المرصد الاقتصادي

الصادرات التركية تحت الضغوط العربية

تلقى الاقتصاد التركي العديد من الأزمات المتتابعة خلال العام الماضي بدايةً من انهيار قيمة الليرة التركية وتراجع مستوى الاحتياطي النقدي وارتفاع مخاطر عدم سداد الديون مع حدوث عدة تغييرات مفاجئة في السياسة النقدية فيما يتعلق بإقالة محافظ البنك المركزي ثلاث مرات خلال أقل من عام ونصف.  ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى استهداف الصادرات التركية من قبل العديد من الدول العربية كالسعودية والمغرب. 

وفي ضوء ما سبق، يستهدف المقال الآتي استعراض تأثير مقاطعات هذه الدول للمنتجات التركية على العلاقات الاقتصادية الثنائية بين الدول العربية وتركيا.

مقاطعة شعبية عميقة التأثير في السعودية

أطلقت السعودية حملة شعبية واسعة النطاق في الثالث من أكتوبر 2020 بدعوة من رئيس الغرف التجارية “عجلان العجلان” تهدف إلى مقاطعة تركيا بشكل كامل على مستويات التجارة والاستثمار والسياحة، وهو ما استجاب له الآلاف من السعوديين، حيث أعلن العديد من النشطاء السياسيين خططهم لمقاطعة استخدام المنتجات التركية. كما كشفت مجموعة واسعة من المؤسسات والشركات السعودية العاملة في القطاعات التجارية والصناعية المختلفة انضمامها إلى مقاطعة المنتجات التركية في أكبر استجابة من نوعها للحملة الشعبية.

وفي سياق متصل، دعت “الحملة الشعبية لمقاطعة تركيا” في السعودية، نهاية فبراير الماضي، إلى التخلي الكامل عن أي منتجات تركية، معتبرة أن الاستمرار في بيعها سيكون غير مقبول خاصة في ظل “توسع العداء التركي”.

وقالت الحملة في بيان نشرته على حسابها في موقع “تويتر”: “مضى على انطلاق الحملة الشعبية المباركة لمقاطعة المنتجات التركية نحو 4 أشهر، تجاوبت خلالها العديد من الشركات والمتاجر والأسواق، وأكد بعضها عبر بيانات رسمية أنها ستقوم بتصريف البضائع التركية المتوفرة بالمخازن والمستودعات لحين انتهاء الكمية”.

وقد نتج عن هذه المقاطعة أضرارًا بالغة على الاقتصاد التركي، تجلَّت في تصريحات وزير الخارجية التركي “مولود تشاويش أوغلو” مارس الماضي والتي عكست عمق الأزمة، حيث أشار إلى  هزيمة الحكومة التركية في التصدي لحملات المقاطعة قائلًا: “لا حيلة لنا، إن الأولوية في هذا الصدد هي الحوار والدبلوماسية.”

كما يُمكن توضيح تأثير تلك المقاطعة على حجم التبادل التجاري بين السعودية وتركيا خلال 2020 وأوائل 2021، والذي كان يصب لصالح تركيا، حيث تفوق حجم الواردات السعودية من تركيا على حجم صادراتها إليها، وهو ما يُمكن عرضه على النحو الآتي:

الشكل (1): حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية – شهريًا

المصدر: الهيئة العامة للإحصاء -المملكة العربية السعودية، التجارة الخارجية.

يتبين بمجرد النظر إلى الرسم السابق أن هناك تأثير واضحًا وملموسًا لحملات المقاطعة على الواردات السعودية من تركيا والتي هبطت بشدة من 311.2 مليون ريال في أكتوبر 2020 (مع بداية انطلاق الحملات الشعبية) إلى 14.1 مليون ريال بحلول يناير الماضي، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 95.4%. وعلى أساس سنوي، انخفضت الواردات السعودية من تركيا بنحو 97.7% من 622 مليون ريال خلال يناير 2020 وحتى 14.1 مليون ريال خلال نفس الشهر من 2021.

فيما حدث العكس بالنسبة للصادرات السعودية لتركيا والتي شهدت ارتفاعًا من 839.5 مليون ريال خلال أكتوبر 2020 وصولًا إلى 918 مليون ريال في يناير 2021.

والجدير بالذكر أن مرتبة تركيا في قائمة الدول المصدرة للسعودية قد تراجعت من المركز الـ16 في أكتوبر 2020 إلى المركز الـ58 خلال ديسمبر 2020 مسجلة المرتبة الـ76 بحلول يناير 2021، وهو ما يؤكد على اتجاه السعودية لتقليل الاعتماد على الواردات التركية تدريجيًا. وعن تأثير حملة المقاطعة الفصلي، فيُمكن توضيحه عن طريق الشكل الآتي: 

الشكل (2): حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية – فصليًا

المصدر: الهيئة العامة للإحصاء -المملكة العربية السعودية، التجارة الخارجية.

من الشكل يتجلى أن تأثير مقاطعة المنتجات التركية بدأ في الظهور خلال الربع الرابع (أكتوبر-نوفمبر- ديسمبر) من العام 2020، حيث تراجعت الواردات السعودية من تركيا من 2.56 مليار ريال سعودي خلال الربع الأول من 2020 إلى 0.54 مليار ريال فقط بحلول نهاية الربع الأخير، بنسبة انخفاض تصل إلى 78.9%. في حين ارتفعت الصادرات إلى 2.71 مليار ريال خلال الربع المنتهي في ديسمبر 2020 بما يمثل زيادة قدرها 14.8%. 

وقد صبت زيادة الصادرات وانخفاض الواردات في مصلحة المملكة بشكل مباشر؛ إذ تحول الميزان التجاري إلى فائضًا متزايدًا بدلًا من تسجيله عجزًا خلال الربعين الأول والثاني. ومع النظر إلى الشكل (2) نجد أن الفائض التجاري بين الطرفين قد ارتفع من 0.72 مليار ريال خلال الربع الثالث إلى 2.17 مليار ريال خلال الربع الرابع من 2020.

المغرب ترفع الرسوم الجمركية على الواردات التركية

قررت المغرب منتصف أكتوبر 2020 تعديل اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا -الموقعة بين الدولتين عام 2004 ودخلت حيز النفاذ بحلول 2006- حيث رفعت الحكومة المغربية الرسوم الجمركية بنحو 90% على 1200 سلعة تركية-أبرزها الملابس الجاهزة والمنسوجات- لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد.

ولطالما أعربت المغرب عن حجم الضرر الواقع عليها من قِبل اتفاقية التجارة مع تركيا؛ إذ صرح وزير الصناعة “مولاي حفيظ العلمي” أن الاتفاقية أضرت بقطاع النسيج المغربي بسبب إغراق السوق بالمنتجات التركية وتراجع متوسط أسعار واردات النسيج والملابس من تركيا، مقارنةً بالواردات القادمة من الدول الأخرى والمنتجات المحلية، بما يجعلها جاذبة للمستهلكين. وهكذا استفادت تركيا من الاتفاقية على نحو غير متكافئ.

ويُمكن الاستعانة بالرسم البياني الآتي لتوضيح ما إذا أثر هذا القرار على حجم التبادل التجاري بين الدولتين كما كان مرجوًا أم لا.

الشكل (4): التجارة الخارجية بين تركيا والمغرب – شهريًا

Source: Turkish Statistical Institute (turkstat), foreign trade data.

يتضح من الشكل السابق انخفاض الصادرات التركية للمغرب بشكل عام بنحو 2.03% على أساس سنوي فقط من 182.2 مليون دولار خلال يناير 2020 وحتى 178.5 مليون دولار بحلول يناير 2021. وذلك بالتوازي مع تراجع الواردات التركية من المغرب إلى 37.8 مليون دولار خلال يناير الماضي مقارنة مع 52.4 مليون دولار في يناير 2020.

وربما لم يظهر أثر القرار المغربي على حجم التبادل التجاري بشكل جليَّ بسبب استهداف القرار بالأساس لمنتجات الملابس الجاهزة والمنسوجات المستوردة من تركيا تحديدًا، ولكن أعلنت متاجر الملابس الجاهزة التركية فبراير الماضي إنها تواجه العديد من الصعوبات للعمل في المغرب وخاصة في ظل البحث عن موردين محليين للتعامل معهم، ومواجهة تأخيرات غير اعتيادية في تسليم صادرات منتجاتهم للبلاد. 

وخلاصة مما سبق، تعتبر تداعيات المقاطعة الشعبية لاستيراد واستخدام المنتجات التركية في السعودية هي الأعمق مقارنة بباقي الدول وذلك على الرغم من عدم صدور قرارًا رسمي من حكومة المملكة العربية السعودية بحظر استيراد المنتجات التركية، فيما كان التأثير الكلي ضعيفًا نسبيًا في المغرب بسبب استهداف منتجات قطاع بعينه، وعلى العكس، لم يكن هناك أي تأثير على العلاقات التجارية المصرية – التركية بدافع الفصل بين الخلافات السياسية والمصالح الاقتصادية.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

بسنت جمال

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى