
قمة الجزائر: ملف الطاقة العربي والدور المصري
تنطلق اليوم في الجزائر فعاليات القمة العربية بنسختها الحادية والثلاثين، والتي تأتي في ظروف وتحديات معقدة تشهدها المنطقة، ووضع عالمي مضطرب بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، وأزمة الطاقة. وتأتي القمة بعد توقف نحو 3 سنوات بفعل جائحة كورونا، وهي الرابعة التي تستضيفها الجزائر، حيث كانت أول قمة استضافتها الجزائر في نوفمبر 1973، فيما كانت الأخيرة في العام 2005.
ملامح أزمة الطاقة في المنطقة العربية
على مستوى الدول العربیة كمجموعة، یتوقف أثر التطورات الراهنة على طبيعة تأثيراتها في معدل النمو الاقتصادي في الدول العربية المصدرة للنفط (التي تُسهم بنحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول العربية بالأسعار الثابتة)، مقابل تأثيراتها في معدل نمو الدول العربية المستوردة للنفط التي تُسهم بنحو 30% من الناتج الإجمالي بالأسعار الثابتة)، والتي تواجه تحديات ارتفاع مستويات العجز الداخلية والخارجية ومن ثم ضعف قدرتها على تعزيز الإنفاق الداعم للنمو مقارنة بالدول المصدرة للنفط.
هذا بالإضافة إلى أن هذه الحرب قد أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا والتي تمثل المكون الأكبر من سلة السلع المكونة للرقم القياسي للأسعار، علاوة على تأثر المستوى العام للأسعار بارتفاع أسعار المحروقات، بجانب ارتفاع أسعار بعض الخدمات مثل الكهرباء والمیاه التي تتأثر بارتفاع أسعار الطاقة.
وبشكل عام، لدى العديد من الدول العربية مشكلة في تأمين التغذية الكاملة للكهرباء، في ضوء ارتفاع الطلب بشكل كبير ويتزايد لدى بعض الدول بصورة سنوية، حتى إن بعضها يزيد المحطات الكهربائية بمعدل حوالي 10% سنويًا، وهو معدل مرتفع للغاية يفوق المعدل العالمي الذي يُقدر بحوالي من 0.5 إلى 5%. ولذلك فإن مستويات ارتفاع الطلب على الكهرباء يُمثل حاجزًا وعائقًا للعديد من الدول العربية، ومن بينها لبنان وسوريا وفلسطين.
- الأزمة اللبنانية في ملف الطاقة:
أزمة الطاقة في لبنان عمرها أكثر من أكثر من حوالي 3 عقود، وذلك لأن الطلب على الكهرباء في لبنان يرتفع سنويًا دون أن يقابله زيادة في إنشاء محطات التوليد؛ إذ إن آخر محطة أسست في عام 1999. وخلال أكثر من 20 عامًا، لم يزد لبنان سوى حوالي 270 ميجاوات في الشبكة من المولدات، ويحتاج بشكل عام حوالي 3 آلاف و600 ميجاوات في أوقات الذروة، ولكنه لا يملك في الوقت الحالي سوى أقل من حوالي 1600 ميجاوات، أي أن هناك حاجة إلى حوالي 2000 ميجاوات.
- فلسطين والطاقة:
يعيش قطاع غزة انهيارًا كارثيًا في أوضاعه المعيشية والاقتصادية، ويؤثر ارتفاع أسعار الغاز والوقود على الصناعة فيه؛ إذ يستورد أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع الغاز بأسعار باهظة، في الوقت الذي تعرقل فيه إسرائيل منذ عقود أي إمكانية لاستخراج الغاز من حقلين في بحر غزة مكتشفين منذ عام 1999، الأمر الذي يعد مخالفة واضحة وصريحة لحق مكفول في عدد من الاتفاقيات الدولية منها اتفاقية لاهاي، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي تعدّ كل من فلسطين وإسرائيل أطرافًا فيه.
- واقع الطاقة في سوريا:
لا يخفى على أحد الدمار الكبير الذي تعرّض له القطاع الكهربائي في سوريا، أسوةً بغيره من القطاعات المختلفة خلال الحرب، فباتت مشكلة الكهرباء ثاني أكبر مشكلة يعانيها المواطنون السوريون، وقد طال الضرر مباشرةً محطات الكهرباء التي تعرض أغلبها للتدمير، ما أدى إلى توقف 70% من محطات التحويل. وبعدما كانت سوريا تؤمن جزءًا مهمًا من احتياجاتها الداخلية من الطاقة الكهربائية، أضحت تلجأ منذ عدة سنوات إلى تطبيق نظام تقنين قاسٍ بسبب نقص إمدادات الغاز لمحطات التوليد.
- العراق وأزمة كهرباء حادة:
تفحلت أزمة الكهرباء في العراق في العامين الأخيرين؛ وذلك لنقص إمداد إيران العراق بما يكفي من الغاز الطبيعي لتشغيل المحطات، علاوة على شكاوى من الفساد الإداري والانشغال بالصراعات السياسية حول تشكيل الحكومة. بغداد الذي احتل في نهاية عام 2019 المرتبة الخامسة عربيًا باحتياطياته من الغاز الطبيعي يضطر حاليًا إلى استيراد كميات ضخمة من الغاز والكهرباء.
وسط هذه الأزمات والتحديات في العديد من الملفات وبالأخص في ملف الطاقة العربي، هل تؤدي القمة العربية إلى الوصول إلى قاعدة مشتركة وتعاون عربي مشترك فيما يخص ملف الطاقة ومنها ضرورة تسريع مشروعات الربط الكهربائي؟
الدور المصري في ملف الطاقة العربي
تضع الدول العربية آمالًا عريضة على مشروعات الربط الكهربائي مع مصر؛ بهدف الحفاظ على أمن الطاقة وتأمين معدلات التغذية الكهربائية للمنطقة. وخلال الفترة الماضية، برزت جهود مصرية كبيرة لتنفيذ مشروعات عديدة، أهمها: الربط الكهربائي المصري السعودي، والربط الكهربائي المصري الثلاثي (مصر-الأردن-العراق) والربط الكهربائي الثماني، وغيرها من مشروعات الربط الكهربائي.
وتأتي هذه الجهود ضمن الخطة الكبيرة التي تهدف إلى إنشاء سوق عربية مشتركة للطاقة الكهربائية تضم خبرات جميع الدول العربية وتؤمن جميع الاحتياجات للمنطقة العربية. ولذلك ظل الملف الاقتصادي حاضرًا وبقوة في جميع القمم العربية خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى ملف استكمال مشروعات الربط الكهربائي والتي أصبحت ضرورة في الوقت الراهن بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.
ضرورة تسريع مشروعات الربط الكهربائي العربي
تتمثل الفوائد المبتغاة من ربط مجموعة من الشبكات الكهربائية في العديد من النقاط ومنها:
● خفض القدرة الاحتياطية المركبة في كل شبكة، وبالتالي تخفيض الاستثمارات الرأسمالية اللازمة لتلبية الطلب على القدرة، دون المساس بدرجة الأمان والاعتمادية في الشبكات المرتبطة.
● يؤدي الربط الكهربائي أيضًا إلى الاستفادة من إقامة محطات التوليد في المواقع الأكثر جدوى من الناحية الاقتصادية، نتيجة لتوفر الوقود الرخيص والفائض صعب التصدير أو صعب التخزين في إحدى الدول المرتبطة، وأيضًا إلى التقليل من تلوث البيئة.
● توفير الطاقة الإنتاجية للكهرباء.
● الحد من مخاطر توقف الطاقة المنتجة من محطات الطاقة البديلة والمتجددة.
● خفض تكلفة إنتاج الطاقة مما سينعكس إيجابيًا على أسعار الطاقة الكهربائية بشكل عام للمستهلكين.
● تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مما يعمل على المساهمة في التنمية الفعلية لمصادر الطاقة المتجددة.
● المبادلة نظرًا لتعدد مصادر الطاقة الكهربائية وإمكانية تبادل الطاقة الكهربائية الطارئة وديمومة طاقة الكهرباء الاحتياطية.
● السماح بعمليات تصدير واستيراد فائض الطاقة طبقًا لوقت الذروة في كل دولة.
● تحفيز التعاون الإقليمي وإنشاء شبكة ربط قوية بالمنطقة بهدف تحسين أمن واعتمادية الإمداد بالطاقة، والمساعدة عند حدوث الأعطال والانقطاعات والحالات الطارئة على شبكات النقل ورفع درجة تأمين الإمدادات الكهربية.
وطبقًا للإيجابيات السابقة من ضرورة تسريع مشروعات الربط الكهربائي العربي نلقي الضوء على الدور المصري ومشروعات الربط المصري مع دول المنطقة:
بشكل عام، تضع الدولة المصرية آمالًا عريضة على مشروعات الربط الكهربائي لتحقيق هدف التحول إلى مركز عالمي لتجارة وتداول الطاقة. وصاغت مصر توجهاتها وأهدافها من خلال استراتيجية التنمية المستدامة 2030، وبالأخص في قطاع الطاقة والتي كانت من ضمن أهدافها الرئيسة جعل البلاد مركزًا محوريًا للطاقة. حيث تتصدر أولويات قطاع الكهرباء المصري في الفترة الحالية، استكمال الإجراءات الخاصة بمشروعات الربط الكهربائي مع دول الجوار، ومنها المملكة العربية السعودية والأردن ومنها للعراق، وليبيا، وكذلك الربط أوروبيًا مع قبرص واليونان.
وبدأت الدولة المصرية خلال الفترة الماضية في تطوير وتوسعة شبكات نقل الكهرباء وتوزيعها، وذلك حتى تتمكن من استيعاب القدرات المنتجة من مشروعات الطاقة المتجددة. وكذلك تبادل الكهرباء مع دول الجوار، وسعت إلى تدعيم وتطوير الشبكة القومية الموحدة لدعم مشروعات الربط الإقليمي القائمة مع الأردن وليبيا والسودان. وكذلك مشروعات الربط المزمع تنفيذها مع المملكة العربية السعودية وقبرص واليونان وهيئة الربط الخليجي.
- الربط المصري السعودي:
اتفقت القاهرة والرياض على تنفيذ مشروع للربط الكهربائي بين البلدين لتبادل قدرات كهربائية تبلغ حوالي 3 آلاف ميجاوات، وبتمويل من صناديق ومصارف عربية، وتبلغ القدرات الكهربائية المنتجة في البلدين أكثر من حوالي 150 جيجاوات؛ إذ تصل القدرات الكهربائية المولدة في المملكة إلى حوالي 90 جيجاوات، بينما تصل القدرات الكهربائية المنتجة في مصر إلى حوالي 60 جيجاوات، ويبلغ إجمالي أطوال شبكات النقل الكهربائي بين البلدين قرابة حوالي 140 ألف كيلومتر. وبذلك يصل إجمالي أطوال شبكات النقل الدائري في مصر إلى حوالي 51 ألف كيلومتر، بينما تبلغ أطوال شبكات النقل الدائري في المملكة حوالي 89 ألف كيلومتر.
ويتضمن الخط 3 محطات تحويل جهد عالٍ، وهي محطة شرق المدينة المنورة ومحطة تبوك بالمملكة، ومحطة بدر شرق القاهرة. حيث يُعد المشروع البداية لإنشاء خط الربط الكهربائي العربي المشترك، وسوف يعزز من قدرات الكهرباء في المنطقة العربية. ومن المقرر كذلك تشغيل المرحلة الأولى بحلول عام 2024 بقدرة تبلغ حوالي 1500 ميجاوات.
الربط الكهربائي المصري الأردني:
يتبادل مصر والأردن الطاقة الكهربائية منذ عام 1999، وترتبط الشبكة الكهربائية المصرية بالشبكة الكهربائية الأردنية من خلال خط بحري جهد حوالي 400 كيلو فولت والذي يمتد عبر خليج العقبة بطول حوالي 13 كم، وباستطاعة حوالي 550 ميجاوات، ضمن مجموعة الربط الكهربائي الثماني، والذي يضم مصر، والأردن، والعراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، وليبيا، بالإضافة إلى تركيا. وفى نهاية عام 2021، اتفقت مصر والأردن على رفع القدرة الكهربائية بينهما من حوالي 500 ميجاوات حاليًا إلى حوالي 1000 ميجاوات بحلول عام 2024، مما يتيح إمكانية تبادل الطاقة بين مصر ولبنان وسوريا والعراق وذلك عن طريق الأردن. بالإضافة إلى فتح أسواق طاقة جديدة لاستيراد وتصدير الطاقة الكهربائية.
- الربط الكهربائي المصري الخليجي:
فى نوفمبر من عام 2019، تم توقيع مذكرة تفاهم واتفاقية سرية المعلومات مع شبكة كهرباء الخليج بين الشركة المصرية لنقل الكهرباء والشركة الوطنية الأردنية وهيئة الربط الكهربائي بمجلس التعاون الخليجي، وتجرى حاليًا دراسة أنسب البدائل الفنية والاقتصادية لتنفيذ هذا الربط.
- الربط الكهربائي المصري الليبي:
انتُهِي من إنشاء الخط الكهربائي بين مصر وليبيا، وتبلغ قدرته الحالية حوالي 150 ميجاوات بطول حوالي 255 كيلومترًا. وتسعى مصر إلى زيادة سعة الخط الكهربائي الرابط مع ليبيا إلى حوالي 2000 ميجاوات (مرحلةً أولى)، وذلك بعد توسيع محطة محولات برج العرب ومرسى مطروح ودخول محطة محولات الضبعة. وتدعيم قدرة الخط المصري الليبي سيُمهد الطريق لمباحثات إضافية لتحقيق الربط مع دول الإقليم، بحيث تكون طرابلس بوابة الربط الكهربائي بين مصر ودول أفريقيا. بالإضافة إلى استكمال الربط بين دول شمال أفريقيا بالكامل/ وهو المقترح الذي صُدق عليه خلال قمة الاتحاد الأفريقي في نوفمبر من عام 2021.
- الربط الكهربائي المصري السوداني:
فى أبريل من عام 2020، بدأت مصر في تغذية السودان من خلال الشبكة الكهربائية المصرية ضمن المرحلة الأولى للتغذية بقدرة حوالي 80 ميجاوات. وتم الانتهاء من تنفيذ شبكات الربط في مارس من عام 2019 وبطول حوالي 100 كيلومتر على الجهد حوالي 220 كيلو فولت حتى الحدود السودانية. ومن المقرر أن تُرفع القدرات لتصل إلى حوالي 300 ميجاوات.
إيجابيات إنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء
يُعد هدف إنشاء سوق عربية مشتركة للكهرباء حلمًا سعت الدول العربية إلى تحقيقه خلال السنوات الماضية، حيث عُقدت العديد من المناقشات بهدف الوصول إلى قرار بشأن مشروعات الربط الكهربائي بين الدول العربية. وتطلب قيام السوق العربية المشتركة للكهرباء إجراء حزمة من الأطر التشريعية والقانونية بهدف إعداد وثائق الحوكمة، إذ وُقعت مذكرة تفاهم مع حوالي 16 دولة عربية ودخلت حيز التنفيذ في أبريل من عام 2017.
وشارك البنك الدولي في إعداد اتفاقيات السوق الاتفاقية العامة واتفاقية السوق، حيث قاربت على الاكتمال لتصبح جاهزة للتوقيع عليها واعتمادها لبدء مرحلة جديدة للبدء في عمل السوق العربية المشتركة (البرنامج الزمني الشامل الذي تتبناه الجامعة العربية يحدد عددًا من المراحل تنتهي في عام 2038 لتصميم هذه السوق وتوسيع اختصاصها للوصول إلى شبكة كهرباء عربية ذات ربط كهربائي فعال ومتزن). فالمرحلة التأسيسية المخصصة لدراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لتعزيز وتوسعة البنية التقنية للسوق العربية المشتركة للكهرباء وتطوير الأطر المؤسسية والتشريعية تم الانتهاء منها، وتم توقيع مذكرة التفاهم لإنشاء السوق وهي تتضمن التزامًا سياسيًا بتحقيق التكامل للسوق العربية المشتركة للكهرباء وأسسها القانونية.
خلاصة القول، لقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها وبالأخص فيما يتعلق بأزمة الطاقة، بين أطراف النزاع المختلفة، بأن الأزمات العربية ليست ضمن أولوية اهتماماتهم، أو أنها مكملة لحلقات الصراع فيما بينهم على مناطق النفوذ والمصالح، وهو الأمر الذى من المفترض أن يحدث يقظة كبيرة لدى الدول العربية وتدرك بما لا يدع مجالًا للشك أن عليها من الآن فصاعدًا توحيد صفوفها وحشد طاقاتها لمواجهة تحديات التنمية وأمن الطاقة. ولذلك تُشكل مشروعات الربط الكهربائي العربي خارطة طريق للسوق المشتركة للكهرباء، مما يعمل علي تمكين الدول العربية من تنويع وزيادة حجم الاستثمارات في مصادر الطاقة المتوفرة من النفط والغاز ولمصادر الطاقة المتجددة المتاحة فيه، وكذلك لتنمية الحلقات بين دول الربط الكهربائي وتطويرها في قطاعات إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية؛ لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها دول الربط. فتُشكل مشروعات الربط الكهربائي أحد الحلول التي تعول عليها الدول في إيجاد حلول نقص الإمدادات. وفى الأخير تأتي مشروعات الربط الكهربائي المصري كخطوة حيوية لزيادة الثقل السياسي والاقتصادي العربي، وكجزء من طموحات الدولة المصرية لأن تصبح مركزًا إقليميًا ومصدرًا وممرًا للطاقة في المنطقة العربية.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة



