
مع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من عامها الأول…ماذا ينتظر أسواق الطاقة؟
كافحت شركات الطاقة الكبرى من أجل البقاء نتيجة لزعزعة الاقتصاد العالمي وسط اضطرابات معدلات الإنتاج العالمية، والأزمة الروسية الأوكرانية وحرب العقوبات الأمريكية الروسية، وخاصة مع ارتفاع أسعار النفط. فقد سلط الارتفاع في أسعار الطاقة والمعادن الضوء على نقاط القوة لدى البعض ونقاط ضعف البعض الآخر. وخرج العالم من عام 2022 محملًا بالكثير من الآلام الاقتصادية والتي يأتي في مقدمتها ارتفاع مستويات أسعار الطاقة، وسط تساؤلات هل سيستمر هذا الارتفاع في الأسعار في العام الحالي وكيف سيبدو شكل سوق النفط خلال الفترة المقبلة؟
أسعار النفط خلال العام الحالي
من المتوقع أن يشهد العام الحالي ارتفاعًا في أسعار النفط، وقد يصل متوسط سعر خام برنت إلى نطاق يتراوح بين 95-105 دولارات للبرميل، وخام غرب تكساس الوسيط عند نطاق بين 90-100 دولار للبرميل. وهذا النطاق سيفوق بكل تأكيد السقف السعري الذي تم فرضه من قبل مجموعة الدول السبع على النفط الروسي (60 دولارًا)، وبالتالي ستشهد أسواق النفط العالمية استمرار حالة عدم الاستقرار خلال العام الجاري، وبالوتيرة نفسها التي شهدها العام 2022 وذلك خلال مرحلة ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية والقفزة التي سجلتها مستويات الأسعار بعدها إلى حالة الهبوط السعري. ومن هنا ووفقًا للنطاق السعري المتوقع لبرميل النفط نستطيع القول إن هناك بعض العوامل والتي ستتحكم في حركة أسعار النفط خلال الفترة القادمة ومنها:
● حجم الاستثمارات المستهدف في قطاع النفط، فقد تراجعت بشكل عام استثمارات الخام العالمية إلى ما يقرب من النصف بالمقارنة بين بيانات عام 2022 وعام 2021، حيث بلغت استثمارات قطاع النفط على مستوى العالم حوالي أقل من 400 مليار دولار، وذلك انخفاضًا من حوالي 700 مليار دولار خلال عام 2021.
● تراجع الصين تدريجيًا، وهي ثاني أكبر مستهلك للنفط العالمي، عن سياسة صفر كوفيد، مما يعني أن الطلب الصيني سيزيد على النفط. وهذا الطلب المرتفع الذي ستشهده الصين قد يكون كبيرًا وقد يؤدي إلى زيادة الطلب ليصل إلى ما لا يقل عن حوالي مليون برميل يوميًا، وبالتالي قد يحدث تغيرًا في النطاق السعري المتوقع للعام الجديد من 95-105 دولارات مقابل 110-120 دولارًا للبرميل الواحد.
● الطلب في الهند -ثالث أكبر مستهلك في العالم- ينمو حاليًا بوتيرة سريعة، في ظل ارتفاع الطلب بنحو حوالي 0.4 مليون برميل يوميًا على أساس سنوي العام الحالي.
● سياسة تحالف أوبك بلس الحالية والإبقاء على أهدافها المتعلقة بالحفاظ على النطاق السعري 95-105 دولارات للبرميل، وسياسة الخفض حتي ديسمبر من عام 2023.
● تطورات الحرب الروسية الأوكرانية؛ فأي مؤشر على قرب نهاية الحرب قد يؤدي إلى تراجع أسعار النفط بشكل كبير وقد نصل إلى نطاق سعري 50-60 دولارًا للبرميل.
● حيود التفكير الأوروبي مما يعني استخدام النفط لتوليد الكهرباء، وذلك نظرًا إلى ارتفاع أسعار الغاز والفحم، فمن شأن ذلك أن يعزز الطلب على النفط خلال فصل الشتاء.
● حالة السوق والإمدادات، حيث من المتوقع أن تسود حالة نقص الإمدادات بأسواق النفط خلال الفترة المقبلة، ويرجع ذلك إلى نقص الاستثمار في مشروعات النفط الجديدة، والانضباط الرأسمالي لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية.
● مستوى الركود الذي دخله الاقتصاد العالمي، فارتفاع أسعار الطاقة ومعدلات العجز العالمية دفعا نحو زيادة التضخم وإغلاق المرافق الإنتاجية.
● يُشكل ارتفاع قيمة الدولار من بين الرياح المعاكسة -أيضًا-، فبالنسبة إلى الدول المستهلكة للنفط والتي لا ترتبط عملاتها بالدولار، زادت أسعار النفط بقدر أكبر من حيث العملة المحلية.
● توقعات موسكو بالسعي نحو خفض معدلات الإنتاج بحوالي 700 ألف برميل يوميًا، وسيظل الخطر الرئيس على أسواق النفط العالمية، هو أن تلجأ موسكو إلى قطع إمدادات النفط بشكل أحادي عن السوق العالمية، وذلك في حالة أن الأسواق الآسيوية (الصين والهند) أصبحت غير قادرة على استيعاب الفائض الذي كان يتم تصديره للدول الأوروبية، وهذا القرار سيكون كفيلًا بإحداث صدمة كبيرة في أسواق النفط العالمية.
● مدى تأثر الأسواق بحالة عدم اليقين التي تسببت فيها العقوبات الأوروبية على قطاع النفط الروسي وحالة التسقيف الأخيرة والتي من الممكن وضوح مدى نتائجها في الربع الأول من العام الجاري ومع بداية تنفيذ عقوبات فرض حظر المنتجات النفطية الروسية بداية من فبراير المقبل.
● قرار الإدارة الأمريكية بإعادة ملء مخزون النفط الاستراتيجي، من خلال إعلان وزارة الطاقة الأميركية نيتها شراء حوالي 3 ملايين برميل جديدة. قد تؤدي تلك الخطوة إلى ارتفاع طفيف في حركة الأسعار وذلك لأن الكمية منخفضة.
● مخاطر ارتفاع أسعار النفط هذا الشتاء ستنخفض وذلك بسبب تراجع استهلاك الصين مقارنة بما كان متوقعًا في السابق وتصدير موسكو لمستويات قريبة من تلك المسجلة قبل الأزمة الروسية الأوكرانية وتراجع مشكلات الإنتاج في العديد من الدول، ولكن المشكلة ستظهر بشكل واضح خلال الشتاء المقبل.
● قد يشهد العام الحالي صراعًا بين تحالف أوبك بلس وواشنطن وذلك في حال ارتفاع أسعار النفط فوق مستوى 100 دولار للبرميل، ومع إصرار التحالف على سياسة الخفض الحالية.
ولكن وبشكل عام، سيواصل الطلب على النفط الخام ارتفاعه خلال عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي 102 مليون برميل يوميًا، وذلك على الرغم من التوقعات العالمية بتباطؤ أداء الاقتصاد العالمي، وحالة الركود في الاتحاد الأوروبي. الطلب العالمي سوف يرتفع بحوالي 1.7 مليون برميل نفط يوميًا في عام 2023 وذلك مقارنة بعام 2022، والتي بلغت فيها مستويات الإنتاج إلى حوالي 100 مليون برميل نفط يوميًا، والتي تُعد الأعلى على الإطلاق، كما هو موضح بالشكل التالي:
ماذا عن أسعار الغاز خلال العام الحالي؟
شهدت أسواق الغاز العالمية رواجًا هائلًا خلال عام 2022، وذلك من خلال عقود توريد الغاز الطبيعي المسال التي تم توقيعها خلال العام؛ فبلغ حجم العقود المبرمة نحو 85 مليون طن سنويًا من الغاز، ونجد أن واشنطن احتلت المرتبة الأولى بنحو 70% من تلك الصادرات، ولعل هذا الوضع هو ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى انتقاد الإدارة الأمريكية واتهامها ضمنيًا بأنها تستغل الوضع العالمي لصالحها وتحقيق أكبر قدر من المكاسب.
وبالتالي ووفقًا للوضع الحالي، فإن حجم العقود التي سيتم إبرامها في العام الحالي سوف تكون أعلى من العام الماضي. وستبقى القارة الأوروبية أكثر القارات طلبًا والتي سوف تعاني من كيفية توفير احتياجاتها من الغاز الطبيعي خلال العام الحالي. وهذا ما يفسر أن وكالة تقنين الطاقة في بريطانيا أعلنت أنها سترفع سقف الفاتورة السنوية للغاز من 2500 دولار إلى حوالي 3200 دولار خلال العام الحالي، وذلك بسبب توقعات استمرار ارتفاع أسعار الغاز.
فستحافظ أسعار الغاز على حالة الارتفاع التي شهدتها خلال العام الماضي، وستصل إلى حوالي 3 أضعاف الأسعار الحالية ولكن بشرط استمرار الأوضاع الراهنة، وهو ما سيؤثر على معدلات التضخم في الدول المستوردة، وهو ما يعني أيضًا ارتفاع معدلات سعر الفائدة فيها، وبالتالي المزيد من الركود الاقتصادي. ومن جهة أخرى، قد نجد تزايد دور منطقة شرق المتوسط وبالأخص مصر في تلبية احتياجات دول الاتحاد الأوروبي من الغاز؛ وذلك نتيجة استمرار تحقيق الاكتشافات التجارية الكبيرة في المياه المصرية.
وبشكل عام، من المتوقع أن تتراجع أسعار الطاقة بحوالي 10% (من نسبة 60% زيادة عام 2022) بعد زيادتها خلال العام الحالي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. وبالتالي، فأن أي بلد غير نفطي أو لم يتوفر فيه الغاز الطبيعي بشكل كافٍ يمكن أن يتوقع استمرار ارتفاع أسعار الطاقة، أو على أقل تقدير ستحافظ على مستواها القياسي الحالي. ويُمثل سعر النفط الخام العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد سعر المشتقات النفطية في الأسواق العالمية، وتحدد أسعار النفط ومشتقاته المختلفة كنتيجة تفاعلات سلوك المستهلكين والمشترين في الأسواق.
مجمل القول، منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي وبعد اقتراب الأزمة من عامها الأول، نستطيع القول إن ملف الطاقة تحول إلى أولوية جميع دول العالم (المتقدمة والنامية) وأصبح من أهم أدوات التصعيد والمساومة السياسية في تلك الحرب، ومر العديد من دول العالم -ولا تزال- بظروف صعبة وقاسية بسبب الارتفاع الحاد في مستويات أسعار الطاقة خلال عام 2022، والذي أثر على ارتفاع معدلات التضخم ومعدلات الفائدة وأدى إلى الركود العالمي.