
“إيجبس” في نسخته السادسة…تأكيد لدور مصر الريادي في ملف الطاقة
تستعد مصر لإطلاق النسخة السادسة من مؤتمر ومعرض مصر الدولي للبترول (إيجبس) والتي تستهدف مناقشة آليات التحول في مجال الطاقة، وأمن الطاقة، مع التطرق لملف العمل المناخي وكيفية تعزيز الجهود المشتركة، وهو ما يسهم في إعادة تشكيل الأسواق العالمية. وهي تأتي في وقت يبحث فيه العالم عن إمدادات آمنة من الطاقة، والعمل على توفير سبل وطرق مختلفة لتنويع مصادرها. يجمع المؤتمر بين قادة الطاقة على المستوى العالمي، وخبراء الاستدامة والصحة والسلامة والبيئة؛ وذلك لاستكشاف كيفية قيام مشغلي النفط والغاز بدمج ممارسات الاستدامة في نماذج أعمالهم، وأماكن العمل الخاصة بهم ضمانًا لتحقيقهم تأثير إيجابي على المستوى العالمي، وعلى موظفيهم، والمجتمعات التي يعملون بها.
ما أهمية تلك النسخة من المؤتمر عالميًا؟
مؤتمر ومعرض مصر الدولي للبترول (إيجبس) يشهد منحنى نمو تصاعديًا ومستمرًا منذ انطلاقه في عام 2017، ما مكنه ليكون معرض ومؤتمر البترول والغاز الرائد في مصر وإقليم شمال أفريقيا وحوض البحر المتوسط؛ إذ إن النمو الملحوظ كان نتيجة اتباع الاستراتيجية الطموحة التي طبقتها الدولة المصرية لإطلاق مجموعة من الإمكانيات لتحقيق أعلى قيمة لقطاع الطاقة المصري، وهو ما يُعد دافعًا ومحركًا للتنمية المستدامة في مصر والمنطقة.
وبشكل عام، تأتي النسخة السادسة في وقت تكافح فيه كبرى شركات الطاقة العالمية من أجل البقاء وذلك كنتيجة لزعزعة الاقتصاد العالمي والحرب الروسية الأوكرانية وحرب العقوبات بين الأطراف المتنازعة فيما يتعلق بملف الطاقة العالمي والتي أدت إلى حدوث خلخلة كبيرة في أمن الطاقة العالمي، وذلك منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي وبعد اقتراب الأزمة الروسية الأوكرانية من عامها الأول.
فقد تحول ملف الطاقة إلى أولوية جميع دول العالم، وأصبح من أهم أدوات التصعيد والمساومة السياسية في الفترة الراهنة. ومر العديد من دول العالم -ولا تزال- بظروف صعبة وقاسية بسبب الارتفاع الحاد في مستويات أسعار الطاقة.
وأيضًا تكتسب النسخة أهمية خاصة في ظل الديناميكيات الإقليمية المتغيرة التي دفعت الدولة المصرية إلى تعزيز دورها كمركز للطاقة وإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط والذي أصبح من أهم القوى الناعمة المصرية في الفترة الأخيرة، والذي يحفز التعاون الفني والتكامل التجاري لتطوير سوق غاز إقليمية مستدامة.
وتُقدم تلك النسخة فرصة لاستعراض جهود مصر كمركز إقليمي لتجارة الطاقة، وتأتي في توقيت حيوي لمناقشة التحديات والفرص الاستراتيجية التي تواجه قطاع الطاقة العالمي بعد انعقاد مؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ COP27 في مصر بمدينة شرم الشيخ في نهاية العام الماضي والنجاح الكبير الذي تحقق والإشادة العالمية بالدور المصري، ومناقشة تأثيرات التحول في السياسات والتغير في ديناميكيات الطلب، بالإضافة إلى التطور في إمكانات وتكنولوجيا خفض انبعاثات الكربون من خلال استخدام تقنيات مثل التقاط وتخزين الكربون وإنتاج الهيدروجين، بالإضافة إلى ضرورة مناقشة العديد من الموضوعات الأساسية في ملف الطاقة العالمي، ومنها: سبل التمويل والاستثمار، والمساواة في الطاقة، واستدامة موارد الطاقة، وتأمين الإمدادات؛ وذلك في مواجهة التحديات العالمية الراهنة التي تؤثر على خريطة الطاقة العالمية. ذلك مع ضرورة الاهتمام بإبراز دور القارة الأفريقية في تأمين موارد الطاقة للعالم، وبالأخص الغاز الطبيعي وفى وقت تكافح القارة الأوروبية من أجل توفير إمدادات آمنة من الغاز.
ولذلك تأتي النسخة السادسة من مؤتمر ومعرض مصر الدولي لتأكيد لدور مصر الريادي في ملف الطاقة العالمي، بالإضافة إلى أنها تُشكل نقطة انطلاق حقيقية لحوار استراتيجي فعال؛ بهدف رسم خارطة طريق لقطاع الطاقة العالمي من أجل تحقيق مستقبل مستدام وآمن، وفرصة واعدة لخبراء قطاع الطاقة على مستوى العالم لتبادل الأفكار والرؤى لتحقيق نظام بيئي أكثر شمولية بما يراعي المعايير الاجتماعية واﻟﺒﻴﺌﻴﺔ الحالية.
ذلك بالإضافة إلى أن نجاح تنظيم هذا الحدث العالمي في النسخ السابقة وذلك منذ عام 2017 أعطى زخمًا كبيرًا وأهمية للنسخة الحالية؛ وذلك من خلال جذب المزيد من المشاركات الدولية لتحقيق أقصى استفادة لصناعة البترول والغاز في مصر والتي تطمح لجذب المزيد من الاستثمارات العالمية والمحلية في هذا القطاع الحيوي وفى ظل النجاحات الكبيرة للدولة المصرية بعد عام 2014.
وعلاوة على ذلك، تأتي النسخة السادسة في وقت تشهد فيه الدولة المصرية العديد من الاكتشافات التجارية العملاقة في مياه شرق المتوسط، حيث حققت الدولة في قطاع الطاقة العديد من النجاحات على كافة الأصعدة خلال السنوات التسع الماضية، وذلك من خلال الاستفادة من الموقع الاستراتيجي والأصول والبنية التحتية، وبفضل استراتيجية الدولة المصرية، وليصبح من أكثر القطاعات التي شهدت نهضة لا مثيل لها محليًا وعالميًا في الفترة ما بين عامي 2014 حتى 2023.
وذلك ما أكدته نتائج الإنجازات التي تمت على أرض الواقع خلال السنوات الماضية، فقد نجحت الدولة المصرية على مدار السنوات الماضية في التحول بخطى متسارعة إلى مركز إقليمي للطاقة، ولعبت العديد من العوامل دورًا كبيرًا في تعزيز دور مصر بسوق الغاز العالمية، ومن بينها تعديل التشريعات، وتعيين وترسيم الحدود، وسداد المتأخرات والمستحقات للشركات الأجنبية، والاستفادة من الموارد الغنية التي لم تكتشف بعد، مثل ثروات البحر الأحمر.
وبشكل عام، من المقرر أن تشمل أجندة النسخة السادسة من المؤتمر والذي سوف يُقام بمركز مصر للمعارض الدولية، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، وبدعم من وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، جدول أعمال موسعًا يغطي بشكل مركز المحاور الاستراتيجية، والفنية، والتمويل والاستثمار، والمساواة بين الجنسين، والاستدامة في الطاقة، وذلك من خلال مشاركة حوالي 260 متحدثًا، بالإضافة إلي مشاركة نحو 9 وزراء و7 أمناء عالميين من منظمات دولية، مثل الأوبك ومنتدي غاز شرق المتوسط وغيرها، بجانب أكثر من 30 رئيسًا تنفيذيًا، وذلك بهدف عرض الحلول والاستراتيجيات التي ستعيد تشكيل أسواق وخارطة الطاقة العالمية.
مجمل القول، نستطيع القول إن النسخة السادسة تُشكل نسخة استثنائية في تاريخ صناعة الطاقة العالمية ونقطة انطلاق حقيقية لفترة حرجة تمر بها الأسواق العالمية للطاقة وعام مليء بالنقاشات الاستراتيجية والتي سترسم معالم مستقبل الطاقة في السنوات المقبلة. وفى الأخير، يُشكل معرض ومؤتمر مصر الدولي للبترول (إيجبس) بوابة السوق المصرية -أحد أكثر الأسواق الواعدة في ملف الطاقة العالمي– وبالأخص في قطاع الغاز الطبيعي، ورسالة إلى العالم بأن مصر ليست دولة مُنتجة للطاقة فقط لكنها دولة محورية في معادلة الطاقة العالمية، بما يمثل فرصة حقيقية لعرض التجربة المصرية في ملف الطاقة وتنويع مصادرها والوصول إلى معادلة طاقة متزنة يبحث العالم عنها في الوقت الراهن.
وبشكل عام، تنظيم الدولة المصرية لتلك النوعية من المؤتمرات العالمية والمتخصصة تعكس الرؤية المصرية وحالة الاستقرار التي تنعم بها في ظل حضور قوي لكبرى الشركات العالمية والعديد من الخبراء وكبار صانعي القرار العالميين فيما يتعلق بملف الطاقة.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة