مصر

توازن الانفاق بين البنية التحتية والرعاية الاجتماعية في مصر

في السنوات الأخيرة، نجحت الدولة المصرية وقيادتها السياسية في تحقيق المعادلة الصعبة وهي تحقيق التوازن بين الاستثمار في البنية التحتيه والتوسع في شبكات الحماية الاجتماعية وتحقيق الحماية الاجتماعية لمحدودي الدخل في مصر. فقد مرت مصر بفترة انتقالية تحتاج فيها إلى إصلاحات جذرية للارتقاء بوضعها الاقتصادي والاجتماعي، وقد اتبعت الدولة المصرية مسارا إصلاحيا وازن بين اجراء اصلاحات هيكلية بجوهر الاقتصاد المصري وتعزيز الاستثمار في المستقبل من خلال الاستثمار في البنية التحتية التي تعد الاساس لجذب اي استثمارات اجنبية مباشرة، حيث انفقت الدولة المصرية نحو 10 ترليون جنيه مصري على مشاريع البنية التحتية والتي شملت كافة قطاعات الدولة.

البداية كانت بتطوير الاعمال اللوجيستية لمصر والتي استهدفت إحداث نقلة في ملف النقل البري في عموم البلاد  لذلك أطلقت خطة شاملة لتطوير الشبكة القومية للطرق، والتي اعتمدت على فلسلة تستهدف الربط الكامل بين مختلف أقاليم البلاد، وهو ما يسهم بدوره في ربط مناطق الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي في الداخل المصري بالموانئ البحرية والجوية والبرية، ليسهم ذلك في تسهيل وانسياب حركة نقل البضائع والمنتجات، لتتحول مصر بذلك إلى مركز عالمي للتجارة والتداول واللوجستيات، وقد بلغ نصيب قطاع النقل والمواصلات حوالى 20% من اجمالي ما تم انفاقة في أعمال البنية التحتية وقد شمل انفاق 530 مليار جم على الطرق الكباري، و 129 مليار جم على النقل البحري، و 225 مليار جم لتطوير السكك الحديدية بمصر بعد سنوات من التهالك، و1.1 ترليون جنيه بمشروعات مترو الانفاق، و4 مليار جم بقطاع النقل النهري، و15 مليار جم بقطاع الموانئ البرية والجافة والمناطق اللوجيستية، ساهمت تلك الشبكة القومية في تيسير تنقل الأفراد، وساعدت على إنجاح الجهود التنموية التي بُذلت خلال التسعة سنوات الماضية بمختلف أنحاء المعمورة؛ وكانت سببا في نجاح الدولة المصرية لجذب استثمارات بحوالي 150 مليار دولار امريكي بمنطقة راس الحكمة التي لم يكن لها ان تحدث دون الاستثمار في البنية التحتية الذي نفذته الدولة المصرية على مدار السنوات العشر الماضية.

من جانب اخر فقد نفذت الدولة المصرية عدد من المشروعات التنموية العملاقة في قطاع التعليم والتعليم الفني  حيث تم انشاء وتطوير عدد من المدارس بتكلفة 39 مليار جم، بحوالي 117 الف فصل دراسي، ومحو امية 5 مليون مواطن، وتطوير نظام التعليم الثانوي وتسليم 3.3 مليون تابلت بتقنية شبكة الجيل الرابع، وتجهيز 9300 معمل وتوفير 37 الف شاشة ذكية، و 28 الف فصل متطور في عدد 2500 مدرسة، وتحسين مستوي التغذية المدرسية وتحقيق الاستفادة لحوالي 5.72 مليون تلميذ، وتنفيذ عدد من المشروعات التعليمية ضمن مبادرة حياة كريمة لتوفير تعليم لحوالي 4.7 مليون تلميذ، وتم تشغيل 51 مدرسة بنظام التعليم الياباني، واطلاق المبادرة الرئاسية لتعيين حوالي 150 الف معلم خلال خمس سنوات بواقع 30 الف معلم سنويا للارتقاء بنسبة المعلمين إلى الطلاب، وارتفعت مخصصات دعم التعليم بنسبة 140% خلال فترة 10 سنوات ليصل إلى 222 مليار جم  في موازنه 2023/2024 مقابل 92.3 مليار جم في موازنه 2014/2015 .

قطاع الصحة ايضا كان من بين القطاعات التي شهدت استثمارات كبيرة حيث ارتفع الانفاق على الرعاية الصحية بنسبة 315.9% ليصل إلى 128 مليار جم في موازنه العام المالى 2022/2023 مقابل 30.8 مليار جم في العام 2013/2014، وتم انفاق حوالي 92 مليار جم لتنفيذ 1139 مشروع وتطوير ورفع كفاءة المستشفيات، وقد ارتفعت اعداد وحدات ومراكز الرعاية الاولية بالريف والحضر بنسبة 83.7% لتصل إلى 9162 وحدة في عام 2021 مقابل 4988 وحدة في عام 2014، وزيادة عدد الصيدليات العامة بحوالي 22% لتصل إلى 80 الف صيدلية في عام 2021 مقابل 65 الف صيدلية في عام 2014، ولان العنصر البشري هو اساس اي استثمار في البنية التحتية فقد قامت الدولة بتوفير 3800 برنامج تدريبي لرفع كفاءة 14 الف من العاملين بالهيئة العامة للرعاية الصحية في المجالات الصحية والادارية المختلفة.

ولان التنمية والاستثمار يحتاج إلى طاقة فقد شهد قطاع البترول والثروة المعدنية طفرة حقيقية ملموسة من خلال الإصلاحات الملموسة التي نفذتها الدولة المصرية حيث تم تلبية كافة احتياجات السوق المحلي والتي بلغت 700 مليون طن من المنتجات البترولية ومشتقاتها وتم الانتهاء من ازمات الاختناقات التي كانت تحدث بالمواد البترولية، وتم توصيل 8 مليون وحدة سكنية، والتي تمثل حوالي 56% من اجمالي عدد الوحدات التي تم توصيل الغاز الطبيعي لها منذ بدء نشاط توصيل الغاز في مصر عام 1981، والبالغة حوالى 14.1 مليون وحدة سكنية ، مما وفر هذه الخدمة الحضارية لنحو 62 مليون مواطن ويقدر عدد أسطوانات البوتاجاز التي تم إحلال الغاز الطبيعي محلها بنحو 143 مليون أسطوانة .

الانفاق الاجتماعي هو الاخر شغل جانب كبير من اهتمام الدولة المصرية، حيث اطلقت الدولة المصرية مبادرة “حياة كريمة” وقد وصل اجمالي عدد المستفيدين من الخدمات الاجتماعية والصحية والاقتصادية في المرحلة الأولى من برنامج “حياة كريمة” لتنمية الريف المصري 186,525 أسرة بما يشمل مليون مواطن تقريبًا، وشملت الخدمات المقدمة إلى الأسر 8,4 ألف وصلة مياه شرب، و7,200 وصلة صرف صحي، و11,519 تركيب سقف، و10,357 منزل تم رفع كفاءته، وبلغ عدد المستفيدين من المشروعات متناهية الصغر 623,533 مستفيد بإجمالي رأس مال 3,1 مليار جنيه مصري، علما أن جميع قروض المشروعات ميسرة وذات فائدة منخفضة تتراوح بين 5% إلى 9% لعمل مشروعات متناهية الصغر للنساء، وقد ساهم صندوق تحيا مصر في توجيه الدعم الاجتماعي، حيث قدم الصندوق دعم بحوالي  114 مليون جنيه للبرنامج القومي لحماية أطفال بلا مأوى، بجانب تطوير ورفع كفاءة أكبر 6 دور رعاية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي ، واطلق صندوق تحيا مصر مبادرة دكان الفرحة، حيث تم توزيع نحو 1.4 مليون قطعة ملابس على نحو 500 ألف مستفيد، كما استفاد 3.2 ألف فتاة من المبادرة في توفير تجهيزات الزواج، واطلاق مبادرة سجون بلا غارمين، حيث قام الصندوق بسداد ديون 6.4 ألف غارم وغارمة، بقيمة 42 مليون جنيه وتم الإفراج عنهم، فضلاً عن مساهمة الصندوق في تأسيس أول صندوق استثماري خيري لرعاية ذوي القدرات الخاصة تحت اسم “عطاء”، بقيمة  180 مليون جنيه، وتوفير سكن كريم من خلال دعم مشروعات بشائر الخير ( 2 – 3- 4 – 5 – 6 – 7- 8 ) بأكثر من 4.7 مليار جنيه، كما ساهم الصندوق بمليار جنيه في إنشاء مدينة تحيا مصر بحي الأسمرات استفاد منها نحو 80 ألف مواطن، وساهم الصندوق بمبلغ 167 مليون جنيه في تنفيذ مشروعات بالمدارس والمستشفيات وقطاعي الكهرباء والمياه بسيناء، كما تم الانتهاء من إعمار ورفع كفاءة 12 ألف منزل متهدم في 332 قرية.

يجدر الاشارة إلى أن ذلك الانفاق الكبير على إعادة تأهيل البنية التحتية، حدث في ظروف استثنائية تمر بها الموازنه العامة للدولة المصرية بعجز كلي بلغ في متوسطة 8.6% من الناتج المحلي الاجمالي، بل واستطاعت الدولة المصرية خفض العجز الكلي من 12.5% في عام 2014/2015 ليصل إلى 7.5% في عام 2023/2024، وانخفض فيه الدين العام إلى الناتج المحلي الاجمالي إلى 91% مقابل 103% في العام 2015/2016، وقد دفع ذلك الدولة المصرية الي اتباع وسائل تمويل غير تقليدية خارج الموازنه العامة للدولة، تتمثل في صندوق استثمار لجمع التبرعات شارك فيها كل مصري واكتسب فيها كل متبرع وطنيته، وجنبت الموازنه العامة للدولة اية اعباء اضافية ناجمه عن زيادة المصروفات، وحيث انه وفقا للتصريحات الرسمية فقد بلغت تلك الاستثمارات حوالي 10 ترليون جم، وقد تم التنفيذ بالكامل من جانب شركات مصرية وبأيدي مصرية وهو ما جنب الدولة اي زيادة محتملة في التكاليف، حيث تشير التقديرات أنه في حال تم الاستعانه بشركات اجنبية في تلك الاستثمارات فإن تلك التكلفة كانت مهددة بالارتفاع بحوالي 3 مرات لتصل الي 30 ترليون جم، ومن الجدير بالذكر ان  قيمة تلك التكاليف محسوبه بالدولار الامريكي على اساس سعر صرف 15.5 جم للدولار فإن قيمتها تبلغ 641 مليار دولار أمريكي، وفي حال تحويل تلك التكاليف بسعر الصرف السائد حاليا  البالغ 47 جم للدولار وقت اعداد التقرير فإن القيمة الاستبدالية لتلك المشروعات تبلغ 30 ترليون جم، وهو ما يعني ان قرارات الدولة للاستثمار في البنية التحتية خلال السنوات العشر السابقة، والتعجيل في عمليات التنفيذ ومواعيد التسليم جنب الدولة كلفة اضافية بحوالي 20 مليار دولار في حال تنفيذ تلك المشروعات بالتكلفة الاستبدالية الحالية البالغه 30 ترليون دولار.

خلال السنوات العشر السابقة، نجحت الدولة في تحقيق التوازن المطلوب في أولويات الإنفاق الحكومي في مصر، من خلال دعم البنية التحتية لجذب الاستثمارات وتحقيق التنمية الاقتصادية، وأولت الدولة المصرية اهتماماً كبيراً بالحماية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية لضمان حياة كريمة لجميع المواطنين، وجنبت الدولة المصرية تكلفة اضافية بحوالي 20 ترليون جم هي القيمة الاضافية المتكبدة في حال تنفيذ تلك المشروعات بالتكلفة الحالية.

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى