مصر

مصر تستقطب الاهتمام الأوروبي: تغييرات هيكلية تمهد لمستقبل أفضل

تأتي زيارة وفد رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي، ضم كلًا من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين ورئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دي كروو ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس ومستشار النمسا كارل نيهامر ورئيس قبرص نيكوس خريستودوليدس ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، إلى مصر في وقت يمر فيه الاقتصاد المصري بتغيرات جوهرية تتمثل في التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد إتمام المراجعتين الأولى والثانية، والإعلان عن توقيع صفقة رأس الحكمة باستثمارات أجنبية مباشرة بحوالي 35 مليار دولار أمريكي، وتكلفة قد تتجاوز 150 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، وانطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري مع اتخاذ المركزي لخطوات جادة وحاسمة لتغيير منظومة تسعير الجنيه المصري إلى التسعير العادل، ورفع أسعار الفائدة بحوالي 600 نقطة أساس لاستهداف التضخم، تلك التحولات المهمة بالاقتصاد المصري تمهد لبداية جديدة للاقتصاد المصري على المسار الصحيح وتعزز من فرص مصر لجذب استثمارات من الاتحاد الأوروبي بحزمة مالية تقترب من 8 مليارات دولار أمريكي.

يعتبر الاتحاد الأوروبي أحد أهم الشركاء التجاريين لمصر، بدأت العلاقات رسميا بين مصر والاتحاد الأوروبي في عام بدأت العلاقات الرسمية بين مصر والاتحاد الأوروبي بشكل رسمي في عام 1962 عندما أبرمت مصر اتفاقية تجارية مع الجماعة الاقتصادية الأوروبية، والتي كانت البداية الأولى للتعاون بين البلدين فيما بعد، ففي عام 1995 وقعت مصر الشراكة الأورو متوسطية في برشلونة، إسبانيا، في عام 1995، حيث أرست هذه الشراكة الأساس لتعاون إقليمي جديد متعدد الأطراف بين الاتحاد الأوروبي و12 دولة أخرى من بلدان البحر الأبيض المتوسط والاتحاد الأوروبي، وخلال القمة الأفريقية الأوروبية في عام 2000 في القاهرة وافق الطرفان على إنشاء منطقة تجارة حرة في إطار تلك الشراكة، وقد كانت مصر من أوائل الدول التي وقعت على هذه الشراكة في عام 2001، حيث استهدفت تلك الشراكة إنشاء منطقة تجارة حرة خلال 12 عاما من خلال التخفيض التدريجي للتعريفات الجمركية والحصص على معظم السلع، وتهدف الاتفاقية إلى دمج الاقتصاد المصري في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي وزيادة التعاون الاقتصادي. ويشمل الوصول التفضيلي إلى السوق الأوروبية للسلع المصرية ويغطي التعاون في مختلف المجالات، مثل المجالات المتعلقة بالتجارة بما في ذلك المعايير الفنية، وحماية الملكية الفكرية، وإصلاح قواعد المنافسة. بالإضافة إلى ذلك، تخلق الاتفاقية شراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، على أساس القيم المشتركة المتمثلة في احترام المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، فضلا عن سيادة القانون. وكانت هناك أيضا سلسلة من البروتوكولات لزيادة تحرير التجارة في بعض المنتجات، وبالتوازي مع ذلك، تم تعزيز الحوار والمشاركة السياسية. على سبيل المثال، يجتمع الجانبان بانتظام كجزء من مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، وهي الهيئة التي أنشئت بموجب الاتفاقية وتتكون من ممثلين عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومجلس الاتحاد الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، ومصر. وهذا يوفر إطارا يمكنهم من خلاله مناقشة أربعة مجالات رئيسية للتعاون: الشؤون السياسية، والمسائل التجارية والاقتصادية، والتعاون القانوني والقطاعي، وتنفيذ اتفاقية الشراكة. والهدف من ذلك هو تطوير علاقات أوثق والعمل على المواءمة التدريجية لسياسات وتشريعات مصر مع تلك الخاصة بالاتحاد الأوروبي.

الآن ، ووفقا لبيانات العام 2023، تعتبر أوروبا الشريك التجاري الأول لمصر ى بإجمالي تجارة بحوالي 37 مليار يورو، بينما تأتي الصين في المرتبة الثانية بإجمالي تبادل تجاري بحوالي 15.5 مليار دولار، ثم الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الثالثة بإجمالي تبادل تجاري بحوالي 8.5 مليارات دولار أمريكي (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2024)، تلك هي النتيجة الحتمية للعلاقات التجارية والدبلوماسية الاقتصادية بين مصر والاتحاد الأوروبي حيث يربط مصر بالاتحاد الأوروبي عدد من الاتفاقيات التجارية التي يتمثل أهما في اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، واتفاقية الجوار الأوروبي، واتفاقية التعاون التجاري والتنمية، حيث ساهمت تلك الاتفاقات التجارية في زيادة حجم التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي من 12 مليار يورو في عام 2004 لتصل إلى 37 مليار يورو في عام 2023 (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2024)، وارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة للاتحاد الأوروبي في مصر من 2.5 مليار دولار في عام 2004 إلى 8 مليارات دولار في عام 2023 (وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، 2024)، وساهمت الاتفاقيات التجارية في خلق ما يزيد عن 500 ألف فرصة عمل (وزارة التجارة والصناعة، 2024).

يستهدف الاتحاد الأوروبي من خلال تعاونه مع مصر تحقيق نجاحات مختلفة في عدد من الملفات منها تعزيز التجارة والاستثمار كما سبق الإشارة والتي يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي قد نجح بالفعل في إحراز خطوات ملموسة في هذا الملف، لكن هناك أهداف أخرى تستهدف تحقيق الرفاه الاجتماعي مثل تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل من خلال السماح للمنتجات المصرية بالاندماج التدريجي في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي وتحسين الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي للمنتجات الزراعية الناشئة في مصر، لكن اتفاقيات مصر مع الاتحاد الأوروبي لم تركز على البعد الاقتصادي فقط إذ إنها تستهدف مجالات تعاون أخرى مثلا وبناء شراكة سياسية وأمنية، وزيادة التعاون من خلال السياسات والتدابير المتعلقة بالعدالة والحرية والأمن والأهم من ذلك، أن اتفاقية الشراكة تحدد أيضا بعض الالتزامات التي يجب على الطرفين الالتزام بها فيما يتعلق بتطوير العلاقات التجارية، بناء على قوانين التجارة الدولية مثل قواعد منظمة التجارة العالمية.

الاستثمارات والتبادل التجاري

تبلغ إجمالي استثمارات الاتحاد الأوروبي بمصر حوالي 38.8 مليار يورو تمثل حوالي 39 % من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر (وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، 2024)، وتتنوع استثمارات الاتحاد الأوروبي بمصر لتشمل قطاعات مختلفة مثل الطاقة بإجمالي استثمارات بحوالي 4.2 مليارات يورو، وقطاع النقل باستثمارات بحوالي 3.6 مليارات يورو، وقطاع المياه والصرف الصحي بإجمالي استثمارات بحوالي 2.8 مليار يورو، والاستثمارات في مجال التنمية الاجتماعية بإجمالي استثمارات بحوالي 2.5 مليار يورو وأخيرا يأتي قطاع الزراعة بإجمالي استثمارات بحوالي 1.8 مليار يورو، وقد قدم الاتحاد الأوروبي أيضا مساعدات اقتصادية إنمائية لمصر خلال الفترة بين 2014 إلى 2020 بحوالي 5.2 مليارات يورو (البوابة الإلكترونية للاتحاد الأوروبي، 2024).

أما عن ملف التبادل التجاري فيعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لمصر، وتتمثل صادرات مصر إلى الاتحاد الأوروبي في خمسة قطاعات رئيسية وهي المنتجات البترولية والتي تشكل حوالي 50 % من الصادرات والتي تتمثل في النفط الخام بحوالي 35 % والمنتجات البترولية المكررة مثل الغاز المسال والذي يمثل 15 % من إجمالي الصادرات المصرية للاتحاد الأوروبي، والمنتجات الزراعية بحوالي 23 % من الصادرات والتي تنقسم إلى حاصلات بستانية بحوالي 10 % والخضروات بحوالي 8 % والأرز بحوالي 5 %، والمنتجات الصناعية والتي تمثل حوالي 17 % من الصادرات وتنقسم إلى منتجات كيماوية مثل الأسمدة والمنتجات البلاستيكية التي تشكل حوالي 8 % والمنتجات المعدنية والتي تشكل حوالي 5 % والمنتجات الغذائية المعلبة والتي تشكل حوالي 4 %، والمنتجات الغذائية والتي تمثل حوالي 5 % وتنقسم إلى منتجات غذائية طازجة مثل الخضار والفواكه والتي تشكل حوالي 3 % والمنتجات الغذائية المصنعة مثل اللحوم والألبان والتي تشكل حوالي 2 %، والمنتجات النسجية التي تشكل 3 % وتنقسم إلى 2 % ملابس جاهزة و 1 % غزل ونسيج.

ماذا تحمل تلك الزيارة؟

في ضوء ما يشهده الاقتصاد المصري من تحولات جذرية بدأت بإعلان الحكومة المصرية عن التوصل لصفقة مع القابضة ADQ لضخ استثمارات بحوالي 185 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، تسدد منها حوالي 35 مليار دولار في الوقت الحالي، وبعد أيام معدودات من الإعلان عن تلك الصفقة واستلام جزء من الأموال يعلن البنك المركزي المصري قرارة في 6 مارس 2024 بإتباع آلية تحرير سعر صرف الجنيه المصري والسماح لآليات السوق بتحديد سعر الجنيه المصري، وتبعه رفع سعر الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس بهدف استهداف التضخم، ثم خروج صندوق النقد الدولي للإعلان عن أنه تم توقيع الاتفاق بين مصر والصندوق ، مع إعلان المركزي عن تدبير احتياجات الاستيراد المصري بشكل عاجل والإفراج عن كافة السلع بالموانئ المصرية هذا فضلا عن إزالة بعض القيود التي سبق أن تم فرضها على التعاملات بالدولار الأمريكي.

تلك التحولات الجوهرية بالاقتصاد المصري تدفعنا للتكهن أن الزيارة الأوروبية لمصر قد تكون في ذات السياق الذي يستهدف الإعلان عن تقديم تمويلات إنمائية لمصر أو ضخ استثمارات أخرى بالدولة المصرية، خاصة في ضوء ما يشهده الاقتصاد المصري من تحولات كبيرة تمهد لمستقبل اقتصادي أفضل، ويمكن القول إنه ليس من الصعب التكهن بما تحمله الزيارة الأوروبية لمصر حيث إن ملفات التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي لعقود ظلت تركز على عمليات استهداف زيادة التبادل التجاري والاستثمار بين الطرفين وتسهيل الشراكات التجارية ودعم الإصلاحات الاقتصادية في مصر، لكن هناك ملفات أخرى من المحتمل أن تكون ضمن الاتفاق المصري الأوروبي والتي تتمثل في تسهيل عملية التبادل الثقافي وتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي وتشجيع السياحة، أما الملف الثالث فمن المحتمل أن يتعلق بأهداف التنمية المستدامة والتي تشمل دعم التحول إلى الطاقة الخضراء مما يساهم في النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية والتخفيف من آثار تغير المناخ، أما الملف الرابع سيتعلق بتعزيز الأمن والسلام بالمنطقة والتي ستشمل التعرض إلى القضية الفلسطينية والحرب الإسرائيلية على غزة، والملف الخامس سيتعلق بجهود التصدي للهجرة غير الشرعية وتعزيز الهجرة الآمنة والمنظمة، تلك هي الملفات الرئيسية الدائمة لزيارات الاتحاد الأوروبي لمصر، فمعظم المساعدات الاقتصادية تأتي مصحوبة بالاتفاقيات والتنسيق في الملفات الأخرى التي تستهدف تأمين الجهة الجنوبية للاتحاد الأوروبي.

المراجع:

  • وزارة الاستثمار والتعاون الدولي. (2024). البيانات الإحصائية للاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر.
  • الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. (2024). البيانات الإحصائية للتجارة الخارجية المصرية. https://www.capmas.gov.eg/Pages/Publications.aspx?page_id=5107&YearID=23614
  • البوابة الإلكترونية للاتحاد الأوروبي: https://ec.europa.eu/
+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى