
الرمال السوداء قوة ناعمة جديدة للدولة المصرية.. الملف من الإهمال إلى الاهتمام
خطوات حثيثة وجادة اتخذتها مصر في سبيل تطوير قطاعها التعديني، ورفع مساهمته في الاقتصاد القومي، بداية من تطوير التشريعات ذات الصلة لجذب الاستثمارات، ضمن استراتيجية شاملة لتطوير القطاع بمختلف أنشطته، لتحقيق أقصى استفادة من ثروات مصر التعدينية، والعمل على زيادة القيمة المضافة منها، وزيادة مساهمة النشاط التعديني في الناتج المحلي الإجمالي، ضمن خطة لتحويل مصر إلى مركز عالمي للتعدين.
وفي إطار استكمال الرؤية التنموية للدولة المصرية لبناء الجمهورية الجديدة في كافة قطاعات ومجالات الدولة، جاء الاهتمام بقطاع الثروة المعدنية من خلال صياغة رؤية استراتيجية شاملة لتطوير هذا القطاع، بما يسهم في استكشاف أهم مناطق الثروات المعدنية الكامنة في ربوع مصر، وبما ينعكس في الوقت ذاته على زيادة نسبة مساهمته في الناتج القومي الإجمالي والتي تقدر بحوالي ٠٬٥٪.
مدخل
إن كل حبة من المعادن الثقيلة هي رسول فريد من نوعه حاملًا البيانات المشفرة، وتحمل كل حبة تاريخًا مفصلًا عن الصخور الأم وتقلبات التاريخ الرسوبي التى مرت بها، فهي بمثابة سجلات تاريخية وأرشيف جيولوجي تسجل وتحافظ على سمات الأحداث الجيولوجية الماضية في أماكن مصدرها، فهي خزائن من المعلومات تحاكي الماضي، وخزائن من الثروات إذا أُحسن استغلالها.
وتتنوع الكنوز بين باطن الأرض، وفي أعماق البحار، ولكن مصر بها كنز كبير لا يقدر بمال ويعد إحدى الثروات المعدنية الواعدة، ألا وهو الكنز الأسود أو الرمال السوداء؛ كنز قديم تبوح به السواحل المصرية المطلة على مياه البحر الأبيض المتوسط في المناطق الواقعة بين رشيد إلى العريش بطول ٤٠٠ كيلومتر، والتي تنتشر في ١١ موقعًا بتركيزات اقتصادية مرتفعة.
على سواحل مصر الشمالية المطلة على البحر المتوسط، تنتشر الرمال السوداء التي تعد أحد الكنوز المهمة، والتي تسعى مصر إلى استغلالها. فطيلة السنوات الماضية، كانت هذه الثروات مهملة، وتتعرض للسرقة، قبل أن تتحرك الدولة بمشروع عملاق لاستغلال هذه الرمال الغنية بالمعادن المهمة. وتتخطى استثمارات مصر في الرمال السوداء المليار جنيه لتحقيق حلم دام أكثر من ٣٠ عامًا، بالتعاون بين الشركة المصرية للرمال السوداء كشركة مساهمة مصرية، ومحافظة كفر الشيخ كعضو مساهم بهذه الشركة، مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهيئة المواد النووية، وبنك الاستثمار القومي، والشركة المصرية للثروات التعدينية.
وفي أول تحرك مصري نحو استغلال الرمال السوداء، تستعد الكراكة تحيا مصر لبدء العمل داخل مصنع الرمال السوداء بكفر الشيخ، حيث تبدأ عمليات التكريك واستغلال الثروات التي تحويها الرمال السوداء من معادن نادرة، وتعد الكراكة الهولندية تحيا مصر، والتي ستقوم بتكريك الرمال السوداء في كفر الشيخ، أول كراكة عائمة في العالم تعمل بالطاقة الكهربائية، وصممت لصالح مصر وتحديدًا منطقة البرلس لفصل الرمال السوداء في كفر الشيخ، والتي تعد من كبرى مناطق مصر من حيث وجود المعادن.
ما هي الرمال السوداء وأماكن تمركزها عالميًا؟
الرمال السوداء هي رواسب شاطئية سوداء ثقيلة، وهي معادن كثيفة تبلغ كثافتها النوعية نحو ٢٬۸ بالمقارنة مع معدن الكوارتز الذي تبلغ كثافته النوعية نحو ٢٬٦، تأتى من منابع النيل وتتراكم على بعض الشواطئ، وتسمى بهذا الاسم لأنها يغلب عليها اللون الداكن لاحتوائها على الكثير من المعادن الثقيلة. وتتركز الرمال السوداء على الشواطئ بفعل تيارات المياه التي تصبها الأنهار في البحر، وتتكون من المعادن الثقيلة، وخاصةً معدني الماجنتيت والإلمنيت، وتستغل كخامات للحديد.
وتحتوي عادةً نسبة صغيرة من المعادن المشعة كالمونازيت وغيره، وكلها معادن يغلب عليها اللون الداكن، وتستغل هذه الرمال السوداء من أجل استخراج معادن الحديد والمونازيت، وأهم البلاد التي تستغلها مصر والبرازيل والهند، ومن أهم الدول العربية بالإضافة إلى مصر في عمليات استغلال الرمال السوداء المملكة العربية السعودية واليمن وعمان والمغرب.
وهناك نوعان من الرمال السوداء بحسب تركيز المعادن الثقيلة: النوع الأول وهو نوعية داكنة اللون غنية بالمعادن الثقيلة ٧٠-90٪، والنوع الثاني هو نوعية رمادية تحتوي على نسبة أقل من المعادن الثقيلة ٤٠٪، وقد أوضحت الدراسات أن أغلب المكونات المعدنية الاقتصادية في رواسب الرمال السوداء المصرية تتركز في الحجم الحبيبي 0.125 ملم، ومعظمها بين 0.124 و0.067 ملم، وهذا يعنى سهولة فصلها ميكانيكيًا.
وتتركز رواسب الرمال السوداء في مصر عند مصب النيل بالقرب من دمياط ورشيد، وهي رواسب فتاتية من حبات معادن ثقيلة ملونة تتراكم على الشواطئ نتيجة وجود مصبات الأنهار فيها، يحملها النيل آلاف الكيلو مترات، ليلقى بها على شواطئ البحر المتوسط، وتتكون الرمال السوداء من مجموعة من الطبقات داخل التربة بالدلتا، مما يعنى اختلاف أحجامها ونسب وجودها من منطقة لأخرى، بحسب انخفاض المنطقة أو ارتفاعها، بالإضافة إلى تأثير الميل والرياح.
وفي الوقت الذي تكون فيه بعض الشواطئ غالبتيها من الرمال السوداء، فالشواطئ ذات ألوان الرمال الأخرى (مثل الذهبي والأبيض) تحتوي عادة على ودائع من الرمال السوداء، خاصة بعد العواصف يمكن أن تكون الأمواج الضخمة مصدرًا لقذف الغرين الرملي تاركة رواسب الفلزات الثقيلة ظاهرة على سطوح المنحدرات المتآكلة.
نبذة تاريخية عن الجهود المصرية في ملف الرمال السوداء
(١٩٦١-٢٠٢٢)
شهدت مصر بدايات استغلال الرمال السوداء في أواخر الثلاثينات علي يد مجموعة من
الأشخاص اليونانيين، حيث كانت تنقل الرمال السوداء من رشيد عبر ترعة المحمودية
إلى حجر النواتية في محافظة الإسكندرية، بعدها يقوم هؤلاء الأشخاص بفصل المعادن الاقتصادية من هذه الرمال بطريقة بدائية ويتم توزيعها بشكل بسيط، ثم تحول هذا المشروع إلى شركة لاستغلال الرمال السوداء وكان مقرها شارع النبي دانيال بالإسكندرية، واستمر استغلال الرمال السوداء في مصر في فترة الأربعينيات بواسطة شركة الرمال السوداء المصرية حتى تم تأميمها في عام ١۹٦١ تحت اسم الشركة المصرية لمنتجات
الرمال السوداء.
ومنذ ذلك التاريخ، أخذت الشركة في التعثر، وتوقفت خطوط الإنتاج، وتمت تصفيتها عام ١۹٦۹ تحت اسم مشروع تنمية واستغلال الرمال السوداء. وفي عام ١۹٨٤، كلفت الحكومة المصرية شركة أسترالية إنجليزية بإجراء دراسات فنية واقتصادية لبحث كيفية استغلال الرمال السوداء في مصر مع تحديد أفضل الأماكن لإنشاء هذا المشروع، وقد بلغ إجمالي تكليف الدراسة حوالي نصف مليون جنيه دون أن يقام المشروع.
وفي عام ١۹۹٥، تبنت وزارة الكهرباء والطاقة المصرية موضوع إنشاء مصنع لاستغلال الرمال السوداء في محافظة كفر الشيخ التي تمتلك أكبر تركيز للمعادن الاقتصادية في هذه الرمال؛ حوالي ۸٠٪ في منطقة البرلس. ووضع حجر الأساس لهذا المصنع علي ساحل البحر الغربي بالمحافظة، حيث تزامن ذلك مع صدور قرار وزير الصناعة والثروة المعدنية في ذلك التوقيت تحت رقم ٢٠ لسنة ١۹۹٥ بإجراء تخطيط شامل للساحل الشمالي وتحديد مركز الرمال السوداء بطول الساحل. وقد تكلف إنشاء هذا المصنع وقتها أكثر من ٢٠ مليون جنيه، وكان من المخطط له أن يتم الانتهاء من عمليات الإنشاء والتجهيز للتشغيل بحلول عام ١۹۹٧، إلا أن هذه الخطوة حكم عليها بالفشل مرة أخرى لعدم وجود إرادة سياسية حقيقية لاستغلال هذه الرمال.
وفي عام ٢٠٠۸، كلفت الحكومة المصرية شركة (داونر مايننج) الأسترالية بإجراء دراسة شاملة عن الرمال السوداء في مصر وتحديد الجدوى الاقتصادية منها، وأكدت الدراسة أهمية المشروع ولذلك طرح العديد من البنوك المصرية في ذلك الوقت فكرة إمكانية تمويلها للمشروع بالكامل، ولكنه لم يكتمل.
في عام ٢٠١٠ قامت هيئة المواد النووية بطرح مزايدة علنية لاستغلال الرمال السوداء في منطقة البرلس بمحافظة كفر الشيخ علي ساحل البحر الأبيض المتوسط بطول حوالي ١۹ كم، ولم يتقدم لهذه المزايدة سوى شركة واحدة فقط هي (كريستال) السعودية وهي شركة متخصصة في إنتاج وتوزيع ثاني أكسيد التيتانيوم، مما حول الموضوع من مزايدة علنية طرحتها الهيئة إلى قرار بالأمر المباشر لإسناد المشروع لهذه الشركة، مما تسبب في تعطيل المشروع مجددًا، خصوصًا بعد اندلاع أحداث ٢٥ يناير وما لحقها من أحداث
وتداعيات على مصر.
وفي أبريل من عام ٢٠١٦ تم تأسيس أول شركة مصرية لتعدين الرمال السوداء، وهي الشركة الوطنية للرمال السوداء بالبرلس بمدينة كفر الشيخ، وقدرت تكلفة المشروع استثمارات بحوالي ٢ مليار جنيه، وتسهم القوات المسلحة كشريك أساسي بنسبة ٦١٪ منه وأحد البنوك بنسبة ١٤٪ وهيئة المواد النووية بنسبة ١٥٪.
ويتمثل الهدف من إنشاء الشركة المصرية للرمال السوداء في تعظيم الاستفادة الاقتصادية من مشروع استغلال المعادن الاقتصادية من الرمال السوداء، مع الالتزام بمعايير السلامة البيئية، والصحية المتبعة عالميًا، وتحقيق القيمة المضافة للمعادن المستخلصة، لخلق استثمارات جديدة تعمل على تنمية وتطوير الاقتصاد المصري وتقدمه.
في عام ٢٠١۹ صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون رقم ۸ لسنة ٢٠١۹ بالترخيص لوزير الكهرباء والطاقة المتجددة في التعاقد مع هيئة المواد النووية والشركة المصرية للرمال السوداء، بشأن البحث عن استكشاف وتعدين وتركيز المعادن الاقتصادية والمنتجات الثانوية من ركاز الرمال السوداء واستغلالها على مستوى الجمهورية، واعتزام مصر البحث عن المقدرات الثمينة من الرمال السوداء، وانطلاق التوجه نحو الاستفادة من تلك الثروات، التى تدر عوائد اقتصادية ضخمة.
وتم تدريب الكوادر المصرية العاملة في هذا المجال باستخدام أحدث التكنولوجيا العالمية؛ لتعظيم الاستفادة من الموارد الاقتصادية المتاحة والقيمة المضافة من المعادن المستخلصة من الرمال السوداء، بما يسهم في تنويع وتطوير الاقتصاد المصري من خلال الصناعات التعدينية والمعاونة في تفعيل دراسات الجدوى الاقتصادية التى أعدت لاستغلال المعادن الاقتصادية الموجودة بالرمال السوداء، وتغطية احتياجات السوق المحلى للمعادن، واستغلال تزايد الطلب العالمي عليها بتصدير فائض الإنتاج إلى السوق العالمية.
وفي ديسمبر عام ٢٠٢١، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تعظيم القيمة المضافة للمعادن الاقتصادية المستخلصة من الرمال السوداء في مصر، مؤكدًا أن المعادن المستخرجة ستحقق للبلاد أكبر فائدة اقتصادية واستثمارية.
الكراكة تحيا مصر تم استيرادها لصالح مشروع الرمال السوداء، والتي تعد أول كراكة في مصر والعالم تعمل بالطاقة الكهربائية، ويبلغ وزنها ٥٥٠ طنا وصممت خصيصا من الشركة المصنعة لها لصالح مشروع الرمال السوداء، بشمال مصر، بمحافظة كفر الشيخ، حيث تبلغ طاقة إنتاجيها يوميًا ٢٥٠٠ طن رمال سوداء في الساعة، وتم شحنها على سفينة من ميناء روتردام في هولندا، وصولًا إلى ميناء الإسكندرية، ثم قطرها إلى منطقة بوغاز البرلس بمحافظة كفر الشيخ، حتى وصلت أرض المشروع للرمال السوداء بمنطقة ملاحة منيسي، ببلطيم.
أماكن تمركز الرمال السوداء في مصر ومشروع كفر الشيخ
بحسب تقديرات هيئة المواد النووية المصرية من مسح جوي ودراسات، فإن مصر تمتلك ما يقرب من ١١ موقعًا على السواحل الشمالية تنتشر بها الرمال السوداء بتركيزات مرتفعة، بدءًا من رشيد حتى العريش بطول ساحل ٤٠٠ كيلومتر من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، تبدأ من إدكو شمال محافظة البحيرة، وتوزع على ٤ مناطق تشمل شمال سيناء بواقع ٢٠٠ مليون متر مكعب، ودمياط بواقع ٣٠٠ مليون متر مكعب، ورشيد بواقع ٦٠٠ مليون متر مكعب، وبلطيم بواقع ٢٠٠ مليون متر مكعب.
وهناك مصنعان للرمال السوداء بمحافظة كفر الشيخ: المصنع الأول شرق البرلس بملاحة منيسي التابعة لقرية الشهابية على مساحة ۸٠ فدانا ويستخرج من عناصر هذا المشروع المهم أكثر من ٤١ عنصرًا من المعادن، ومنها اليورانيوم المشع، والزركون، المونازيت، والتي تدخل في صناعات كثيرة ومهمة مثل صناعة الصواريخ، والطائرات وهياكل السيارات، والسيراميك، والبويات ومواد الإشعاع النووي، والكريستال، وغيرها، والمصنع الثاني بشمال الطريق الدولي غرب محطة توليد الكهرباء العملاقة بالبرلس على مساحة ٣٥ فدانًا.
ويشارك في المشروع محافظة كفر الشيخ، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، وهيئة المواد النووية، وبنك الاستثمار. والمصنع الأول بخبرة مصرية أسترالية بشرق البرلس، والثاني بخبرة صينية بشمال البرلس. والاستثمارات لمصنع الرمال بشمال البرلس قدرها ٢٤ مليون دولار، ويوفر مصنعا الرمال السوداء بالبرلس نحو حوالي ١٥ ألف فرصة عمل، منها ١٠ آلاف فرصة مباشرة، و٥ آلاف فرصة غير مباشرة، ويغطيان احتياجات السوق المحلية من المعادن.
مراحل استخراج المعادن من الرمال السوداء بكفر الشيخ:
يُنفذ مشروع الرمال السوداء بمحافظة كفر الشيخ على ثلاث مراحل، الأولي هي مرحلة استخلاص المعادن الثقيلة من الرمال السوداء، والثانية فصلها كلًا على حدة عن طريق عمليات صناعية طبيعية، والثالثة هي مرحلة القيمة المضافة، والتي تعني خلق قيمة مضافة للمعادن المنتجة، بحيث لا يتم بيعها على الصورة الخام المنتجة بها، بل في صورة مصنعة.
وبصفة عامة طبقًا للدراسات والأبحاث التي تمت، يصل الاحتياطي الجيولوجي من تلك الرمال على مستوى السواحل المصرية إلى حوالي ١٬٣ مليار متر مكعب وهذا الاحتياطي موزع علي المناطق التالية:
- منطقة رشيد بمحافظة البحيرة ويبلغ حجم الاحتياطي بها حوالي ٦٠٠ مليون متر مكعب.
- منطقة دمياط بمحافظة دمياط ويبلغ حجم الاحتياطي بها حوالي ٣٠٠ مليون متر مكعب.
- منطقة بلطيم-البرلس بمحافظة كفر الشيخ ويبلغ حجم الاحتياطي حوالي ٢٠٠ مليون متر مكعب.
- منطقة العريش-رفح بمحافظة شمال سيناء ويبلغ حجم الاحتياطي حوالي ٢٠٠ مليون متر مكعب.
وكشفت آخر دراسة جدوى قامت بها شركة (روتش) الأسترالية عن أن العائد الاقتصادي من
موقع واحد فقط من الأحد عشر موقعًا ستعود على مصر بأكثر من ٢٥٥ مليون جنيه سنويًا. فيما يقدر الاحتياطي التعديني المؤكد في هذه الرمال بأكثر من ٢۸٥ مليون طن تحتوي على متوسط قدره ٣٬٤٪ من المعادن الثقيلة بطول حوالي ٢٢ كم في القطاع الغربي والذي يقع شرق البرلس. وكذلك يوجد احتياطي تعديني مؤكد في القطاع الشرقي بحوالي أكثر من ٤۸ مليون طن حيث تحتوي على متوسط قدره ٢٬١٪ من المعادن الثقيلة، هذا بخلاف الامتدادات المستقبلية للرمال السوداء وهي أرقام اقتصادية بشكل جيد طبقًا للدراسات والأبحاث التي أجريت وأكواد التعدين الدولية.
عالميًا ينافس مصر في استخدام الرمال السوداء الآن الدول التالية: الهند -استراليا -الولايات المتحدة الأمريكية -البرازيل ولكن مصر هي من تمتلك أكبر احتياطي عالمي وهذه الدول تستخدم الرمال السوداء أفضل استخدام.
سبب تضارب النسب والاحتياطي من الرمال السوداء
وبحسب الخبراء والدراسات، فإن هناك تضاربًا في الأرقام والإحصائيات، يعود مرجعه إلى احتياج المناطق المختلفة لدراسات أخرى، تتطلب حفر الآلاف من الآبار لمعرفة حجم الاحتياطي المؤكد من الرمال السوداء، التى قُدر احتياطيها الجيولوجي ما بين ٣٠٠ و٣٥٠ مليون طن. ويوضح الخبراء أن هذه المعادن لا تُحسب بالكمية ولكن وفقًا للوفرة والكثافة ونسب المواد المُشعة الموجودة بالعنصر، وقد أثبتت الدراسات التى أجريت أن أغلب المكونات الاقتصادية في رواسب الرمال السوداء المصرية تتركز في الحجر الحبيبي، وهو ما يعنى سهولة فصلها بالفصل الميكانيكي غير المكلف.
هذا في حين تشير دراسات الجدوى المعدة بمعرفة الرابطة الجيولوجية المصرية إلى احتواء الرمال السوداء على ٦ معادن اقتصادية رئيسة، ويختلف حجم وقيمة متوسط مجموع المعادن الاقتصادية من مكان إلى آخر بامتداد الساحل الشمالي، وقلما يتعدى متوسط القيمة ٥٪ في المتر العلوي من الرواسب الشاطئية، تنخفض كلما تم التدرج لأسفل.
القيمة الاقتصادية للرمال السوداء
توجد المعادن الثقيلة في الرمال ضمن أحجام مختلفة، ومن المتعارف عليه أن هناك علاقة عكسية بين الوزن النوعي للمعدن والحجم الحبيبي للرمال الحاضنة للمعادن، ويعتمد وجود وتوزيع المعادن الثقيلة في الترسبات الرملية على عدة عوامل منها:
- صفات موروثة مثل شكل الحبيبات ودرجة التحبب.
- مقاومة المعادن لعملية الحت الميكانيكي أثناء عملية النقل.
- الحجم الحبيبي للمعادن الثقيلة في صخور المصدر.
- الوزن النوعي للمعدن حيث بزيادة طاقة المياه الحاملة للرمال تزداد القدرة علي حمل
حبيبات أكبر وزنًا.
وتحتوي الرمال السوداء على معادن اقتصادية تدخل في الكثير من الصناعات المهمة، من أبرزها: معدن الزركون الذي يستخدم في صناعة السيراميك، والعوازل، والخزف، والأسنان التعويضية. ومعدن الروتيل والألمنيت الذي يستخدم في صناعة البويات. كذلك يستخرج من معدن الزركون عنصر الزركونيوم الذي يستخدم في صناعة أغلفة الوقود النووي، وفي العديد من الصناعات النووية والاستراتيجية الأخرى، والجرانيت الذي يستخدم في صناعة فلاتر المياه والصنفرة، والماجنتيت الذي يستخدم في صناعة الحديد الإسفنجي وتغليف أنابيب البترول، بالإضافة إلى معدن المونازيت المشع، وهو مصدر إنتاج العناصر الأرضية النادرة المستخدمة في الصناعات عالية التقنية التي تعتمد أغلبها على الإلكترونيات، ومصدر للحصول على اليورانيوم الذي يصلح كوقود نووي.
وعن محتوى الرمال السوداء من المعادن المشعة، فهي تحتوي على معدن المونازيت والزركون وبهما نسبة قليلة من العناصر المشعة، مثل الثوريوم واليورانيوم، لذلك سميت بالرمال المشعة، ومعدن المونازيت يوجد به عناصر أرضية نادرة ذات أهمية كبيرة في النواحي الاستراتيجية.
الصناعات التي يدخل فيها الرمال السوداء:
- قوالب الطائرات.
- هياكل السيارات والطائرات.
- العربات المصفحة والعربات الحربية.
- قضبان السكك الحديدية والكثير من الصناعات الثقيلة.
- صناعات السيراميك والبلاط والمنظفات.
- صناعة المواد الحرارية والمطاطات.
- مواد الصنفرة، خاصة صنفرة الحوائط.
- الأرضيات عالية التقنية.
- صناعة الزجاج والكريستال.
- صناعة المعدات الرياضية.
- صناعة أدوات التجميل، والبويات، الذي يتم استخدامه في طلاء الحوائط.
- صناعة البورسلين، والخزف، وأواني الطهي.
فوائد الرمال السوداء الصناعية:
- تستخدم الرمال في المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة، بسبب احتوائها على أكسيد الثوريم.
- تدخل الرمال السوداء في صناعة الحديد والصلب، وذلك لأنها غنية بأكاسيد الحديد.
- تحتوي على مادة الماجنيت الذي يستخدم في تغليف أنابيب البترول.
- تدخل في صناعة البويات، والسيراميك، والخزف، والأسنان، وكذلك في صناعة الوقود النووي.
- تحتوي الرمال على معدن التيتانيوم الذي يستخدم في صناعة هياكل الطيارات.
- يستخدم اليورانيوم في صناعة الوقود.
- تساعد الرمال السوداء في التقليل من مشاكل ومخاطر البيئة، والتقليل من الإشعاع النووي.
- تحتوي الرمال السوداء على ثروة كبيرة تسهم في إنتاج الكثير من الصناعات بأقل التكلفة.
- تستخدم في صناعات الذهب والفضة، وصناعات الحديد.
- تستخدم في صناعة الحديد الإسفنجي.
التحديات والآثار البيئية
من أهم التحديات التي تواجه استغلال الرمال السوداء:
- الزحف العمراني على مناطق الرمال والكثبان الرملية – خطر العامل البشرى.
- التعرية البحرية خاصة النحت البحري والارساب.
- تناقض الكثبان بمقدار٥ متر كل عام بسبب العوامل الجيورموفولوجية.
وهناك بعض المخاوف من الآثار البيئية والتي تحيط بالشريط الساحلي الشمالي، والتي من الممكن أن تهدد بانهياره نتيجة إزالة الكثبان الرملية والتي تعد مركز الدفاع الرئيس عن شواطئ الدلتا وإزاء السحب الجائر من هذه الرمال، وغرق الأجزاء الشمالية من الدلتا، حيث تشكل تلك الرمال حاجزًا طبيعيًا للأمواج، ولذلك لابد من إنشاء دعامات وحواجز على الشواطئ لتلافى انهيار الجسور، واتخاذ الاحتياطات اللازمة التى تحول دون أى تهديد لاحتواء هذه الرمال على إشعاعات مضرة بالبيئة.
عملية استخراج المعادن من الرمال السوداء
تطفو الكراكة على بركة صناعية وتستخدم نفاثات مياه لإسقاط الكثبان الرملية أمام البركة، وتقدر المساحة السطحية للبركة ٥ آلاف متر مربع وتتطلب ما يصل إلى ٤٥ ألف متر مكعب من المياه لملئها، و يتم حفر بركة تجريف الكثبان ثم يتم تركها لتمتلئ بالماء طبيعيًا من المياه الجوفية المالحة، ثم يتم تمرير المواد التي تم جرفها من خلال محطة تركيز عائمة رئيسة تعمل على فصل المعادن الثقيلة (٣٬٤٪) من الرمال، ويتم التخلص من الباقي في شكل مخلفات للمنطقة الخلفية لبركة التجريف، وتتقدم العملية بمقدار كيلومتر واحد سنويًا، وتتم عمليات ضخ المعادن الثقيلة المفصولة على هيئة خبث في المخزون الاحتياطي حيث يتم نقله إلى محطة فصل المعادن.
ونتيجة الاختلاف في محتوى ودرجة المعادن الثقيلة في الخام، يتم تشوين المعادن الاقتصادية المركزة بجوار مصنع الفصل لتوفير تغذية دائمة إلى محطة فصل المعادن، وتتمثل وظيفة مصنع فصل المعادن في الآتي: المنتجات الرئيسة وهي الألمنيت، والروتيل والزيركون، والمنتجات الثانوية هي الماجنتيت والجارنت والمونازيت من الشوائب المعدنية.
وتتضمن المحطة الرطبة عمليات فصل مغناطيسية وفصل بالطرد المركزي، ويتم ضخ المعدن داخل المحطات الرطبة في صورة روبة ثم يتم تشوينه باستخدام جهاز تصفية المياه، ويتم استخدام اللوادر لتغذية المحطات الجافة بالمعادن التى يتم تجفيفها باستخدام أجهزة تجفيف تعمل بالغاز، ثم تتم عملية الفصل الجاف باستخدام المعدات التي تعمل بالكهرباء الإستاتيكية والمعدات المغناطيسية، ونقل المعدن الجاف الناتج في المحطة باستخدام السيور الناقلة المغطاة.
استراتيجية مصر للاستفادة من الرمال السوداء
استراتيجية مصر للاستفادة من الرمال السوداء تعد من الأفكار المتميزة لاستثمار تلك الثروة المنسية وتعظيم الاستفادة منها، حيث سيتم الاستفادة من الرمال السوداء في إطار ما لدى الدولة من رؤية واضحة للنهوض بقطاع التعدين وزيادة مساهمته في الدخل القومي بما يتناسب وحجم الثروات التعدينية التى تزخر بها مصر، والرؤية الاستراتيجية للتعدين التى تتوافق مع رؤية مصر ٢٠٣٠ لتحقيق التنمية المستدامة وتوفير مشروعات تعدينية ذات قيمة مضافة أعلى يترتب عليها توفير فرص عمل، وإضافة حلقات صناعية، وجذب استثمارات جديدة مباشرة، خصوصًا أن مصر تمتلك ميزة تنافسية مهمة، وهى توافر بنية تحتية قوية تعمل مصر على تطويرها باستمرار، ومرونة للمستثمرين في النشاط التعديني سواء في أعمال النقل والتصنيع والإنتاج وتوافر الطرق والكهرباء والموانئ.
إن الحاجة إلى هذه الرؤية الاستراتيجية تأتى من منطلقين أساسيين: الأول مدى أهمية التوافق بين هذه الرؤية والرؤية التنموية المصرية ٢٠٣٠، حيث تستهدف الرؤية التعدينية إقامة مشروعات تعدينية ذات قيمة مضافة أعلى، يترتب عليها توفير العديد من فرص العمل، والعمل علي جذب الكثير من الاستثمارات المحلية والأجنبية والتي تؤدى بدورها إلى زيادة حجم مساهمة هذا القطاع في إجمالي الناتج المحلى ليصل إلى ٧ مليارات دولار بحلول 2030.
ومن المستهدف جذب استثمارات أجنبية مباشرة خلال عامين في هذا القطاع تقدر بنحو ٣٧٥ مليون دولار، وزيادة الاستثمارات المباشرة المتوقعة في عام ٢٠٣٠ من ٧٠٠ مليون دولار إلى مليار دولار، أما المنطلق الثاني فيشير إلى أن هذه الدعوة جاءت متزامنة مع كشف تجاري للذهب في الصحراء الشرقية باحتياطي يقدر بأكثر من مليون أونصة من الذهب، وأن نسبة الاستخلاص تبلغ ٩٥٪، حيث تعد من أعلى نسب الاستخلاص، وبإجمالي استثمارات على مدى العشر سنوات القادمة أكثر من مليار دولار، وذلك كله وفقًا لما أعلنته وزارة البترول والثروة المعدنية في بيان لها في أواخر يونيو من عام ٢٠٢٠.
خلاصة القول، بصفة عامة إن الاستغلال الأمثل للثروات التعدينية في أي من الدول يتطلب أمرين؛ الأمر الأول ضرورة تعظيم دور التكنولوجيا وتطوراتها المستمرة في كيفية تعظيم الاستفادة من الثروات والموارد الطبيعية الموجودة في باطن الأرض والتي تحتاج إلى إمكانيات ضخمة واستثمارات كبيرة تتعدى المليارات يمكن أن يكون للتكنولوجيا دور مهم في تخفيضها أو تقليصها بما قد يمكن الدول التى تتواجد على أراضيها مثل هذه الثروات من استغلالها بشكل وطنيًا. والأمر الثاني هو ضرورة تغيير النظرة إلى مشروعات التعدين من مجرد مشروعات اقتصادية وتجارية تدر العوائد الرسوم النقدية لخزانة الدولة، إلى اعتبارها مشروعات قومية كبري تساعد على خلق قيمة مضافة وتنعكس آثارها على خفض فاتورة استيراد البلاد وتساعد علي رفع معدلات نمو الناتج القومي وتعمق الصناعات المحلية.
وبصفة خاصة، تعد الرمال السوداء ثروة ومشروعًا جديدًا يضاف إلى سجل إنجازات الدولة المصرية من المشروعات القومية والتي شهدتها البلاد في الفترة ما بعد عام ٢٠١٤، فالرمال السوداء التى كانت مهملة لفترة طويلة من الزمن، انتبهت الحكومة لها بتوجيه الرئيس السيسي، ليتم سن القوانين والتشريعات التى تسهل تحقيق الاستغلال الأمثل لهذه الثروة. وستنقل الرمال السوداء مصر إلى مصاف الدول الصناعية والاقتصادية الكبرى، إذ تسهم المعادن المستخلصة في دفع عجلة الاقتصاد المصري، فضلًا عن المساهمة في تنويع مصادر الدخل القومي للاقتصاد المصري، وخلق فرص عمل جديدة، وتقليل نسبة البطالة، من خلال تنفيذ مشاريع تعدينية جديدة وما تتطلبه من أيدٍ عاملة كثيفة. وبحلول العام ٢٠٣٠، تستهدف مصر رفع مساهمة قطاع التعدين في إجمالي الناتج المحلي إلى ٥٪، طبقًا للبيانات الرسمية، والتي تتوقع استثمارات مباشرة بالقطاع تصل إلى ٧٥٠ مليون دولار بحلول العام نفسه، يدعم ذلك حالة الاستقرار الأمني وخطة الإصلاح الاقتصادي في مصر، والتي أسهمت في وضع البلد على خارطة التعدين العالمية.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة