتروكيماويات وغيرها.
  • مجمع التكرير والبتروكيماويات بمدينة العلمين الجديدة.

الوفرة في إنتاج الغاز الطبيعي

أدت الوفرة الهائلة في إنتاج الغاز الطبيعي المصري إلى توسع الدولة المصرية في زيادة عدد الوحدات السكنية التي تم توصيلها بالغاز الطبيعي، وزيادة المستفيدين من هذه الخدمة بوتيرة سريعة، فأكثر من نصف عدد الوحدات السكنية التي تم توصيلها بالغاز الطبيعي على مدار أكثر من ٤٢ عامًا قد تحقق فقط في آخر ۸ سنوات؛ فقد تم توصيل أكثر من ٧٬٣ مليون وحدة سكنية خلال هذه المدة البسيطة.

وجارٍ الآن العمل على توصيل حوالي مليون و٢٠٠ ألف وحدة سكنية كل عام بالغاز الطبيعي، وليصل عدد الوحدات السكنية المستفيدة إلى نحو ١٣٬٥ مليون وحدة سكنية حاليًا، وذلك لتغطي كل أنحاء الجمهورية، مما أسهم أيضًا في توفير دعم البوتاجاز بمقدار نحو ٢٠ مليار جنيه سنويًا. 

وتم أيضًا التوسع في زيادة إنشاء محطات تموين السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي؛ بهدف الوصول إلى ألف محطة، فيبلغ عدد المحطات الحالية حوالي ۸٥٠ محطة تغطي جميع محافظات مصر ومنتشرة على جميع الطرق والمحاور الرئيسة. وفي إطار مبادرة تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي، تم تحويل حوالي ٤٣٧ ألف سيارة. 

مسارات أخرى

التوجه إلى الاقتصاد الأخضر

فى ضوء التوجه العالمي نحو التحول والاهتمام بالاقتصاد الأخضر، يجري التنسيق مع الوزارات المعنية لإعداد استراتيجية وطنية لإنتاج الهيدروجين، وتم كذلك توقيع العديد من مذكرات التفاهم بين شركات قطاع البترول وعدد من الشركات العالمية والمتخصصة في مجالات التحول الطاقي وإزالة الكربون والهيدروجين، والتي تضمنت شركات (تكنيب، تويوتا تسوشو، إيني، تكنيكاس ريونيداس، وديمي)، بالإضافة إلي التعاون مع عدد من الدول وكبري شركات الطاقة العالمية والرائدة والتي اتخذت خطوات سريعة ومتقدمة في مجالات التحول إلي الطاقة الخضراء وذلك بهدف الاستفادة من تجاربها الناجحة.

تطوير الموانئ النفطية

وضمن خطتها الاستراتيجية لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز الطبيعي والنفط، تخطط الدولة المصرية لتطوير العديد من الموانئ النفطية، وبهدف مواكبة زيادة الطلب المتوقع على تجارة الوقود في المنطقة خلال السنوات المقبلة.

قطاع التعدين المصري

اتخذت وزارة البترول والثروة المعدنية خطوات جادة وحثيثة لتطوير قطاع التعدين والعمل على رفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي (والتي لا تتعدى حوالي ٠٬٥٪)، بداية من تطوير التشريعات ذات الصلة لجذب الاستثمارات الأجنبية، ضمن استراتيجية شاملة لتطوير هذا القطاع الحيوي بمختلف أنشطته، وبهدف تحقيق أقصى استفادة ممكنة من ثروات مصر التعدينية، والعمل على زيادة القيمة المضافة منها، ضمن خطة طموحة لتحويل الدولة المصرية إلى مركز عالمي للتعدين، فتستهدف تلك الخطة محاولة الوصول بصادرات القطاع التعديني المصري إلى حوالي ١٠ مليارات دولار بحلول عام ٢٠٤٠ مقارنة بحوالي ١٬٦ مليار دولار حاليًا، ومن المتوقع في هذا الإطار إسناد أكثر من حوالي ٢٠٠ منطقة امتياز للبحث والاستكشاف التعديني في مصر.

وفي الوقت نفسه، يسعى قطاع البترول إلى تحقيق رؤية الدولة المصرية في التحول لمركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز الطبيعي والبترول، في ضوء ما تمتلكه من مقومات وموارد غنية تؤهلها لتحقيق هذا التحول؛ بداية من الموقع الجغرافي الاستراتيجي والذي يتوسط الدول الغنية بمصادر الطاقة وكبار المستهلكين، بالإضافة إلى امتلاكها أهم ممر ملاحي عالمي وهو قناة السويس، فضلًا عن البنية الأساسية القوية في مجالات الغاز الطبيعي والنفط.

قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة

يُمثل قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة ركيزة أساسية ومن أهم ركائز التنمية الشاملة، وقد تمكن خلال السنوات الثماني الماضية من تحقيق العديد من النجاحات الضخمة، مما أدى إلي تحقيق تقدم واضح وقوي في توفير التغذية الكهربائية والقضاء على انقطاع الكهرباء الذي عانت منه الدولة المصرية بشدة خلال فترة ما قبل عام ٢٠١٤.

وذلك عن طريق إنشاء العديد من المحطات الجديدة لتوليد الكهرباء وتنويع مصادر إنتاجها، وهو الأمر الذي انعكس على قدرة الدولة المصرية على التغلب على التحديات والصعوبات الكبيرة التي واجهتها في عمليات توفير الطاقة للسوق المحلية خلال السنوات الماضية، وبفضل الدعم الرئاسي غير المسبوق والمتابعة المتواصلة من القيادة السياسية وذلك من أجل تأمين العبور إلى الجمهورية الجديدة.

فنفذت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة حوالي ٤۸ مشروعًا لإنتاج الكهرباء من المصادر التقليدية، وبتكلفة إجمالية بلغت حوالي ٢٧١ مليار دولار، وأبرزها ٣ محطات عملاقة في العاصمة الإدارية الجديدة وبني سويف والبرلس بطاقة إنتاجية حوالي ١٤٬٤ ألف ميجاوات، بالإضافة إلى استمرار تطبيق نُظم كفاءة الطاقة على كافة المستويات، والعمل على ميكنة الخدمات الذكية، والتوسع في تركيب العدادات الذكية وإنشاء مراكز تحكم جديدة.

مما أدى إلي نجاح قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة في القدرة على تحويل عجز القدرات الكهربائية من حوالي ٦ آلاف ميجاوات في عام ٢٠١٤ إلى فائض بلغ حوالي ١٣ ألف ميجاوات في ٢٠٢٠، وذلك بعد النجاح في إضافة نحو حوالي ٢۸ ألف ميجاوات من القدرات الكهربائية، وبما يعادل ضعف ما كان متوفرًا في عام ٢٠١٤ ومما انعكس على نجاح الدولة في الوصول إلى نسبة إتاحة الكهرباء لجميع الاستخدامات إلى ١٠٠٪، مما أدى إلى تقدم مصر ٤٤ مركزًا في مؤشر جودة إمدادات الكهرباء وفقًا لتقرير التنافسية العالمية في عام ٢٠١٩.

ولضمان استقرار واستمرار التغذية الكهربائية، تم وضع خطة شاملة لتطوير شبكات نقل وتوزيع الكهرباء من خلال حوالي ٣٧٥ مشروعًا لنقل الكهرباء، ويجري تنفيذها بإجمالي حجم استثمارات حوالي ٧٠٬٧ مليار جنيه، ومشروعات توزيع الكهرباء بإجمالي حجم استثمارات حوالي ٤١٬۸ مليار جنيه، وافتتحت مصر أول مراكز التحكم الآلي خلال عام ٢٠٢١، والذي يُعد أول المراكز الآلية في شبكة التوزيع، وذلك في إطار سعي الدولة المصرية إلى تحويل الشبكة الحالية إلى شبكة رقمية. وتعمل وزارة الكهرباء أيضًا على إنشاء حوالي ٤٧ مركز تحكم على عدد ٥ مراحل في شبكات توزيع الكهرباء لتغطية كافة أنحاء الجمهورية.

وفي إطار دور مصر الريادي والداعم في القارة الأفريقية، نفذت العديد من المشروعات المهمة والاستراتيجية، والتي من بينها إتمام مشروع الربط الكهربائي مع السودان، ويجري الآن زيادة قدرة خط الربط بينهما ليصل ما بين ٢٤٠ و٣٠٠ ميجاوات، وتدرس وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة مشروع رفع قدرة خط الربط الكهربائي مع ليبيا بقدرة حوالي ١٠٠٠ ميجاوات.

بالإضافة إلى هذه المساعي الإقليمية، تسعى الدولة المصرية كذلك إلى أن تصبح محورًا ومركزًا عالميًا لنقل الكهرباء والطاقة لدول الجوار ودول القارة الأوروبية، وبدأت وزارة الكهرباء بالفعل في عقد العديد من صفقات الربط الكهربائي مع العديد من الدول المجاورة، ومن بينها عمليات الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية، والتي تهدف إلى تبادل الكهرباء وذلك بقدرة تبلغ حوالي ٣ آلاف ميجاوات وبهدف الاستفادة من تباين أوقات الذروة بين البلدين.

وكذلك مشروع الربط الكهربائي مع دولتي العراق والأردن، حيث تتبادل مصر والأردن الكهرباء بقدرة تبلغ حوالي ٥٠٠ ميجاوات، وتم الاتفاق أيضًا على رفع قدرة الطاقة الكهربائية بينهما إلى حوالي ١٠٠٠ ميجاوات، وذلك لتمكينهما من تبادل الكهرباء مع العراق، وبحيث تتراوح القدرة الكهربائية التي ستصدرها مصر إلى العراق في المراحل الأولية ما بين حوالي ٥٠٠ و٧٠٠ ميجاوات، وبالإضافة إلى ذلك يجري دراسة مشروعات للربط الكهربائي دولتي مع اليونان وقبرص. 

وفى سعي الدولة المصرية في نشر الطاقة المتجددة، أولت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة اهتمامًا كبيرًا بمشروعات إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة والنظيفة، وبلغ عدد المشروعات القومية والتي تم ويجري تنفيذها حوالي ١٧ مشروعًا بتكلفة إجمالية حوالي ٥١٬۸ مليار جنيه؛ لإضافة حوالي ٥ آلاف و٣٠٣ ميجاوات من الطاقة المتجددة والنظيفة (طاقة الرياح/الطاقة الشمسية/الطاقة المائية).

ومن أهم تلك المشاريع محطات إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح في جبل الزيت وبتكلفة إجمالية حوالي ۹٬۸ مليار جنيه، ومجمع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بنبان (عاصمة الطاقة الشمسية في العالم) وبإجمالي حجم استثمارات بلغ حوالي ٣٥٬٢ مليار جنيه، ومحطة إنتاج كهرباء كهرومائية بقناطر أسيوط وبتكلفة إجمالية حوالي ١٬٧ مليار جنيه.

ومن أجل تشجيع مشاركة القطاع الخاص في مشروعات الطاقة المتجددة. وبالتوازي مع الجهود السابقة، تم اتخاذ العديد من الإجراءات وكانت أهم خطوة هي التعديلات التشريعية لإزالة عقبات وصعوبات جذب الاستثمارات في هذا المجال، وتم أيضًا إعلان برنامج إصلاح التعريفة الكهربائية، وكذلك تعديل قانون إنشاء هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بحيث يسمح لها بإنشاء شركات بمفردها أو بالشراكة مع القطاع الخاص لبناء وتشغيل مشروعات الطاقة المتجددة.

كل هذه الخطوات الجادة أدت إلي زيادة الدور الريادي للدولة المصرية في قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة على المستويين الإقليمي والدولي، وانعكس ذلك أيضًا على سرعة الوصول إلى حالة من الاستقرار الملحوظ في قطاع الكهرباء والحفاظ على أسعار الكهرباء عند معدلات ومستويات سعرية مناسبة. وفي هذا السياق أشارت إحصاءات دولية إلى أن أسعار الكهرباء في الدولة المصرية لا تزال منخفضة، وذلك مقارنة بالمستويات السعرية العالمية، فضلًا عن تصدير فائض من إنتاج الكهرباء ومما أدى إلى عقد المزيد من صفقات الربط الكهربائي مع دول الجوار.

مجمل القول، تمضي الدولة المصرية قدمًا نحو بناء جمهوريتها الجديدة، وتولي اهتمامًا بالغًا وكبيرًا بقطاع الطاقة؛ إيمانًا منها وإدراكًا لدوره الحيوي والفعال كمحرك أساسي ومؤشر للنمو الاقتصادي، واضعة أمامها أن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة هو أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبصفة عامة، فإن الدولة المصرية تسير بخطوات جادة وسريعة لأن تصبح لاعبًا اساسيًا في لعبة الطاقة العالمية وبالأخص بعدما قدمت نفسها كمحور استقرار في المنطقة في سوق الطاقة العالمية، وشريك يمكن التعويل عليه.

+ posts

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى