شائعة متداولةالاقتصاد المصري

على وقع الأزمة الاقتصادية.. هل تتنازل الحكومة عن شركاتها الرابحة؟

سوق قائم على المنافسة يمنح مساحة كافية للجميع كي يعمل، وتقف الحكومة على مسافة متساوية من جميع اللاعبين لتقوم بدور منظم السياسات الذي يوجه إلى تحقيق أهداف رؤية مصر 2030 من خلال لاعبيها “مؤسسات القطاع الخاص”؛ ذلك هو الهدف الذي تسعى الدولة المصرية إلى تحقيقه من خلال تحليل كل خطوة تقوم بها. ويأتي ضمن تلك الخطوات وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تستهدف تعظيم دور القطاع الخاص المصري إلى 65% خلال فترة أربع سنوات.

كانت بداية تلك الخطة في العام 2016 عندما انطلقت مصر في برنامجها لإصلاح هيكل اقتصادها بالشراكة مع مؤسسة دولية محايدة هي “صندوق النقد الدولي”، انقسم برنامج الإصلاح إلى أقسام رئيسة وأخرى فرعية، وبدأ التنفيذ خطوة تلو الأخرى، وكان بين بين تلك الأهداف زيادة نصيب القطاع الخاص في مصر ورفعه من مستواه الحالي عند مستوى 25% إلى مستويات أعلى؛ تحقيقًا لمبدأ حرية المنافسة، والانتقال إلى السوق الحر.

ولأن النظريات الاقتصادية عالميًا أثبتت أن الحكومات تفتقر لمهارات إدارة الأعمال للشركات التي من ناحية أخرى يبرع فيها القطاع الخاص، خاصة وإن كان عدد الشركات العامة في مصر يتخطى 156 شركة، بالإضافة إلى وجود عدد من الشركات التابعة لها وهو ما يضع عبئًا كبير على الحكومة لإدارة مثل تلك الأصول؛ وعليه فقد أدركت الدولة أهمية أن يقتصر دورها على دور المنظم والمراقب والمحفز لتحقيق الأهداف الرئيسة بالدولة والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى تحقيق التنمية الاقتصادية.

وضعت الحكومة برنامج طروحاتها الذي سُمّي ببرنامج الطروحات العامة، وقد تم الإعلان عن البدء بعدد من الشركات التي بالفعل يمكن البدء بها نظرًا لقيدها بسوق الأوراق المالية المصري والذي يعزز من سهولة نقل أسهم تلك الشركات إلى ملاك آخرين. وقد تم تحديد قائمة بتلك الشركات التي يمكن للدولة أن تخفض نسب ملكيتها فيها بشكل مباشر من خلال إما البيع في سوق الأوراق المالية أو نقل الأسهم إلى مستثمر استراتيجي “محلي أو دولي”. لكن هل بيع حصص من شركات القطاع العام أمر جيد أم سيئ؟

قبل الإجابة على ذلك السؤال، فمن الجدير الإشارة إلى أن استثمارات الحكومة بالشركات تشمل استثمارات البنوك العامة مثل “مصر” و”الأهلي” و”القاهرة”، وشركات التأمين الحكومية، والشركات القابضة الحكومية، وهيئة التأمينات والمعاشات، وأي جهة حكومية تتبع الدولة.

عملية بيع أو نقل ملكية إحدى تلك الجهات الحكومية إلى مستثمر آخر “قطاع خاص محلي أو أجنبي” تعني تغيرًا في ملكية الشركة، ومن ثم فبتغير هيكل الملكية يتغير شكل هيكل مجلس الإدارة؛ إذ يحصل المستثمر الجديد على مقاعد بمجلس الإدارة تتناسب مع نسبة ملكيته، وهو ما يعني دخول فكر إداري جديد بالشركة، وتوسيع شبكة علاقات الشركة بالسوق. وقد يعني دخول مستثمر أو شريك أجنبي دخول مستثمر جديد آخر بالسوق. 

ويعد الهدف الأساسي من ذلك الأمر هو تحسين إدارة الشركة، ومن ثم تعظيم قيمتها وأرباحها، ومن ثم يزيد نصيب ما تحصّله الحكومة من ضرائب من تلك الأرباح. فعلى سبيل المثال بافتراض أن الحكومة تمتلك 50% من شركة قيمتها 100 مليون جنيه، فإن قيمة ما تمتلكه الحكومة هو 50%، قامت الحكومة ببيع 25% من حصتها بالشركة إلى مستثمر آخر، لتصبح حصتها المتبقية 25% فقط، لكن دخول الشريك الجديد “قطاع خاص” ساهم في تعزيز عمليات الشركة ومبيعاتها وزيادة قيمتها ومن ثم ارتفعت قيمة الشركة خلال خمس سنوات لتصل إلى 1000 مليون جنيه (وهو أمر عادي للغاية بالنسبة للشركات أن تتضاعف قيمها خاصة في حال حدوث إصلاحات هيكلية بها وتغيير جذري في هيكل الملكية والإدارة).

في هذه الحال أصبحت نسبة الحكومة التي تبلغ 25% من الشركة تساوي مبلغ 250 مليون جنيه، ومن ثم فقد عظّمت الحكومة من قيمة أصولها، هذا فضلًا عن الضرائب على الأرباح التجارية التي ستحصّلها الحكومة نتيجة لزيادة قيم عمليات الشركة وأرباحها. لكن ماذا يبحث المشتري في الشركات المستهدفة؟

الحقيقة الراسخة هي أن المشتري “المستثمر” لا يبحث عن شركات تحقق الأرباح بقدر ما يبحث عن شركات لديها قدرة على النمو بشكل سريع، ولديها أساسات قوية وأصول جيدة وطلب مستدام على منتجاتها، ولديها قدرة على إعادة الهيكلة والتغير بضخ استثمارات بها، وفي نفس الوقت تكون لديه رؤية حول الشركة ورغبة في إعادة توجيه مسارها لإنتاج منتجات أو تقديم منتجات أخرى تلقى طلبًا أكبر من السوق، أو لديه القدرة على دمج خدماتها ومنتجاتها مع منتجات أكبر في سلسلة القيمة بشكل يعظم من قيمتها ويحولها إلى ربحية.

وعليه، فإن الادعاء بأن الحكومة تبيع الشركات الرابحة هو أمر غير صحيح؛ لأن المستثمر لا يبحث عن الشركات الرابحة، وإنما يبحث عن الشركات التي لديها أسآسيات قوية يمكنه إعادة هيكلتها لتحقيق أرباح حتى يشتريها بسعر أفضل، لكن هل مصر هي الدولة الوحيدة التي تتبع مثل ذلك الاتجاه في الاستثمار؟

للإجابة على ذلك التساؤل تجدر متابعة عمليات الاستحواذ والشراء التي قام بها أحد المستثمرين في مصر الفترة الأخيرة وهو صندوق ADQ الإماراتي والتي تسمي القابضة ADQ وهي شركة قابضة تقوم بدور الصندوق السيادي لدولة الإمارات والتي تدير حجم استثمارات بحوالي 102 مليار دولار أمريكي.

بالنظر إلى محفظة الاستثمارات الخاصة بتلك الشركة وتوزيعاتها، فقد تم استثمار 65% من أموال ذلك الصندوق في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال 23 صفقة استثمارية (21 صفقة استثمارية معلنة ومنفذة كليًا وصفقتين قيد الاتفاق والتنسيق)، 20% من تلك الاستثمارات في قارة أوروبا من خلال 7 صفقات (6 منها منفذة وواحدة منها غير منفذة)، أما النسبة المتبقية من استثمارات الصندوق 14.3% فتم استثمارها في قارة آسيا بنسبة 14.3%.

ما سبقت الإشارة إليه هي استثمارات الشركة القابضة بشكل مباشر في الشركات، لكن في حال الأخذ في الحسبان الاستثمارات في حصص الأقلية بالشركات والتي غالبًا ما تتم تسميتها ب Co- Investment فيرتفع عدد الصفقات التي نفذتها القابضة إلى 163 تعاونًا استثماريًا في عدد كبير من الدول منها الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 47 استثمارًا، ودول قارة آسيا بحوالي 46 استثمارًا، أفريقيا بعدد 37 استثمارًا وأوروبا بعدد 32 استثمارًا وقارة أمريكا الجنوبية بعدد استثمار واحد. 

أما عن الصندوق السيادي السعودي “The Public Investment Fund of The Kingdom of Saudi Arabia” والذي يدير إجمالي استثمارات بحوالي 620 مليار دولار فقد استغل العام الحالي والانخفاضات في الأسواق العالمية للقيام بعدد 93 صفقة استثمارية تنقسم إلى: 64 صفقة استثمارية في أفريقيا، و16 صفقة استثمارية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، و8 صفقات استثمارية في قارة آسيا، و5 صفقات في قارة أوروبا.

من بين تلك الصفقات وأشهرها على الإطلاق استحواذ الصندوق على حصص مختلفة بشركة جوجل الأمريكية، وشركة روم التي تقدم خدمات الاجتماعات الرقمية، وشركة مايكروسوفت للبرمجيات، هذا بالإضافة إلى شراء أسهم في كل من بنك JPMorgan وبنك الاستثمار BlackRock، وشركة Starbucks وغيرها من الشركات الأخرى، وهي كلها شركات ينظر إليها أنها أعمدة رئيسة للاقتصاد الأمريكي، وتعد الشركات الأكبر من حيث رأس المال السوقي.

وعليه، فإنه وفقًا لما تمت الإشارة إليه سابقًا، هل تبيع كل تلك الدول شركاتها الرابحة؟! بالطبع الإجابة: لا، فكل تلك الدول ترحب بعمليات الاستثمار بشركاتها وتراه تعزيزًا لاقتصادها. وبالتطبيق على ما يحدث في مصر، فإن عمليات الاستحواذ التي شهدتها مصر مؤخرًا في أسواقها المالية أو من خلال بيع بعض من الشركات العامة يأتي ضمن التغيرات في اتجاهات الاستثمار عالميًا؛ ففي السابق كان الاستثمار الأجنبي المباشر يفضل تأسيس شركات، لكن الوقت الحالي ووفقًا لما يشهده العالم من تقلبات اقتصادية كبيرة تغيرات اتجاهات الاستثمار نحو الاتجاه إلى شراء حصص ملكية في شركات قوية عاملة بالفعل وتستطيع توليد إيرادات أو أرباح، ولديها قدرة على النمو، وهو ما يفسر سعي الصناديق السيادية عالميًا إلى امتلاك حصص بشركات قوية مقيدة بسوق الأوراق المالية بمختلف دول العالم كما سبقت الإشارة.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى