أسواق وقضايا الطاقة

طفرة في ملف الغاز الطبيعي المصري…من العجز إلى الفائض

مرت رحلة الغاز المصري بمحطات عدة، فبعد أن كانت القاهرة تستورده سنويًا بمليارات الدولارات، باتت تستهدف الآن أن تصبح مركزًا للطاقة خلال السنوات المقبلة، وعامًا بعد عام، يظل قطاع الغاز الطبيعي من أهم القطاعات التي تحظى باهتمام وتطوير مستمر، سواء في زيادة معدلات الإنتاج، أو في زيادة عدد الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي.

ومرت مصر برحلة شيقة في تحولها الكبير من دولة مستهلكة للغاز الطبيعي ولديها عجز في توفير تلك الوسيلة المهمة للطاقة لتصبح دولة مصدرة للغاز، وأصبحت اكتشافات الغاز الطبيعي التي شهدتها الدولة المصرية في الفترة من (٢٠١٤-٢٠٢٢) قادرة على تغيير المشهد المصري للطاقة بشكل كامل، وهو ما ساهم بتحويل مصر من بلد مستورد إلى مصدر للغاز، مما أدى لتغيير وضع مصر على خريطة الطاقة العالمية فبرزت كقوة كبيرة في إنتاج الغاز ليس على مستوى المنطقة بل العالم بأسره، ما ساهم فى انطلاق مسيرة البناء والتنمية على أرض المحروسة.

تاريخيًا

تمثل منطقة البحر الأبيض المتوسط النصيب الأكبر من إنتاج الغاز الطبيعي في مصر بنسبة ٦٢٪ تليها دلتا النيل بنسبة ١۹٪ ثم الصحراء الغربية بنسبة ١۸٪ وذلك من خلال حوالي ٢٠ شركة ومن أهمهم (شركة بتروبل، شركة خالدة، شركة الفرعونية، شركة بدر الدين، وشركة البرلس) ومن أهم الشركات الأجنبية العاملة بأنشطة الإنتاج في مصر (إيني الإيطالية، أباتشي الأمريكية، بي بي الإنجليزية وشل الهولندية).

وتم اكتشاف أول حقل بري للغاز في منطقة أبو ماضي في دلتا النيل عام ١٩٦٧ من قبل شركة بلاعيم للبترول والذي كان بداية الاستكشافات الكبرى للغاز الطبيعي في مصر، وتبعه اكتشاف حقل أبو قير البحري في البحر المتوسط في عام ١٩٦٩ وهو أول حقل بحري للغاز الطبيعي في مصر ثم حقل أبو الغراديق في الصحراء الغربية في عام ١٩٧١.

تم مؤخرًا تحقيق العديد من اكتشافات الغاز الطبيعي العملاقة لتلبية احتياجات السوق المحلى المتزايدة ومنها نورس بدلتا النيل، وكشف شمال الإسكندرية وغرب دلتا النيل بالبحر المتوسط، وكشف ظهر الذي يعتبر أكبر كشف غاز طبيعي بالبحر المتوسط ومن أكبر اكتشافات الغاز الطبيعي بالعالم، ونجح قطاع البترول في الخمس سنوات الماضية في تحقيق زيادة غير مسبوقة في معدلات الإنتاج، حيث ارتفع المتوسط اليومي للإنتاج من حوالي ٤ مليار قدم مكعب يوميًا خلال عام ٢٠١٥ حتى وصل إلى حوالي ٧٬١ مليار قدم مكعب يوميًا وتم تحقيق الاكتفاء الذاتي في سبتمبر ٢٠١۸.

وأشارت جميع التقارير وبيانات الطاقة العالمية، أن خريطة الغاز الطبيعي ستتغير فى العالم كله باستخراجات حقول البحر المتوسط بما تحمله من إنتاج ضخم، وهناك من يعي جيدًا أن مصر هي المستفيد الأكبر من تلك الاكتشافات كونها ستتحول إلى مركز إقليمي للطاقة من خلال تصدير الغاز من المتوسط إلى الدول التى ترغب فى تسييله وتصديره إلى أوروبا شمالا وآسيا شرقا.

مدخل

وضعت الدولة المصرية بعد عام ٢٠١٤ نصب أعينها خطة طموحة نحو التحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز، وأيضًا المساهمة في تأمين احتياجات الأسواق العالمية من الطاقة والغاز الطبيعي، لاسيما مع تنامي الطلب في الأسواق الأوروبية على الغاز المسال، وذلك بعد نجاحها في تحقيق الاكتفاء الذاتي منه، بما تمتلكه من بنية تحتية قوية تتمثل في شبكات ومصانع إسالة وموانئ تؤهلها للقيام بهذا الدور الهام، فضلًا عن إطلاقها استراتيجية قومية تقوم على جذب الاستثمارات الأجنبية في مجال البحث والاستكشاف عن البترول والغاز، وتكثيف طرح المزايدات العالمية وتوقيع الاتفاقيات، بالإضافة إلى تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط والذي مثل نقطة محورية وفاصلة في جهود مصر لتعزيز قدراتها الإنتاجية والتصديرية، لتصبح بذلك لاعبًا أساسيًا في سوق الغاز العالمي.

(كنا هنا).. أعوام من الأزمات 

تم اكتشاف الغاز الطبيعي في مصر بكميات تصلح للاستغلال التجاري في مياه البحر الأبيض المتوسط في عام ١۹۹۸ وفي الدلتا في عام ١۹٦٧ وبلغ الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي في عام ١۹۹۹حوالي ٣٦ تريليون قدم مكعب وارتفع في عام ٢٠٠٦ إلى ٦٧ تريليون قدم مكعب وهو ما ساعد على تحويل مصر إلي دولة مصدرة عام ٢٠٠٥، حيث بلغت أقصي معدلاتها حوالي ٢٠ مليار متر مكعب ثم تراجعت جراء توقف الاستثمارات مع عدم وجود  اكتشافات جديدة بالإضافة إلى تدني السعر والذي بلغ حوالي ٢٬٦٥ دولار/مليون وحدة حرارية وحتي توقف التصدير نهائيا في عام ٢٠١١ نتيجة لعمليات التخريب التي تعرضت لها خطوط النقل، وتم اغلاق معامل التسييل وأرصفة التصدير مما عمل علي تراكم مستحقات الشركاء الأجانب ووقوع أزمة شديدة اختلت معها واردات الطاقة حوالي خُمس فاتورة الاستيراد والتهم دعمها خُمس الإنفاق العام. 

فالغاز الطبيعي يعتبر من أهم المدخلات الهامة في البنية التحتية لتوليد الطاقة في مصر، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كان الغاز الطبيعي يمثل في عام ٢٠١٣ نسبة حوالي ٥١٬٥٪ من مجموع الطاقة الأولية التي يتم إنتاجها في مصر، وكان يُستخدَم في إنتاج حوالي ٧٦٬۸٪ من التيار الكهربائي الذي يتم توليده، لم يكن هذا الاعتماد على الغاز الطبيعي يطرح مشكلة عندما كان هناك فائض في مصر، وفقًا للمراجعة الإحصائية التي وضعتها شركة بي بي عن الطاقة العالمية لعام ٢٠١٥ حيث بلغ الإنتاج المحلي للغاز الطبيعي الذروة مع ٦ مليارات قدم مكعب في اليوم في عام ٢٠٠۹ ، عندما كان معدّل الاستهلاك لا يتعدى حوالي ٤٬١١ مليارات قدم مكعب في اليوم، ولكن بحلول عام ٢٠١٣، كان إنتاج الغاز المحلي قد تراجع بنسبة حوالي ٢٢٪ ليصبح حوالي ٤٬١٧ مليارات قدم مكعب في اليوم.

ويُعتبَر النقص الحاد في الغاز الطبيعي من الأزمات الأكثر إلحاحًا التي واجهها الاقتصاد المصري في تلك الفترة، وفي المقابل، دفع النمو السكاني المتزايد والسريع في مصر، والمصحوب بتهافت شديد على استعمال الأدوات الكهربائية والإلكترونية ومكيفات الهواء، بالاستهلاك إلى بلوغ الذروة مع ٥٬٠٩ مليارات قدم مكعب في اليوم في عام ٢٠١٢ (ومع العلم بأنه شهد هبوطًا شديدًا في العامين ٢٠١٣ و٢٠١٤، بسبب محدوديات التموين)، وتزامن ذلك مع التباطؤ الشديد في إنتاج الغاز الطبيعي وتوقف الحكومة عن إبرام عقود جديدة للتنقيب عن الغاز في فترة أحداث يناير عام ٢٠١١ وحتي نهاية عام ٢٠١٣ وكانت النتيجة انتهاء الفائض في الغاز الطبيعي المصري، وخسارة مصر لمكانتها كمصدرة صافية للطاقة.

ملخص العجز الذي شهدته الدولة المصرية في تلك الفترة

  • تحولت مصر إلى مستورد للغاز الطبيعي منذ عام ٢٠١٤ كنتيجة طبيعية لما حدث في الفترة ما بين ٢٠١١ و٢٠١٤، حيث وصل معدل العجز لحوالي ٠٬٢ مليار متر مكعب، بعدما سجل حجم الإنتاج ٤٦٬۸ مليار متر مكعب، ومعدل الاستهلاك حوالي ٤٧ مليار متر مكعب.
  • بلغ العجز في عام ٢٠١٥ حوالي ٧٬١ مليار متر مكعب، حيث سجل حجم الإنتاج حوالي ٤١٬٦ مليار متر مكعب، ومعدل الاستهلاك حوالي ٤۸٬۸ مليار متر مكعب، بينما بلغ العجز ۸٬۹ مليار متر مكعب في عام ٢٠١٦، حيث سجل حجم الإنتاج حوالي ٤٦٬٣ مليار متر مكعب، والاستهلاك حوالي ٥٥٬٢ مليار متر مكعب.
  • أن حجم إنتاج الغاز الطبيعي في مصر في عام ٢٠١٣ سجل ٥٢٬٢ مليار متر مكعب، والاستهلاك حوالي ٥٠ مليار متر مكعب، والفائض ٢٬٢ مليار متر مكعب، في حين سجل الإنتاج حوالي ٥۸٬۸ مليار متر مكعب في عام ٢٠١٢، والاستهلاك حوالي ٥٢٬١ مليار متر مكعب، والفائض ٦٬٧ مليار متر مكعب، بينما سجل حجم الإنتاج ٦١٬٣ مليار متر مكعب في عام ٢٠١١، والاستهلاك ٥١٬۸ مليار متر مكعب، والفائض ۹٬٥ مليار متر مكعب.

الجهود المصرية وبداية سنوات الازدهار

وضعت الدولة المصرية نصب أعينها خطة طموحة للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز الطبيعي، والمساهمة في تأمين احتياجات الأسواق العالمية من الطاقة، لاسيما مع تنامي الطلب في الأسواق الأوروبية على الغاز المسال، وذلك بعد نجاحها في تحقيق الاكتفاء الذاتي منه في سبتمبر من عام ٢٠١۸، بما تمتلكه من بنية تحتية قوية تتمثل في شبكات ومصانع إسالة وموانئ تؤهلها للقيام بهذا الدور الهام، فضلًا عن إطلاقها استراتيجية قومية تقوم على جذب الاستثمارات الأجنبية في مجال البحث والاستكشاف والتنقيب عن البترول والغاز، وتكثيف عمليات طرح المزايدات العالمية وتوقيع الاتفاقيات، بالإضافة إلى تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط والذي مثل نقطة محورية وفاصلة في جهود مصر لتعزيز قدراتها الإنتاجية والتصديرية، لتصبح بذلك لاعبًا أساسيًا في سوق الغاز العالمي، ومن هنا نبرز جزء من تلك الجهود والتي وضعتها الدولة المصرية:

توقيع اتفاقيات بحث واستكشاف

عملت الدولة المصرية علي زيادة وتشجيع الاستثمارات حيث تم توقيع ۹۹ اتفاقية بحرية بترولية جديدة مع الشركات العالمية والأجنبية للبحث عن البترول والغاز باستثمارات بلغ حدها الأدنى حوالي ١٧ مليار دولار، ومنح توقيع تقدر بنحو ١٬١ مليار دولار لحفر ٣۸٤ بئرًا خلال الفترة من يوليو ٢٠١٤ حتى يونيو ٢٠٢١، وذلك بعد التوقف عن توقيع الاتفاقيات لأكثر من ٣ سنوات وبالتحديد منذ عام ٢٠١٠ وحتى أكتوبر ٢٠١٣.

ترسيم الحدود البحرية

ومن أجل التوسع في عمليات البحث والاستكشاف والتنقيب عن الغاز الطبيعي؛ تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص في سبتمبر عام ٢٠١٤، فيما تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية في أبريل عام ٢٠١٦، لتسمح ببدء مزاولة نشاط البحث عن البترول والغاز لأول مرة في هذه المنطقة البكر الواعدة، بينما تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان في أغسطس عام ٢٠٢٠.

الحقول المصرية

وتمتلك مصر عددا كبيرًا من اكتشافات الغاز فى البحر المتوسط سواء فى المياه الضحلة أو العميقة، مثل حقول الإسكندرية وحقول آتول ويأتي اكتشاف حقل (ظهر) والذي يعد قصة نجاح متميزة فى تاريخ صناعة البترول والغاز المصرية ويحظى بفخر واهتمام المصريين جميعًا، وغيرها من الحقول والنجاحات الهائلة في ملف التنقيب والبحث عن الغاز الطبيعي. 

حقل ظهر؛ أعلنت شركة إينى الإيطالية في ٣٠ أغسطس من عام ٢٠١٥ عن توصلها لأهم كشف للغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، ويقع على مسافة حوالي ١۹٠ كيلو متر من سواحل مدينة بورسعيد وفى عمق مياه ٤١٠٠ متر فى منطقة امتياز شروق بالمياه العميقة بالبحر الأبيض المتوسط، وعلى مساحة تصل إلى حوالي ١٠٠ كيلو متر مربع، وقدرت احتياطات الحقل بحوالي ٣٠ تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، جعلته الأكبر في منطقة البحر المتوسط، بما يعادل ١٣٥٪ من احتياطيات مصر من الزيت الخام.

حقل آتول؛ تم اكتشاف الحقل فى مارس من عام ٢٠١٥ ويعد واحدًا من أهم الاكتشافات الغازية التى حققتها الدولة المصرية، ويقع على بعد حوالي ۹٠ كيلومتر شمال مدينة دمياط وحوالي ٥٠ كيلومتر من تسهيلات الإنتاج الخاصة بحقل التمساح بمنطقة امتياز شمال دمياط البحرية فى شرق دلتا النيل بالبحر المتوسط، فى مياه عمقها حوالي ۹٢٣ مترًا، ويضم حقل آتول ٣ آبار بحرية بالمياه العميقة لإنتاج ٣٥٠ قدم مكعب غاز وحوالي ١٠ آلاف برميل مكثف يوميًا.

حقل شمال الإسكندرية؛ يعد من أهم الحقول المصرية فى البحر المتوسط، حيث يقع على بعد حوالي ٦٥ كيلو مترًا من ساحل مدينتي إدكو ورشيد، وعلى عمق يتراوح ما بين ٣٥٠ إلى ۸٥٠ مترًا من سطح البحر، وتقدر احتياطيات الحقل نحو ٥ تريليونات قدم مكعب من الغاز من المرحلة الأولى فى حقلي تورس وليبرا، وتولى تنفيذ المشروع تحالف مكون من شركة بي بي الإنجليزية وديا الألمانية.

حقل سلامات والقطامية الضحلة؛ يقع كشف القطامية على بعد حوالي ٦٠ كيلومتر شمال مدينة دمياط فى منطقة امتياز شمال دمياط البحرية بمنطقة شرق الدلتا، وتم حفر البئر الاستكشافية القطامية الضحلة 1 حتى عمق ١۹٦١ مترًا فى مياه عمقها حوالي ١٠۸ مترًا، ليكشف عن وجود طبقة حاملة للغاز سمكها حوالي ٣٧ مترا فى صخور رملية عالية الجودة فى تكوين البليوسين، بالإضافة لاكتشاف بئر الغاز بالمياه العميقة سلامات، منطقة امتياز شمال دمياط، وهو الكشف الأول فى نطاق شمال دمياط البحرية.

حقل نورس؛ يقع بمنطقة الدلتا وتم الإعلان عن اكتشافه فى يوليو من عام ٢٠١٥، ويصل معدل إنتاجه حاليًا إلى ١٬٢ مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي، فيما يبلغ إجمالي احتياطي الحقل حوالي ٢ تريليون قدم مكعب من الغاز.

كما تم اكتشاف الغاز بمنطقة غرب الدلتا العميق بالبحر المتوسط؛ وبدأ الإنتاج من المرحلة الأولى بالمشروع فى أبريل من عام ٢٠١٥، بمعدلات إنتاج يومي ٤٠٠ مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و٢٥٠٠ برميل يوميًا من المتكثفات بحجم استثمارات حوالي ١٬٦ مليار دولار والتابع لشركة البرلس للغاز، فيما تسعي شركة شل على ربط المرحلة الثانية من المشروع قبل نهاية عام ٢٠٢٢ بطاقة إنتاجية حوالي ٣٥٠ مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز.

تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط

فيما كانت الأنظار كلها تتجه صوب منطقة شرق المتوسط وما تحمله من ثروات للغاز، جاءت مبادرة مصر بتأسيس منظمة غاز شرق لمتوسط، لتكون بمثابة سوق إقليمية تعمل على استغلال ثروات الغاز وتأمين احتياجات الدول الأعضاء، واعتبرت مصر هذه المنظمة، نقطة فاصلة في جهودها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، بما لديها من بنية تحتية هائلة وقوية قادرة على استقبال الغاز المكتشف في البحر المتوسط، وإسالته وإعادة تصديره، حيث بادرت بفكرة إنشاءه خلال قمة جزيرة كريت بين زعماء مصر وقبرص واليونان في أكتوبر عام ٢٠١۸، كما تم توقيع ميثاق المنتدى في سبتمبر عام ٢٠٢٠، ودخل حيز النفاذ في مارس عام ٢٠٢١، والذي بمقتضاه أصبح منظمة دولية حكومية، وتعد المنظمة مظلة للتعاون والتكامل الإقليمي لاستغلال موارد الغاز التي تزخر بها منطقة شرق المتوسط لتحقيق أقصى فائدة للمنطقة، وأن مؤسسي المنظمة ٧ دول أعضاء هم مصر، واليونان، وقبرص، وفلسطين، وإسرائيل، والأردن، وإيطاليا، وانضمت لهم فرنسا فيما بعد، بينما انضم للمنظمة كمراقبين كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. 

تشغيل مصنع إسالة الغاز بدمياط

مع إعادة تشغيل مصنع إسالة الغاز بدمياط بعد توقف دام لأكثر من ۸ سنوات، والذي يعد نجاحًا يضاف لجهود الدولة المصرية وقطاع البترول في نجاحه في تسوية قضية التحكيم الدولي الخاصة بهذا المشروع، حيث ستشهد صادرات الغاز المسال المصرية انتعاشًا كبير خلال الفترة القادمة وهو ما سيعمل علي فتح آفاق جديدة نحو تعظيم الدور المصري علي المستوى الإقليمي والدولي في التحول لمركز اقليمي لتجارة وتداول الغاز والبترول، كما سيساهم فى تحقيق عائدات لصالح الاقتصاد المصري وتأمين إمدادات الطاقة للسوق المحلي ومشروعات التنمية والتصدير للخارج.

وتلك الخطوة ساهمت بقوة في تحول مصر إلى دولة مصدرة للغاز المسال، مصنعي الإسالة والبنية التحتية القوية والتي تتمتع بها الدولة المصرية في صناعة الغاز الطبيعي، حيث بلغت إجمالي السعة والقدرة الإنتاجية لمصنعي الإسالة بإدكو ودمياط حوالي ١٢ مليون طن سنويًا، بالإضافة إلي عودة مصنع دمياط للتصدير بعد توقف عن العمل دام لأكثر من ۸ سنوات، حيث قامت مصر بتصدير أول شحنة من الغاز المسال من المصنع في مارس من عام ٢٠٢١، مما انعكس علي زيادة حجم صادرات الغاز المسال بنسبة حوالي ١٢٣٬٣٪، لتصل إلى حوالي ٦٬٧ مليون طن عام ٢٠٢١، مقارنة بحوالي ٣ ملايين طن وذلك عام ٢٠١٣.

ومن العوامل التي ساعدت مصر في التحول من دولة مستوردة إلى مُصدرة للغاز المسال لمختلف الأسواق العالمية، تكثيف عمليات البحث والاستكشاف وتنمية حقول الغاز الطبيعي، حيث تم تنفيذ أكثر من ٣٠ مشروعًا لتنمية حقول الغاز الطبيعي وذلك منذ يوليو عام ٢٠١٤ حتى سبتمبر من عام ٢٠٢١، وذلك بإجمالي حجم استثمارات بلغ حوالي ٥١٤ مليار جنيه، وكان نتيجة لتلك الجهود وتكثيف مشروعات البحث والتنمية؛ وصول القدرة الإنتاجية الحالية للدولة المصرية من الغاز الطبيعي سنويًا إلى حوالي ٧٣٬٤ مليار متر مكعب.

ومن أهم وأبرز تلك المشروعات هي مشروع تنمية حقل (ظهر) في منطقة شروق بالبحر المتوسط وبقدرة إنتاجية سنوية تبلغ ٢۸ مليار متر مكعب، ومشروع تنمية حقل ريفين بسعة إنتاجية سنوية حوالي ۸٬٧ مليار متر مكعب، بالإضافة إلى مشروع تنمية حقل نورس بسعة إنتاجية سنوية حوالي ٤٬٦ مليار متر مكعب.

وساعدت محاولات فتح وتنويع أسواق الغاز أمام الغاز المصري المسال الدولة المصرية على التحول السريع لدولة مصدرة، حيث أنه هناك حوالي ٢٠ دولة استوردت الغاز المصري المسال منذ بدء عودة عمليات التصدير، ومن ضمنها حوالي ٤ أسواق جديدة تم افتتاحها أمامه في كل من كرواتيا وبنجلاديش وتركيا وباكستان، بالإضافة إلى أنه يتم تصدير الغاز الطبيعي للأردن، بينما يتم تصدير الغاز المسال لكل من فرنسا والهند وباكستان وسنغافورة والصين واليونان والمملكة المتحدة وتايوان وتايلاند وبلجيكا وكرواتيا وبنما والكويت وتركيا وإسبانيا اليابان وسنغافورة، وفرنسا، والهند، وباكستان، والصين، وتركيا، واليونان، وإيطاليا، والكويت، وبنجلاديش، والمملكة المتحدة، وإسبانيا، وتايوان، وكوريا الجنوبية، وبلجيكا، وبنما، والإمارات، وتايلاند، وكرواتيا.

وجارٍ تنفيذ الآن مشروع مشترك (خط) بين قبرص ومصر لإعادة التصدير، حيث يبلغ طول الخط المزمع إنشاؤه من قبرص حتى مصنع الإسالة بإدكو حوالي ٣۸٠ كيلومتر، بالإضافة إلى إنه تجري حاليًا عمليات استئناف تصدير الغاز الطبيعي للبنان.

الاكتفاء الذاتي والتحول إلى تصدير الغاز الطبيعي

نجحت الدولة المصرية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي في سبتمبر من عام ٢٠١۸، ومن ثم عادت إلى الخريطة العالمية لتصدير الغاز الطبيعي والمسال، حيث سجلت عام ٢٠١۸/٢٠١۹ إنتاجًا بحجم ٦٦٬١ مليار متر مكعب، وحجم استهلاك ٦١٬۸ مليار متر مكعب، وفائضًا حوالي ٤٬٣ مليار متر مكعب، وجدير بالذكر أن مصر قد تحولت إلى مستورد للغاز الطبيعي منذ عام ٢٠١٤، حيث وصل العجز ٠٬٢ مليار متر مكعب، بعدما سجل حجم الإنتاج ٤٦٬۸ مليار متر مكعب، والاستهلاك ٤٧ مليار متر مكعب.

وحققت الدولة المصرية قفزة عالمية في حجم ومعدلات صادرات الغاز الطبيعي المسال خلال عام ٢٠٢١، وحسب تقرير منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أوابك فإن مصر احتلت المستويات المرتفعة من صادرات الغاز الطبيعي المسال العربية خلال الربع الرابع من عام ٢٠٢١. 

إلى جانب كل من الإمارات والجزائر وقطر، حيث بلغت صادرات الغاز المسال المصرية خلال عام ٢٠٢١ حوالي ٦٬٥ مليون طن مقابل ١٬٥ مليون طن عام ٢٠٢٠، بمعدل نمو سنوي ٣۸٥٪، وهي نسبة النمو الأعلى عالميًا مقارنة بباقي الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال خلال عام ٢٠٢١، وتفوق على اللاعبين الكبار عالميًا الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وقطر، ويعد هذا أعلى رقم للصادرات تحققه مصر منذ عام ٢٠١١، لتؤكد بذلك أهميتها ودورها الرئيس في الأسواق العالمية للغاز الطبيعي المسال.

زيادة احتياطيات مصر من الغاز الطبيعي

يعد البحر المتوسط منبع زيادة احتياطي مصر من الغاز الطبيعي  سواء في المياه العميقة أو الضحلة وخاصة بعد الاكتشافات العملاقة التي تم تحقيقها خلال الفترة الماضية، ويأتي علي رأسها حقل ظهر العملاق باحتياطات تقدر بحوالي ٣٠ تريليون قدم مكعب غاز جعلته الأكبر في منطقة البحر المتوسط ومع استمرار عمليات البحث والاستكشاف ووضع الحقول علي الإنتاج يزداد حجم الاحتياطيات المصرية من الغاز الطبيعي، وعلي مدار السنوات الماضية  حققت مصر أكثر من  ٩۸  اكتشافًا للغاز الطبيعي حيث ساهمت تلك الاكتشافات في إضافة احتياطيات بلغت حوالي ٣۸ تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. 

النظرة الدولية حول دور مصر كلاعب إقليمي لتداول الغاز

أكدت وكالة بلومبرج أن الصادرات المصرية من الغاز المسال ستنتعش بفضل إعادة تشغيل محطة دمياط لإسالة الغاز، والتي ستساعد مصر في أن تصبح مركزًا للتصدير إلى أوروبا، بينما أكدت مجلة الإيكونيميست أن مصر تعد واحدة من أهم المصدرين العالميين القلائل للغاز المسال الذين زاد حجم مبيعاتهم خلال عام ٢٠٢١، وأشارت وكالة ستاندرد آند بورز إلى أن إعادة تشغيل مصنع دمياط اعطى منفذًا إضافيًا لتصدير الغاز المصري، حيث تتطلع الدولة المصرية إلى تحقيق أكبر استفادة من فائض الغاز الذي تحقق خلال الفترة الماضية بفضل اكتشافات الغاز الأخيرة.

وأيضًا اعتبرت مؤسسة المونيتور أن استئناف تشغيل محطة إسالة الغاز بدمياط لأول مرة منذ ۸ سنوات بالإضافة إلى صادرات محطة إسالة الغاز بإدكو خطوة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز حيث يتم استهداف قارتي آسيا وأوروبا.

وذكرت وكالة رويترز أن عمليات النمو السريع والمتزايد في إمدادات الغاز الطبيعي مدعومًا باكتشاف أكبر حقل في البحر المتوسط (ظهر) أدى إلى تحويل مصر من مستورد إلى مصدر للغاز الطبيعي، لافتة إلى أنها تأمل بأن تصبح مصر حلقة وصل لتجارة الطاقة بين الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، وأبرز معهد الشرق الأوسط، بأن مصر حاليًا تعد المصدر العربي الأسرع نموًا للغاز المسال، بل وستصبح لاعبًا رئيسيًا ومنافسًا بارزًا في السوق العالمي للغاز المسال.

ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة، فإن مصر تعتبر ثاني أكبر مساهم في نمو صادرات الغاز المسال على مستوى العالم، بالفترة من يناير إلى أغسطس ٢٠٢١، كما حققت مصر زيادة في صادرات الغاز المسال وذلك مع عودة مصنع دمياط للعمل، وبدورها أشارت وكالة فيتش إلى أن مصر عادت إلى وضع المصدر في عام ٢٠١٩، بعد أن كانت مستوردًا للغاز المسال، متوقعة أن يكون عام ٢٠٢٢ عام الذروة لإنتاج الغاز الطبيعي في مصر، بالإضافة إلى توقع منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أن تعزز مصر من صادرات الغاز المسال، في ضوء إعادة تشغيل محطة الإسالة في دمياط بعد توقف دام لأكثر من ۸ سنوات، ولفتت المنظمة أيضًا إلى أن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال عالميًا، ساهم بقوة في إعادة تصدير الغاز المصري من محطة إدكو، حيث نجحت في تصدير عدة شحنات للسوق الأوروبي والآسيوي مستفيدة من ظروف السوق المواتية.

المؤتمر الأوروبي للغاز الطبيعي فيينا (مارس ٢٠٢٢) خلال المؤتمر الأوروبي للغاز والذي تم عقده في فيينا بين ٢١-٢٣ مارس الماضي، ناقش الباحث تشارلز إليناس في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي العديد من التساؤلات التي تخص مدى قدرة دول منطقة شرق المتوسط على مساعدة القارة العجوز في أزمتها المزمنة، وإمكانيات استغلال الفرص المتاحة أمامها وتذليل العقبات التي تواجهها، والطريقة الأمثل لتعزيز صادرات الغاز الطبيعي من منطقة شرق البحر المتوسط إلى القارة العجوز هي استغلال الغاز المسال المصري، وتعزيز استخدام محطات التسييل الموجودة في مصر بأقصى قدرات ممكنة.

ختامًا، سعت مصر على تنمية واستغلال ما لديها من ثروات طبيعية، وسعت للتحول من بلد يكافح لتدبير نفقات استيراد الغاز، إلى بلد مصدر بل وربما إلى لاعب أساسي مؤثر في سوق الغاز العالمي، وتمضي الدولة المصرية قدمًا نحو بناء جمهوريتها الجديدة، وتولي اهتمامًا بالغًا وكبيرًا بقطاع الطاقة والبترول؛ إيمانًا منها وإدراكًا لدوره الحيوي والفعال كمحرك أساسي ومؤشر للنمو الاقتصادي، واضعة أمامها أن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة هو أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بعدما حققت أهم إنجازات صناعة البترول وهو الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وذلك من خلال خطط عمل شملت التوسع في عمليات البحث والاستكشاف والإنتاج، وأيضًا العمل على رفع كفاءة وتطوير منظومة التكرير المصرية، والعمل على تنويع مصادر الطاقة، وزيادة نشر ثقافة ترشيد استخدام واستهلاك الوقود، وزيادة جذب الاستثمارات لقطاع البترول، وهو ما دفعها إلى المضي قدمًا وبخطوات جادة وحاسمة نحو تحقيق هدفها الثاني من الاكتفاء الذاتي وهو الاكتفاء الذاتي من المنتجات والمواد البترولية والذي أصبحت الدولة المصرية علي بعد خطوات قليلة منه.

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى