
آفاق وتحديات التحول إلى الطاقة المتجددة
يعد مستقبل الطاقة في جميع دول العالم أمرًا حيويًا ومهمًا للغاية يشغل جميع العاملين في مجال الطاقة العالمية، حيث تنضب سريعًا المصادر التقليدية والمعروفة بالطاقة غير المتجددة، ويسعى العالم بجدية بالغة إلى البحث عن مصادر آمنة بديلة للطاقة، ففي غضون خمسين عامًا قادمة على الأكثر ستنضب إلى غير رجعة كل المخزونات العالمية من النفط والغاز الطبيعي.
وعند الحديث عن تحول الطاقة إلى الطاقة المتجددة، هناك سؤال يتبادر إلى الأذهان دائمًا، كيف يبدو لنا مستقبل الطاقة الخضراء والنظيفة، بالنسبة لمعظم الناس؟ تستحضر الفكرة صور حقول التوربينات الرياحية ومزارع الألواح الشمسية الهائلة، لكن رغم أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية هي أشكال متنوعة وممتازة وفعالة بشكل كبير وتكلفة معقولة لإنتاج الطاقة النظيفة مقارنة بالطاقة غير المتجددة، إلا أن لها ضوابط محددة، والمحدد الأول والأكثر انتشارًا للرياح والطاقة الشمسية هو أن هذه الأنماط من إنتاج الطاقة متغيرة، بمعنى أنها لا تستطيع إنتاج كميات ثابتة ومحددة من الطاقة طوال الوقت، حيث يعتمد كل من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على أشكال الطقس والتغيرات المناخية، والتي لم يجد العالم طريقة للتحكم فيها حتى الآن، وهذا يعني أنه على عكس الوقود الأحفوري التقليدي، تتدفق الطاقة إلى الشبكة من الرياح والطاقة الشمسية، ثم تتوقف ويبدأ بشكل لا يمكن التنبؤ به دائمًا ، بينما يحتاج العالم إلى الطاقة بشكل مستقر وبصفة مستمرة نوعا ما، بغض النظر عن شروق الشمس أو هبوب الرياح.
مدخل
تكتسب الطاقة المتجددة أهمية كبرى واستراتيجية على المستوى العالمي، فالعالم الآن يواجه اليوم تحديات هائلة وأمام نقطة تحوُّل غير مسبوقة حيث يشكل التغير المناخي تهديدًا حقيقيًا وداهمًا للرخاء والنمو الذي يتمتع به الكثيرون اليوم وما تطمح إليه دول العالم والشعوب وتسعى من أجل تحقيقه غدًا، ولكن الأمر يتجاوز هذا الوضع بطبيعة الحال، لأنه يرتبط بمجرد بقاء أكثر مواطني هذا الكوكب استضعافًا على قيد الحياة، وهو أنه يتعلق أيضًا بحماية النُظم الإيكولوجية والتنوع الأحيائي الذي يجب علينا تأمينه، كما أن التغير المناخي لا يزال متواصلًا إلى شكل كبير من جراء الانبعاثات الناتجة من احتراق أنواع الوقود الأحفوري المختلفة.
ورغم وجود العديد من العوامل المهمة الأخرى التي تساهم في هذا الأمر، ومن أجل الحد من التغير المناخي فإنه يجب علينا ومن ضروريات الحياة الحالية أن نخفض معدلات استهلاكنا من هذه المحروقات الكثيفة الكربون، أما الطاقات المتجددة فيمكن، ويجب، أن تكون جزءًا محوريًا من هذه الخطة، تبقى المكاسب التي حققتها الطاقة المتجددة خلال العقد الماضي مصدر ثقة في هذا القطاع، وبفضل تطور التقنيات وانخفاض الأسعار والأبحاث المستمرة على تخزين الكهرباء، تفرض طاقة الرياح والطاقة الشمسية نفسها حول العالم كمصدر نظيف ومنخفض الكلفة تزداد جدواه يومًا بعد يوم.
تعريف الطاقة المتجددة
الطاقة المتجددة وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، هي الطاقة المستمدة من الطبيعية والتي لا تنطوي على استهلاك موارد قابلة للنضوب وتشمل الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح وطاقة الأمواج والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية والكتلة الحيوية.
الطاقة المتجددة.. الملاذ الآمن للمجتمع العالمي
استقرار قطاع الطاقة المتجددة العالمي يمثل أهم مصادر الجذب للمستثمرين، ولذلك فإن الباحثين عن ملاذ آمن في أسواق مضطربة يفضلون الاستمرار في عمليات التحول إلى الطاقة المتجددة، وفيما تواجه محطات الطاقة العاملة على الفحم ومحطات الطاقة النووية الحالية ضغوطًا مختلفة قد تسرع من تقاعدها المبكر في كثير من دول العالم، فإن ارتفاع أسعار النفط والغاز سيؤدي إلى سرعة عمليات التحول للطاقة النظيفة مما سيعزز من تنافسية مصادر الطاقة المتجددة، وتتميز الطاقة المتجددة بمظهرين إيجابيين هما حماية المناخ وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الغير تقليدية.
شهد عام ٢٠٢٠ تحديات قوية في مجال الطاقة المتجددة بسبب جائحة كورونا، حيث تحدّت إضافات سعة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، عن طريق طاقة الرياح والطاقة الكهرومائية، لتسجل أعلى معدل على الإطلاق عند ٢٠٠ جيجاوات، بعد زيادة على أساس سنوي حوالي ٤٪، وفقًا لتقارير وكالة الطاقة الدولية، ورغم تحديات انتشار وباء كورونا، كان النمو القياسي في عام ٢٠٢٠ بداية عقد الطاقة المتجددة والنظيفة، بعد أن أصبحت فوائد تحول الطاقة واضحة عن الماضي، وأظهرت تقديرات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) أن العالم أضاف ٢٦٠ جيجاوات، وشهد نهاية عام ٢٠٢١ استمرارًا للنمو القياسي في سعة الطاقة المتجددة حول العالم، وذلك بعد أن أصبحت أهمية تحول الطاقة أكثر بروزًا.
ومع ظهور تداعيات التغير المناخي، ومع استمرار النمو القياسي، فإن سعة الطاقة المتجددة المضافة تتجه إلى قمة جديدة عند ما يقرب من ٢٩٠ جيجاوات في ٢٠٢١، بزيادة حوالي ٣٪ عن عام ٢٠٢١، حسب التقرير السنوي والصادر في ديسمبر عام ٢٠٢١ للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، ولا تزال الطاقة الشمسية هي القوة الدافعة للنمو في سعة الكهرباء المتجددة، مع توقّعات زيادة قدراتها المضافة بنسبة تتعدى ١٧٪ في ٢٠٢٢ إلى رقم قياسي جديد يقارب ١٦٠جيجاوات.
ووفق تقديرات شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي، فإن السعة الجديدة للطاقة المتجددة المُركبة على مستوى العالم بلغت ٢٢٧جيجاوات في ٢٠٢١، بزيادة ٤٬٧٪ عن مستويات ٢٠٢٠، بينما تشير بيانات شركة ديلويت لارتفاع إضافات قدرة طاقة الرياح والطاقة الشمسية بنسبة ٢۸٪على أساس سنوي، لتصل إلى ١٣٬٨جيجاوات، ومن المتوقع أن ترتفع إضافات الطاقة المتجددة إلى أكثر من ٢۸٠ جيجاوات من السعة المركبة، بقيادة الطاقة الشمسية، حسب ريستاد إنرجي.
ليس هذا فحسب، بل مع استمرار الدعم السياسي العالمي لتحوّل الطاقة، فإنه من المتوقع أن تتوسع السعة المتجددة بأكثر من ١٨٠٠ جيجاوات، أي ما يعادل ٦٠٪ حتى عام ٢٠٢٦، لتصل إلى معدلات ٤۸٠٠ جيجاوات، ما يجعلها تشكل حوالي أكثر من ٩٠٪ من الزيادة الإجمالية في قدرة الكهرباء في جميع أنحاء العالم، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وترى الوكالة والتي تتخذ من باريس مقرًا لها، أن الصين ستهيمن على حوالي ٤٣٪ من إجمالي معدلات نمو سعة الطاقة النظيفة عالميًا حتى عام ٢٠٢٦، لتشكل حوالي ۸٠٪ مع القارة الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية والهند.
توقعات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك):
ورغم توقعات استمرار هيمنة الوقود الأحفوري واستمرار ارتفاع اسعاره، ترى منظمة أوبك في تقرير آفاق النفط الصادر في ديسمبر عام ٢٠٢١، أن قطاع الطاقة المتجددة والنظيفة ستكون الأسرع نموًا في مزيج الطاقة العالمي بحلول عام ٢٠٤٥، مع ارتفاع حصتها إلى نسبة حوالي ١٠٬٤٪ ، من ٢٬٥٪ العام الماضي، بدعم قوي من التطورات التكنولوجية الهائلة ووفورات الحجم وتحسين الكفاءة.
توقعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا):
بينما ترى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في تقرير آفاق تحولات الطاقة، أن معدلات نمو الطاقة المتجددة يجب أن ترتفع حوالي ٤ مرات عن المستوى الحالي، لتصل إلى ١٠٬٧٠٠ ألف جيجاوات بحلول عام ٢٠٣٠، بهدف تحقيق سيناريو خفض الاحترار العالمي إلى معدل ١٬٥ درجة مئوية، كما أطلقت أيضًا جرس إنذار حيال تعافي استهلاك الفحم والنفط هذا العام، قائلة، إنه رغم كل الزخم الذي تشهده المصادر المتجددة، فإن انبعاثات الكربون تتجه في ٢٠٢٢ لتسجيل ثاني أكبر زيادة سنوية على الإطلاق، وترى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة بأن مصادر الطاقة الصديقة للبيئة ستشكل فقط نصف النمو المتوقع في الطلب العالمي على الكهرباء خلال عامي ٢٠٢١ و٢٠٢٢.
توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية:
ويشير التقرير السنوي لآفاق الطاقة، والذي يصدر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، إلى أنه من المتوقع أن تصبح الطاقة المتجددة المصدر الرئيس لتوليد الكهرباء عالميًا بحلول عام ٢٠٥٠، مع تقديرات بارتفاع الطلب على مصادر الطاقة النظيفة من ١٥٪ العام الماضي، إلى ٢٧٪ من إجمالي استهلاك الطاقة عالميًا بحلول العام نفسه، والذي يُعدّ هدف العالم لتحقيق الحياد الكربوني.
تحذيرات بشأن الطاقة المتجددة
هناك إجماعًا من جميع خبراء الطاقة في العالم على أن أسواق الطاقة العالمية والعالم لا تزال بعيدة عن نمو القدرة المتجددة الذي يجعله يحقق الهدف الاستراتيجي وهو الحياد الكربوني بحلول عام ٢٠٥٠ بالرغم من النمو القياسي بالنسبة للسعة الحالية والمتوقعة للطاقة المتجددة، وسط تحذيرات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة بأن معدلات النمو القياسية الحالية ليست كافية، مؤكدة أن صناع السياسة في حاجة ملحة إلى ضرورة زيادة طموحاتهم بشأن ثقافة الطاقة المتجددة والنظيفة، مع ضرورة معالجة السياسة الحالية وسط صعوبات ومعوقات التنفيذ.
وتتزامن تلك التوقعات مع ضعف حجم الاستثمارات في عمليات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، فرغم توقعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة بارتفاعها هذا العام إلى حوالي ٣٧٠ مليار دولار، ولكن ستظل جزءًا صغيرًا، مقارنة بإجمالي حجم الاستثمارات في قطاع الطاقة المتوقعة عند ١٬٩ تريليون دولار، وأيضًا تعهدات المناخ الحالية ستؤدي إلى ٢٠٪ فقط من تخفيضات الانبعاثات بحلول عام ٢٠٣٠ ، وأن تحقيق هذا الهدف يتطلب ضرورة زيادة وضخ المزيد من الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة والنظيفة والبنية التحتية بمقدار حوالي ٣ أمثال خلال العقد المقبل.
إيجابيات وسلبيات التحول إلى الطاقة المتجددة
مع ارتفاع أعداد السكان يتزايد الطلب على الطاقة يوميًا، فمصادر الطاقة غير المتجددة محدودة وليست صديقة للبيئة وعلى الجانب الآخر فإن مصادر الطاقة المتجددة مستدامة ونظيفة وصديقة للبيئة، فهي على عكس الوقود التقليدي أو الأحفوري لن تنتهي قريبًا كما تتجدد باستمرار، ولكنها مثل الوقود الأحفوري فإن مصادر الطاقة المتجددة لها أيضًا أوجه قصور عديدة، فهي على سبيل المثال تعتمد على الطقس اعتمادًا كبيرًا، فأي حالات تغيير في الطقس من الممكن أن يقلص عمليات إنتاج الطاقة من هذه المصادر.
إيجابيات الطاقة المتجددة:

سلبيات الطاقة المتجددة:

الدولة المصرية وملف الطاقة المتجددة
مستقبل الطاقة في جميع بلدان العالم هو أمر حيوي للغاية يشغل جميع العاملين في مجال الطاقة العالمية، حيث تنضب سريعًا المصادر التقليدية والمعروفة بالطاقة غير المتجددة، ويسعى العالم بجدية بالغة إلى البحث عن مصادر آمنة بديلة للطاقة، ففي غضون الخمسين عامًا القادمة على الأكثر ستنضب إلى غير رجعة كل المخزونات العالمية من النفط والغاز الطبيعي.
ومصر ليست ببعيدة عن الموقف العالمي للطاقة، بل ينعكس فيها الموقف العالمي بواقعية شديدة، يتعمق فيها هذا المأزق عينه على نحو بالغ الخطورة، فمصر من أكبر بلدان المنطقة من حيث عدد السكان، وبالتالي فإنها تواجه زيادة كبيرة في الطلب على الطاقة نتيجة تسارع وتيرة النمو السكاني والتوسع الاقتصادي، ويفرض ذلك طموحات وتحديات كبيرة لضمان الحفاظ على إمدادات الطاقة بشكل آمن ومستقر، ويمكن لمصر الاستفادة من موارد الطاقة المتجددة ليس لتلبية حاجتها من الطاقة وحسب، وإنما لضمان نمو اقتصادي مستدام، وتوفير فرص عمل جديدة، والمساهمة في تحقيق الأهداف العالمية بخصوص المناخ والتنمية المستدامة. فالتنمية الاقتصادية في مصر تعتمد على قطاع الطاقة الذي يمثل ۱٣٪ من الناتج المحلى الإجمالي.
إنتاج الطاقة المتجددة
حسب التقرير الصادر عن هيئة الطاقة المتجددة المصرية، وصل إنتاج الكهرباء من الطاقة الكهرومائية خلال العام الماضي إلى ١٤ ألف جيجاوات في الساعة، بينما بلغ إنتاج طاقة الرياح نحو ٥٬٤ ألف جيجاوات في الساعة، وسجل إنتاج الطاقة الشمسية المتصلة بالشبكة خلال العام الماضي نحو ٥٬٤ ألف جيجاوات في الساعة، بينما نجحت الدولة في توليد ١٢ جيجاوات في الساعة من مشروعات الوقود الحيوي خلال عام ٢٠٢١، واستطاعت مصر نتيجة ارتفاع إنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة في خفض نحو ١٠ ملايين طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال عام ٢٠٢١ ، والعمل علي توفير إجمالي ٤ ملايين طن مكافئ نفط في الوقود، وتعتبر مصر من الدول التي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير في توفير الوقود الذي تحتاجه البلاد، ما يعني أن ارتفاع استخدام الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء يخفض من فاتورة استيراد ذلك الوقود.
وتهدف رؤية مصر ٢٠٣٠ إلى بناء اقتصاد تنافسي ومتوازن في إطار التنمية المستدامة، وتلعب الطاقة المتجددة دورًا محوريًا في ذلك، وتسعى استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة حتى عام ٢٠٣٥ إلى تنويع مصادر الطاقة وضمان أمن الطاقة واستمراره، كما تحدد الشروط المهمة والضرورية لدعم نمو مصادر الطاقة المتجددة بمشاركة جميع قطاعات الدولة. علاوة على ذلك، تعكس الاستراتيجية طموح مصر بأن تصبح نقطة ارتكاز محوري على خريطة الطاقة العالمية تصل بين إفريقيا وآسيا وأوروبا عبر تعزيز ترابط شبكات الكهرباء والطاقة في دول المنطقة وخارجها، فمصر تمتلك العديد من موارد الطاقة غير المستغلة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي من المفترض أن تساهم بنسبة تتعدى ٤٠٪ من إجمالي قدرة الطاقة بحلول عام ٢٠٣٥.
المشهد المستقبلي للطاقة بمصر يتميز بالوفرة الظاهرية الحالية لموارد الطاقة، والتي تشهدها مصر منذ عام ٢٠١٤، اكتشافات غزيرة للغاز الطبيعي قد تمت وجعلت المخزون المصري من الغاز الطبيعي يرتفع إلى ما يتجاوز عتبة ٧٠ تريليون قدم مكعبة، أغنت مصر عن استيراد الغاز الطبيعي الآن وإلى حين، واكتشافات نفطية سهلت طريق الدولة المصرية إلى الاقتراب من حلم الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية ولاتزال هنالك احتياطيات كامنة وفيرة لمصادر الطاقة غير المتجددة أو ما تسمى الطاقة الأحفورية.
وفى قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة، فقد أمكن الخروج من أزمة طاحنة في نقص فادح في الإمداد بالكهرباء في البلاد خلال فترة ما قبل عام ٢٠۱٤، ومن خلال استراتيجية واسعة شملت خطة عاجلة أسفرت عن إضافة ما يقرب من ۲۲ ألف ميجاوات مركب في نحو أربعة سنوات، والمضي قدمًا في تنفيذ العديد من مشروعات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وتطبيق برامج جادة وواعدة لرفع كفاءة الطاقة وترشيدها في ظل تقليص قوى وحاسم لدعم الطاقة وتوجيهها إلى برامج الضمان الاجتماعي والنهوض بالصحة والخدمات، لكن سيظل العامل الأكثر حسمًا في هذه الاستراتيجية هو الرؤية السياسية الواضحة والقرار الشجاع بعيد المدى، أي ضرورة التنوع المستقبلي لمصادر إنتاج الطاقة، والبدء الفعلي في إعادة هيكلة مزيج التوليد الكهربي باستخدام مصادر الفحم والقوى النووية في مخطط التوسعات في التوليد الكهربي حتى عام 2030. وقد ظهر الأثر المباشر لهذه الاستراتيجية الشاملة في القضاء على أزمة الطاقة الكهربية نهائيًا، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي والتحول إلى التصدير.
هذه الوفرة تغطى الزيادة السنوية المطلوبة في القدرات المركبة لنحو خمس سنوات قادمة، لكن بعد هذه السنوات الخمس ستحتاج مصر حتمًا إلى قدرات مركبة جديدة، لذلــك فــإن مصــر ملتزمــة بنشــر تقنيــات الطاقــة المتجــددة علــى نطــاق واســع، وطبقـًا لمـا هـو محـدد فـي اسـتراتيجية الطاقـة المتكاملـة والمسـتدامة حتـى عـام ۲٠٣٥.
وضعـت الحكومـة المصريـة أهدافـًا للطاقـة المتجـددة بحيـث تبلـغ نحو ٢٠٪ مـن مزيـج الطاقـة الكهربائيـة بحلـول ٢٠٢٢ و٤٥٪ بحلـول ٢٠٣٥، وبعد أن حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، تسعى مصر جاهدة وتسير بخطوات قوية وسريعة في الاعتماد على الطاقة المتجددة والخضراء، إذ تسعى إلى التحول لمركز إقليمي للطاقة مستندة إلى البنية الأساسية القوية التي تتمتع بها والمتوافرة لديها، فبالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها الحكومة المصرية في قطاع الطاقة خلال الفترة الماضية، استطاعت اتخاذ العديد من الإجراءات والسياسات، والتي تهدف إلى الإصلاح لإطلاق عملية التحول في الطاقة، والعمل على فتح أسواق وآفاق جديدة للاستثمارات في مختلف مجالات الطاقة، وظهر هذا التطلع من خلال توقيع مذكرة تفاهم بين مصر والاتحاد الأوروبي، والتي تضمنت العمل المشترك بين الجانبين في مجالات الطاقة بشقيه من البترول والغاز والكهرباء، فضلا عن السعي إلى تطوير مجال الطاقة المتجددة.
وعن أبرز مشروعات الطاقة المتجددة التي أقيمت في مصر، مجمع بنبان الذي يعد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في العالم، وتبلغ تكلفته نحو ثلاثة مليارات دولار، ويقع بمحافظة أسوان، هذا المشروع الضخم سيعمل على توفير الآلاف من فرص العمل، الأمر الذي ساهم بدوره أيضا في خفض نسبة البطالة، وقد أعلن البنك الدولي فوز مشروع الطاقة الشمسية في بنبان بمحافظة أسوان أنه أفضل مشروعات البنك تميزًا على مستوى العالم، كما أشادت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية، بهذا المشروع قائلة إن هذا المشروع سيؤدى إلى إحداث ثورة في إمدادات الطاقة، مضيفة أنه سوف يضع مصر وحدها على خريطة الطاقة النظيفة.
ولم يكن مشروع بنبان الطفرة الوحيدة التي شهدتها مصر في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، إذ قام الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع وزارة الكهرباء والطاقة، بتدشين أضخم مزرعة رياح في إفريقيا بمحطة الزعفرانة، وجبل الزيت، وخليج السويس، وتشكل مزارع الرياح جزءًا مهمًا في استراتيجية الطاقة طويلة الأمد لمصر، والتي تهدف إلى استغلال مصادر الطاقة المتجددة المتوافرة بكثرة في مصر، وتبلغ الميزانية الإجمالية للمشروع ٣٤٠ مليون يورو، تشمل منحة بقيمة ٣٠ مليون يورو مقدمة من الاتحاد الأوروبي، وتساهم تلك المشروعات في تلبية احتياجات البلاد من الطاقة، من خلال تشجيع استخدام الطاقة المتجددة للاستفادة من الموارد المحلية الهائلة في توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتخصيص أكثر من ٧ آلاف و٦٥٠ كيلومترًا مربعًا من الأراضي غير المستغلة لمشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، بالإضافة إلي مراجعة استراتيجية قطاع الطاقة المتجددة في مصر وتحديثها، مع إلغاء مشروعات الفحم واستبدال مشروعات توليد كهرباء من مصادر متجددة بها.
وفى مجال صناعة الهيدروجين الأخضر، العضو الجديد في صناعة الطاقة المتجددة، بدأت الحكومة المصرية خطوات فعالة وسريعة للدخول في صناعة الهيدروجين وإنتاجه كمصدر نظيف للوقود، حيث إنه جاري العمل حاليًا على تطوير وصياغة استراتيجية خاصة بصناعة الهيدروجين في مصر من خلال لجنة وزارية مختصة تشارك فيها وزارة البترول والثروة المعدنية كعضو رئيسي، ويتواصل قطاع البترول حاليًا مع الدول والشركات العالمية ذات الخبرات الفنية الكبيرة في هذا المجال لاستكشاف فرص التعاون، وأنه تم تنفيذ مشروعات تجريبية في مصر
استثمارات الطاقة المتجددة في مصر:
يبلغ إجمالي حجم الاستثمار الأجنبي الجديد في مشروعات الطاقة المتجددة حوالي ٤٬٤ مليار دولار موزعة بين مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما تنعكس مشروعات الاستثمار الأجنبي الجديدة إلى إضافة ٣٥٠٠ ميجاوات طبقًا للتقرير الصادر من وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة في بداية عام ٢٠٢٢، وبصفة عامة يقدر إجمالي ما تحتاجه الدولة المصرية من استثمارات في مجال صناعة الطاقة المتجددة إلى ٥٦٬٦٥ مليار دولار استثمارات في الطاقة المتجددة حتى عام ٢٠٣٥، من أجل توفير قدرات بنحو ٦٠ ألف ميجاوات.
خلاصة القول، من المؤكد بأن الطاقة المتجددة والنظيفة لديها الكثير لتقدمه لصناعة الطاقة العالمية في المستقبل، ولكن في الوقت نفسه، فإن الحكومات والصناعة بحاجة إلى ضرورة التعاون والتكامل في استراتيجيات الاستدامة حول نشر وإعادة تدوير الألواح الشمسية وشفرات توربينات الرياح، وبالنسبة إلي الدولة المصرية؛ فمصر تنعم بوفرة من مصادر الطاقة المتجددة مع إمكانية عالية لنشرها متمثلة بصفة أساسية في الطاقة المائية والشمسية، وطاقة الرياح والكتلة الحيوية.
ويمكن للمصادر المتجددة أن تحقق ما لا يحصى من المنافع، فعادة ما توفر تقنيات الطاقة المتجددة بديلًا آمنًا ومستقرًا للطاقة، وعاملًا مهمًا في جلب الاستثمارات في البنية التحتية والخدمية للطاقة المتجددة المحلية كقيمة مضافة محلية كبيرة، من خلال توفير العديد من فرص العمل، وداعمًا محوريًا للاقتصاد المحلى وعلاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي الطاقة المستغلة والمستمدة من المصادر المتجددة إلى تحرير الاحتياطيات الهيدروكربونية أو غير المتجددة الآخذة في الانخفاض وتخفيض تشويه أسواق الطاقة العالمية، من خلال تخفيف العبء الضخم والثقيل الذي يلقيه الدعم على كاهل التمويل والاستثمار.